أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - قراءتان لنص مشاهد















المزيد.....

قراءتان لنص مشاهد


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


د. عادل جوده /العراق/ كركوك

قراءة في "أحزانٌ مرئية... ولوعةُ الغياب"
تأخذنا هذه اللوحة الشعرية العميقة، للشاعر كاظم حسن سعيد، في رحلة قصيرة ولكنها قاسية إلى أعماق الخيبات الإنسانية المفاجئة. القصيدة ليست مجرد حكايات، بل هي ومضات مكثفة من الألم، حيث ينهار الأمن واليقين في لحظة واحدة، تاركًا وراءه أسئلة مُعلّقة عن فداحة الخسارة وعمق الندم.

🎭 المشهد الأول: خيبة الثقة وندم اللحظة

يبدأ المشهد برجل متقاعد، كهل، متأنق ومُعطَّر، يحمل في مظهره بقايا اهتمام بالحياة. هو في الباص، يجد متنفسًا لسرد ماضيه الرومانسي الطويل، يفتح قلبه لـ"لصيقه الغريب"، يستمتع باسترجاع ذكرى "عشر سنوات حب بالنظرات". هذا السرد ليس مجرد كلام، بل هو لحظة ثقة بريئة مهدورة، وربما كان حنينًا هشًا حاول به الكهل أن يستعيد شبابه.
لكن الحياة لا تمنح مهلة؛ فعندما ترجَّل الكهل من الباص، كان صديقه المُصغِي قد سرق معاشه. معاشه الذي يمثل سنوات عمره وجهده، وضمان أمانه. هنا، تتوقف القصيدة لتضعنا في مواجهة مباشرة مع حجم الكارثة: "هل تتخيل نظراته؟! أو عمق ندمه؟!!"
ليست النظرات مجرد دهشة، بل هي انكسارٌ لروح وخذلانٌ لثقة. هو ندم مزدوج: ندم على فقدان المال، وندم أشد على البوح والاطمئنان لغريب. لقد سرق اللص منه المال، وسرق معه ما تبقى من هدوء قلبه. لقد كان الثمن هو آخر قطعة من اليقين.

🏺 المشهد الثاني: هشاشة الأحلام الجميلة

في ومضة حزينة أخرى، ننتقل إلى "العروس الصغيرة". لم يمر على زواجها سوى شهرين، وهي الآن تشتري رمزًا صغيرًا لحلمها الجديد: "مزهرية حلمت بها". المزهرية هنا ليست إناءً للورد، بل هي تجسيدٌ لأمنية بسيطة، لجمال يُراد إدخاله للبيت الجديد.
لكن المزهرية، كأي حلم جميل في هذه الحياة القاسية، هشَّة. حين دخلت المنزل، "تهشمت على البلاط." لا مجال للإصلاح، لا مجال للإنقاذ. والسؤال هنا لا يركز على المزهرية المادية، بل على حالة الروح: "هل تتخيل رماد وجهها؟!"
الرماد ليس غبارًا، بل هو تعبير عن انطفاء مفاجئ، لوعة خفية، شعور بالعبثية إزاء محاولات إدخال الجمال إلى واقع قاسٍ. تحطّم المزهرية يرمز إلى تحطّم براءة صغيرة في بداية الطريق، وإحساس مبكر بأنَّ الفرح قد لا يكتمل أبدًا.

