|
|
حوار حول الماركسية الغربية والامبريالية حوار مع المفكر الماركسي: جون بيلامي فوستر حاوره: غابرئيل روكهيل
بندر نوري
كاتب وباحث من السودان
(Bandar Noory)
الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 00:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ترجمة: بندر نوري، قاسم محمود وومضة كمال
*تمت الترجمة بعد الحصول علي موافقة مكتوبة من الكاتب ودار مونثلي ريفيو. غابرئيل روكهيل: أود أن أبدأ هذا النقاش بتناول، أولًا وقبل كل شيء، سوء فهم شائع يتعلق بالماركسية الغربية، وهو موضوع أعتقد أنه موضع اهتمام مشترك بيننا. الماركسية الغربية ليست مكافئة لماركسية الغرب. بل هي شكل محدد من الماركسية تطوّر لاسباب مادية واضحة في المركز الإمبريالي، حيث يوجد ضغط أديولوجي كبير يدفع إلى الإمتثال لمتطلباته. وبإعتبارها أيديولوجيا مهيمنة فيما يتعلق بالماركسية، فإنها تؤثر في حياة أولئك الذين يعملون في المركز الإمبريالي، وبالامتداد، في الدول الرأسمالية حول العالم، لكنها لا تُحدِّد بشكل صارم الإنتاج الفكري والتنظيمي الماركسي في هذه المناطق. وأبسط دليل على ذلك أننا لا نُعرّف أنفسنا على أننا ماركسيون غربيون، رغم أننا ماركسيون نعمل في الغرب، تمامًا كما هو الحال مع الفيلسوف الإيطالي دومينيكو لوسوردو، الذي نُشرت دراسته حول الماركسية الغربية مؤخرًا عن دار "مونثلي ريفيو برس". ما رأيك في العلاقة بين "الماركسية الغربية" و"الماركسية في الغرب"؟ جون بيلامي فوستر: لستُ ميالًا إلى مصطلح "الماركسية الغربية"، جزئيًا لأنه استُخدم بوصفه شكلًا من أشكال التماهي الذاتي من قِبَل مفكرين رفضوا ليس فقط الماركسية السوفييتية، بل أيضًا جانبًا كبيرًا من الماركسية الكلاسيكية لكارل ماركس وفريدريك إنجلز، وكذلك الماركسية في الجنوب العالمي. وفي الوقت ذاته، جرى استبعاد أجزاء واسعة من الماركسية في الغرب — ولا سيما التحليلات الأكثر مادية وسياسية واقتصادية وتاريخية — من هذا النمط من الماركسية الغربية المتماهية ذاتيًا، رغم أنها قدّمت نفسها بوصفها المرجع الحاكم للفكر الماركسي، وهيمنت على الدراسات الماركسية. وعادةً، حين أتناول مسألة الماركسية الغربية من الناحية النظرية، أُشير إلى أننا نتعامل مع تقليد فلسفي محدد. وقد بدأ هذا التقليد مع موريس ميرلو-بونتي (وليس مع جورج لوكاش كما يُعتقد عادةً)، وتميّز بالتخلي عن مفهوم "جدلية الطبيعة" المرتبط بإنجلز (وكذلك بماركس). وقد عنى ذلك أن فكرة الماركسية الغربية أُبعِدت منهجيًا عن المادية الأنطولوجية في الإطار الماركسي، وانجذبت نحو المثالية، وهو ما انسجم مع الانسحاب من جدلية الطبيعة. علاوةً على ذلك، ورغم أن هذا لم يكن جزءًا من التعريف الذاتي للماركسية الغربية، إلا أن لوسوردو شدّد بحق على أنه ترافق مع تراجع عن نقد الإمبريالية وعن تناول إشكالية النضال الثوري في العالم الثالث أو الجنوب العالمي. ومن هذه الزاوية، اتّجه الماركسيون الغربيون الذين يعرّفون أنفسهم كذلك نحو منظور أورومركزي، غالبًا ما يُنكر أهمية الإمبريالية، وبالتالي يمكننا الحديث عن ماركسية أورومركزية غربية. وعند تناولي لهذه القضايا، أميل إلى التركيز على جانبين اثنين: (1)تقليد فلسفي ماركسي غربي رفض جدلية الطبيعة والمادية الأنطولوجية، وبذلك انفصل عن الماركسية الكلاسيكية لكلٍّ من ماركس وإنجلز (2) ماركسية أورومركزية غربية رفضت فكرة المرحلة الإمبريالية من الرأسمالية (ورأسمالية الاحتكار)، وقلّلت من شأن النضالات الثورية في العالم الثالث والافكار الجديدة التي أفرزتها. لقد أصبحت الماركسية، في هذا التجسيد الضيق للماركسية الغربية، مجرد حقل أكاديمي يهتم بدائرة التشييء أو بالبنى من دون ذات فاعلة — أي النقيض التام لفلسفة الممارسة. غابرييل روكهيل: بالفعل، هذه سمات جوهرية لما يُسمّى بالماركسية الغربية، وأنا أتفق على أن هذا التعبير يمكن أن يؤدي بسهولة إلى سوء فهم. ولهذا السبب أرى أن المنهج الديالكتيكي ذو أهمية قصوى، إذ يسمح لنا بالانتباه إلى الفوارق بين المفاهيم التبسيطية وتعقيدات الواقع المادي، مع السعي في الوقت ذاته إلى تفسير هذا الواقع عبر تنقيح وتدقيق فئاتنا ومقولاتنا التحليلية قدر الإمكان. وإضافةً إلى السمتين اللتين أبرزتهما، أودّ أن أضيف — على الأقل بالنسبة للنواة النظرية للماركسية الغربية، كما يتجلى ذلك في أعمال روّاد مدرسة فرانكفورت وفي كثير من الماركسية النظرية الفرنسية والبريطانية بعد الحرب — نزعتها إلى الانسحاب من الاقتصاد السياسي لصالح التحليل الثقافي، إلى جانب رفضها النقدي للكثير، إن لم يكن للكل، من مشاريع بناء الدولة الاشتراكية الواقعية (وهو ما يتقاطع بالطبع مع النقطة الثانية التي ذكرتها). وفي محاولة لتحديد ملامح الماركسية الغربية بدقة، والقوى الدافعة وراءها، أعتقد أنه من المهم وضع شكلها الفريد من الإنتاج الفكري ضمن العلاقات العامة للإنتاج النظري، والتي هي بدورها متداخلة ضمن علاقات الإنتاج الاجتماعي بوجه أعم. وبعبارة أخرى، فإن تحليلًا ماركسيًا للماركسية الغربية يتطلب، في مستوى ما، الانخراط في دراسة الاقتصاد السياسي لإنتاج المعرفة وتداولها واستهلاكها. وهذا ما يتيح لنا تحديد القوى الاجتماعية-الاقتصادية التي تعمل خلف هذا التوجه الأيديولوجي المحدد، مع الاعتراف، بطبيعة الحال، بـ«شبه استقلال» للأيديولوجيا. واستنادًا إلى أعمال ماركس وإنجلز، فقد قدّم فلاديمير إيليتش لينين تشخيصًا حادًا لكيفية تشكّل ما سمّاه بـ«أرستقراطية العمال» في المركز الإمبريالي، أي شريحة مميّزة من الطبقة العاملة العالمية، كانت القوة الدافعة وراء ميل اليسار الغربي إلى الانحياز، بدرجة أكبر، إلى مصالح برجوازيته الوطنية بدلاً من الوقوف إلى جانب البروليتاريا في الأطراف الاستعمارية وشبه الاستعمارية. ويبدو لي أنه إذا أردنا الوصول إلى الجذور الحقيقية للمسألة، فعلينا أن نُطبّق هذا الإطار التحليلي نفسه لفهم التعديلات الجوهرية التي أدخلتها الماركسية الغربية على الماركسية، وميلها إلى تجاهل أو التقليل من شأن، بل وأحيانًا ازدراء ورفض، الماركسية الثورية في الجنوب العالمي — تلك الماركسية التي لم تكتفِ بتفسير العالم، بل غيّرته جذريًا عبر كسر قيود الإمبريالية. أليس الماركسيون الغربيون، في العموم، جزءًا مما يمكن أن نسميه أرستقراطية العمل الفكري، بمعنى أنهم يستفيدون من أفضل الشروط المادية لإنتاج المعرفة النظرية في العالم، وهو أمر يتضح إذا قارنّا ذلك، على سبيل المثال، بالماركسية التي طوّرها ماو تسي تونغ في الريف الصيني، أو هو تشي منه في فيتنام المحاصَرة، أو إرنستو «تشي» غيفارا في جبال سييرا مايسترا، أو غيرهم من النماذج المماثلة؟ أليسوا، مثل أرستقراطية العمال عمومًا، ينتفعون من «فتات» المائدة الإمبريالية التي تنثرها الطبقة الحاكمة، وهذه الحقيقة المادية — وإن كانت لا تحدد بالصرامة موقفهم الفكري — ألا تشكّل مع ذلك شرطًا له وتؤطر رؤيتهم؟ جون بيلامي فوستر: النقطة المتعلقة بالانسحاب من الاقتصاد السياسي، التي ميّزت جزءًا كبيرًا من الماركسية الغربية، مهمة فعلًا. لقد بدأتُ دراساتي العليا في جامعة يورك في تورونتو في منتصف سبعينيات القرن العشرين. كنت أمتلك خلفية في علم الاقتصاد، شملت الاقتصاد النيوكلاسيكي السائد، وكذلك الاقتصاد السياسي الماركسي. كانت تلك الأعوام هي فترة صعود اتحاد الاقتصاد السياسي الراديكالي في الولايات المتحدة، الذي قاد ثورة داخل حقل الاقتصاد. غير أنني كنت مهتمًا أيضًا بالنظرية النقدية والدراسات الهيغلية. ففي المجال الفلسفي، درستُ — إلى جانب ماركس — كتاب فينومينولوجيا الروح لهيغل، ومعظم أعمال هربرت ماركوز، وكتاب إستفان ميزاروش نظرية ماركس في الاغتراب، والعديد من النصوص الأخرى في الفلسفة النقدية. وهكذا التحقتُ بالدراسات العليا وأنا أتوقع متابعة بحثي في كلٍّ من الاقتصاد السياسي الماركسي والنظرية النقدية. كنت قد زرت جامعة يورك عام 1975، لكن عندما عدت إليها بعد عام لبدء دراساتي العليا، فوجئت باكتشاف أن برنامج الفكر السياسي-الاجتماعي في يورك (وكذلك اليسار في قسم العلوم السياسية إلى حدٍّ ما) قد شهد انقسامًا حادًا فصل بين من يُسمَّون بـ«الاقتصاديين السياسيين» و«المنظرين النقديين». وكان ذلك في فترة كانت بعض كتابات مدرسة فرانكفورت لمفكرين مثل ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر تُتَرجَم إلى اللغة الإنجليزية للمرة الأولى في تلك الفترة. فعلى سبيل المثال، تُرجِم كتاب ألفريد شميت مفهوم الطبيعة عند ماركس إلى الإنجليزية عام 1971، وكتاب هوركهايمر وأدورنو جدل التنوير عام 1972، وكتاب أدورنو الديالكتيك السلبي عام 1973. ولم يكن ذلك يعني مجرد إثراء للنقاشات داخل الماركسية، بل شكّل أيضًا، في نواحٍ كثيرة، قطيعة مع الماركسية الكلاسيكية التي كانت تُنتقد غالبًا في مثل هذه الأعمال. وهكذا، كان أول ما سمعته عندما التحقتُ بصف في النظرية النقدية هو أن ديالكتيك الطبيعة مرفوض. كما تم رفض المناقشات «الأنثروبولوجية» المبكرة لماركس حول تفاعلات الإنسان والطبيعة رفضًا قاطعًا. أما المقرر الوحيد حول هيغل فكان يتناول هيغل من خلال ألكسندر كوجييف، الذي كان يلقى رواجًا كبيرًا آنذاك، سواء لدى اليسار الفرنسي أو — على نحوٍ متناقض — لدى بعض المفكرين المحافظين. في تلك السنوات، ركّزتُ اهتمامي أكثر على الاقتصاد السياسي الماركسي. كان إستفان ميزاروش، الذي كان أحد الأسباب الرئيسة لاختياري جامعة يورك، قد غادر في السنة نفسها التي وصلت فيها، نتيجةً لاستيائه من