أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرتضى العبيدي - “الدولة الاجتماعية” في تونس بين الشعار والإنجاز















المزيد.....

“الدولة الاجتماعية” في تونس بين الشعار والإنجاز


مرتضى العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من بين المصطلحات التي تكرّر ذكرها والتغني بها خلال مداولات غرفتي الوظيفة التشريعية حول ميزانية الدولة لسنة 2026 مصطلح “الدولة الاجتماعية”. فما المقصود به؟ وهل يمكن إطلاقه دون الخوف من الخطأ على أنظمة حكم بعينها قائمة اليوم أو قامت عبر التاريخ القريب والبعيد؟ هذا ما حاول الأستاذ حسين الرحيلي التطرق له في آخر إصداراته الموسوم بـ “الدولة الاجتماعية وهل يمكن تحقيقها ي تونس؟” والذي شرّفني بكتابة تقديم له، أورده فيما يلي كما نُشر بين دفّتي الكتاب.
تقديم الكتاب
لن نكرّر في هذا التقديم بعض ما جاء في متن الكتاب من تحاليل وأرقام ومعطيات، بل سنحاول الإشارة الى الإضافات المنهجية التي وسمت هذا المؤلف والتي أبرزت حرص مؤلفه على التدقيق والتكثيف والإيجاز والتجديد. إذ أن الموضوع الذي هو بصدده قد أسال حبرا كثيرا عبر الزمن. لذا كان على الكاتب تجنب التكرار دون الإخلال بوظيفة الإخبار عن الموضوع، خاصة وهو يعي تمام الوعي طبيعة جمهور القرّاء المستهدف. لذا سنقتصر على الإشارة الى ما رأيناه مفيدا في هذا الكتاب.

