أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - ويلٌ لأمّةٍ تأكل مما لا تزرع














المزيد.....

ويلٌ لأمّةٍ تأكل مما لا تزرع


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 14:54
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


رؤية استراتيجية شاملة للأزمة العربية
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
لا تزال كلمات جبران خليل جبران ترنّ في أذهاننا: "ويلٌ لأمةٍ تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع." كلماتٌ تختصر مأساة عربية ممتدة، لم ننجح رغم الثروات الهائلة في تجاوزها، فأصبحنا نعيش في مفارقة تاريخية: دول غنية بمواردها وفقيرة في إنتاجها، أمم تمتلك عناصر القوة لكنها تفتقد الإرادة والاستراتيجية.
أولًا: الأزمة في جوهرها… غياب الرؤية والاستقلال
الأمن الغذائي العربي، ورغم كونه عنصرًا أساسيًا للأمن القومي، ما زال هشًا. تعتمد الدول العربية على الخارج في معظم احتياجاتها الغذائية والصناعية، ما يجعل قرارها الاقتصادي رهينة تقلبات الأسواق الدولية. يكفي أن ترتفع أسعار القمح في أمريكا، أو تتعطل صادرات الأرز من آسيا، أو يشهد العالم أزمة سلاسل إمداد حتى تهتز أسواق العرب وتزداد الأعباء على المواطن.
هذه التبعية ليست قدرًا، بل نتيجة سوء تخطيط مزمن، وغياب رؤية استراتيجية، وتفكك عربي جعل كل دولة تعمل وكأنها جزيرة معزولة. ورغم امتلاك العالم العربي مساحات زراعية شاسعة وموارد مائية محورية وثروات مالية هائلة، إلا أن الناتج الزراعي والصناعي لا يغطي حتى الاحتياجات الأساسية لمعظم الشعوب.
ثانيًا: من الاستقلال الغذائي إلى التبعية الشاملة
قبل عقود، كانت البيوت العربية نواة للاكتفاء الذاتي:
نخيل، لوز، زيتون، خضروات موسمية، مواشٍ ودواجن، حليب طازج، خبز منزلي، وبيئة صحية أقرب إلى الثقافة الإنتاجية.
لكن في ظل سياسات الاستهلاك، وتفريغ الريف، وتهميش الزراعة، اختفت هذه المظاهر وأصبحت الشعوب العربية تنتظر ما يصلها عبر الموانئ والمطارات بدل التوجه نحو الأرض.
تراجع الإنتاج المحلي جعل الصحة العامة تتدهور، وزادت الأمراض المرتبطة بالأغذية المصنّعة والمستوردة. وفي المقابل، تقلصت فرص العمل في القطاعات المنتجة، ما أدى إلى توسع البطالة وارتفاع معدلات الفقر.
ثالثًا: الأبعاد السياسية للتبعية الاقتصادية
التاريخ الحديث أثبت أن الأمن الاقتصادي شرط للقرار السياسي السيادي. وكلما ازداد اعتماد العرب على الخارج في غذائهم ودوائهم وطاقة إنتاجهم، كلما أصبحت خياراتهم السياسية ضيقة وخاضعة للإملاءات.
ومع موجة التطبيع الأخيرة، تحوّلت بعض الأسواق العربية إلى حدائق خلفية للمنتجات الإسرائيلية، ما خلق علاقة تبعية اقتصادية خطيرة. الاحتلال الذي يحاصر الفلسطينيين ويمارس التمييز والاستيطان أصبح اليوم يصدّر منتجاته إلى أسواق عربية، في مفارقة صارخة بين الخطاب الرسمي وواقع التجارة.
هذا التطبيع الاقتصادي لا يقتصر على السلع، بل يشمل التقنيات الزراعية والمياه والطاقة، ما يجعل التأثير الإسرائيلي أعمق وأكثر قدرة على الضغط على القرار العربي.
رابعًا: العوامل الاقتصادية الداخلية التي كرّست التراجع
لا يمكن فهم الأزمة دون النظر إلى البنية الاقتصادية الداخلية للدول العربية:
1. الفساد المالي والإداري الذي يستنزف الموازنات العامة ويعرقل التنمية.
2. ضعف التشريعات الاقتصادية التي لا تحمي المنتج المحلي ولا تجذب الاستثمار.
3. منظومات تعليمية غير متوافقة مع احتياجات السوق، ما أدى إلى تفاقم البطالة بين الشباب.
4. اعتماد مفرط على قطاع الخدمات مقابل تراجع الزراعة والصناعة.
5. انعدام التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، إذ تكرر كل دولة نفس المشاريع بدل توزيع الأدوار لبناء اقتصاد عربي موحد.
هذه العوامل مجتمعة عززت حالة الضعف، وأدت إلى أزمات اجتماعية خطيرة، أبرزها: ارتفاع نسب الفقر، هجرة الكفاءات، تفكك الطبقة الوسطى، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
خامسًا: الأمن الاجتماعي في ظل الاقتصاد الهش
اقتصاد غير منتج يعني مجتمع غير مستقر. وقد رأينا خلال السنوات الماضية أن الانفجارات الاجتماعية في عدة دول عربية لم تكن سوى نتيجة طبيعية لانسداد الأفق الاقتصادي.
حين يفقد المواطن فرص العمل، ويغيب الأمان الغذائي، ويستشري الفساد، تصبح الثورات مسألة وقت وليست خيارًا سياسيًا.
