أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - نهاد السكني - الإنسان القادم من المختبرات














المزيد.....

الإنسان القادم من المختبرات


نهاد السكني

الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 10:49
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


مقدمة: من حلم الخلود إلى مشروع إعادة الخلق منذ أن أدرك الإنسان هشاشته أمام الموت، وهو يحلم بتجاوزه. بدأ الحلم بدعواتٍ وأساطير، ثم صار مشروعًا علميًا حين تعلّم الإنسان كيف يقرأ الشفرة الوراثية. اليوم، لم يعد العلماء يسعون إلى علاج المرض فحسب، بل إلى إعادة تعريف معنى الإنسان نفسه — جسدًا، وذاكرةً، وقدرةً على البقاء. لقد دخلنا زمنًا أصبح فيه "خلق الحياة" تجربةً مخبرية، لا معجزةً أسطورية.

ما بعد الجينوم: الثورة التي غيّرت قواعد اللعبة في عام 2003، أعلن العلماء فكّ خريطة الجينوم البشري، معلنين بداية عصرٍ جديد. فقد تحوّل الجين من سرٍّ غامض إلى مادةٍ قابلة للتحرير. ثم جاءت تقنية CRISPR-Cas9 لتمنح الإنسان أداةً جراحية دقيقة لتعديل أي جين في أي خلية، بل في الأجنّة قبل الولادة. صار في مقدور العلماء اليوم أن يُصلحوا الطفرات المسببة للأمراض، أو يعزّزوا الصفات الوراثية كالذكاء والمناعة والعمر الطويل. وهكذا لم يعد السؤال: “هل يمكننا؟” بل “إلى أي مدى سنجرؤ؟”

الإنسان كـ "مشروع قابل للتحسين" في مختبرات الصين والولايات المتحدة، تُجرى تجارب حقيقية على أجنّة معدّلة وراثيًا. الهدف المُعلن: مكافحة الأمراض الوراثية. لكن الهدف الضمني: تحسين الإنسان نفسه. الحديث لم يعد عن مريضٍ يُعالج، بل عن “إنسان يُعاد تصميمه”. قد تُزرع له خلايا دماغية مقاومة للشيخوخة، أو جينات تمنحه تركيزًا أعلى وقدرةً بدنية أكبر. ومع كل تجربةٍ جديدة، تتقلّص الحدود بين ما هو طبيعي وما هو مصنّع.

ما بين الطموح والغطرسة العلم الذي نشأ لفهم الحياة، بدأ يتعامل معها كـ منتجٍ يمكن تحسينه. هذه النزعة نحو الكمال العلمي تُشبه في جوهرها نزعة السيطرة المطلقة؛ فكلما ازداد الإنسان علمًا، ازداد وهمه بأنه قادر على إعادة الخلق وفق مشيئته. إنها ليست رغبة في التطور فقط، بل ميل خفي إلى تجاوز حدود الطبيعة — إلى أن يصبح الإنسان هو "النسّاخ" بدلاً من "المخلوق".

التكنولوجيا كمرآة للإنسان ربما لا يصنع المختبر إنسانًا جديدًا بقدر ما يكشف الإنسان القديم فينا: فضولنا، طموحنا، وغرورنا. فنحن نطارد الخلود لأننا نخاف النقص، ونُعدّل الجينات لأننا نكره الهشاشة. لكن هل سيبقى “الإنسان القادم من المختبرات” إنسانًا؟ هل من يمتلك جيناته مخبريًا، يمكنه أن يحتفظ بإنسانيته وجدانه وإرادته؟

بين الأمل والخطر من الإنصاف القول إن هذه الثورة ليست كلها ظلامًا؛ فالهندسة الوراثية قد تُنقذ الملايين من أمراضٍ مميتة، وتفتح آفاقًا مذهلة في الزراعة والطب وعلم الأعصاب. لكنها أيضًا تفتح الباب أمام خللٍ أخلاقي غير مسبوق، حيث يمكن أن يُخلق “إنسان على الطلب”، أو “مجتمع من النخبة الوراثية”. عندها لن يكون الصراع بين الفقراء والأغنياء فقط، بل بين "الطبيعيين" و"المعدّلين".

خاتمة: على حافة الخلق “الإنسان القادم من المختبرات” ليس خيالًا علميًا بعد الآن. إنه صورة مستقبلٍ تتشكّل الآن في أنابيب الزجاج ومراكز الأبحاث. ربما سنكسب أمراضًا أقل وأعمارًا أطول، لكننا قد نفقد شيئًا أعمق: سرّ الضعف الإنساني الذي يجعلنا بشرًا. فالعلم يمدّنا بالأدوات، لكنّ الوعي وحده يحدد الطريق. وما بين الرغبة في الإتقان والخوف من الغرور، سيبقى السؤال قائمًا: هل سنعرف يومًا كيف نخلق… دون أن نفقد معنى الحياة؟

* باحث في علوم الوراثة والمعلوماتية الصحية



#نهاد_السكني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الموت خلل بيولوجي؟
- الجينوم البشري في قبضة الذكاء الاصطناعي: خصوصيتك مهددة من فن ...
- بين التمويل والسيطرة: تحوّلات اليسار واليمين في المشهد الأهل ...
- مستقبل مصر في الذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء: من الأرض إلى ...


المزيد.....




- كيف تصف انتهاكات إسرائيل خلال وقف إطلاق النار في غزة؟ رئيس و ...
- حماس: إسرائيل تسلّمت رفات ثلاثة رهائن متوفين آخرين من غزة
- روسيا تقتل 6 أشخاص على الأقل في أوكرانيا.. وكييف ترد بضرب من ...
- البابا يؤكد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسان ...
- الوحدة العربية.. درع يحمي العرب أم وهم يعمق الانقسام؟
- كيف تعتنين بصحة الشعر الجاف؟
- رئيسة اللجنة الدولية لحماية الصحفيين: واشنطن مارست ازدواجية ...
- الأردن على حافة العطش وسط أزمة مياه وسدود شبه خاوية
- كاتب إيطالي: هل تحقق القاعدة سابقة وتسيطر على دولة مالي؟
- بلجيكا تحقق في رصد طائرة مسيرة فوق قاعدة عسكرية


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - نهاد السكني - الإنسان القادم من المختبرات