|
عودة الفاشية في الرأسمالية المعاصرة..بقلم: سمير أمين
بندر نوري
كاتب وباحث من السودان
(Bandar Noory)
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 22:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ترجمة: بندر نوري وقاسم محمود *تمت الترجمة بعد الحصول على موافقة مكتوبة من قبل دار النشر"مونثلي ريفيو". ليس من قبيل الصدفة أن يربط عنوان هذه المساهمة بين عودة الفاشية إلى الساحة السياسية وبين أزمة الرأسمالية المعاصرة. فالفاشية ليست مرادفاً لنظام بوليسي سلطوي يرفض ضبابية الديمقراطية البرلمانية الانتخابية. إنما الفاشية استجابة سياسية خاصة للتحديات التي قد تواجه إدارة المجتمع الرأسمالي في ظروف بعينها. وحدة الفاشية وتنوعها كانت الحركات السياسية التي يمكن بحق أن تُسمّى فاشية في الطليعة ومارست السلطة في عدد من البلدان الأوروبية، خصوصاً خلال ثلاثينيات القرن العشرين وحتى عام 1945. شمل ذلك إيطاليا تحت حكم بنيتو موسوليني، وألمانيا بقيادة أدولف هتلر، وإسبانيا في عهد فرانسيسكو فرانكو، والبرتغال تحت أنطونيو دي أوليفيرا سالازار، وفرنسا في عهد فيليب بيتان، والمجر بقيادة ميكلوش هورثي، ورومانيا تحت حكم أيون أنتونيسكو، وكرواتيا في ظل أنتي بافيلتش. إن تنوع المجتمعات التي كانت ضحية للفاشية - سواء مجتمعات رأسمالية كبرى متقدمة أو صغرى تابعة، بعضها ارتبط بانتصار في الحرب وبعضها الآخر كان نتاج هزيمة - يجب أن يمنعنا من تجميعها جميعاً في خانة واحدة. لذلك، سأُبيّن الآثار المختلفة التي أفرزها هذا التنوع في البنى والظروف التاريخية داخل هذه المجتمعات. ومع ذلك، وبغض النظر عن هذا التنوع، فإن جميع هذه الأنظمة الفاشية اشتركت في سِمتين أساسيتين: أولاً: كانت جميعها مستعدة لإدارة الحكومة والمجتمع بطريقة لا تمس المبادئ الجوهرية للرأسمالية، وبالأخص الملكية الرأسمالية الخاصة، بما في ذلك الرأسمالية الاحتكارية الحديثة. ولهذا السبب أصف هذه الأشكال المختلفة من الفاشية بأنها طرق خاصة لإدارة الرأسمالية، وليست أشكالاً سياسية تشكك في شرعيتها، حتى وإن كانت "الرأسمالية" أو "حكم الأثرياء" موضوعاً لهجوم مطوّل في خطاب الفاشيين. غير أن زيف هذه الخطابات ينكشف بمجرد النظر في "البديل" الذي تقترحه أشكال الفاشية هذه، والذي يتجنب دوماً النقطة الجوهرية - أي الملكية الرأسمالية الخاصة. ومن ثم، فإن الخيار الفاشي ليس الاستجابة الوحيدة للتحديات التي تواجه الإدارة السياسية للمجتمع الرأسمالي؛ بل يظهر هذا الخيار في ظروف محددة من الأزمات العنيفة والعميقة باعتباره الأفضل لرأس المال المهيمن، وأحياناً حتى الخيار الممكن الوحيد. لذا، لا بد أن ينصبّ التحليل على هذه الأزمات. ثانياً: إن الخيار الفاشي في إدارة مجتمع رأسمالي يمر بأزمة يقوم دائماً - بحكم التعريف - على الرفض القاطع لـ "الديمقراطية". فالفاشية تستبدل