أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهاد السكني - بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهلي الفلسطيني














المزيد.....

بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهلي الفلسطيني


نهاد السكني

الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 07:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بقلم الدكتور نهاد السكني
لطالما هيمن تيار اليسار على مفاصل العمل الأهلي من خلال شبكة المنظمات غير الحكومية، حيث تشكّلت هذه الشبكة على مدار عقود بناءً على توصيات ودعم من شخصيات بارزة في المجتمع المدني، أغلبها ذات توجه يساري. هذا التمركز انعكس على شكل التمويل وتوزيعه، إذ نادرًا ما نرى منظمات أهلية ذات خلفية فتحاوية أو تيارات أخرى تحظى بنفس الحضور أو الحصة في هذا المجال.

في المحصلة، أصبح المشهد الأهلي يُدار بمنطق النخبة المغلقة، حيث يُعاد تدوير التمويل والعلاقات داخل دوائر ضيقة، ما خلق حالة من الإقصاء السياسي ضمن الفضاء المدني، على الرغم من شعارات الحياد والاستقلال التي تُرفع في العلن.

شهدت السنوات الماضية تحوّلًا لافتًا في موازين القوى داخل المشهد المدني الفلسطيني، حيث تراجع نفوذ اليسار التقليدي، الذي ظل لسنوات يحتكر العمل في المنظمات غير الحكومية، لصالح صعود التيارات ذات الميول الليبرالية أو اليمينية. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء على خلفية التحولات الجيوسياسية الكبرى، لا سيما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط النموذج الاشتراكي، مما أضعف البنية الأيديولوجية والتنظيمية لليسار العربي عمومًا والفلسطيني خصوصًا.

ومع الانفتاح الاقتصادي وتغير أولويات المانحين، أصبح التمويل موجّهًا نحو أجندات "التمكين" و"ريادة الأعمال" و"السلام المجتمعي" و"حقوق الإنسان" بلغة ليبرالية متقدمة، تمثّلها شخصيات ومنظمات ترتبط بالتيارات النيوليبرالية الجديدة. بدا وكأن هناك "اتفاقًا ضمنيًا" على استبدال خطاب العدالة الاجتماعية والتغيير الجذري، بخطاب إصلاحي ناعم لا يصطدم بالبنية السياسية القائمة ولا يعادي المنظومة الاقتصادية السائدة.

الانتقال من اليسار إلى اليمين لم يكن دومًا انتقالًا ناعمًا، بل في كثير من الأحيان تمّ على نحوٍ عنيفٍ أو إقصائي. ففي حالات معينة، جرى تفكيك شبكات يسارية بأكملها من خلال إعادة توجيه التمويل أو فرض اشتراطات جديدة من الممولين تستهدف خطابات ومناهج بعينها. وقد رافق هذا التحول صعود طبقة جديدة من "الخبراء" والمستشارين الذين يحملون خطابًا تكنوقراطيًا محايدًا ظاهريًا، لكنه في العمق يحمل تحيّزًا واضحًا نحو الحلول الفردية والنيوليبرالية.

كذلك، فإن هذا التحول ترك أثره على مضمون المشاريع المدنية، حيث تم تقزيم المسائل السياسية الكبرى إلى قضايا مجزأة مثل "تمكين المرأة" أو "حماية البيئة"، دون ربطها بسياقات الاحتلال أو الاستعمار أو النظام الاقتصادي العالمي. ومع الوقت، أصبحت مفاهيم مثل "العدالة الاجتماعية" و"النضال من أجل التحرر" تبدو كأنها من الماضي، أو على الأقل غير قابلة للتمويل.

في المقابل، فإن التيارات ذات التوجه اليميني، خصوصًا الإسلامية منها، لم تعتمد فقط على التمويل الدولي المشروط، بل بنت شبكات تمويل بديلة تستند إلى مصادر محلية وخارجية متجذرة في الخطاب الديني والشرعي، مثل أموال الزكاة والصدقات والوقف. هذا النموذج منحها قدرة أكبر على المناورة، والاستقلالية النسبية عن شروط المانحين التقليديين. وقد مكّنها ذلك من بناء قاعدة جماهيرية اجتماعية واسعة، عبر خدمات تعليمية وإغاثية وصحية تنسجم مع الموروث الثقافي والديني للفئات المستهدفة، وهو ما لم يكن متاحًا لليسار في صيغته النخبوية أو التكنوقراطية.

اليوم، لا يبدو أن اليسار قادر على استعادة موقعه بسهولة، إلا من خلال إعادة بناء مشروعه السياسي والفكري على أسس جديدة تستوعب المتغيرات، دون التفريط بجوهره. وفي المقابل، فإن استمرار صعود الخطاب اليميني النيوليبرالي يعني هيمنة عقلية إدارة الأزمات بدل مواجهتها، والتعامل مع آثار الاحتلال بدل مقاومته.

في الختام، فإن تفكيك المشهد الأهلي لا يمكن فهمه فقط من خلال تتبع التمويل، بل أيضًا من خلال قراءة معمقة للصراع الأيديولوجي الذي يعيد تشكيل المجتمع المدني الفلسطيني في زمن ما بعد أوسلو، وما بعد العدالة.



#نهاد_السكني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهل ...


المزيد.....




- -جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا- تهدد إسرائيل بهجمات أخرى ...
- الرئيس الإيراني يهنئ الكويت بعيد الأضحى ويدعو لوحدة الأمة ال ...
- -جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا- تهدد إسرائيل بهجمات أخرى ...
- “سلي أطفالك بأحلى الأغاني” تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 عل ...
- رسالة من شيخ الأزهر إلى العالم بشأن الحرب على غزة قبل عيد ال ...
- 22 اقتحاماً للأقصى ومنع رفع الأذان بالإبراهيمي 57 وقتاً الشه ...
- تثبيت أحدث تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر الصناعي نايل ...
- أميركا.. دعوات لتصنيف جماعة الإخوان -إرهابية-
- الاحتلال يهدم منزلين جنوب المسجد الأقصى
- مقتل دبلوماسيين وتقرير عن الإخوان المسلمين.. هكذا غيّرت غزة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهاد السكني - بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهلي الفلسطيني