🦅 المشهد الثالث: مأتم في أعالي الجبال

المشهد الأخير هو الأكثر درامية وتكثيفًا لوجع الطبيعة الأم. "البومة" على الجبل هي رمز الأمومة المدافعة، والأمان المكتسب بصعوبة. هي تحتضن طفلتها في الجو المُثلج، مطمئنة تمامًا؛ فالسقف حجر، والارتفاع أمان، والظلمة سِتر. هي تستعد لـ"الشروق"، لحظة الانطلاق بالصغير.
هنا، يتدخل القدر بأبشع صوره. فجأة، وبلا مقدمات، "ينقض صقر جائع" يخترق هذا الأمان الوهمي. هو افتراس "برقي"، سريع وفعّال، يخطف الصغير ويحلق به عاليًا.
والتساؤل هنا هو صرخة الوجود الأعمق: "هل تتمكن من سماع صرختها واتساع حدقاتها؟!" هذه الصرخة ليست صوتًا يُسمع فحسب، بل هي تجسيدٌ لجرح الفطرة، وفقدان لا يُعوَّض. البومة الأم تدرك أنَّ الأمان الذي بنته على الحجر والارتفاع كان سرابًا.
تُترك البومة "وحيدة تقيم مأتمًا للروح في أعالي الجبال". إنه مأتم لا يشهد عليه بشر، مأتم الانفراد بالوجع. القصيدة، عبر هذه المشاهد الثلاثة، تكشف لنا عن حقيقة أنَّ الخسارة الكبرى تأتي دائمًا على حين غرة، وأنَّ الألم الأشد هو ذلك الألم الذي يباغت الروح بعد لحظة اطمئنان قصيرة.
د.عادل جودة
...................
أيها القرّاء الأعزاء…
اقتربوا قليلًا، فنحن اليوم أمام نصّ لا يُقرأ كما تُقرأ الحكايات العابرة، بل كما تُقرأ الندوب القديمة حين يمرّ عليها الضوء. نصّ يفتح بوّابات من الأسى والدهشة، ويمنحنا ثلاثة مشاهد قصيرة كوميض البرق: يظهر ثم يترك الليل كلّه معلّقًا في أعيننا.
نحن لا نواجه سطورًا بل حالات إنسانية، ولا نقرأ كلمات بل رجّة داخلية.
ومن هنا، تتسع المقدّمة لتعلن أن النص الذي بين أيدينا كُتب ليُحلَّل لا ليُصنَّف، ليُشعر لا ليُسجَّل، وليلامس القارئ لا ليُمرَّ عليه مرورًا باردًا.
إننا أمام لوحاتٍ تتجاور فيها الهشاشة والصدمة، والعجز واللاعدل، والحلم والانكسار.
وأمام هذا كلّه، تمدّ المناهج النقدية الحديثة أدواتها كأنها مصابيح تُسلّط على ثلاثة مشاهد تمثّل الإنسان في لحظات سقوطه الأكثر ندرة وعمقًا.
سنسير في هذا الدرب التحليلي كرحلة لا كمحاضرة جامدة، وبخطاب يمتدّ إلى القارئ ويدخله إلى روح النص، بلغة فيها شيء من الشعر وشيء من الكشف.