المبادئ العامة التي تقوم عليها نظريات وممارسات الديمقراطيات الحديثة - كالاعتراف بتعددية الآراء، واللجوء إلى الآليات الانتخابية لتحديد الأغلبية، وضمان حقوق الأقلية، إلخ - بقيم مضادة تقوم على الخضوع لمقتضيات الانضباط الجماعي وسلطة القائد الأعلى ووكلائه الرئيسيين. ويصاحب هذا الانقلاب في القيم دوماً عودة إلى أفكار رجعية قادرة على إضفاء شرعية ظاهرية على آليات الخضوع التي يتم تنفيذها. إن إعلان "ضرورة" العودة إلى الماضي ("الإقطاعي")، أو الخضوع للدين الرسمي للدولة، أو لبعض السمات المزعومة لـ "العرق" أو "الأمة" (الإثنية) يشكلان معاً ترسانة الخطابات الأيديولوجية التي توظفها القوى الفاشية. إن الأشكال المتنوعة للفاشية التي شهدها التاريخ الأوروبي الحديث تشترك في هاتين السمتين وتقع ضمن إحدى الفئات الأربع الآتية: (1) الفاشية الخاصة بالقوى الرأسمالية "المتقدمة" الكبرى التي كانت تطمح لأن تصبح قوى مهيمنة على العالم، أو على الأقل على النظام الرأسمالي الإقليمي. تمثل النازية النموذج الأمثل لهذا النوع من الفاشية. فقد أصبحت ألمانيا قوة صناعية كبرى منذ سبعينيات القرن التاسع عشر ومنافسة للقوى المهيمنة آنذاك (بريطانيا العظمى، وفرنسا بدرجة ثانية) وكذلك للولايات المتحدة التي كانت تطمح بدورها للهيمنة. وبعد هزيمة 1918، كان عليها أن تواجه نتائج فشلها في تحقيق طموحاتها الهيمنية. وقد صاغ هتلر خطته بوضوح: إقامة هيمنة ألمانية على أوروبا، بما في ذلك روسيا وربما ما وراءها، أي هيمنة الرأسمالية الاحتكارية التي دعمت صعود النازية. وكان مستعداً للقبول بتسوية مع خصومه الكبار: تُعطى له أوروبا وروسيا، وتُترك الصين لليابان، وبقية آسيا وإفريقيا لبريطانيا العظمى، والأمريكيتان للولايات المتحدة. غير أن خطأه تمثل في اعتقاده بإمكانية مثل هذه التسوية؛ إذ لم تقبلها بريطانيا ولا الولايات المتحدة، بينما أيّدتها اليابان. وتندرج الفاشية اليابانية ضمن الفئة نفسها. فمنذ عام 1895، سعت اليابان الرأسمالية الحديثة إلى فرض هيمنتها على كامل شرق آسيا. وقد انتقل النظام "بسلاسة" من شكل "إمبراطوري" لإدارة رأسمالية قومية صاعدة - بمؤسسات "ليبرالية" ظاهرية (برلمان منتخب) لكنها خاضعة عملياً للإمبراطور والأرستقراطية التي أعيد تشكيلها بالتحديث - إلى شكل وحشي تُديره القيادة العسكرية العليا مباشرة. عقدت ألمانيا النازية تحالفاً مع اليابان الإمبراطورية/الفاشية، بينما اصطدمت بريطانيا والولايات المتحدة (بعد بيرل هاربر عام 1941) بطوكيو، وكذلك المقاومة الصينية-حيث عوّض دعم الشيوعيين الماويين عن عجز الكومينتانغ. (2) فاشية القوى الرأسمالية من الدرجة الثانية يُعَدّ موسوليني في إيطاليا (مخترع الفاشية بما في ذلك اسمها) المثال الأبرز. لقد كانت "الموسولينية" استجابة اليمين الإيطالي (الأرستقراطية القديمة، البرجوازية الجديدة، الطبقات الوسطى) لأزمة عشرينيات القرن العشرين، وللتهديد الشيوعي المتنامي. ولكن لا الرأسمالية الإيطالية ولا أداتها السياسية، أي الفاشية الموسولينية، كان لديهما الطموح في السيطرة على أوروبا، ناهيك عن العالم. فبالرغم من خطابات موسوليني المبالغ فيها بشأن إعادة بناء الإمبراطورية الرومانية (!)