طرفي الانقسام هناك. في سنتي الأولى في جامعة يورك، كنت أعمل مع أستاذ ليبرالي مختص في الشأن الصيني. وقد أشار إليّ بأنه يشعر بالارتباك إزاء تطور الماركسية، ووضع في يدي كتاب بيري أندرسون تأملات حول الماركسية الغربية، وطلب مني قراءته وشرح فكرته له. جلست وقرأتُ كتاب أندرسون، وشعرتُ بدهشة كبيرة آنذاك، إذ استخدم أساليب متعددة لتأكيد فكرة حدوث تحوّل في النظرية الماركسية نحو الفلسفة والثقافة وابتعادها عن الاقتصاد السياسي والتاريخ — وهو أمر لم يكن دقيقًا في الواقع، لكنه انسجم مع الكتّاب الذين اختار أندرسون تمجيدهم. وهكذا، فإن «الماركسية الغربية» وفقًا لأندرسون استبعدت في معظمها الاقتصاديين السياسيين والمؤرخين، كما نُظر إليها على أنها منفصلة عن «الماركسية الكلاسيكية»، بما في ذلك الجوانب الأساسية في فكر ماركس وإنجلز نفسيهما. وبالطبع، لم يتمكن أندرسون من إنكار وجود اقتصاديين سياسيين ومؤرخين ماركسيين تمامًا في مناقشته لـ«الماركسية الغربية»، إلا أن استبعادهم كان جليًا. وإذا تجاوزنا الطرق المحددة التي جرى بها تهميش المفكرين السياسيين والاقتصاديين، يكفي النظر إلى الفهرس لفهم طبيعة تصنيفات أندرسون. فالفلاسفة والمنظّرون الثقافيون يحتلون موقع الصدارة في وصفه للماركسيين الغربيين. فعلى سبيل المثال: يُذكر لويس ألتوسير في أربعٍ وثلاثين صفحة، وجورج لوكاش في إحدى وثلاثين، وجان بول سارتر في ثمانٍ وعشرين، وهربرت ماركوز في خمسٍ وعشرين، وأدورنو في أربعٍ وعشرين، وغالفانو ديلا فولبي في تسع عشرة، ولوتشيو كولِتّي في ثمانٍ عشرة، وهوركهايمر في اثنتي عشرة، وهنري لوفيفر في اثنتي عشرة، ووالتر بنجامين في إحدى عشرة، ولوسيان غولدمان في ثمانٍ، وميرلو-بونتي في ثلاث، وبرتولت بريخت في صفحتين، وفريدريك جيمسون في صفحة واحدة. لكن عندما نلتفت إلى الاقتصاديين السياسيين والمؤرخين الماركسيين (بما فيهم مؤرخو الثقافة) في الفترة ذاتها تقريبًا، نحصل على صورة مختلفة تمامًا: إسحاق دويتشر يُذكر في أربع صفحات، وبول سويزي في أربع، وإرنست ماندل في اثنتين، وبول باران في واحدة، وميخائيل كاليكي في واحدة، ونيكولاس بولانتزاس في واحدة، وبييرو سرافا في واحدة، ورايموند ويليامز في واحدة أيضًا. أما العلماء الماركسيون فلم يُذكروا على الإطلاق، وكأنهم غير موجودين. وبعض الماركسيين الذين كانوا في صميم النقاشات في الغرب اعتبرهم أندرسون أكثر «شرقية» من «غربية» لأنهم اختاروا العيش على الجانب الآخر من «الستار الحديدي»، مثل برتولت بريخت، الذي يُشار إليه في صفحتين، وإرنست بلوخ الذي لا يظهر اسمه مطلقًا. وبالتالي، كان توصيف أندرسون لـ«الماركسية الغربية» غريبًا بالنسبة لي منذ البداية. ورغم أن من حق أي مفكر أن يركّز على من يراهم الأقرب إلى تحليله، فإن نهج أندرسون في تصنيف «الماركسيين الغربيين»، مع تركيزه الأساسي على أولئك العاملين في مجالي الفلسفة والثقافة، مثّل قطيعة حاسمة مع الماركسية الكلاسيكية، والاقتصاد السياسي، وصراع الطبقات، ونقد الإمبريالية. لقد كانت «الماركسية الغربية»، كما وصفها أندرسون، بمثابة نفي للجوانب الجوهرية للماركسية الكلاسيكية إلى جانب الماركسية السوفييتية. ولا ينبغي إلقاء اللوم الكامل على أندرسون في ذلك، فهو كان يتعامل مع واقع فعلي، لكن هذا الواقع تمثل في المسافة الشاسعة التي باتت تفصل الماركسية الغربية عن الماركسية الكلاسيكية، حتى وإن تحققت بعض التقدّمات النظرية المهمة في مجالات محددة. ولا شك في أن الماركسية الغربية، سواء وفق تعريف أندرسون أو وفق التحديد النظري القائم على التخلي عن ديالكتيك الطبيعة، قد جُرّدت من جزء كبير من النقد الماركسي الأصلي، رغم أنها وسّعت البحث في بعض القضايا، مثل جدلية التشييء. وباستبعادها الاقتصاديين السياسيين والمؤرخين والعلماء الماركسيين، ومن ثم المادية ذاتها، أصبحت الماركسية الغربية — وفق هذه الشروط — منفصلة عن الطبقة والإمبريالية، وبالتالي عن فكرة النضال نفسها. وكانت النتيجة إنشاء «نادي مغلق»، أو ما وصفه لوكاش نقديًا بأنه جماعة من المفكرين يجلسون في «فندق الهاوية العظيم» (Grand Hotel Abyss)، بعيدين أكثر فأكثر حتى عن مجرد التفكير في الممارسة الثورية. ولا أرى من المنطقي ربط هذا مباشرةً بأرستقراطية العمال (على الرغم من أهمية هذا التحليل في ذاته). فهؤلاء المفكرون برزوا كأعضاء من النخبة الأكاديمية البرجوازية، لا يُنظر إليهم بوصفهم ماركسيين حقيقيين، فضلًا عن كونهم عمالًا، وغالبًا ما شغلوا مناصب جامعية مرموقة وتلقّوا التكريمات والأوسمة. وهم بالتأكيد كانوا، في المجمل، أفضل حالًا من أولئك الذين ظلوا أوفياء للتقليد الماركسي الكلاسيكي. غابرييل روكهيل: في كتابيه حول هذا الموضوع، يقدّم أندرسون عرضًا ماركسيًا غربيًا للماركسية الغربية نفسها. وهذا، في رأيي، هو بالتحديد ما يشكّل نقاط القوة ونقاط الضعف الجوهرية التي لا يمكن تلافيها في منهجه. فمن جهة، يقدّم تشخيصًا ثاقبًا لجوانب محددة من التوجّه الأيديولوجي الأساسي لهذه الماركسية، بما في ذلك انسحابها من الممارسة السياسية العملية لصالح التنظير، وتبنّيها للهزيمة السياسية بوصفها موقفًا فكريًا. ومن جهة أخرى، لم يتناول جوهر المسألة عبر situating (توضيع) الماركسية الغربية، كما يفهمها، ضمن العلاقات الاجتماعية العالمية للإنتاج (بما في ذلك الإنتاج النظري) والصراع الطبقي الدولي. وفي النهاية، يقدّم لنا عرضًا غير ماديّ على نحو صارم، لأنه لا ينخرط بجدية في تحليل الاقتصاد السياسي لإنتاج المعرفة وتداولها واستهلاكها، كما لا يضع الإمبريالية في مركز تحليله. ومن منظور ماركسي، يتجاوز المظهر الغربي المشوّه للماركسية الغربية، إذ لا تُحرك الأفكار التاريخ، بل القوى المادية هي الفاعل الحقيقي. ومن ثمّ، ينبغي للتاريخ الفكري، بما في ذلك تاريخ الماركسية بوصفها مشروعًا نظريًا، أن يُوضَع بوضوح في علاقة مع هذه القوى، مع الاعتراف في الوقت ذاته بأن الأيديولوجيا تؤدي وظائفها باستقلال نسبي عن البنية الاقتصادية الاجتماعية. فالمثقفون الماركسيون في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عمل كثيرٌ منهم خارج الجامعات، أحيانًا كمنظمين سياسيين أو صحفيين، وكانوا أكثر ارتباطًا عضويًا بالصراع الطبقي العملي بأشكال متعددة. وعندما وقع الانقسام داخل الحركة الاشتراكية أثناء الحرب العالمية الأولى، أدار بعض هؤلاء المثقفين ظهورهم للبروليتاريا الأممية، واصطفّوا — عن قصد أو عن غير قصد — إلى جانب مصالح البرجوازيات الوطنية في بلدانهم. بينما رأى آخرون، وعلى رأسهم لينين، أن الحرب الوحيدة الجديرة بالدعم هي الحرب الطبقية الدولية، كما تجلّت بوضوح في الثورة الروسية، لا الحرب الإمبريالية بين القوى الرأسمالية الحاكمة. ولهذا السبب يستخدم لوسوردو (Losurdo) هذا الانقسام كنقطة انطلاق لكتابه حول الماركسية الغربية، وهو أحد الأسباب التي تجعل عمله متفوّقًا إلى حد بعيد على تحليل أندرسون. فالماركسية الغربية هي التقليد الذي نشأ من الشوفينية الاجتماعية داخل الماركسية الأوروبية، والتي نظرت بإزدراء إلى الثورات المناهضة للاستعمار خارج أوروبا. وكما برهن لينين بشكل حاسم، لم يكن ذلك ببساطة لأن المثقفين الماركسيين الغربيين ارتكبوا أخطاء نظرية، بل لأن قوى مادية كانت تشكّل توجههم الأيديولوجي: فبصفتهم أعضاء في أرستقراطية العمال في المراكز الرأسمالية، كانت لهم مصلحة مادية مباشرة في الحفاظ على النظام الإمبريالي العالمي. وقد اتّسعت هذه الفجوة الأصلية لتتحول إلى انقسام هائل مع استمرار التنافس الإمبريالي في الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، وصولًا إلى حالة من الجمود العالمي تقريبًا بين معسكرين: معسكر الإمبريالية المنتصر (الولايات المتحدة)، والمعسكر الاشتراكي المتنامي بقيادة الدولة التي أدت دورًا حاسمًا في هزيمة الفاشية ودعم العديد من الثورات المناهضة للاستعمار حول العالم، أي الاتحاد السوفييتي. وفي سياق الحرب الباردة، أصبح الماركسيون الغربيون على نحو متزايد أساتذة جامعيين في الغرب، يميلون إلى الشك في التطورات العملية للماركسية في الجنوب العالمي، وانخرطوا في مراجعات نظرية جوهرية للماركسية الكلاسيكية المتمثلة في أعمال ماركس وإنجلز ولينين. ولأسباب مادية بحتة، كانت نزعتهم التحريفية المعادية للشيوعية تعزز مكانتهم ضمن المؤسسات الغربية وصناعة النظرية الأكاديمية. ولم يحدث هذا دفعة واحدة، كما لم تكن القوى الاجتماعية الموضوعية والميول الذاتية تسير دائمًا بخط متوازٍ، إذ اتسمت هذه التحولات بالعديد من التناقضات. كان قادة مدرسة فرانكفورت، أي أدورنو وهوركهايمر، نقادًا دوغمائيين معادين للشيوعية وللاشتراكية الواقعية، وقد حظيا بدعم وتمويل من الطبقات الحاكمة الرأسمالية والدول الإمبريالية الكبرى لنشر مثل هذه المواقف. أما في فرنسا، فقد اكتشف سارتر نسخته الذاتية من الماركسية خلال الحرب العالمية الثانية، ودعم بعض جوانب الحركة الشيوعية العالمية لاحقًا، لكنه أبدى شكوكًا متزايدة مع امتداد الحرب الباردة. بينما انخرط ألتوسير في الحزب الشيوعي الفرنسي بعد الحرب، غير أنه تبنّى النزعة البنيوية اللاجدلية، ولا سيما اللاكانيّة. ينبغي التعامل مع هذه التناقضات بجدية، مع الاعتراف في الوقت ذاته بأن المسار العام للتاريخ قد قاد على سبيل المثال، إلى أن يصبح ألان باديو — الذي يجمع بين تأثير سارتر وألتوسير — أشهر الماركسيين الغربيين في فرنسا اليوم. فهو يلوّح براية حمراء نظرية ويزعم أنه «أحد القلائل الشيوعيين