في تدقيق المفاهيم
يتصدّى الأستاذ حسين الرحيلي في هذا الكتاب الى إحدى كبريات المسائل التي شغلت وتشغل الناس، حكّاما ومحكومين، منذ بروز الدولة الحديثة، ألا وهي مسألة "الدولة الاجتماعية". هذا المصطلح الذي أضرّت به كثرة استعماله الى درجة الاستهلاك، وهو ما أجبر الكتاب على تخصيص حيّز من مؤلفه لتدقيق المفهوم. إذ نجد أنفسنا اليوم أمام كمّ من المصطلحات التي تستعمل في غالب الأحيان، وفي مجالات مختلفة، كمترادفات بينما البون شاسع بينها، مما يُربك المتلقي بمثل هذا الخلط. فالدولة الاجتماعية تصبح عند هذا الكاتب أو ذاك "الدولة الحامية" أو "الدولة الراعية" أو "دولة الرفاه" بمختلف أنماطها وفروعها...
في تبسيط المفاهيم
وكعادة المؤلف فيما سبق من كتبه، وباعتبار طبيعة القرّاء الذين يستهدفهم، والذين هم في الغالب من نشطاء الفضاء الجمعوي ومنظمات المجتمع المدني الباحثين على حلول للمشاكل التي تطوّعوا لمعالجتها، فقد حرص على توخي أسلوب التبسيط والتركيز على تقديم المعلومة المفيدة، الصالحة للاستعمال المباشر، مما حوّل كثير المفاهيم المعقّدة أصلا وعلى رأسها مفهوم "الدولة الاجتماعية" الى مفهوم قابل للاستيعاب وقابل للفرز من ضمن جمهرة المفاهيم القريبة منه. وقد اعتمد لهذا الغرض على طريقة المثال الشاهد والمقارنة. فجاء الكتاب ثريا باستعراض المقاربات التي طمحت لتحقيق الدولة الاجتماعية بدءا من ألمانيا بيسمارك في النصف الثاني من القن التاسع عشر، وصولا الى دولة الرفاه في بلدان شمال أوروبا منذ أواخر القرن العشرين. كما حرص على تأصيل مختلف هذه التجارب في محيطها وفي الظروف الموضوعية التي نشأت فيها.
مرتكزات الدولة الاجتماعية
وإذا اقترن مفهوم الدولة الاجتماعية في نسختها الألمانية الأولى بإحداث منظومة الحماية الاجتماعية، فإنه سرعان ما توسّع ليشمل ما سيُعرف لاحقا بالركائز الأربعة للدولة الاجتماعية وهي: الحماية الاجتماعية، تقنين العلاقات الشغلية (الحق في الشغل والمفاوضة الجماعية)، والخدمات العمومية والسياسات الاقتصادية المدعّمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل، حتى أن هذه العناصر أصبحت تُعتمد كمعايير لتحديد ما إذا كانت دولة ما اجتماعية أم لا. وبطبيعة الحال ستضاف إليها بحكم التطوّر التاريخي، ومن خلال مختلف التجارب، عناصر جديدة، وعلى رأسها الديمقراطية. إذ أثبت التجربة أن الدولة الاجتماعية لا يمكن أن تنشأ في مناخ الاستبداد.
هل الدولة الاجتماعية حالة نهائية؟
لكن الكاتب لم يقتصر على التعريف بالدولة الاجتماعية ومرتكزاتها، بل سعى الى طرح الأسئلة الحرجة المتعلقة بها ومن بينها هل أن الدولة الاجتماعية حالة نهائية أم هي قابلة للتراجع. ففي أغلب البلدان الأوروبية برزت الدولة الاجتماعية غداة الحرب العالمية الثانية خلال ما عُرف بالثلاثين سنة المجيدة، إلا أنها عاشت أوقاتا حرجة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي مع ظهور البطالة الهيكلية وأزمة الطاقة أو ما سُمي بحرب البترول.
وسُجلتْ تبعا لذلك تراجعات فعلية في الحقوق الاجتماعية في عدة دول كانت إلى عهد قريب تُعتبر رائدة في هذا الميدان. وتم شيئا فشيئا تخفيض الموارد والاعتمادات المالية وتفكيك تدريجي للمنظومات الصحية والتعليمية والاجتماعية بالأخص. ففي فرنسا مثلا يعيش نظام التقاعد في هذه المرحلة أوقاتا حرجة أدت إلى أزمة سياسية غير مسبوقة، وكذلك هو الشأن في عديد البلدان الأخرى. وهو ما يسمح لنا بالتأكيد أن الدولة الاجتماعية ليست حالة نهائية بل هي عرضة للتراجع في أي وقت وتحت أيّة ذريعة.
لذلك فإن التأسيس للدولة الاجتماعية لا يتطلب فقط العمل على سن تشريعات تستهدف الدعم المباشر للفئات المعوزة وتلك التي توجد في وضعية هشاشة فقط، بل دعم حماية الفئات الأخرى التي يحتمل وقوعها داخل دائرة الهشاشة الاجتماعية من خلال سن تشريعات حمائية كالتأمين ضد الحوادث والبطالة والعجز والشيخوخة والتقاعد... وهو ما يتطلب وجوبا مأسسة هذه التشريعات بل وتضمينها في الدساتير حتى لا تبقى خاضعة لهوى الحكّام. لذلك يرى بعض الدارسين أن الدولة الاجتماعية هي أسمى درجات العقد الاجتماعي؛ لكن لم يُتحْ لها أن ترى النور كاملة وباستمرارية. بل هي لا توجد فعليا إلا في خيال بعض المناضلين والحالمين بغد أفضل للإنسانية.
الدولة الاجتماعية في تونس بين وهم الخطاب السياسي وعناد الواقع
ولمّا أصبح خطاب الدولة الاجتماعية في تونس يحتل حيّزا مهما من الخطاب الرسمي للدولة وخاصة لرئيسها، لم يكن بوسع الكاتب أن يقفز على هذا الأمر، فأمعن النظر فيه معتمدا على ما خلُص إليه من معايير علمية لتبيان مدى مطابقة هذا الخطاب مع الواقع الفعلي المُعاش. لكن الأهمّ من النتائج التي توصّل إليها في النهاية هو التحليل الذي بنى عليه الاستنتاجات والذي جاء في شكل كتابين متوازيين متكاملين، الأول يمكن أن نطلق عليه اسم "كتاب الاقتصاد السياسي لدولة الاستقلال في تونس" وهو عبارة عن عرض مكثف لمختلف السياسات الاقتصادية التي اعتُمدت منذ الإمضاء على بروتوكول "الاستقلال" الى يوم الناس هذا، والثاني هو عبارة عن "قراءة في تاريخ تونس المعاصر" منذ مؤتمر الحزب الحر الدستوري المنعقد في نوفمبر 1955 بصفاقس الى حقبة العلوّ الشاهق التي نعيشها اليوم، وهما لعمري وثيقتان على غاية من الأهمية خاصة لجيل لم يعش تلك الفترة بتفاصيلها، وهو في أشدّ الحاجة الى معرفتها بكل دقائقها لوصل الماضي القريب بالحاضر استعدادا لاقتحام المستقبل مزوّدا بنظرة علمية، تقيه من سرديات التاريخ الشفوي والأحكام المسبقة أو التقريبية.
وسيكتشف القارئ في هذا المتن أن الدولة الاجتماعية لم تكن من إبداعات النظام الحالي بل كانت مرافقة لمختلف مراحل بناء الدولة حتى فيما يبدو ظاهريا من تناقض بين مرحلة وأخرى، بين مرحلة التعاضد "الاشتراكية الدستورية" مثلا ومرحلة "الليبرالية الاقتصادية" لعشرية السبعينات، أو مرحلة الإصلاح الهيكلي في الثمانينات. جميعها بررت سياساتها بالسعي لإقامة الدولة الاجتماعية، الى أن وصلنا لما نحن فيه اليوم، ولعلّ النقطة الجامعة بين مختلف التجارب والمراحل هي البون الشاسع بين الخطاب السياسي والواقع الاجتماعي، الأمر الذي يتكرّر اليوم لكن بشكل غير مسبوق.
كتاب في نهاية الأمر، بعيد عن الخطابات "العالمة"، بعيد عن الوثيقة النظرية، قريب من الأذهان المتحفّزة لفعل شيء ما، يوفر لها أداة عمل على شاكلة درس تطبيقي لمواجهة مختلف مجالات الحياة التي تؤرق الشباب الواعي، والمناضلين الاجتماعيين منهم بالخصوص.