، فقد كان مدركاً أن استقرار نظامه يستند إلى تحالفه – بصفته طرفاً تابعاً – إما مع بريطانيا العظمى (سيدة البحر المتوسط) أو مع ألمانيا النازية. وقد استمر التردد بين هذين التحالفين المحتملين حتى عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية. تنتمي فاشية سالازار في البرتغال وفرانكو في إسبانيا إلى هذا النمط نفسه. فقد كانا دكتاتوريين نصّبهما اليمين والكنيسة الكاثوليكية استجابةً لأخطار الجمهوريين الليبراليين أو الجمهوريين الاشتراكيين. ولهذا السبب لم تتعرّض أنظمتهما قط للإقصاء أو النبذ من قِبل القوى الإمبريالية الكبرى بسبب عنفهما المعادي للديمقراطية (تحت ذريعة مناهضة الشيوعية). بل إن واشنطن أعادت تأهيلهما بعد عام 1945 (إذ كان سالازار عضواً مؤسساً في حلف شمال الأطلسي، فيما سمحت إسبانيا بوجود قواعد عسكرية أمريكية)، ولحقت بها الجماعة الأوروبية التي كانت بطبيعتها ضامنة للنظام الرأسمالي الرجعي. وبعد ثورة القرنفل في البرتغال (1974) ووفاة فرانكو (1980)، انضمت هاتان الدولتان إلى معسكر "الديمقراطيات" الجديدة منخفضة الكثافة في عصرنا الراهن. (3) فاشية القوى المهزومة تشمل هذه الحالة حكومة فيشي في فرنسا، وكذلك ليون ديغريل في بلجيكا و"الحكومة الفلمنكية" المزيّفة التي دعمها النازيون. ففي فرنسا، اختارت الطبقة العليا "هتلر بدلاً من الجبهة الشعبية" (انظر مؤلفات آني لاكروآ-ريز حول هذا الموضوع). هذا النمط من الفاشية، المرتبط بالهزيمة والخضوع لـ"أوروبا الألمانية"، اضطر إلى التراجع إلى الخلفية عقب هزيمة النازيين. وفي فرنسا، أفسح المجال أمام مجالس المقاومة التي وحّدت لفترة من الزمن الشيوعيين مع مقاومين آخرين (تشارل ديغول على وجه الخصوص). أما تطوره اللاحق فقد كان مشروطاً بالتحاق فرنسا بمشروع "البناء الأوروبي" وانضمامها إلى خطة مارشال وحلف شمال الأطلسي، أي خضوعها الطوعي للهيمنة الأمريكية. عندها فقط انفصل اليمين المحافظ واليمين الاشتراكي–الديمقراطي المعادي للشيوعية بشكل دائم عن اليسار الراديكالي الذي خرج من المقاومة المناهضة للفاشية والمناهضة للرأسمالية المحتملة. (4) الفاشية في المجتمعات التابعة في أوروبا الشرقية ينخفض المستوى بدرجات عدة عندما ننتقل إلى دراسة المجتمعات الرأسمالية في أوروبا الشرقية (بولندا، دول البلطيق، رومانيا، المجر، يوغوسلافيا، اليونان، وأوكرانيا الغربية إبّان الحقبة البولندية). هنا ينبغي الحديث عن رأسمالية متخلفة وبالتالي تابعة. ففي الحقبة ما بين الحربين العالميتين، دعمت الطبقات