أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نهاد السكني - غزة بين الجوع والركام… والرحلة الغامضة من مطار رامون إلى نيروبي وجوهانسبرج














المزيد.....

غزة بين الجوع والركام… والرحلة الغامضة من مطار رامون إلى نيروبي وجوهانسبرج


نهاد السكني

الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 15:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن غزة ساحة حرب فقط.كانت مختبرًا مفتوحًا لأسوأ ما يمكن أن يفعله تحالف من أطراف عدة بمجتمع كامل:
قتلٌ، تجويع، عطش، طرد، خيام، وانعدام كرامة… ثم باب “خروج” يُدار بأيدٍ مشتركة.
هذه ليست حربًا بين مقاتلين، بل مؤامرة مدروسة تجمع بين قوة الاحتلال وأدوار اللاعبين المحليين الذين يبدون أعداءً لكنهم يخدمون السيناريو نفسه.
هذه هندسة تفكيك مجتمع، عملية تكسير ديمغرافي وإنساني تجري على مراحل مدروسة، بتنسيق يتجاوز الجبهة الواحدة.

أكثر من 69 ألف شهيد، حوالي 170 ألف جريح، وأكثر من 90% من السكان نازحون (حوالي 1.9 مليون من أصل 2.3 مليون) – ومعًا، هذه الأرقام تمثل كل فرد في غزة تقريبًا، حيث الشهداء والجرحى وحدهم يصلون إلى نحو 25% من السكان.

المرحلة الأولى: القتل العشوائي… تحطيم المجتمع من القلب
قبل أن يبدأ التجويع، بدأ القتل.
استهداف مباشر للأطفال، النساء، كبار السن، والنازحين في طوابير الخبز وصفوف الماء:
أطفال قُتلوا وهم يركضون خلف سيارة مساعدات.
عائلات قُصفت داخل المنازل فوق موائد العشاء.
نساء استشهدن وهنّ يبحثن عن ماء.
شيوخ قضوا تحت الركام في مخيمات أُعلن أنها "مناطق آمنة".
جثث صغار حُملت في أكياس بلاستيكية لأن المستشفيات لم تعد قادرة على حفظهم.
كان واضحًا أن الهدف ليس “إضعاف خصم”…
بل كسر العمود الإنساني للمجتمع: المرأة التي تطعم، الشيخ الذي يحكي، الطفل الذي يُفترض أن يعيش.
في اللحظة التي يصبح فيها القتل عشوائيًا،
يصبح كل شعور بالأمان — حتى داخل البيت — مجرد وهم.

أكثر من 80% من الضحايا مدنيون، بينهم أكثر من 20,000 طفل.

المرحلة التالية: التجويع… حين يتحوّل الخوف إلى جوع
في ظل هذا الموت العشوائي، جاءت أداة أخرى لا تقل فتكًا:
خنق إدخال المواد الغذائية.
منع الدقيق والوقود.
حصار الأحياء.
قصف الطرق التي تنقل المساعدات.
مشاهد الجوع في غزة صارت عنوانًا لـ"نهاية الكرامة البشرية":
عائلات تعيش على العدس فقط.
أطفال ينتظرون رغيفًا لا يصل.
أمهات يخلطن الماء المالح بالعدس ليبدو “وجبة”.
آباء يخبئون جوعهم لأجل أولادهم.
وحوار الناس اختصر حجم المأساة:
– “قدّيش العدس؟”
– “مئة شيكل.”
– “والبصل؟”
– “قشر البصل… بس القشر، الجرام بـ10 شيكل…؟”
– “والخبز؟”
– “ما في خبز… صرنا ناكل العدس مع الملح وبس.”

لم يكن الجوع نتيجة جانبية للحرب.
كان أداة منظمة لإجبار الناس على الانكسار، تُدار بأيدٍ تتظاهر بالخصومة لكنها تتفق على النتيجة.
انخفاض السعرات الحرارية اليومية إلى 9% من الحد الأدنى (أقل من 200 سعرة للفرد)، ومجاعة فعلية في شمال غزة ودير البلح.

المرحلة الثانية: هدم المربّعات… محو الجغرافيا لا المباني
لم تُهدم البيوت فرادى.
هُدمت مربّعات كاملة: شوارع، أحياء، كتل سكنية.
كأن الجميع — من يقصف ومن يُعلن الحرب ومن يُدير المقاومة — يتفق على إزالة الذاكرة والهوية والمكان.
الإنسان يمكنه أن يبني غرفة جديدة،
لكن لا يستطيع أن يعيد بيته كما كان: أصواته، ذكرياته، صوره، دفء أمه.

تدمير أكثر من 70% من المباني السكنية، و80% من المدارس والمستشفيات.

المرحلة الثالثة: الخيام… سقوط الكرامة
الخيمة ليست منزلًا.
هي إعلان بأنك أصبحت "مؤقتًا" في أرضك.
في الخيام بدأ فصل آخر من المأساة:
شحّ المياه
مياه قليلة، غير صالحة للشرب غالبًا، لا تكفي للغسل ولا لقضاء الحاجة.
طوابير طويلة، مئات ينتظرون خلف صهريج واحد.
انعدام الخصوصية للنساء والفتيات
النساء فقدن حقًا أساسيًا: أن يقضين حاجتهن بكرامة.
فتيات صغيرات يبحثن عن زاوية مظلمة بعد منتصف الليل.
نساء ينتظرن ساعات حتى يقلّ عدد الناس.
هذا ليس فقرًا…
هذا إسقاط متعمّد لكرامة الإنسان، يخدم أجندة مشتركة تتجاوز الشعارات.