الأحياء»، لكنه في الوقت نفسه يصرّح بأن «لا الدول الاشتراكية ولا حركات التحرر الوطني ولا حتى الحركة العمالية تشكّل بعد اليوم مرجعيات تاريخية قادرة على ضمان الكونية الملموسة للماركسية». ولذلك، كما يقول، فإن «الماركسية اليوم... قد دُمّرت تاريخيًا»، ولم يبقَ سوى «فكرة جديدة عن الشيوعية» يقدّمها باديو من إحدى أرقى المؤسسات الأكاديمية في الغرب الإمبريالي. وإذا كانت الماركسية — كنظرية مجسّدة في الممارسة — قد ماتت، فإننا مدعوون، بحسب باديو، إلى الابتهاج بولادتها الروحية الجديدة عبر نسخة ماركسية من النظرية الفرنسية. فهو يدمج صراحةً مسيانية (Messianism) مع ترويج ذاتي انتهازي، حتى إن شعاره الضمني يبدو تحريفًا لاهوتيًا لقول ماركس الشهير حول الثورة: «الماركسية ماتت، فلتَحْيَ فكرتي عن الشيوعية!». غير أن باديو، في حماسه لبعثٍ نظري جديد، يغفل أن فكرته «الجديدة» في جوهرها العملي ليست سوى فكرة قديمة جدًا سبق أن انتقدها إنجلز بوضوح: إنها فكرة الاشتراكية الطوباوية. وهذا أحد الأسباب التي تجعل التقييم الجدلي للماركسية الغربية أمرًا بالغ الأهمية، لأنه يسمح لنا بإجراء تحليل متعدّد الأبعاد للمفكرين والحركات الفردية، مع إبراز مواضع توافقهم مع الأيديولوجيا المهيمنة للماركسية الغربية، وكذلك نقاط ابتعادهم عنها في بعض الجوانب أو الفترات (كما في حالتي سارتر وألتوسير). علاوة على ذلك، يجب أن يكون هذا المنهج الجدلي ماديًا بصورة شاملة، من خلال تأصيله في تحليل العلاقات الاجتماعية للإنتاج الفكري. فالماركسيون الغربيون المعاصرون الأكثر شهرة هم أساتذة جامعيون في المراكز الإمبريالية، بعضهم نجوم عالميون في صناعة النظرية الإمبريالية، وهذا بلا شك أثّر في طبيعة أعمالهم. إضافة إلى ذلك، فإن دمج الماركسية داخل الأكاديمية البرجوازية عرّضها لتحولات عميقة. ففي المراكز الرأسمالية، لا توجد أكاديميات للماركسية يمكن فيها التدرّب على الماركسية ثم تدريسها بوصفها علمًا كليًا يشمل العوالم الطبيعية والاجتماعية. وبدلًا من ذلك، يسود نظام تايلوري فكري يقوم على تقسيم العمل المعرفي إلى علوم طبيعية وعلوم اجتماعية وإنسانيات. وهذا النظام، بوصفه جزءًا من البنية الفوقية، تحركه في النهاية المصالح الرأسمالية. ونتيجة لذلك، تم تهميش الماركسية بدرجة كبيرة أو رفضها كإطار نظري في العلوم الطبيعية البرجوازية، وغالبًا ما جرى اختزالها إلى نموذج تفسيري ناقص أو غير دقيق في العلوم الاجتماعية البرجوازية. فكثير من أبرز الماركسيين الغربيين يُدرّسون في أقسام الإنسانيات أو في تخصصات قريبة منها، ويمارسون انتقائية نظرية عمدًا عبر دمج النظرية الماركسية مع نزعات برجوازية رائجة. وفي ظل هذا السياق المادي، ليس مستغربًا أن يميل الماركسيون الغربيون إلى رفض العلم المادي، والتخلّي عن الانخراط الجاد في الاقتصاد السياسي والتاريخ المادي، والانغماس في التنظير والتحليل الثقافي البرجوازي لذاتهما. فهدف النظرية الماركسية بالنسبة لأكثر الماركسيين الغربيين ابتذالًا — مثل سلافوي جيجيك — ليس تغيير العالم الذي يرفعهم إلى مصافّ النجوم الفكرية، بل تفسيره بطريقة تُسهم في تقدّم مسيرتهم المهنية داخل الأكاديمية والثقافة الإمبريالية. إن النظام الموضوعي المادي لإنتاج المعرفة يحدّد بالضرورة مساهماتهم الذاتية فيه. وما يفتقرون إليه عمومًا هو تقييم نقدي ذاتي جدلي-مادي لظروف إنتاجهم الفكري نفسها، وهو ما يعود جزئيًا إلى الطريقة التي تمت برمجتهم أيديولوجيًا بها من قبل النظام الذي يروّج لهم. إنهم، في نهاية المطاف، أيديولوجيو الماركسية الإمبريالية. جون بيلامي فوستر: ما تقدّمه هنا هو نقد كلاسيكي ذو طابع مادي-تاريخي يركّز على الأسس الطبقية للأيديولوجيا، في علاقتها بالتقليد الماركسي الغربي. فمن ماركس، كما أوضح كارل مانهايم في كتابه الأيديولوجيا واليوتوبيا، نشأت للمرة الأولى فكرة نقد الأيديولوجيا. ومع ذلك، اتّهم مانهايم الماركسية بأنها فشلت في ممارسة النقد الذاتي اللازم لتطوير علم اجتماع للمعرفة، بسبب عجزها عن الانفصال عن موقعها الثوري البروليتاري (وهو فشل نسبه خصوصًا إلى لوكاتش). لكن، وعلى العكس من ذلك، فإن هذا النوع من النقد الذاتي، أي التغيّرات الجذرية في النظرية والممارسة الثوريتين استجابةً للظروف الطبقية-المادية المتغيّرة، كما أكّد ميزاروش، هو ما يفسّر الحيوية النظرية المستمرة للفكر الماركسي، إلى جانب الثورات الفعلية في الجنوب العالمي. بالنسبة إلى الماركسية الغربية كتقليد مميّز، كان مثل هذا النقد الذاتي مستحيلًا من دون أن يفقد المشروع برمّته معناه. وليس من قبيل الصدفة أن أعنف السجالات التي خاضها الماركسيون الغربيون وُجّهت ضد لوكاتش، حين وسّع نقده للنزعة اللاعقلانية بما يشمل ضمناً اليسار الغربي وانبهاره بالإنسانوية-المعادية عند مارتن هايدغر. ففي التقليد الفلسفي الماركسي الغربي، جرى رفض جميع الأنطولوجيات الإيجابية، حتى تلك الخاصة بماركس وهيغل، إلى جانب التحليل التاريخي. وما تبقّى هو جدل مقيّد، اختُزل إلى منطق العلامات والدوال، منفصلًا عن الأنطولوجيا المادية، وعن الصراع الطبقي، وحتى عن التغيّر التاريخي. أصبحت الإنسانوية، بما في ذلك الإنسانوية الماركسية، عدوًّا ينبغي نبذه. وبعد أن تخلّت عن كل مضمون واقعي، ساهم الماركسيون الغربيون المعلنون لأنفسهم في إدخال ما يُعرف بـ “المنعطف الخطابي”، الذي قاد لاحقًا إلى اندماج الماركسية الغربية في ما بعد-الماركسية، وما بعد-البنيوية، وما بعد-الحداثة، وما بعد-الإنسانوية، وما بعد-الاستعمار، وما بعد-الرأسمالية. وهنا غالبًا ما كانت كلمة “ما بعد” تعني التراجع إلى الوراء، لا التقدّم إلى الأمام. يمكننا أن نلخّص جانبًا كبيرًا من نقاشنا حتى الآن بالقول إن التقليد الماركسي الغربي، على الرغم من ما قدّمه من ثروة فكرية نقدية، ظلّ أسير أربعة أشكال من التراجع: (1) التراجع عن الطبقة؛ (2) التراجع عن نقد الإمبريالية؛ (3) التراجع عن الطبيعة/المادية/العلم؛ (4) التراجع عن العقل. وبغياب أي أنطولوجيا إيجابية، لم يبقَ في اليسار ما بعد-الحداثي وما بعد-الماركسي سوى “الكلمة”، أو عالم من الخطاب الفارغ، يوفّر أساسًا لتفكيك الواقع دون أن يحمل أي مشروع تحرّري. تتمثّل المهمّة الراهنة، إذًا، في استعادة وإعادة بناء المادية التاريخية كنظرية وممارسة ثوريتين، في سياق الأزمة الكوكبية لعصرنا. قال ماكس فيبر إن المادية التاريخية ليست سيارة يمكن قيادتها إلى أي مكان. ويمكن الرد عليه بالقول إن الماركسية، بمعناها الكلاسيكي، لم تُصمَّم لنقل البشرية إلى أيّ وجهة كانت؛ بل إن وجهتها المقصودة هي مملكة المساواة الجوهرية والاستدامة البيئية: أي الاشتراكية الكاملة. غابرييل روكهيل: إنّ هذا التراجع الرباعي يشكّل انسحابًا من الواقع المادي إلى عالم الخطاب والأفكار، ومن ثمّ فهو انقلاب أيديولوجي للماركسية الكلاسيكية يقلب العالم رأسًا على عقب. والنتيجة السياسية الرئيسة لهذا التوجّه هي التخلّي عن المهمّة الصعبة والمعقّدة لبناء الاشتراكية في العالم الواقعي. فهذه “التراجعات الأربعة”، التي تقوّض ما سمّاه لينين “الجوهر الثوري للماركسية”، تغذّي بدورها نزعة الانسحاب من المهمّة العملية الأساسية للماركسية، أي تغيير العالم لا الاكتفاء بتفسيره. وللحفاظ على تحليل جدلي شامل، من المهم التأكيد على أن التراجعات الأربعة والتخلّي العام عن الاشتراكية الواقعية لا تعمل كمبادئ ميكانيكية تحدّد بصورة إختزالية جميع جوانب كل خطاب ماركسي غربي. بل هي سمات لحقل أيديولوجي واسع يمكن تمثيله بمخطّط فنّ. فكل خطاب محدّد يمكن أن يشغل مواقع مختلفة داخل هذا الحقل الأيديولوجي. فعند أحد الأطراف، نجد خطابات مثالية خرافية تخلّت تمامًا عن أي تحليل مادي لصالح اتجاهات “ما بعدية” —ما بعد-الماركسية، ما بعد-البنيوية، ما بعد-الحداثة، وما إلى ذلك—وهي اتجاهات شديدة الرجعية. وعند الطرف الآخر، نجد خطابات تدّعي التمسّك بالماركسية، وتنخرط جزئيًا في تحليل طبقي عقلاني، لكنها تسيء فهم الديناميات الطبقية الجوهرية في الإمبريالية، وتميل إلى رفض الاشتراكية الواقعية كمشروع لبناء دولة مناهضة للإمبريالية، مفضّلةً عليها نسخًا يوتوبية أو شعبوية أو اشتراكية متأثرة بالأناركية (وقد شخّص لوسوردو ببصيرة هذه الاتجاهات الثلاثة في كتابه عن الماركسية الغربية). ورغم أنّ الاتجاهات “الما بعدية” يسهل مجابهتها من منظور مادي صارم، فإن تحليل الماركسيين الغربيين يمكن أن يكون أكثر صعوبة في النقد، نظرًا لقوّتهم المؤسسية وادعائهم الالتزام بالمادية التاريخية. لذلك، من المهم للغاية، عند الاضطلاع بمهمّة إحياء المادية الجدلية والتاريخية كنظرية وممارسة ثوريتين، مواجهة الماركسيين الذين يزعمون الانتساب إلى الماركسية لكنهم يسيئون تمثيل الإمبريالية والنضال التاريخي العالمي ضدها. إن مقالاتك الأخيرة في مجلة Monthly Review ضرورية القراءة، لأنها تمسّ صميم إحدى أهم قضايا الصراع الطبقي النظري المعاصر، أي كيفية فهم الإمبريالية. وبينما تواصل تحليلك النقدي، آمل أن تواصل إلقاء الضوء على أحد أكثر الانقلابات الأيديولوجية الماركسية الغربية انحرافًا: تصوير الدول المنخرطة في النضال ضد الإمبريالية—من الصين إلى روسيا، وإيران، وغيرها—بوصفها دولًا إمبريالية في جوهرها، تعكس الغرب الجماعي في أفعالها وطموحاتها، أو حتى تمارس شكلًا من الإمبريالية أكثر تسلّطًا وقمعًا من الديمقراطيات البرجوازية في الغرب. جون بيلامي فوستر :العلاقة بين الماركسية الغربية والإمبريالية معقدة للغاية. جزء من