الحاكمة الرجعية في هذه البلدان ألمانيا النازية. ومع ذلك، من الضروري دراسة البنية السياسية لكل بلد على حدى في علاقته بمشروع هتلر. في بولندا، فإن العداء التاريخي للهيمنة الروسية (روسيا القيصرية) الذي تحوّل إلى عداء للاتحاد السوفيتي الشيوعي، والمُعزَّز بشعبية البابوية الكاثوليكية، كان سيجعل من هذا البلد تابعاً لألمانيا على نموذج فاشي. غير أن هتلر لم يفهم الأمر كذلك: فالبولنديون، شأنهم شأن الروس والأوكرانيين والصرب، كانوا شعوباً مُقرَّراً لها الإبادة، إلى جانب اليهود والغجر وغيرهم. لذلك لم يكن هناك مكان لفاشية بولندية متحالفة مع برلين. أما المجر بقيادة هورثي ورومانيا بقيادة أنتونيسكو، فقد عوملتا كحليفين تابعين لألمانيا النازية. كانت الفاشية في هذين البلدين نتيجة لأزمات اجتماعية خاصة بهما: الخوف من "الشيوعية" بعد فترة بيلا كون في المجر، والتعبئة القومية- الشوفينية ضد المجريين والروثينيين في رومانيا. وفي يوغوسلافيا، دعمت ألمانيا الهتلرية (وتبعها موسوليني في إيطاليا) "كرواتيا مستقلة" أُوكلت إدارتها إلى حركة الأوستاشي المعادية للصرب، بدعم حاسم من الكنيسة الكاثوليكية، بينما كان الصرب موضوعين على قائمة الإبادة. لقد غيّرت الثورة الروسية بشكل واضح المعادلة فيما يتعلق بآفاق نضالات الطبقة العاملة ورد فعل الطبقات المالكة الرجعية، ليس فقط في أراضي الاتحاد السوفيتي قبل 1939، بل أيضاً في الأراضي المفقودة – دول البلطيق وبولندا. فبعد معاهدة ريغا عام 1921، ضمّت بولندا الأجزاء الغربية من بيلاروسيا (فولهينيا) وأوكرانيا (غاليسيا الجنوبية التي كانت سابقاً أرضاً تابعة للتاج النمساوي؛ وغاليسيا الشمالية التي كانت مقاطعة ضمن الإمبراطورية القيصرية). في هذا الإقليم بأكمله، تبلورت معسكرات منذ عام 1917 (بل منذ ثورة 1905 الروسية): معسكر اشتراكي–شعبي (أصبح بلشفيّاً) شعبي بين فئات واسعة من الفلاحين (الذين طمحوا إلى إصلاح زراعي جذري لصالحهم) وبين أوساط المثقفين (اليهود على وجه الخصوص)؛ ومعسكر معادٍ للاشتراكية (ومال بالتالي إلى التواطؤ مع الحكومات المعادية للديمقراطية ذات النزعة الفاشية) ضمّ جميع الطبقات المالكة للأرض. وقد عزّز إعادة دمج دول البلطيق وبيلاروسيا وأوكرانيا الغربية في الاتحاد السوفيتي عام 1939 هذا التناقض. لقد طُمست الخريطة السياسية للصراع بين "المؤيدين للفاشية" و"المناهضين للفاشية" في هذه المنطقة من أوروبا الشرقية، من ناحية، بسبب الصراع مع الشوفينية البولندية (التي استمرت في مشروع "بولنة" المناطق البيلاروسية والأوكرانية الملحقة عبر مستعمرات استيطانية) وضحاياها من الشعوب؛ ومن ناحية أخرى، بسبب الصراع مع "الوطنيين الأوكرانيين" الذين كانوا معادين لكل من البولنديين والروس (بسبب معاداتهم للشيوعية)، ومع ذلك لم يفسح لهم مشروع هتلر أي مجال لإقامة دولة أوكرانية كحليف تابع، لأن