أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نهاد السكني - الإمبراطورية اليابانية بين التاريخ والنهضة: ما الدروس الواقعية التي يمكن أن تستفيد منها فلسطين؟














المزيد.....

الإمبراطورية اليابانية بين التاريخ والنهضة: ما الدروس الواقعية التي يمكن أن تستفيد منها فلسطين؟


نهاد السكني

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 16:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


​من جِمّو إلى ناروهيتو… خمسة وعشرون قرنًا من الثبات الياباني
​تعدّ اليابان من أقدم الممالك المتصلة في تاريخ البشرية، إذ تمتد سلالة الأباطرة الحاكمة فيها لما يقارب ألفين وخمسمائة عام. ويُنسب تأسيس الدولة اليابانية إلى الإمبراطور جِمّو، مؤسسًا أول نظام سياسي موحّد عام 660 قبل الميلاد، ومنطلقًا من الموروث الروحي والثقافي الذي جمع بين الحكمة والانضباط. ما زالت سلالة "ياماتو" تتوارث العرش حتى يومنا هذا، ويُعدّ الإمبراطور ناروهيتو الوريث رقم 126 في هذه السلسلة التاريخية المستمرة.

​اليابان والرسالات السماوية
​خلال هذه السلسلة الطويلة، كانت اليابان بعيدة جغرافيًا عن مناطق ظهور الرسالات السماوية.
​فعندما وُلِد السيد المسيح عليه السلام في القرن الأول الميلادي، كان على عرش اليابان الإمبراطور سويني (Sujin).
​أما في زمن بعثة النبي محمد ﷺ في القرن السابع الميلادي، فقد كان يحكم اليابان الإمبراطور سوشن (Suiko).
​وهكذا، بينما كانت الرسالات السماوية تهدي الإنسانية في الشرق الأوسط، كانت اليابان تخط مسارها التنظيمي الداخلي على أساس التقاليد الإمبراطورية، بعيدة عن التأثيرات الخارجية المباشرة، لكنها لم تكن منعزلة عن العالم من حيث التحديث لاحقًا.

​الأمير شوتوكو ودستور السبعة عشر بندًا
​في القرن السابع الميلادي، ظهر الأمير شوتوكو ووضع الدستور ذا السبعة عشر بندًا عام 604م، وهي أول وثيقة أخلاقية – سياسية تهدف إلى تنظيم الحكم والإدارة، والدعوة إلى قيم مثل الانسجام، والانضباط، والعدل، والعمل الجماعي.

التحول الحاسم: إصلاح ميجي (The Meiji Restoration)
​في منتصف القرن التاسع عشر، اتخذت القيادة اليابانية قراراً تاريخياً في عام 1868 عُرف بـ "إصلاح ميجي". كان هذا الإصلاح ثورة من الداخل، هدفت إلى هدم النظام الإقطاعي القديم وتبني نظام إداري وعسكري واقتصادي حديث بشكل متعمد، ومنظّم، وسريع.
​كان الشعار الفكري الذي حكم المرحلة هو: "روح يابانية، تقنية غربية" (Wakon Yōsai)، أي أخذ التكنولوجيا والإدارة من الغرب مع الالتزام بالحفاظ على الهوية والقيم التقليدية اليابانية كمرتكز ثابت. هذا القرار الواعي بالتحديث من الداخل يُعدّ درساً تاريخياً حاسماً.

​التوسع العسكري والهزيمة وحفظ الإمبراطورية
​خلال النصف الأول من القرن العشرين، دخلت اليابان مرحلة توسّع إقليمي عسكري واسع. وعلى الرغم من الهزيمة الساحقة في الحرب العالمية الثانية، لم تنهار الإمبراطورية اليابانية نفسها. كان القرار الحكيم للإبقاء على الإمبراطور كـ رمز للوحدة الوطنية، وتحويل سلطته إلى ملكية دستورية رمزية، عاملاً حاسماً، مما مكّنها من النهوض سريعًا.

​النهضة الحديثة وفلسفة التقدم المستمر
​بعد الحرب، دخلت اليابان عصر النهضة الصناعية الحديثة. لم يقتصر النهوض على القفزات الكبيرة، بل اعتمد على فلسفة التحسين المتواصل المعروفة بـ "كايزن" (Kaizen)، والتي تعني "التغيير للأفضل". تركز هذه الفلسفة على إجراء تحسينات صغيرة ومستمرة ويومية في جميع جوانب العمل والإنتاج، مما يضمن تراكم الإنجازات ويجعل النهضة عملية مستدامة.