#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرهاب أمريكا يعود إلى الوطن/ إيفان. ر
- ارفعوا أيديكم عن فنزويلا!
- إن حرب الإمبرياليين و-سلامهم- تُشنّ دائمًا ضد البروليتاريا و ...
- قمّة بودابست المُعلنة تفشل قبل انعقادها
- بيان من حزب العمل الأمريكي بشأن العدوان الأمريكي على فنزويلا
- حاربوا الإمبريالية واعزلوا إسرائيل / ج. روميرو
- الحركة الماركسية اللينينيّة تفنّد السردية الصهيونية وتقف الى ...
- -المغرب الكبير-: القوّة التي تخشى الامبريالية والرجعية بروزه ...
- سياسة الحرب والعسكرة في إيطاليا (ترجمة)
- الإمبريالية الأوروبية وخدمها / بقلم ج. روميرو
- خمسون عامًا عن انتصار الشعب الفيتنامي على الإمبريالية الأمري ...
- لا للاحتلال العسكري لغزة! من أجل التضامن الفعال مع الشعب الف ...
- الاتفاقياتٌ والنزاعاتٌ بين قُطّاع الطرق الإمبرياليين تُلحق ا ...
- تصاعد النضالات الشعبية في كل أنحاء العالم
- البيان الختامي للدورة 29 للسيمينار الدولي حول -مشاكل الثورة ...
- فلترفع الامبريالية الأمريكية يدها على فنزويلا وشعبها
- هل تستفيد تونس من موقعها الجيو استراتيجي؟ (ملاحظات حول زيارة ...
- ماذا وراء نوايا الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطينية؟
- في مناخات العودة
- كسب الجماهير للنضال الثوري (ترجمة)


المزيد.....




- نتنياهو يشترط للانتقال إلى المرحلة الثانية ويتحدث عن القوة ا ...
- فيديو – فلسطينيون يشيّعون قتلى الغارات الإسرائيلية في غزة
- كييف تتسلم من واشنطن مشروع خطة لإنهاء الحرب.. وزيلينسكي يستع ...
- عقوبات أوروبية على المسؤول الثاني في قوات الدعم السريع بالسو ...
- فرنسا: تهديد عصابات المخدرات يوازي الإرهاب
- ماكرون - تبون: هل يتم اللقاء في قمة العشرين؟
- أوكرانيا: روسيا تؤكد سيطرتها على كوبيانسك وزيلينسكي يتسلم خط ...
- في سابقة من نوعها: روسيا تسلم الجزائر أول مقاتلتيْن شبح من ط ...
- هل يملك زيلينسكي جواز سفر روسيا؟
- فرنسا - الجزائر: وفد دبلوماسي فرنسي يصل إلى الجزائر في زيارة ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرتضى العبيدي - “الدولة الاجتماعية” في تونس بين الشعار والإنجاز