شعبها كان ببساطة موضوعاً على قائمة الإبادة. أُحيل القارئ هنا إلى العمل المرجعي لأولغا أوستريتشوك Olha Ostriitchouk بعنوان: الأوكرانيون في مواجهة ماضيهم (Les Ukrainiens face à leur passé)¹. إن تحليل أوستريتشوك الصارم لتاريخ هذه المنطقة (غاليسيا النمساوية، أوكرانيا البولندية، "روسيا الصغيرة" التي أصبحت أوكرانيا السوفيتية) يمكّن القارئ من فهم الرهانات الكامنة في الصراعات المستمرة حتى يومنا هذا، وكذلك موقع الفاشية المحلية فيها. النظرة المتساهلة لليمين الغربي تجاه الفاشية الماضية والحاضرة كان اليمين في البرلمانات الأوروبية بين الحربين العالميتين دومًا متساهلًا مع الفاشية، بل وحتى مع النازية الأكثر فظاعة. فلم يُخفِ تشرشل نفسه، على الرغم من “بريطانويته” المتطرفة، تعاطفه مع موسوليني. أما رؤساء الولايات المتحدة، ومعهم الحزب الديمقراطي والجمهوري المهيمنان، فلم يكتشفوا خطر ألمانيا الهتلرية، وبالأخص اليابان الإمبريالية/الفاشية، إلا في وقت متأخر. وبكل ما يميز المؤسسة الأميركية من براغماتية فجّة، أعلن ترومان صراحةً ما كان غيره يفكر فيه سرًّا: دع الحرب تستنزف أطرافها ــ ألمانيا، وروسيا السوفييتية، والأوروبيين المهزومين ــ ثم نتدخل في اللحظة الأخيرة لنجني الفوائد. لم يكن ذلك بأي حال تعبيرًا عن موقف مبدئي مناهض للفاشية. ولم يتردد الغرب في إعادة تأهيل سالازار وفرانكو سنة 1945. علاوة على ذلك، فإن التواطؤ مع الفاشية الأوروبية كان ثابتًا في سياسة الكنيسة الكاثوليكية، حتى إن وصف بيوس الثاني عشر بأنه متعاون مع موسوليني وهتلر لا يعد مبالغة في فقدان المصداقية. لم يثر عداء هتلر لليهود استهجانًا واسعًا إلا في وقت متأخر، عندما بلغ أقصى درجات جنونه الإجرامي. فقد كان التركيز على كراهية “اليهودية-البلشفية” (Judeo-Bolshevism) في خطابات هتلر أمرًا شائعًا لدى عدد كبير من السياسيين. ولم يكن إلا بعد هزيمة النازية أن أصبح من الضروري إدانة معاداة السامية من حيث المبدأ. وقد سَهُلَت هذه المهمة لأن “ورثة ضحايا المحرقة” المزعومين قد تحولوا إلى الصهاينة في إسرائيل، حلفاء الإمبريالية الغربية ضد الفلسطينيين والشعوب العربية، التي لم يكن لها أي دور في فظائع معاداة السامية الأوروبية! من البديهي أن انهيار النازيين وإيطاليا الموسولينية أجبر القوى السياسية اليمينية في أوروبا الغربية (غرب “الستار”) على التمايز عن أولئك الذين كانوا، في صفوفهم ذاتها، متواطئين أو حلفاء للفاشية. ومع ذلك، فإن الحركات الفاشية لم تختفِ، بل تراجعت إلى الخلفية واختبأت وراء الستار، من دون أن تزول فعليًّا. في ألمانيا الغربية، وباسم “المصالحة”، أبقت الحكومة المحلية ورعاتها (الولايات المتحدة، وبدرجة أقل بريطانيا وفرنسا) على معظم الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي فرنسا، جرى فتح قضايا قانونية ضد المقاومة