المشكلة يكمن في أن ما نحتاج إلى تحليله أولاً هو المركزية الأوروبية المتأصلة في الثقافة الغربية (والتي تشمل، بالطبع، ليس أوروبا فقط، بل أيضًا الدول الاستيطانية الاستعمارية: الولايات المتحدة وكندا في أمريكا الشمالية، وأستراليا ونيوزيلندا في أستراليا، بالإضافة إلى إسرائيل في سياق مختلف بعض الشيء). جادل مارتن بيرنال في كتابه أثينا السوداء بأن أسطورة الآريين فيما يتعلق باليونان القديمة، التي شكّلت البداية الحقيقية للمركزية الأوروبية، ظهرت أثناء غزو نابليون لمصر في نهاية القرن الثامن عشر، رغم أن آثارها كانت موجودة بلا شك قبل ذلك. وقد حصلت المركزية الأوروبية على دفعة إضافية مع صعود ما أسماه لينين بـ “مرحلة الإمبريالية في الرأسمالية” في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي تمثل رمزيًا في تقسيم إفريقيا بين القوى الكبرى. لا ينبغي النظر إلى المركزية الأوروبية على أنها مجرد نوع من الإثنوسنتريزم. بل المركزية الأوروبية هي وجهة النظر التي عبّر عنها ويعبر بشكل أبلغ في مقدمته لكتابه سوسيولوجيا الأديان (المنشور كمقدمة للمؤلف في الترجمة الإنجليزية الرئيسية لـ الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية التي أعدّها تالكات بارسونز). ففيها إعتبر ويبر أن الثقافة الأوروبية هي الثقافة العالمية الوحيدة. وبالتأكيد، كان هناك ثقافات أخرى حول العالم، بعضها متقدّم جدًا في رأيه، لكنها جميعًا مُجبرة على التوافق مع الثقافة العالمية لأوروبا إذا أرادت التحديث، ما يعني التطور وفق معايير عقلانية ورأسمالية أوروبية. ويمكن للدول الأخرى أن تتطور، لكن فقط من خلال تبني الثقافة العالمية التي اعتُبرت أساس الحداثة، وهي نتاج خاص بأوروبا. ومن هذا المنظور، تناول جوزيف نيدهام المركزية الأوروبية نقديًا في كتابه "في داخل البحار الأربعة" عام (1969)، وحلّلها سمير أمين تاريخيًا في كتابه المركزية الأوربية عام 1988. لقد تطور الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر في سياق بروز المركزية الأوروبية بهذا المعنى. يمكن التفكير في النموذج الاستعماري والعنصري للعالم المقدم في فلسفة التاريخ لهيجل. ومع ذلك، كانت أعمال ماركس وإنجلز غير متأثرة إلى حد كبير بهذه المركزية الأوروبية. علاوة على ذلك، بحلول أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر، بينما كانا لا يزالان في الثلاثينيات من عمرهما، دعما بشدة النضالات والثورات المناهضة للاستعمار في الصين والهند والجزائر وجنوب إفريقيا. وأعربا أيضًا عن إعجابهما العميق بشعوب اتحاد إيروكي في أمريكا الشمالية. لم يوجّه أي مفكر كبير آخر في القرن التاسع عشر، مقارنةً بماركس، إدانة قوية لما سمّاه “اقتلاع السكان الأصليين للأمريكتين واستعبادهم ودفنهم في المناجم”، ولم يعارض العبودية الرأسمالية بقوة مماثلة. كان ماركس أشد معارض أوروبي لحروب الأفيون البريطانية والفرنسية ضد الصين، وللمجاعات التي سببتها السياسات الإمبريالية البريطانية في الهند. وادعى أن بقاء الكوميونة الروسية أو الـمجتمع القروي التقليدي يعني أن الثورة الروسية يمكن أن تتطور بطرق مختلفة عن أوروبا، وربما تتجاوز مسار التنمية الرأسمالية. قدّم إنجلز مفهوم “الأرستقراطية العمالية” (الذي طوّره لينين لاحقًا) لتفسير سكون العمال البريطانيين وضعف آفاق الاشتراكية هناك. وكانت الفقرة الأخيرة التي كتبها إنجلز، باستثناء بعض الرسائل، قبل شهرين من وفاته عام 1895، إشارة في الأسطر الأخيرة من طبعة المجلد الثالث من رأس المال إلى كيفية قيام رأس المال المالي (أو بورصة الأسهم) للقوى الأوروبية الكبرى بتقسيم إفريقيا. وكانت هذه هي الحقيقة نفسها التي أسست لتصور لينين لـ “مرحلة الإمبريالية في الرأسمالية”. لكن لا يمكن القول إن موقف الماركسيين في الجيل اللاحق كان متوافقًا على نحو وثيق مع قضايا الإمبريالية أو متعاطفًا بقوة مع الشعوب المستعمَرة. ففي الحرب العالمية الأولى، أيّد معظم الأحزاب الاشتراكية في أوروبا الدولَ الإمبريالية التي ينتمون إليها في نزاعٍ كان يتمحور، كما أوضح لينين، حول تحديد أيٍّ من الدول ستتولى استغلال المستعمرات وأشباه المستعمرات. ولم يقاتل ضد ذلك سوى حزب البلاشفة بقيادة لينين، والرابطة الصغيرة “سبارتاكوس” لروزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت. بعد الحرب العالمية الأولى، تم تبني تحليل لينين للإمبريالية في كتابه الإمبريالية: أعلى مرحلة للرأسمالية وتطويره، بدعم من لينين، في الكومنترن. ومن خلال وثائق الكومنترن ظهر أول ظهور لما أصبح يُعرف لاحقًا بنظرية التبعية، التي طوّرت لاحقًا في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى، ثم توسّعت إلى تحليل التبادل غير المتكافئ ونظرية النظام العالمي. وكانت هذه فترة ثورات واستقلالات في جميع أنحاء الجنوب العالمي. واستجابةً لهذه التطورات، انقسمت الماركسية جذريًا. فقد تبنى بعض المنظرين الماركسيين في الغرب، وبوضوح كما عبر سويزي في الستينيات، موقفًا مفاده أن الثورة، ومعها البروليتاريا الثورية وتركيز النظرية الماركسية الصحيح، قد انتقلت إلى العالم الثالث أو الجنوب العالمي. في المقابل، اعتقد معظم المنتمين للتقليد الماركسي الغربي المعلن عن نفسه أن الماركسية ملكية خاصة بالغرب حيث نشأت، على الرغم من أن الصراعات الثورية الرئيسية كانت تحدث في أماكن أخرى. وبطبيعة الحال، إرتبط هذا بتهميش، أو في أسوأ الأحوال رفض كامل، لظاهرة الإمبريالية. لكن هذا الديناميك توقّف أمام بعض الثورات الكبرى في العالم الثالث، التي كان من المستحيل تجاهلها، مثل الثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية. وبالتالي، تأثر شخصية مثل ماركوز، الذي كان عمومًا جزءًا من التقليد الفلسفي الماركسي الغربي، تأثيرًا عميقًا بالثورة الفيتنامية، لكنه ظل بعيدًا إلى حد كبير عن عمله النظري. وفي المجمل، عمل التقليد الماركسي الغربي في صيغته الأكاديمية الأكثر تجريدًا كما لو كانت أوروبا ما زالت مركز الأحداث، متجاهلاً التأثير العميق للإمبريالية على البنية الاجتماعية للغرب، مع احترام قليل نسبيًا للمنظرين الماركسيين خارج أوروبا. علّمني جون إس. سول، الذي ركز عمله على نضالات التحرير في أفريقيا، مفهوم “التناقض الأساسي”. فقد رأى لينين أن التناقض الأساسي للرأسمالية الاحتكارية هو الإمبريالية، وأكدت الثورة تلو الأخرى في الجنوب العالمي (والاستجابات المضادة للثورة في الشمال العالمي) صحة ذلك. لكن ليس فقط أن اليسار الغربي غالبًا ما تجاهل ذلك، بل شهدنا تحركات متزايدة يائسة لإنكار أن الشمال يستغل الجنوب اقتصاديًا، ورفض فكرة أن هذا في صميم نظرية لينين. وقد صاحب ذلك هجمات متكررة على نظريات التبعية، والتبادل غير المتكافئ، ونظرية النظام العالمي. ويذكر المرء أعمال بيل وارين، الذي حاول أن يجادل بأن ماركس رأى الإمبريالية “رائدًا للرأسمالية”، أي أنها تلعب دورًا تقدميًا (حتى لو لم يوافق لينين)؛ ومحاولة روبرت برينر في New Left Review لتصنيف سوويزي، أندريه غندر فرانك، وإيمانويل والرشتاين كـ “ماركسيين نيو-سميثيين” على أساس أنهم، مثل آدم سميث (وبافتراض في معارضة ماركس)، انتقدوا استغلال الدول الواقعة في أطراف الرأسمالية. (وكانت انتقادات سميث نفسه موجهة ضد الميركانتيلية ولصالح التجارة الحرة). في الولايات المتحدة، كانت الاقتصاد السياسي الماركسي بارزًا جدًا في الستينيات. ومعظم الذين انتقلوا إلى الماركسية في ذلك الوقت لم يفعلوا ذلك نتيجة الأحزاب اليسارية، التي كانت تكاد تكون معدومة، كما كان الحال مع حركة عمالية راديكالية. لذلك، انجذب اليساريون إلى المادية التاريخية في الستينيات والسبعينيات، إلى حد كبير بسبب نقد الإمبريالية والغضب من حرب فيتنام. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الماركسية في الولايات المتحدة دائمًا بالحركة الراديكالية السوداء، التي ركزت دومًا على علاقة الرأسمالية بالإمبريالية والعرق، ولعبت دورًا قياديًا في فهم هذه العلاقات. ومع ذلك، في أمريكا الشمالية وأوروبا على حد سواء، ضعف نقد الإمبريالية في أواخر السبعينيات والثمانينيات بسبب المركزية الأوروبية السائدة. وكانت هناك أيضًا مشكلة، بعبارات أكثر انتهازية، تتعلق بالتهميش من الأكاديمية والحركات اليسارية إذا ركّز المرء كثيرًا على الإمبريالية. ومن الواضح أن اليسار اتخذ خيارات معينة هنا. ففي الولايات المتحدة، تواجه جميع المحاولات لإنشاء حركة يسارية-ليبرالية أو ديمقراطية اجتماعية حقيقة أنه لا بد من عدم معارضة العسكرية الأمريكية أو الإمبريالية أو دعم الحركات الثورية في الخارج إذا أراد المرء أن يكون له موطئ قدم في النظام السياسي “الديمقراطي”. وحتى في الأكاديمية، توجد ضوابط غير معلنة بهذا الشأن. اليوم نرى حركة متزايدة بين المثقفين الذين يعلنون أنهم ماركسيون، والذين يرفضون علنًا نظرية الإمبريالية بمعناها اللينيني، وبمعنى النظرية الماركسية خلال القرن الماضي أو أكثر. وتُستخدم في ذلك حجج مختلفة، منها تضييق الإمبريالية لتصبح صراعًا بين القوى الكبرى فقط (أي رؤيتها أفقياً)، أو استبدال الإمبريالية بمفهوم غامض للعولمة أو العبر-قومية، أو إنكار قدرة دولة على استغلال أخرى، أو اختزال الإمبريالية إلى فئة أخلاقية بحيث تُرتبط بالدول السلطوية وليس “الديمقراطيات”، أو جعل مفهوم الإمبريالية شائعًا لدرجة يصبح بلا جدوى، متناسين أن دول مجموعة السبع اليوم (مع إضافة كندا) هي نفس القوى الإمبريالية الكبرى في الرأسمالية