أكثر من 80% من الأطفال يعانون اضطرابات نفسية شديدة (اكتئاب، قلق، كوابيس)، ومعدل وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف ارتفع 300%.

المرحلة الرابعة: دفع الناس نحو الخروج… حين يصبح الرحيل هو البقاء
بعد:
القتل،
الجوع،
الهدم،
الخيام،
العطش،
وغياب الخصوصية…
بدأ الناس يشعرون بأن غزة لم تعد صالحة للحياة، رغم الحب والانتماء.

ثم ظهرت رحلات غامضة: رامون → نيروبي → جوهانسبرج.
رحلات تُقدَّم كخلاص، لكنها محمّلة بأسئلة:
هل خرجوا بإرادتهم أم تحت ضغط الجوع والخوف؟
لماذا احتُجزوا في الطائرة لمدة 13 ساعة في جوهانسبرج؟
لماذا بلا أختام واضحة؟
من يدير هذه الرحلات؟ من يموّلها؟ ومن يُعلن الحرب ثم يفتح الباب؟

الاحتلال لا يدفع الناس إلى الشاحنات هذه المرة…
هو يدفعهم عبر الجوع والهدم وفقدان الكرامة، بمساعدة أطراف شريكة بالجريمة تُكمل الدورة.
يقول لهم:
“اختاروا.”
لكن هذا ليس خيارًا.
هذا تهجير قسري عبر صناعة واقع لا يُطاق، بتواطؤ يتجاوز الحدود والرايات.

أكثر من 1,500 فلسطيني غادروا عبر رامون منذ أكتوبر 2024، وكينيا وجنوب أفريقيا محطتان لـ"ترانزيت" غامض.

غزة تُدفَع نحو التهجير… لكنّها لا تستسلم
غزة اليوم ليست مدينة تنهار…
غزة مدينة تُقاتل لتبقى.
رغم القتل.
رغم الجوع.
رغم الخيام.
رغم الهدم.
رغم الأبواب التي تُفتح للخروج.

الاحتلال يريد غزة بلا أهل، وبعض من يدّعون الدفاع عنها يساعدون — عن قصد أو غير قصد — في تفريغها.
لكن أهل غزة يحاربون بالوجود ذاته.

وغدًا — حين تُفتح الملفات — سيظهر للعالم أن:
الرحيل لم يكن قرارًا،
بل نتيجة مقصودة لسياسة القتل والتجويع والهدم وسحق الحياة، بمشاركة أطراف اعتقدنا أنها تحمي، لكنها كانت جزءًا من اللعبة.
رغم كل شيء، استمرت غزة في كتابة الشعر والرسم على جدران الخيام – دليل على أن الروح لم تُهزم.



#نهاد_السكني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمبراطورية اليابانية بين التاريخ والنهضة: ما الدروس الواقع ...
- الذين يعودون مع اكتمال القمر
- وزارة الصحة الفلسطينية: خطوات نحو رقمنة النظام الصحي وتعزيز ...
- سُرّة العالم التي لا تسقط، غزة… المدينة التي تُولد من رمادها
- الديكتاتورية الرقمية: حين يرى إيلون ماسك الحقيقة التي يريدها
- دور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية في تشغيل المتحف ال ...
- الديكتاتورية الرقمية: بين الخوارزميات والجماهير
- الديكتاتورية الرقمية: المزرعة السعيدة كانت تدريبًا للسيطرة ع ...
- الديكتاتورية الرقمية: كيف تم استخدام هندسة البيانات والتحول ...
- الإنسان القادم من المختبرات
- هل الموت خلل بيولوجي؟
- الجينوم البشري في قبضة الذكاء الاصطناعي: خصوصيتك مهددة من فن ...
- بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهل ...
- مستقبل مصر في الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء: من الأرض إلى ...


المزيد.....




- مصرف لبنان المركزي يفرض -إجراءات وقائية- على تداول العملات ا ...
- تقرير صحافي: إسرائيل تتحضّر لعمل عسكري ضد حزب الله في بيروت ...
- الحرِّيَّةُ لإبراهيم شريف
- جنود إسرائيليون يعترفون باستعمال الفلسطينيين كدروع بشرية في ...
- ليلة مرعبة في العاصمة الأوكرانية كييف جراء هجوم روسي -هائل- ...
- -بلو أوريجين- التابعة للأمريكي جيف بيزوس تنجح بإطلاق صاروخها ...
- حرب النجوم.. في وجه التهديد الروسي، جيشٌ فضائي فرنسي يُدشن م ...
- أوضاع مأساوية صعبة للنازحين السودانيين بمدينة طينة الحدودية ...
- الصين تحتج على تصريحات لرئيسة وزراء اليابان بشأن تايوان
- ماذا وراء حظر ألمانيا جمعية -مسلم إنتر أكتيف-؟


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نهاد السكني - غزة بين الجوع والركام… والرحلة الغامضة من مطار رامون إلى نيروبي وجوهانسبرج