بتهمة “الإعدامات التعسفية للمتعاونين” في الوقت الذي عاد فيه الفاشيون إلى الساحة السياسية مع أنطوان بيناي. أما في إيطاليا، فقد صمتت الفاشية، لكنها بقيت حاضرة في صفوف الديمقراطية المسيحية والكنيسة الكاثوليكية. وفي إسبانيا فرضت، compromis “المصالحة” سنة 1980 من قبل المجموعة الأوروبية (التي صارت لاحقًا الاتحاد الأوروبي)، مانعًا بكل بساطة أي تذكير بجرائم الفرانكوية. إن دعم الأحزاب الاشتراكية والاشتراكية-الديمقراطية في أوروبا الغربية والوسطى للحملات المعادية للشيوعية التي قادها اليمين المحافظ يشكّل شراكة في المسؤولية عن عودة الفاشية لاحقًا. فعلى الرغم من أن هذه الأحزاب اليسارية “المعتدلة” كانت يومًا صادقة وحازمة في عدائها للفاشية، إلا أن ذلك كله قد نُسي. ومع تحول هذه الأحزاب إلى الليبرالية الاجتماعية، ودعمها غير المشروط للبناء الأوروبي ــ الذي صُمم بشكل منهجي كضمان للنظام الرأسمالي الرجعي ــ وخضوعها غير المشروط للهيمنة الأميركية (عبر الناتو مثلًا)، تشكّل تكتل رجعي يجمع بين اليمين الكلاسيكي والليبراليين الاجتماعيين، قادر عند الحاجة على استيعاب اليمين المتطرف الجديد. لاحقًا، سُرعان ما بدأت عملية إعادة تأهيل الفاشية في أوروبا الشرقية منذ عام 1990. فقد كانت جميع الحركات الفاشية في تلك البلدان حليفة أو متعاونة، بدرجات مختلفة، مع الهتلرية. ومع اقتراب الهزيمة، أعيد نشر عدد كبير من قادتها النشطين إلى الغرب، حيث تمكنوا من “الاستسلام” للقوات الأميركية. ولم يُعَد أي منهم إلى الاتحاد السوفييتي أو يوغوسلافيا أو غيرها من الحكومات في الديمقراطيات الشعبية الجديدة لمحاكمتهم على جرائمهم (في خرقٍ للاتفاقات الحليفة). لقد وجدوا جميعًا ملاذًا في الولايات المتحدة وكندا، حيث حظوا برعاية السلطات لمعاداة الشيوعية الشرسة التي يحملونها! في كتابه الأوكرانيون في مواجهة ماضيهم، يقدّم أوستريتتشوك (Ostriitchouk) كل ما يلزم لإثبات التواطؤ الذي لا يقبل الجدل بين أهداف السياسة الأميركية (ومن ورائها أوروبا) وبين أهداف الفاشيين المحليين في أوروبا الشرقية (لا سيما أوكرانيا). فعلى سبيل المثال، كان “الأستاذ” دميترو دونتسوف (Dmytro Dontsov) حتى وفاته (1975) ينشر أعماله كافة في كندا، التي لم تكن معادية للشيوعية بشراسة فحسب (فمصطلح “اليهودية-البلشفية” شائع عنده)، بل كانت أيضًا معادية للديمقراطية من الأساس. وقد دعمت حكومات “الدول الديمقراطية” الغربية، بل ومولت ونظمت، “الثورة البرتقالية” في أوكرانيا، أي الثورة المضادة الفاشية، وما زال ذلك مستمرًّا. وفي يوغوسلافيا سابقًا، كانت كندا أيضًا قد مهدت الطريق أمام الأوستاشيين الكرواتيين. أما الطريقة “الماكرة” التي يستخدمها الإعلام “المعتدل” (الذي لا يستطيع أن يقر علنًا بدعمه للفاشيين المعلنين) فهي بسيطة: يستبدل مصطلح “الوطني” بـ “الفاشي.” فلم يعد البروفيسور دونتسوف فاشيًا، بل أصبح “وطنيًا أوكرانيًا”، تمامًا مثلما لم تعد مارين لوبان فاشية، بل وطنية (كما كتبت لوموند مثلًا .