الاحتكارية التي حددها لينين منذ أكثر من قرن. وهذا يمثل تغييرًا جذريًا يقسم اليسار، حيث تدفع الحرب الباردة الجديدة ضد الصين—وهي أيضًا حرب ضد الجنوب العالمي—جزءًا كبيرًا من اليسار للانحياز إلى القوى الغربية، معتبرة إياها بطريقة ما “أفضل ديمقراطيًا” وبالتالي أقل إمبريالية. كل هذا يعيدنا إلى مسألة المركزية الأوروبية. لقد أدان منظّرو ما بعد الاستعمار في الآونة الأخيرة الماركسية بوصفها مؤيدة للإمبريالية أو مركزية أوروبية. وإن محاولة نسب هذه المواقف إلى ماركس وإنجلز ولينين يسهل دحضها على أساس الوقائع. كما قال باروخ سبينوزا: “الجهل ليس حجة”. لكنها تصبح مشكلة أعمق طالما أن العديد من منظري ما بعد الاستعمار يأخذون معيارهم للماركسية من المفاهيم الثقافية والفلسفية الأساسية للماركسية الغربية، والتي تستند إليها نظرية ما بعد الاستعمار إلى حد كبير. لا شك أن المنظرين الماركسيين الغربيين، الذين كانوا يركزون فقط على أوروبا أو الولايات المتحدة، كانوا غالبًا عرضة للمركزية الأوروبية. وعلاوة على ذلك، عكست الماركسية الغربية رؤية للماركسية الكلاسيكية على أنها حتمية اقتصادية، وبالتالي غير حساسة للقضايا الوطنية والثقافية. وكل هذا أدى إلى تشويه السجل التاريخي والنظري. في الواقع، هناك عالم كامل من التحليل الماركسي، معظمُه ناشئ عن الصراعات المادية. لقد كنت أقرأ كتابًا مثيرًا للاهتمام لسيمين فاداي بعنوان الماركسية العالمية: إنهاء الاستعمار والسياسة الثورية، نشرته دار جامعة مانشستر عام 2024. وتؤكد فيه أن الماركسية عالمية وتخصص فصولًا منفصلة عن ماو، وهو، أميليكار كابرال، فرانتز فانون، تشي، وآخرين. وتكتب في نهاية مقدمة كتابها: “في الواقع، من المركزية الأوروبية الادعاء بأن الماركسية مركزية أوروبية، لأن هذا يتضمن تجاهل حجر الأساس لبعض أكثر الحركات والمشاريع الثورية تحوّلًا في تاريخ البشرية الحديث. وبدلاً من إطلاق مثل هذه الادعاءات الشاملة، فإن الانخراط الأكثر ثراءً مع التاريخ يدعونا إلى التعلم من تجربة الجنوب العالمي مع الماركسية، وطرح سؤال: ما الذي يمكننا تعلمه من الصلة العالمية للماركسية؟” غابرييل روكهيل: الماركسية الغربية هي منتج إيديولوجي للإمبريالية، وتتمثل وظيفتها الأساسية في إخفاء الإمبريالية أو تمويهها، مع تحريف فهم النضال ضدها. وأقصد بالإمبريالية هنا المعنى الأوسع، كعملية لإقامة وتنفيذ تحويلات منهجية للقيم من مناطق معينة من العالم، وهي الجنوب العالمي، إلى مناطق أخرى، أي الشمال العالمي، من خلال استخراج الموارد الطبيعية، واستخدام العمالة المجانية أو الرخيصة، وخلق أسواق لتصريف السلع، وأكثر من ذلك. لقد كانت هذه العملية الاجتماعية والاقتصادية القوة الدافعة وراء تخلف غالبية كوكب الأرض والتطور المفرط للنواة الإمبريالية، بما في ذلك صناعاتها لإنتاج المعرفة. ضمن الدول الإمبريالية الرائدة، أدى ذلك إلى نشوء بنية فوقية إمبريالية تتألف من الجهاز السياسي والقانوني للدولة ونظام مادي لإنتاج الثقافة وتداولها واستهلاكها، والذي يمكن تسميته، اتباعًا لبريخت، بـ"الجهاز الثقافي". الصناعات المهيمنة لإنتاج المعرفة في النواة الإمبريالية هي جزء من هذا الجهاز الثقافي للدول الإمبريالية الرائدة. وعند القول إن الماركسية الغربية هي منتج إيديولوجي للإمبريالية، أعني بذلك أنها نسخة محددة من الماركسية نشأت داخل البنية الفوقية—وبشكل أكثر تحديدًا الجهاز الثقافي—للدول الإمبريالية الرائدة. إنها شكل خاص من الماركسية يفقد الاتصال بالطموح الكوني للماركسية في تفسير النظام الرأسمالي علميًا وتحويله عمليًا. في كتابي المرتقب بعنوان من دفع ثمن الماركسية الغربية؟، أضع هذه النسخة من الماركسية ضمن البنية الفوقية الإمبريالية وأدرس القوى السياسية والاقتصادية التي دَفعتها. واحدة من السمات اللافتة للنظر هي مدى تمويل الطبقة الحاكمة الرأسمالية والدول الإمبريالية لها ودعمها المباشر لها. كمثال محدد، استثمرت عائلة روكفلر—التي تُعد من أكثر اللصوص شُهرة في تاريخ الرأسمالية الأمريكية—ما يعادل اليوم ملايين الدولارات في مشروع دولي للماركسية-اللينينية. كان الهدف الرئيسي منه هو الترويج للماركسية الغربية كسلاح إيديولوجي ضد شكل الماركسية المكرس لتطوير الاشتراكية في العالم الواقعي كحاجز ضد الإمبريالية. كان ماركوز في قلب هذا المشروع، كما كان صديقه المقرب والداعم الأكاديمي فيليب موزلي، الذي كان مستشارًا رفيع المستوى وطويل الأمد لوكالة الاستخبارات الأمريكية ومتورطًا بشكل عميق في الحرب العقائدية. بالإضافة إلى كونه أحد أبرز الماركسيين الغربيين، عمل ماركوز لسنوات كسلطة رئيسية في الشيوعية لوزارة الخارجية الأمريكية. هذا مهم لأنه يوضح مدى تعاون عناصر الدولة البرجوازية مع فصائل البرجوازية لترويج الماركسية الغربية. فهما يشتركان في الهدف الأساسي نفسه، وهو نشر نسخة من الماركسية يمكن تعميمها على نطاق واسع لأنها تخدم مصالحهم في النهاية. لا شك أن هذا يمثل تسوية طبقية، إذ أن الإمبرياليين كانوا يفضلون القضاء على الماركسية كليًا. ومع عجزهم عن ذلك، لجأوا بدلاً من ذلك إلى أسلوب "الترويج الناعم" عبر الترويج للماركسية الغربية باعتبارها الشكل المقبول والموثوق منه من الماركسية. القضية الجوهرية، من نواحٍ عديدة، هي أن الماركسية الغربية لا تدرك التناقض الأساسي للنظام الرأسمالي العالمي، وهو الإمبريالية. كما أنها لا تفهم علميًا النشوء الجدلي للاشتراكية داخل العالم الإمبريالي، ولا تدرك أن مشاريع بناء الدولة الاشتراكية في الجنوب العالمي كانت العائق الأساسي أمام الإمبريالية. إن افتقارها لفهم الإمبريالية والنضال ضدها يعني أنها في النهاية تفتقر إلى الصرامة العلمية. من خلال إخفائها للتناقض الرئيسي ووسيلة التغلب المادي عليه عبر الاشتراكية الواقعية، فإنها تقوم بقلب الواقع المادي إيديولوجيًا بطرق متعددة ومتنوعة. رغم وجود درجات مختلفة من الماركسية الغربية، فإنها دائمًا تحتوي على جرعة من اللاعلمية. رفضها للأنطولوجيا المادية هو امتداد لتراجعها العام عن العلوم المادية. وهنا يُفهم "العلم" بالمعنى الذي قصده ماركس وإنجلز، أي العملية المستمرة والمعرضة للخطأ لتأسيس أفضل إطار تفسيري جماعي عن طريق اختبار الأفكار في الواقع المادي باستمرار وتعديلها وفقًا للتجربة العملية. وبالعودة إلى النقطة الجوهرية، يمكن القول إن الماركسية الغربية يمكن وصفها بدقة أكبر بأنها "الماركسية الإمبريالية" بمعنى أنها منتج إيديولوجي للبنية الفوقية الإمبريالية التي تخفي الإمبريالية—لتعزيزها—مع محاربة الاشتراكية الواقعية القائمة. المشروع الكوني للماركسية، بالمقابل، هو مشروع مضاد للإمبريالية بشكل حاسم في العالم الذي نعيش فيه، وذو صرامة علمية، إذ يعترف بالواقع المادي الذي يجعل مشاريع بناء الدولة الاشتراكية الطريقة الأساسية لمحاربة الإمبريالية والتحرك نحو الاشتراكية. وهذا لا يعني، بالطبع، أن الماركسيين الكونيين يقبلون أي مشروع يرفع شعار الاشتراكية أو يزعم أنه مناهض للإمبريالية دون نقد. في التزامها بالصرامة العلمية، تستثمر الماركسية الكونية في التدقيق النقدي والتقييم المادي الدقيق. ولتوضيح الأمر، فهذا لا يعني التخلص من كل الأعمال المنجزة ضمن تقليد الماركسية الإمبريالية. بل يجب التعامل معها بطريقة جدلية، مع الاعتراف بالمساهمات التي قدمتها، مثلًا، في تحليل الرأسمالية والنظرية الماركسية بطرق متعددة. وهذا منطقي تمامًا بالنظر إلى مستوى التطور المادي العالي للبنية الفوقية الإمبريالية التي تدعمها. ومع ذلك، من الضروري للغاية الإشارة إلى أن ماركسية لا تدرك التناقض الأساسي للنظام الاجتماعي-الاقتصادي لا يمكن اعتبارها علمية أو محررة. ومن المهم أيضًا التعرف على سبب هيمنة هذه النسخة من الماركسية في صناعة النظرية الإمبريالية. فبدلًا من محاربة الإمبريالية والمساهمة في النضال العملي لبناء الاشتراكية، فإنها تتوافق إيديولوجيًا مع مصالح الإمبرياليين. جون بيلامي فوستر: من منظور ماركسي، القول بأن الإمبريالية هي التناقض الأساسي للرأسمالية في عصرنا يعني أن الواقع المادي للنضالات الثورية ضد الإمبريالية هو الذي يشكل التناقض الأساسي للرأسمالية. لأكثر من قرن، شهد الجنوب العالمي ثورات ضد الإمبريالية، جذورها في أفعال الطبقات المظلومة ونُفذت باسم الماركسية أو مستوحاة منها. ويمكن اعتبار النضالات ضد هيكل الرأسمالية الاحتكارية التي يخوضها العمال في الشمال العالمي جزءًا موضوعيًا من هذا الجدلية نفسها. لقد عُرفت الماركسية الغربية في البداية بمعارضتها الشديدة للماركسية السوفيتية بكاملها، وليس فقط بصيغتها الستالينية. وبالتالي، غالبًا ما دعم الماركسيون الغربيون جهود الحرب الباردة للغرب مع هيكله الإمبريالي. من الناحية الإيديولوجية، أدان الماركسيون الغربيون إنجلز وكل ما جاء بعده في الأمميتين الثانية والثالثة، إلى جانب الجدل المادي. وكانت الثورات ضد الإمبريالية في الجنوب العالمي تُعامل على أنها غير ذات صلة بالنظرية والممارسة الماركسية، التي كانت تُرى على أنها نتاج الغرب وحده. وعلى الرغم من أن الحركات الشيوعية الأوروبية في فترة ما قدّمت بدائل أكثر راديكالية، فإن هذه الحركات غالبًا ما تم التنصل منها حتى زهي في أوجها من قبل التقليد الماركسي الغربي، قبل أن تخضع تمامًا للسياسة الديمقراطية الاجتماعية. كل ما تبقى من الماركسية الكلاسيكية داخل الماركسية الغربية، رغم مزاعمها الفكرية الكبيرة، كان مجرد مجال محدود من الأرابيسك الفلسفي