​الدروس الواقعية التي يمكن أن تستفيد منها فلسطين
​أخذ التكنولوجيا بحكمة (روح وطنية، تقنية عالمية): التعلم من تجربة إصلاح ميجي بتبني النماذج الناجحة عالمياً بشكل انتقائي وحاسم، وتكييفها مع الواقع المحلي، مع الالتزام بالحفاظ على الهوية والقيم الوطنية.
​فلسفة التحسين المستمر (كايزن): التركيز على تحقيق إنجازات صغيرة ومستدامة ومتراكمة في مجالات التعليم والإدارة والخدمات، مما يخلق ثقافة إنتاجية يومية فعّالة.
​تجاوز القيود الجغرافية بالاقتصاد المعرفي: توجيه الاستثمار الأقصى نحو الاقتصاد المعرفي والتقني الذي يستفيد من الذكاء البشري ويتجاوز القيود المادية والجغرافية.
​الرمزية الوطنية وتعزيز الوحدة: الحفاظ على رموز وطنية أو مؤسسات تمثل الانتماء والهوية المشتركة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
​التركيز على التعليم والانضباط: الاستثمار في الإنسان وتنمية القدرات التقنية والإدارية كقاعدة قوية لأي نهضة مستقبلية.

بالنهاية و​ للأسف الشديد، لا يمكن مقارنة تجربة فلسطين باليابان، التي حظيت بترابط سياسي واجتماعي استمر لنحو 2500 عام عبر سلالة حاكمة متصلة. فعلى الرغم من أن فلسطين هي موطن الشعب الكنعاني الأصيل الذي يؤكد الفلسطينيون أنهم امتداد له، وأن هذا الشعب لم يختفِ بل انصهر تدريجياً عبر آلاف السنين مع الحضارات الأخرى وحافظ على جذوره، إلا أن هذه الاستمرارية الشعبية لم توازها استمرارية سياسية من أبناء الأرض.
​على العكس من ذلك، توالت على المنطقة القوى الخارجية والغزوات بشكل متتابع، مثل الهكسوس والفراعنة، مروراً بالحكم الإسلامي وحتى الحروب الصليبية والغزوات المتتالية على مر العصور. هذا التتابع للسيطرة الخارجية أثّر بشكل كارثي، حيث لم يقتصر تأثيره على البنية السياسية وغياب تراكم المعرفة المؤسسية، بل أدى أيضاً إلى خلل اجتماعي مزمن تمثل في تمزيق النسيج الاجتماعي والروابط الداخلية، وتأخر في تطور المؤسسات المجتمعية المستقلة، وغياب الاستقرار الاقتصادي اللازم لتراكم الثروة المحلية.
​بناءً على ذلك، يصبح من الصعب استنساخ نموذج النهضة اليابانية المرتكز على الثبات السياسي الطويل. وما يمكن فعله هو استخلاص الدروس من تلك التجربة—تحديداً مبادئ التعليم، والتنظيم، والانضباط، وفلسفة التحسين المستمر (كايزن)—وتوظيفها لدعم الموارد البشرية والاقتصاد المعرفي، مع تكييفها بما يتناسب مع خصوصية الواقع الفلسطيني الحالي.



#نهاد_السكني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذين يعودون مع اكتمال القمر
- وزارة الصحة الفلسطينية: خطوات نحو رقمنة النظام الصحي وتعزيز ...
- سُرّة العالم التي لا تسقط، غزة… المدينة التي تُولد من رمادها
- الديكتاتورية الرقمية: حين يرى إيلون ماسك الحقيقة التي يريدها
- دور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية في تشغيل المتحف ال ...
- الديكتاتورية الرقمية: بين الخوارزميات والجماهير
- الديكتاتورية الرقمية: المزرعة السعيدة كانت تدريبًا للسيطرة ع ...
- الديكتاتورية الرقمية: كيف تم استخدام هندسة البيانات والتحول ...
- الإنسان القادم من المختبرات
- هل الموت خلل بيولوجي؟
- الجينوم البشري في قبضة الذكاء الاصطناعي: خصوصيتك مهددة من فن ...
- بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهل ...
- مستقبل مصر في الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء: من الأرض إلى ...


المزيد.....




- حصريا لـCNN: بريطانيا تعلق التعاون الاستخباراتي مع أمريكا بش ...
- مستوطنون إسرائيليون يشعلون حريقا في بلدة بالضفة الغربية مع ت ...
- الحزب الشعبي الإسباني يعقد أول اجتماع له في مليلية ويقول إنه ...
- إسبانيا: مطالب بمساءلة الحكومة حول -مركزي احتجاز مهاجرين- في ...
- دراسة مموّلة من ألمانيا: الجيش الموريتاني -شديد التسييس- ودو ...
- الشرع في واشنطن.. الغولف بعد السلة؟
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مستوطنين بعد هجمات واسعة على قرى فلسط ...
- رئيس كولومبيا: أمرت أجهزة استخبارات إنفاذ القانون بتعليق جمي ...
- حقوقيو تونس يطلقون -صرخة فزع- بعد تعليق نشاط 17 منظمة
- إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نهاد السكني - الإمبراطورية اليابانية بين التاريخ والنهضة: ما الدروس الواقعية التي يمكن أن تستفيد منها فلسطين؟