(! لكن هل هؤلاء الفاشيون الحقيقيون “وطنيون” لمجرد أنهم يقولون ذلك؟ الأمر مشكوك فيه. فالوطنيون اليوم يستحقون هذه التسمية فقط إذا شككوا في سلطة القوى المهيمنة فعليًا في العالم المعاصر، أي احتكارات الولايات المتحدة وأوروبا. أما هؤلاء “الوطنيون” فهم أصدقاء واشنطن وبروكسل والناتو. و”وطنيتهم” لا تتعدى كونها كراهية شوفينية لشعوب مجاورة بريئة لم تكن يومًا مسؤولة عن مآسيهم: فبالنسبة للأوكرانيين، العدو هو الروس (وليس القيصر)؛ وللكروات، هو الصرب؛ ولليمين المتطرف الجديد في فرنسا والنمسا وسويسرا واليونان وأماكن أخرى، هم “المهاجرون.” إن الخطر المتمثل في التواطؤ بين القوى السياسية الكبرى في الولايات المتحدة (الجمهوريين والديمقراطيين) وأوروبا (اليمين البرلماني والليبراليين الاجتماعيين) من جهة، والفاشيين في الشرق من جهة أخرى، لا ينبغي الاستهانة به. فقد نصّبت هيلاري كلينتون نفسها المتحدثة الرئيسية باسم هذا التواطؤ، ودَفعت بهستيريا الحرب إلى أقصى الحدود. وأكثر من جورج بوش الابن، إن أمكن، كانت تدعو بحماس للحرب الوقائية (وليس فقط لإعادة الحرب الباردة) ضد روسيا ــ بتدخل أكثر علانية في أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وغيرها ــ وضد الصين، وضد الشعوب المنتفضة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وللأسف، قد تجد هذه الاندفاعة الأميركية المجنونة، كرد فعل على تراجعها، دعمًا كافيًا يسمح لكلينتون بأن تصبح “أول رئيسة للولايات المتحدة”! وينبغي ألا ننسى ما يخفيه هذه “النسوية الزائفة.” من المؤكد أن الخطر الفاشي قد يبدو اليوم وكأنه لا يمثل تهديدًا للنظام “الديمقراطي” في الولايات المتحدة وأوروبا غرب الستار القديم. فالتواطؤ بين اليمين البرلماني الكلاسيكي والليبراليين الاجتماعيين يجعل من غير الضروري لرأس المال المهيمن اللجوء إلى خدمات يمين متطرف يتبع خطى الحركات الفاشية التاريخية. لكن ماذا عن النجاحات الانتخابية لليمين المتطرف في العقد الأخير؟ من الواضح أن الأوروبيين أنفسهم ضحايا لانتشار الرأسمالية الاحتكارية المعممة. يمكننا أن نفهم، إذن، لماذا يختارون، في مواجهة تواطؤ اليمين واليسار “الاشتراكي” المزعوم، إما الامتناع عن التصويت أو التصويت لليمين المتطرف. إن مسؤولية اليسار الراديكالي المحتمل، في هذا السياق، هائلة: فلو امتلك هذا اليسار الجرأة على طرح تقدم حقيقي يتجاوز الرأسمالية الحالية، لاكتسب المصداقية التي يفتقدها. هناك حاجة إلى يسار راديكالي جريء لتوفير التماسك الذي ما زالت تفتقر إليه الحركات الاحتجاجية المجزأة والنضالات الدفاعية. حينها، يمكن لـ “الحركة” أن تقلب ميزان القوى الاجتماعية لصالح الطبقات العاملة وتجعل التقدم