حين تتكلم البُنى بلا صوت
المنهج البنيوي
لقد علّمنا سوسير وبارت وشتراوس أن النص ليس ما نقوله عنه، بل ما يقوله عن نفسه عبر بنائه الداخلي.
وهنا يتكرر المشهد نفسه في ثلاثة أشكال مختلفة:
طمأنينة قصيرة… ثم انهيار مفاجئ… ثم سؤال يصفع الوعي.
هذه ليست صدفة، بل معمار يقوم على إيقاع السقوط.
العجوز، العروس، البومة…
كلهم يقفون لحظة على حافة الضوء، قبل أن يغرقوا في ظلام مباغت.
البنية تقول: لا أمان كامل، ولا حلم يكتمل.
حين تهتزّ النفس من الداخل
المنهج النفسي
النص يدخلك مباشرة إلى غرف النفس المظلمة.
فرويد سيتوقف طويلًا عند العجوز الذي انهارت ثقته في لحظة.
والعروس تُصاب بجرحها الأول في عالم الأحلام الصغيرة التي تتكسر بسرعة.
أما البومة فهي صرخة الأمومة الأولى والأصدق.
السؤال: هل تتخيل؟
ليس طلبًا للفهم، بل دعوة للتورّط في الألم.
حين يتقدّم العبث كأنه قدر
المنهج الوجودي
الوجودية ترى أن الإنسان يُترك وحيدًا أمام قدر أصمّ.
وهذه المشاهد الثلاثة تتقاطع مع هذا المبدأ.
لماذا يتحطم الحلم فورًا؟
لماذا يُسرق ما تبقى للعجوز؟
لماذا يُختطف الصغير في أعالي الجبال؟
لأن الوجود لا يمنح ضمانات.
والنص هنا ينبهنا: الإنسان في مواجهة مصير لا يشرح نفسه.
حين تتحوّل الأشياء إلى إشارات
المنهج السيميائي
هذا النص لوحة مرسومة بعلامات تتجاوز وظيفتها الواقعية.
المزهرية: هشاشة الحلم
الباص: عبور الحياة
البومة: حكمة الأمومة
الصقر: قبضة القدر
الأسئلة: أبواب بين النص والقارئ
الأشياء هنا تتكلم بلغة ثانية، وتحوّل المشهد البسيط إلى معنى عميق.
حين يتكلم المجتمع من خلال الحكاية
المنهج الاجتماعي
من منظور ماركس وغولدمان، النص مرآة للواقع.
المتقاعد ضحية منظومة لا تحميه.
العروس ضحية توقعات اجتماعية مثقلة.
البومة رمز للضعيف الذي يفتك به الأقوى.
النص يكتب المجتمع من خلال جراح أفراده.
حين يزدهر الجمال في لحظة السقوط
التحليل الجمالي
الجمال هنا لا يأتي من الزخرفة، بل من الصدمة.
من الجملة القصيرة التي تشبه طعنة،
من الصورة التي تشتعل فجأة،
ومن الصمت الذي يعرف كيف يصرخ.
هذه شاعرية اللمحة وقوة الاختزال.
حين يصبح النص مرآة من رموز
التحليل الرمزي
النص يقوم على رمز كبير:
كل شخصية تمثل حالة إنسانية أوسع منها.
العجوز = انكسار الزمن
العروس = انكسار الحلم
البومة = انكسار الروح
الصقر = سلطة المصير
النص هنا أسطورة صغيرة عن الحياة ذاتها.
حين ينعكس الأدب في الأدب
التحليل المقارن
تشيخوف سيعجب بهذا الاختزال الفريد.
همنغواي سيقف عند النهايات القاطعة.
كافكا سيرى العبث الذي لا يرحم.
ريلـكه سيتأمل البومة في عزلتها.
النص، رغم قصره، يقف بين أعمال كبرى تعرف أن الوجع أعمق من السرد.
أيها القرّاء…
لقد وقفنا أمام نص صغير الحجم واسع الدلالة، نصّ يضع الإنسان في مواجهة هشاشته دون مواربة.
وتجوّلنا بين مناهج نقدية متعددة لأن النص يستحق تعدد القراءات، ويطالب بها.
هذه القصيدة النثرية، أو الومضة السردية، تعتمد على الاختزال، واللقطة المباغتة، والصورة التي تتحطم فجأة، والسؤال الذي يفتح الجرح.
إنها كتابة تقوم على الصدمة، وعلى الرمز، وعلى بلاغة الإيجاز، وعلى شاعرية الألم.
ومن خلال المناهج البنيوية، النفسية، الوجودية، السيميائية، الاجتماعية، الجمالية، الرمزية، والمقارنة، يتكشف النص كمرآة للإنسان نفسه:
إنسان يحلم… ثم يسقط.
يتأنق… ثم يُخذل.
يحمي… ثم يفقد.
ويرحل وفي قلبه سؤال لم يجرؤ العالم على الإجابة عنه.
بهذه القراءة نكون قد قدّمنا القصيدة بأدواتها، وفتحنا أمامها أبواب التأويل الممكنة.
الأستاذ محمد بسّام العمري



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنازة قصيدة
- هل تستطيع قصيدة
- ما وراء الجمال قصيدة
- هواية الجرافات قصيدة
- مقامة الشاهد في زمن الوجع
- مشاهد قبل عصر الكهوف قصيدة
- الاسطورة في العزلة قراءة في اكتشاف السعادة
- اكتشاف السعادة قصيدة
- بيت الاثرياء مادة لفلم سينمائي
- بيت الاثرياء قناع
- العقارب السوطية كتاب كامل
- قراءتان في نص بيت الاثرياء
- قراءة في نص لسعات متكررة
- بيت الاثرياء قصيدة
- تحليل سينمائي ل شبح مقهى
- ديوان العقارب السوطية كتاب كامل
- شبح مقهى قصيدة
- سرديات متعددة الطبقات
- نقد سينمائي لقصيدة مشهدان
- لسعات متكررة قصيدة


المزيد.....




- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - قراءتان لنص مشاهد