المستوحى من نقد ماركس لرأس المال. فقد انفصلت الماركسية الغربية عن الطبقة العاملة في الغرب وعالميًا عن الثورة في العالم الثالث، وعن معارضة الإمبريالية، وفي نهاية المطاف عن العقل. ومن المهم أن نتذكر أن ماركس وإنجلز أشارا بوضوح في عملهما المبكر العائلة المقدسة إلى العنوان الفرعي "نقد النقد النقدي". لقد عارضوا بشدة أي تحليل نزَل إلى مستوى مجرد "النقد النقدي"، أي المثالية التخيلية الخالصة التي لا علاقة لها بـ"الإنسانية الحقيقية"، والتاريخ الحقيقي، والمادية الحقيقية. لم يقتصر فشل هذا النقد على عدم التعاطف مع نضالات العمال فحسب، بل كان أيضًا دون مستوى نضال البرجوازية الثورية نفسها. وقد اختفى هذا تمامًا بعد ثورة 1848. اليسار الغربي الذي يتنصل أو يغض الطرف عن النضالات الثورية الرئيسية في العالم، والذي يتجاهل أو يقلل من دور الاستغلال الإمبريالي الذي رُوج له الغرب لقرون، قد قطع، نتيجة هذه الانسحابات من الواقع، كل العلاقات العملية للماركسية مقابل العلاقات الفلسفية البحتة. من هذا المنطلق، تحتاج الماركسية الغربية، كنموذج محدد، إلى التراجع أمام منظور جدلي عالمي أكثر اتساعًا، تمثله الماركسية الكلاسيكية، واليوم ما يمكن أن نطلق عليه الماركسية العالمية أو الماركسية الكونية. يمكن عكس الانسحابات الأربعة مع إعادة توحيد نضالات العمال حول العالم على أسس مادية في النظام العالمي المعاصر للتراكم. إشاراتك إلى ماركوز، مع ذلك، تبرز لي أن ما نتعامل معه هنا هو نقد وليس إدانة مطلقة للتقليد الماركسي الغربي بعد الحرب العالمية الثانية (باستثناء مسألة النظرية الفرنسية ما بعد الحداثية والانحراف نحو اللاعقلانية). كان ماركوز بالتأكيد ماركسيًا غربيًا، وليس مجرد ماركسي في الغرب. لكنه كان أكثر راديكالية من أدورنو أو هوركهايمر، وكان في الواقع ناقدًا جدًا لكليهما بسبب مسارهما المتزايد نحو اليمين. لقد تأثرت كثيرًا بماركوز في شبابي، خلال أول عامين لي في الجامعة. كنت دائمًا متحفظًا بشدة تجاه كتابه الإنسان أحادي البُعد بسبب جدلية الانسحاب المضمَّنة فيه. لقد أوضح ماركوز هناك وفي أماكن أخرى أنه قد تخلى عن الجدل المادي. كما تراجع عن أي اعتقاد بالطبقة العاملة ككيان مستقل، ولم تكن الإمبريالية جزءًا جوهريًا من تحليله العام. كان الرفض العظيم، في مواجهة مجتمع جماهيري أحادي البُعد، تصورًا ضعيفًا ليشكل العقل النقدي والممارسة العملية كما في ماركس. وقد خالف بيانه في خاتمة كتابه حيث كتب أن "المفهوم الجدلي ينطق بيأسه على أسس نظرية وتجريبية" روح كتابه السابق العقل والثورة: هيجل ونشوء النظرية الاجتماعية. لقد تأثر ماركوز بشدة بسيغموند فرويد ومارتن هايدغر. يمثل كتابه إيروس والحضارة، رغم كونه عملًا رئيسيًا لليسار الفرويدي، تحوّلًا نحو النفسانيات التي تميل إلى تفكيك الذات باسم تحقيق ملموس أكبر، مع تقليل التركيز على التاريخ والظروف المادية والبنية. أما من هايدغر، فقد استلهم ماركوز رؤية للتكنولوجيا كانت، رغم نقدها، منفصلة إلى حد كبير عن مسألة العلاقات الاجتماعية، متجسدة في نظرة سلبية مضادة للتنوير، تتنافر مع الكثير من فكره الآخر. وقد نتج عن هذه التأثيرات، بالإضافة إلى افتقار التحليل التاريخي الجاد، تصور الولايات المتحدة في خمسينيات القرن العشرين باعتبارها أكثر ثباتًا مما كانت عليه فعليًا، مما أدى إلى فكرة الرأسمالية الخالية من الأزمات والجدلية اليائسة في الإنسان أحادي البُعد. مع ذلك، فإن كتابه العقل والثورة، المنشور عام 1941 (أي قبل عصر الحرب الباردة)، كان عملًا مختلفًا وثوريًا تمامًا. ما زلت أتذكر حماسي عندما اطلعت عليه في أواخر سنوات المراهقة. وقد قادني ذلك والعديد من الآخرين إلى دراسة مكثفة لفينومينولوجيا هيجل. ثم، في خضم أزمات الطاقة والاقتصاد 1973–1975، كتب كتابه الثورة المضادة والتمرد. وكان فصله "اليسار تحت الثورة المضادة" واضحًا حول الإمبريالية، رغم أن دمج هذا في تحليل أوسع كان مفقودًا. لا يمكن بسهولة نسيان السطور الافتتاحية حيث ذكر: "المجازر الجماعية في الهند الصينية، إندونيسيا، الكونغو، نيجيريا، باكستان والسودان تُشن ضد كل ما يُسمى شيوعيًا أو يقاوم حكومات تابعة للدول الإمبريالية". في فصل "الطبيعة والثورة"، حاول تقديم منظور ماركسي بيئي على الحركة البيئية الناشئة، حتى أنه خالف، في نقطة ما، النهي الماركسي الغربي ضد الطبيعية الجدلية. وكان الفصل عن "الفن والثورة"، الذي أشار إلى عمله البعد الجمالي، آخر محاولاته لنقد الرأسمالية. ومع ذلك، كان هناك جانب آخر في سيرة ماركوز يبدو غير متسق مع ذلك. كيف نفسر تورطه المباشر لفترة في المشروع الماركسي-اللينيني المعادي للشيوعية الذي أشرت إليه؟ لم أقرأ كتابه الماركسية السوفيتية من خمسينيات القرن الماضي إلا في مرحلة الدراسات العليا، والذي بدا مزيجًا من الواقعية والدعاية، مع تركيز أكبر على الأخيرة للأسف. وكان هذا العمل يمثل في جوهره جدار حديدي داخل الماركسية نفسها. مثل ماركوز، تم تكليف مفكرين ماركسيين بارزين آخرين شاركوا في الحرب ضد النازية، بمن فيهم سويزي وفرانز نيومان، للعمل في مكتب الخدمات الاستراتيجية، السلف لوكالة الاستخبارات الأمريكية. وقد توجهت أبحاث ماركوز هناك نحو تحليل الرايخ الألماني تحت حكم أدولف هتلر. ومع ذلك، استمر في العمل مع أجهزة الاستخبارات حتى السنوات الأولى للحرب الباردة، وكتب عام 1949 تقريرًا عن "إمكانات الشيوعية العالمية" لمكتب بحوث الاستخبارات، والذي أصبح أساس كتابه الماركسية السوفيتية. وهذا يضفي لونًا مختلفًا كليًا على الأمور. مع ذلك، كانت هناك جودة راديكالية مستمرة في عمل ماركوز ضمن حدود الماركسية الغربية المفروضة ذاتيًا. فقد ظل ملتزمًا بنقد الرأسمالية وبالتحرير الثوري، والأعمال الكبرى التي يعرف بها من إيروس والحضارة (1952) إلى الإنسان أحادي البُعد (1964) ربما تكون أقل أهمية من محاولاته الأكثر تشويشًا لدعم الحركات الراديكالية في الستينيات. وهذا أمر لم يكن مستعدًا له تمامًا، لأنه يعني قلب تقييمه لمجتمع الجماهير أحادي البُعد رأسًا على عقب. ومع ذلك، من مقالة عن التحرير (1969) إلى ربما البعد الجمالي (1978)، نرى ماركوز، لم يعد المحاضر الأسمى، بل المثقف في الصفوف الأمامية الذي أحبّه الطلاب في حركة الستينيات والسبعينيات. يمثل ماركوز ربما المأساة الكاملة للماركسية الغربية، أو على الأقل جزء مدرسة فرانكفورت منها. وعلى الرغم من أن أدورنو وهوركهايمر أصبحا أكثر تراجعًا في سعيهما اللانهائي لإعادة التجسيد، إلا أن ماركوز احتفظ بمنظور راديكالي. كانت موقفه النهائي يجمع بين تشاؤم الفكر وجمالية الإرادة. أصبح الفن الأساس النهائي للمقاومة، وعلى الرغم من أنه كان يرى ذلك بطريقة نخبوية إلى حد ما، إلا أنه كان يمتلك القدرة على دمجه في منظور مادي حقيقي. وهذا يقترح أن النقد، مع دمج العنصر الإيجابي بدلاً من الإدانة المطلقة، هو النهج المناسب لما يمكن وصفه فعليًا بالماركسية الغربية، في الحالات التي نجد فيها، كما في ماركوز، انسحابًا رباعيًا ولكن ليس استسلامًا كاملًا. تكمن المشكلة في التقليد الماركسي الغربي، بالمعنى الذي ناقشه أندرسون وبالطريقة التي انتقدها لوسوردو، في أنه يمثل جدلية الهزيمة، حتى خلال العقود التي كانت الثورة تتوسع خلالها في جميع أنحاء العالم. لقد كان هناك دائمًا ماركسية، منذ زمن ماركس وإنجلز وحتى اليوم، لا مجال فيها للتراجع الأساسي أو التسوية الدائمة مع النظام، وهي ماركسية مناهضة للرأسمالية والإمبريالية بلا تحفظ، لأنها تستند إلى النضالات الثورية الحقيقية حول العالم. في أي نقد للماركسية الغربية، يجب في الوقت نفسه أن يُؤخذ في الاعتبار وجود ماركسية أكثر شمولية أو عالمية، حتى في الغرب. لكن هذا شيء لا يمكننا التطرق إليه هنا. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن سبب أهمية نقد الماركسية الغربية الأوروبية اليوم يكمن في الانقسام الحالي للحرب الباردة الجديدة بين اليسار الأوروبي-المركزي والماركسية العالمية. اليسار الأوروبي-المركزي يقلل من شأن القوى الإمبريالية الأساسية، أو ينكرها، أو في الحالات القصوى يرحب بها. بالمقابل، الماركسية العالمية مصممة على معارضة الإمبريالية كلية. الماركسية الغربية الأوروبية على وشك الانتهاء، وقد أضعفتها العولمة، كما أشار جيمسون. وبينما كانت الماركسية الغربية تعتبر نفسها الأساس الأصيل لكل الدراسات الماركسية، فإنها تُستبدل اليوم بالماركسية الكونية أو العالمية، على خطى ماركس وإنجلز ولينين وأبرز منظري الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية. وهنا لا يقتصر التحليل على ذلك الركن الصغير من العالم في شمال غرب أوروبا حيث نشأت الرأسمالية الصناعية والاستعمار/الإمبريالية، بل يجد أساسه المادي في نضالات البروليتاريا العالمية. غابرييل روكهيل: لا أستطيع إلا أن أوافق تمامًا على أهمية تجنب المقاربات غير الجدلية للماركسية الغربية، التي تُفضي إما إلى تمجيد غير نقدي أو إلى إدانة مطلقة. النقد الجدلي يتجنب هذا الانقسام الاختزالي من خلال توضيح مساهمات الماركسية الغربية، بالإضافة إلى حدودها، مع تقديم تفسير مادي لكليهما. الهدف العام لمثل هذا النقد هو دفع المشروع الإيجابي للماركسية العالمية والدولية إلى الأمام، والتي يمكن إبرازها بوضوح أكبر وتطويرها من خلال تجاوز الانحرافات في الماركسية التي هي، على مستوى معين، نتيجة ثانوية لتاريخ الإمبريالية. السبب الرئيسي لتحديد المشكلات المرتبطة بهذا التقليد، إذن، ليس إطلاقًا