إن الاستقرار السياسي والاجتماعي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنتاج المحلي، وبقدرة الدولة على توفير حياة كريمة لمواطنيها بعيدًا عن الارتهان للمساعدات والقروض المشروطة.
سادسًا: نحو مشروع قومي نهضوي يعيد للعرب وزنهم
لم تعد الحاجة إلى رؤية عربية مشتركة ترفًا فكريًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية الوجود ذاته.
ويمكن تلخيص ملامح هذه الرؤية في النقاط الآتية:
1. إطلاق مشروع عربي للأمن الغذائي يستند إلى استثمار الأراضي الزراعية في السودان والعراق وسوريا والمغرب وغيرها.
2. إحياء الصناعة العربية عبر نقل التكنولوجيا، وإنشاء صناديق مالية مشتركة.
3. بناء شبكة تكامل اقتصادي عربي تحوّل العالم العربي إلى سوق موحد بدل أسواق متفرقة.
4. مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية كمقدمة لا بد منها لأي نهضة.
5. تحصين القرار السياسي عبر الاستقلال الاقتصادي التدريجي عن الخارج.
6. استنهاض الوعي القومي الذي يشكل العمود الفقري لأي مشروع نهضوي.
7. دعم مشروع نادي القوميين العرب كإطار فكري وتنظيمي قادر على صياغة رؤية قومية تستجيب لتحديات العصر، وتعيد للأمة دورها ومكانتها.
خاتمة: النهضة تبدأ من الوعي
الأمة التي لا تزرع لا تستطيع أن تحصد مستقبلًا.
والأمة التي لا تصنع لا يمكن أن تحمي سيادتها.
لقد آن الأوان للخروج من دائرة الاستهلاك إلى فضاء الإنتاج، ومن التبعية إلى الاستقلال، ومن التشتت إلى الوحدة.
إن مشروع النهضة العربية ليس حلمًا شاعرًا كما قد يظن البعض، بل خيار استراتيجي، وشرط للبقاء، ومسار لاستعادة الكرامة والعزة. وما لم نمتلك الجرأة على إعادة صياغة واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، سيبقى الويل يلاحقنا كما حذّر جبران منذ قرن.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات «حماس» بين المقاومة والسياسة: قراءة موضوعية في ضوء نق ...
- **نقابة الأطباء الإسرائيلية تتحدى بن غفير:
- قرار 2803: وصاية على غزة وتكريس الهيمنة الإسرائيلية… أخطر من ...
- التحليل الاستراتيجي: الشبكات الرقمية المنسّقة وأثرها على الأ ...
- أزمة الحكم في فلسطين ومتطلبات الإصلاح
- الفكر الهجين وتحديات الهوية الوطنية
- تسليح الميليشيات الاستيطانية يرفع منسوب الخطر: اليمين المتطر ...
- الحرب الإعلامية النفسية… أخطر الأسلحة الإسرائيلية فتكاً
- قرار مجلس الأمن 2803: إسرائيل تحتفل بالنص وتراهن على الالتفا ...
- مخالفة دستورية تمس جوهر القانون الأساسي الفلسطيني وإقحام غير ...
- اللقاء المرتقب بين ويتكوف وخليل الحية: دروس من التاريخ الفلس ...
- زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة: رسائل القوة وإ ...
- السلطة الفلسطينية وخطة ترامب – الأخطاء الاستراتيجية والالتزا ...
- جامعة النجاح رؤية استراتيجية لبناء بيئة تعليمية دامجة وعادلة
- تهجير الغزيين تحت غطاء -العمل الإنساني-: جمعية إسرائيلية تست ...
- طولكرم… حين يسبق العطاءُ الأضواء ويغيب عن منصات التكريم
- إسرائيل وتوظيف مذكرات جيفري إبستين: ورقة ضغط محتملة على الرئ ...
- تصدع الجمهوريين وفضائح إبستين… ضغط داخلي على ترامب وربما نقط ...
- طولكرم بين الانفلات الأمني والاستهداف الإسرائيلي: قراءة تحلي ...
- مصر والأمن القومي العربي: مواجهة التوسع الإسرائيلي وإعادة هن ...


المزيد.....




- -أنا مدمر-.. أحد ضحايا حريق هونغ كونغ يروي مأساته بما حدث
- استطلاع: معظم الألمان لا يتوقعون صمود حكومة بلدهم إلى غاية 2 ...
- وفد برلماني في إمرالي: خطوة غير مسبوقة تُعيد فتح مسار السلام ...
- حكم بالسجن 14 عاما على رئيس البيرو السابق مارتن فيزكارا في ق ...
- الجيش الإسرائيلي يسلم جثث 15 فلسطينيا كان يحتجزها والغزيون ي ...
- في أول جولة له بالشرق الأوسط... البابا ليون الرابع عشر في تر ...
- بارو يستقبل عراقجي: هل تنجح باريس بإعادة إحياء مفاوضات النوو ...
- أميركا تعلق طلبات الهجرة للأفغان بعد هجوم واشنطن
- آي بيبر: شريط أوكراني من 30 ميلا قد يحدد مستقبل أوروبا
- التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط ??تحت التهديد


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - ويلٌ لأمّةٍ تأكل مما لا تزرع