للانغماس في الإدانة الشاملة أو التباهي النظري، بل للتعلم من حدودها وتجاوزها بالانتقال إلى مستوى أعلى من التفسير العلمي والأهمية العملية. وهذا بالضبط ما فعله ماركس وإنجلز في نقدهما للفلسفة الجدلية، والاقتصاد السياسي البرجوازي، والاشتراكية اليوتوبية (لنستشهد بالمكونات الثلاثة للماركسية كما شخصها لينين بذكاء). النقد الجدلي ينخرط في عملية تجاوز ديالكتيكي، بمعنى التغلب الذي يدمج أي عناصر مفيدة من ذلك الذي يتم التغلب عليه. يشمل التقييم الجدلي للماركسية الغربية، كما ذُكر أعلاه، تحليل نطاق مجالها الأيديولوجي وتنوعاته، والذي يمكن رسمه بعدة طرق، مثل مخطط فن للأربعة تراجعات. ويجب دمج هذا التحديد للمجال الأيديولوجي الموضوعي مع حساب دقيق للمواقف الذاتية داخل هذا المجال وتغيراتها عبر الزمن. إن التحليل المشترك لتعقيدات المجال الأيديولوجي وخصوصيات المواقف الذاتية داخل هذا المجال هو ما يوفر لنا وصفًا أكثر شمولية ودقة للماركسية الغربية كأيديولوجيا تتجلى بشكل متفاوت في المشاريع الذاتية الخاصة بها بأشكالها المورفولوجية المحددة. وهذا يعاكس تمامًا المنهج الاختزالي الذي يحاول اختزال جميع المواقف الذاتية إلى أيديولوجيا واحدة موحدة تحددها ميكانيكيًا. حالة ماركوزه تكشف الكثير في هذا الصدد، ويمكن قضاء وقت طويل في تفصيل التغيرات الذاتية في أعماله ووضعها ضمن المجال الأيديولوجي الأوسع للماركسية الغربية. عند تسليط الضوء على أقصى مواقفه فقط، يمكن القول إنه انتقل من كونه أحد كبار العاملين المناهضين للشيوعية في وزارة الخارجية الأمريكية خلال الحرب الباردة المبكرة، إلى مفكر راديكالي أعرب عن دعمه القوي لجوانب معينة من حركات الطلاب، وحركات مناهضة الحرب، والحركات النسوية، ومناهضة العنصرية، والحركات البيئية. لم يكن عمله في وزارة الخارجية وخدمة مكتب الخدمات الاستراتيجية بريئًا كما كان يدعي لاحقًا، وسجلات الأرشيف تظهر بوضوح أنه تعاون عن كثب مع وكالة المخابرات المركزية لسنوات، وشارك حتى في إعداد تقديرات استخباراتية وطنية على الأقل (وهي أعلى أشكال الاستخبارات في إمبراطورية العالم الرائدة). علاوة على ذلك، كان هذا العمل مرتبطًا بسلاسة بالدور الذي لعبه في مركز مشاريع الحرب الأيديولوجية التي تديرها الطبقة البرجوازية الحاكمة ضد الماركسية السوفيتية — وبشكل أوسع الشرق — بوجه عام. ومع ذلك، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، أصبح متطرفًا بفعل حركات اليسار الجديد في ذلك الوقت، مما وضعه في صراع حاد مع ماركسيي الإمبريالية من مدرسة فرانكفورت مثل أدورنو. على الرغم من أن الرجل الذي روج له الإعلام البرجوازي كعرّاب لليسار الجديد لم ينقطع جديًا عن معاداة الشيوعية أو الماركسية الغربية، فإن ملفه الواسع لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي يظهر أن بعض عناصر الدولة البرجوازية اعتبرته تهديدًا محتملاً. جانب آخر من أعمال ماركوزه يستحق الذكر هو انتقائيته، وبشكل أكثر تحديدًا محاولته — مثل العديد من الماركسيين الغربيين الآخرين — دمج الماركسية مع الخطابات غير الماركسية، غالبًا تلك التي تتسم بالذاتية، مثل الظاهراتية والوجودية، وكذلك التحليل النفسي. ومن الفرضيات الأساسية لبعض الماركسيين الغربيين أن الماركسية الكلاسيكية تُبالغ في التركيز على القوى الاجتماعية الموضوعية على حساب الخبرة الذاتية، وأن الخطابات الأكثر ذاتية ضرورية بالتالي كتصحيح لها. وهذا أحد الأسباب الرئيسية لأهمية الفرويدية-الماركسية في الماركسية الغربية، وهو اتجاه استمر في اللاكانية-ألتوسيرية للأفكار المعاصرة مثل باديو وزيزك. ولتحليل هذه التوجهات المتعددة، يجب البدء بإعادة النظر في التوصيف الخاطئ للتفسير الجدلي للذاتية والموضوعية في الماركسية الكلاسيكية، والذي يقلل من اهتمامها بالتجربة الذاتية أو علم النفس، مما يشوه بوضوح تفسيرها للأيديولوجيا. كما يجب أن يشمل التقييم النقدي لما يعنيه دمج الماركسية الجدلية والتاريخية مع الأيديولوجيا الليبرالية (الإطار التوجيهي للفرويدية)، بدلاً من الانخراط، على سبيل المثال، في نقد جدلي للتحليل النفسي من منظور ماركسي (وهو مشروع ساهم فيه أشخاص مثل ليف فيغوتسكي وفالنتين فولوشينوف). لا تتسع المساحة هنا لتحليل هذا الجانب من استمرار الأيديولوجيا الليبرالية داخل الماركسية الغربية، لكن من المهم الإشارة إلى أن الذاتية في كثير من هذا التقليد غالبًا ما ترتبط بتبنيها الثقافية والنفسية على حساب التحليل الطبقي. وقد جادل تود كرونان، في هذا الصدد، بأن أدورنو وهوركهايمر افترضا عناصر فوقية مثل الهويات العرقية أو الإثنية أو الدينية كأساسية، مما سمح للبنية الاقتصادية بالانحسار إلى الخلفية، مع ميلهم إلى إعادة تفسير الطبقة بشكل أساسي كمسألة سلطة. وقد انخرط أدورنو، على غرار ماركوزه، في النفسية بشكل صريح، محاولًا، على سبيل المثال، تفسير الفاشية — وكذلك الشيوعية! — من خلال ما يسمى بالشخصية السلطوية. كما أوضح أمين، إن الثقافية هي واحدة من أعداء الماركسية الأقدم، وكذلك النفسياتية وغيرها من أشكال التفسير الذاتية. ما نملكه هنا، باختصار، هو انقلاب على الفهم الماركسي للعلاقة بين البنية الفوقية والبنية التحتية. كثير من الماركسية الغربية يرفع من شأن الثقافي والذاتي على حساب القوى الموضوعية للبنية الاجتماعية والاقتصادية. وهذا أحد الأسباب التي تجعلني أجد مقاربة الماركسية الغربية للفن والثقافة إشكالية أساسًا. فكرة أن الفن — والأهم من ذلك مفهوم الفن البرجوازي وممارسته، لأنه محور اهتمام الماركسيين الغربيين — يمكن أن يكون موقعًا رئيسيًا للمقاومة، تميل إلى تجاهل العلاقات الاجتماعية المادية لإنتاج الثقافة، أو تنظر إليها بشكل نقدي فقط في حالة الفن الجماهيري، وليس الفن العالي والنظرية. وهذه المقاربة تتعامل أيضًا مع أيديولوجيا الفن البرجوازي باعتبارها تعمل في مجال إنتاج فريد يستثني، أو على الأقل يسعى لتجاوز، العلاقات الاجتماعية العامة للإنتاج في المجتمع. صحيح أن أدورنو كتب عن تأثيرات التصنيع على أشكال الثقافة الشعبية، وأن بعض أعماله الأكثر فطنة تحلل تأثيرات تكنولوجيا التسجيل على الموسيقى. ومع ذلك، فإن تفسيره لاستقلالية الفن، والتي كانت مصدر إلهام مباشر لكتاب ماركوزه البُعد الجمالي، مشوب بقدر كبير من سحر البضاعة الثقافية. وبالتالي، بدلاً من تقديم تحليل مادي للقوى الاجتماعية والاقتصادية العاملة في إنتاج وتوزيع واستهلاك الفن البرجوازي، يحتفل ماركوزه بأعمال فنية معزولة بوصفها مخازن سحرية للمقاومة، دون توضيح كيفية تأثيرها على التغيير الاجتماعي الحقيقي. علاوة على ذلك، يميل الماركسيون الغربيون مثل ماركوزه وأدورنو إلى تجاهل الفن الاشتراكي أو التقليل من شأنه (إلا إذا تم دمجه في القانون البرجوازي). بدلاً من التعرف، كما فعل بريخت وآخرون، على كيفية تقديم الفن صورة مناسبة للواقع وأدوات لتحويله جماعيًا، يوجه منظرو الفن البرجوازي الماركسيون الغربيون الطاقات السياسية للناس نحو إيمان خرافي بقوى الفن البرجوازي السحرية. ونظرًا لأنهم لم يستطيعوا أبدًا شرح كيف يمكن لقراءة شارل بودلير أو الاستماع إلى موسيقى لامتناغمة أن يؤدي إلى تحول اجتماعي ثوري، فمن الواضح أن الجمالية المهزومة لديهم مشروع طبقي يحافظ في النهاية على الوضع القائم. فهي توطد النظام الثقافي البرجوازي وتعزز طبقة البرجوازية الصغيرة كحارس نظري للأيديولوجيا البرجوازية، بينما تقلل بشكل عام من شأن أو تتجاهل الفنون الشعبية للطبقة العاملة والجهود الاشتراكية لديمقراطية الثقافة. إذا كان الحل السياسي الوحيد الذي يقدمه هؤلاء المثقفون الغربيون هو جذب الناس للاستثمار في تفسيرات نظرية عليا للفن البرجوازي، فإن هذا عمليًا يعني تطوير المثقفين البرجوازيين الصغار كحراس للثقافة البرجوازية. هذا المشروع الطبقي لا يخدم مصالح الطبقات العاملة والمضطهدة في العالم، بل يشجع الناس على الانسحاب من الصراع الطبقي والاستثمار في الفن البرجوازي — أي الأيديولوجيا البرجوازية — بوصفه موقع المقاومة الحقيقي. وبالتالي، تكمل هذه الجمالية المهزومة الهزيمة السياسية للماركسية الغربية، ويساهم كلاهما في التخلي عن الصراع الطبقي من الأسفل لصالح الإيمان الأيديولوجي بالقوى السحرية للنظرية العليا والثقافة البرجوازية، والتي تسهم في النهاية في الصراع الطبقي من الأعلى. أود أن أختتم بتوضيح السبب الرئيسي لأهمية هذا النقد الجدلي للماركسية الإمبريالية. تصبح النظرية قوة في العالم فقط عندما تتوقف عن الوجود ضمن المجال المحصور للمثقفين وتصل إلى الجماهير. السبب الرئيسي للحاجة إلى الصراع الأيديولوجي ضد الماركسية الغربية هو تأثيرها الأوسع في تشويش اليسار. مع اشتداد التناقضات العالمية، والحرب الباردة الجديدة، وظهور الفاشية في العالم الإمبريالي، نواجه وضعًا في النواة الإمبريالية وبعض الأطراف الرأسمالية حيث أن اليسار، بما في ذلك عناصر اليسار الاشتراكي أو الشيوعي المعلن، مؤيد صراحةً أو ضمنيًا للإمبريالية ومعادٍ للشيوعية (وهو تأثير يرجع جزئيًا إلى الماركسية الغربية). إذا كان تجاوز الأربعة تراجعات وتجديد الماركسية المناهضة للإمبريالية يُعد أحد أهم مهام الصراع الطبقي النظري اليوم، فإن ذلك لا يعود ببساطة إلى الحاجة إلى تصحيح نظري، بل لأننا إذا أردنا مواجهة أكثر مشاكل عصرنا إلحاحًا — بما في ذلك الإبادة البيئية، ومخاطر الكارثة النووية، والقتل الاجتماعي الرأسمالي المستمر، وصعود الفاشية، وما إلى ذلك — فإننا بحاجة إلى إعادة بناء وتجديد جبهة قوية للنضال الاشتراكي المناهض للإمبريالية مستندة إلى تقليد الماركسية الجدلية والتاريخية. هذا هو الهدف النهائي للنقد الجدلي للماركسية الغربية. جون بيلامي فوستر: ما يلفت انتباهي في نقاشنا حول ماركوز والماركسيين الغربيين الآخرين هو الدرجة التي استسلموا فيها لأيديولوجية النظام، وخصوصًا الرؤية التي تصور الولايات المتحدة كمجتمع جماهيري شامل ونتيجة عقلانية لعصر التنوير. هنا فقدوا رؤية التحليل الطبقي، بينما اعتمدوا على إطارات ثقافية ومثالية وأشكال من علم النفس البعيد عن المادية (بما في ذلك المادية الثقافية) والتي كانت لتقوض تحليلهم. كان هذا نهجًا أقرب إلى ماكس ويبر، بمذهبه الثقافي، ومثاليته النيو-كانطية، وتصوره للرأسمالية على أنها ببساطة انتصار المجتمع التكنوقراطي العقلاني، منه إلى ماركس. لقد وقع ماركوز في قفص ويبر الحديدي، تمامًا كما فعل ويبر نفسه. نقد هايدغر أحادي البعد للتكنولوجيا أثّر بشدة على ماركوز لدرجة أنه حول قفص ويبر الحديدي إلى قفصه الخاص. الماركسية الغربية، وخاصة مدرسة فرانكفورت، كانت في هذا المعنى نتاج زمنها، وما وصفه سي. رايت ميلز بسخرية بـ "الاحتفال الأمريكي". أما النظرية الفرنسية فقد أخذت الأمر خطوة أبعد، مستسلمة تمامًا لأيديولوجية الولايات المتحدة في عملية تفكيك أشبه بالتسويق بعد الحداثة. بالنسبة للماركسية الغربية، بما في ذلك الممثلون الرئيسيون لمدرسة فرانكفورت، فإن مدى التراجع مثير للقلق. تم اتخاذ قرارات فعلية للانضمام إلى الغرب في صراعه، وللهجوم على الماركسيين في الشرق. لم يمنع "الرفض العظيم" لماركوز من العمل لصالح المخابرات الوطنية الأمريكية خلال الحرب الباردة المبكرة. كما أن نسخة أدورنو من الماركسية الغربية لم تمنعه، مع هوركهايمر، من قبول دعم السلطات الأمريكية في ألمانيا الغربية المحتلة بعد الحرب العالمية الثانية أو مهاجمة لوكاش بوحشية في منشور أنشأته الجيش الأمريكي ومولته وكالة الاستخبارات المركزية، بينما كان جالسًا على شرفة "فندق الجحيم الكبير". ومن المهم الإشارة إلى أن أشد الإدانة لكتابات لوكاش حتى يومنا هذا، مثل تلك التي قدمها جيمسون وإنزو ترافيرسو، كانت موجهة إلى الخاتمة في كتابه "دمار العقل". هناك، كتب لوكاش في وقت الحرب الكورية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة هي وريثة كل تقليد اللاعقلانية، مع الإيحاء بأن اليسار الغربي من خلال استمراره في تبني فريدريك نيتشه، إلى جانب هايدغر وكارل شمِت — وكلاهما من كبار الأيديولوجيين النازيين — كان يغرس اللاعقلانية في ذاته؛ وهو أمر بدا أن لوكاش كان واعيًا له قبل أي شخص آخر. الجزء الرئيسي من اليسار الغربي، إذن، كان محاصرًا في تراجع رباعي، بدا في بعض الأحيان كاستسلام كامل، مع إظهار شعور بالهزيمة والذعر، حيث كانوا يميلون إلى إعادة إنتاج النظام الحالي مرارًا وتكرارًا على أنه لا يُقهر. في جميع تحليلات تناقضات النظام الرأسمالي، نادراً ما تم تسليط الضوء على هشاشته الحقيقية وفظائعه، وكان الموت الذي ألحقه الغرب بالملايين يُتجاهل أساسًا. ولكن ليس كل الماركسيين، يجب التأكيد، قد وقعوا في نفس الفخ. هنا أرغب في اختتام هذا الجزء بالاقتباس من رسالة باران، الصديق الدائم لماركوز، منذ أيامهما في معهد البحوث الاجتماعية في فرانكفورت (حيث كان باران باحثًا اقتصاديًا لفريدريك بولوك). ثم كتب باران، المختلف تمامًا عن الممثلين الرئيسيين لما حُدد على أنه تقليد الماركسية الغربية، كتابه "الاقتصاد السياسي للنمو" عام 1957، الذي يعد أعظم عمل ماركسي عن الإمبريالية في زمانه، وكتب أيضًا "رأس المال الاحتكاري" مع سوويزي. في 10 أكتوبر 1963، كتب باران، في رسالة إلى سوويزي، ما أعتقد أنه يلخص كثيرًا مما كنا نقوله: "ما هو محل النقاش في الوقت الحالي، وبشكل عاجل جدًا، هو السؤال عما إذا كانت الديالكتيكة الماركسية قد انهارت، أي ما إذا كان من الممكن أن تتراكم القذارة، وتتكاثف، وتغطي المجتمع كله (وجزء كبير من العالم المرتبط به) دون إنتاج القوة المضادة الجدلية التي ستخترقها وتفجّرها في الهواء. هنا رودس، هنا اقفز! إذا كان الجواب نعم، فإن الماركسية في شكلها التقليدي قد أصبحت متقادمة. لقد تنبأت بالبؤس، وفسرت تمامًا أسبابه ليصبح شاملًا كما هو؛ لكنها أخطأت في أطروحتها المركزية بأن البؤس يولد بنفسه القوى اللازمة لإلغائه." لقد انتهيت لتوي من قراءة كتاب ماركوز الجديد (الرجل أحادي البعد)، الذي بطريقة متعبة يعرض الموقف الذي يُسمى بالرفض العظيم أو النفي المطلق. كل شيء قذارة: الرأسمالية الاحتكارية والاتحاد السوفيتي، الرأسمالية والاشتراكية كما نعرفها؛ الجزء السلبي من قصة ماركس قد تحقق—أما الجزء الإيجابي فظل خيالًا. نحن عدنا إلى حالة اليوتوبيا البحتة والبسيطة؛ كان من المفترض أن يكون هناك عالم أفضل، لكن لا توجد قوة اجتماعية قادرة على تحقيقه. ليست الاشتراكية حلاً، بل لا يوجد أحد لإعطاء هذا الحل أصلاً. من الرفض العظيم والنفي المطلق إلى التراجع العظيم والخيانة المطلقة خطوة قصيرة جدًا. أشعر بشدة أن هذا في الوقت الحالي في مركز تفكير (وشعور) المثقفين—ليس هنا فقط، بل أيضًا في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى، وأنه سيكون من التزامنا مواجهة هذا الشعور. لا يوجد تقريبًا أي شخص آخر حولنا. اليسار الرسمي يصرخ فقط "لقد تم استهدافكم" على طريقة الشؤون السياسية، والآخرون مذهولون. ما هو مطلوب هو تحليل هادئ للموقف بأكمله، واستعادة منظور تاريخي، وتذكير بالأبعاد الزمنية ذات الصلة، وأكثر من ذلك بكثير. إذا استطعنا القيام بعمل جيد في ذلك [في كتاب رأس المال الاحتكاري]… فسوف نقدم مساهمة كبيرة وننفذ فيما يتعلق بالعديد من الأعمال التي يمكن أن تكون "تحريرية" حقًا. ما كان باران يتحدث عنه هنا هو ما سماه في مكان آخر "مواجهة الواقع بالعقل". وكان ذلك يتطلب إعادة تأسيس النهج التاريخي، مع رؤية أطول، وإعادة ربط الديالكتيك الماركسي بالمادية. هذا من شأنه أن يوضح ضرورة، وبالتالي إمكانية، "القوة المضادة الجدلية"، في الحاضر كما في التاريخ، مستشرفًا طرقًا نحو التحرير في جميع أنحاء العالم. هذه النظرة، التي تمثل منظور الماركسية العالمية الشاملة وغير المقيدة، تظل مهمة عصرنا—ليس فقط نظريًا، بل باعتبارها فلسفة للممارسة العملية. إنها تتطلب كسرًا مع الماركسية الغربية، التي أدت إلى طريق مسدود تاريخيًا. الخلد الأحمر يظهر مرة أخرى في عصرنا، ولكن بطرق جديدة وأكثر شمولًا، ولم تعد مقتصرة على الغرب. مراجع 1. ↩ Alain Badiou, Can Politics Be Thought?, trans. Bruno Bosteels (Durham, North Carolina: Duke University Press, 2018), 57, 60. 2. ↩ See John Bellamy Foster, “The New Denial of Imperialism on the Left,” Monthly Review 76, no. 6 (November 2024), as well as John Bellamy Foster, “The New Irrationalism,” Monthly Review 76, no. 9 (February 2023). 3. ↩ Paul A. Baran to Paul M. Sweezy, October 10, 1963, in Paul A. Baran and Paul M. Sweezy, The Age of Monopoly Capital: Selected Correspondence, 1949–1964, eds. Nicholas Baran and John Bellamy Foster (New York: Monthly Review Press, 2017), 429–30.
#بندر_نوري (هاشتاغ)
Bandar_Noory#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الفاشية في الرأسمالية المعاصرة..بقلم: سمير أمين
-
عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو
...
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
-
نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل
...
-
الاقتصاد السياسي لحرب السودان
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
-
مخلص لدراسة: عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: رؤية
...
-
الصراع حول توحيد مواثيق لجان المقاومة.. كتعبير عن احتدام الص
...
-
ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب- الجزء الثالث والأخير
-
ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (2)
-
ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (1)
-
لامركزية الخدمات الصحية والخصخصة.. بحث عن تجربة السودان
-
التبعية وأثرها علي القطاع الصحي
-
إقتصاد سياسي جائحة فيروس كورونا المستجد
-
إقتصاد سياسي الصحة المهنية أو نظام الصحة المهنية كخلاصة مركز
...
-
راهنية أفكار لينين.. كتابة أولية حول الثورة
-
من نقد الموازنة إلي نقد السياسات الإقتصادية والإجتماعية أو إ
...
-
منهجية وموجهات موازنة 2020: الليبرالية الجديدة من بوابة إنتف
...
-
قضايا القطاع غير المنظم
المزيد.....
-
The Ontology of Women’s Freedom in a Nation’s Memory: Unders
...
-
The -Othered’ Genocide: Sudan’s Suffering and the World’s In
...
-
The Perfect Storm That Is the Philippines
-
Labor Strikes in Germany – Then & Today
-
The Happiness Trap: Cultivating Contentment and Wonder as a
...
-
تعقيب السيد النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية ب
...
-
بيان فرع خريبكة لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
تخليد الذكرى الأربعين لاستشهاد المناضل أمين تهاني: زيارة قبر
...
-
احتجاج عمال “المتحدة للصيادلة” على تأخر أجورهم دون “الحد الأ
...
-
الأمم المتحدة: احتجاز أشرف عمر تعسفي ومخالف للقانون.. والمبا
...
المزيد.....
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|