ممكنًا. والانتصارات التي حققتها الحركات الشعبية في أميركا اللاتينية خير برهان على ذلك. في الوضع الراهن، تنبع النجاحات الانتخابية لليمين المتطرف من الرأسمالية المعاصرة نفسها. وهذه النجاحات تتيح للإعلام أن يخلط، بنفس القدر من الاستهجان، بين “شعبويي اليمين المتطرف ويسارهم المتطرف”، متجاهلًا أن الأولين مؤيدون للرأسمالية (كما يوضح وصفهم باليمين المتطرف)، وبالتالي قد يكونون حلفاء محتملين لرأس المال، بينما الآخرون هم الخصوم الوحيدون المحتملون لسلطة رأس المال. ونرصد، مع بعض التحفظ (mutatis mutandis) ، وضعًا مشابهًا في الولايات المتحدة، على الرغم من أن يمينها المتطرف لا يُسمّى يومًا فاشيًا. فالمكارثية في الأمس، مثلما هو حال غلاة “حزب الشاي” ودعاة الحرب (مثل هيلاري كلينتون) اليوم، تدافع علنًا عن “الحريات” ــ التي تُفهم حصريًا كامتياز يخصّ مالكي ومديري رأس المال الاحتكاري ــ في مواجهة “الحكومة” المشتبه في أنها تلبي مطالب ضحايا النظام. وأخيرًا، ملاحظة عن الحركات الفاشية: فهي تبدو عاجزة عن معرفة متى وكيف تتوقف عن تصعيد مطالبها. إن عبادة الزعيم والطاعة العمياء، والتقديس غير النقدي والنهائي لبنى أسطورية زائفة ــ إثنية أو دينية ــ تغذي التعصب، فضلًا عن تجنيد الميليشيات للقيام بأعمال عنيفة، تجعل من الفاشية قوة يصعب ضبطها. والأخطاء، بما في ذلك الانحرافات غير العقلانية من وجهة نظر المصالح الاجتماعية التي تخدمها الفاشية، تبدو حتمية. فقد كان هتلر شخصًا مختلًّا عقليًا بحق، ومع ذلك أجبر الرأسماليين الكبار الذين أوصلوه إلى السلطة على اتباعه حتى نهاية جنونه، بل وحظي بدعم شريحة واسعة جدًا من الشعب. ورغم أن هذه حالة قصوى، ولم يكن موسوليني أو فرانكو أو سالازار أو بيتان مختلين عقليًا، فإن عددًا كبيرًا من أعوانهم ومرتزقتهم لم يتردد في ارتكاب أفعال إجرامية. الفاشية في الجنوب المعاصر كان اندماج أمريكا اللاتينية في الرأسمالية المعولمة في القرن التاسع عشر قائماً على استغلال الفلاحين الذين جرى خفضهم إلى مرتبة "العبيد الزراعيين" (peons) وإخضاعهم للممارسات الوحشية لكبار ملاك الأراضي. ويُعد نظام بروفيريو دياز في المكسيك مثالاً جيداً على ذلك. أما تعميق هذا الاندماج في القرن العشرين فقد أسفر عمّا سُمّي بـ "تحديث الفقر". فقد أدى النزوح الريفي السريع، الذي كان أكثر وضوحاً وأسبق زمناً في أمريكا اللاتينية مقارنةً بآسيا وإفريقيا، إلى ظهور أشكال جديدة من الفقر في الأحياء الحضرية الفقيرة (الفافيلاز) التي حلّت محل الأشكال القديمة من الفقر الريفي. وبالموازاة مع ذلك، جرى "تحديث" أساليب السيطرة السياسية على الجماهير من خلال إقامة الدكتاتوريات، وإلغاء الديمقراطية الانتخابية، وحظر الأحزاب والنقابات العمالية، ومنح أجهزة الاستخبارات "الحديثة" كامل الصلاحيات للاعتقال والتعذيب عبر تقنيات المراقبة والقمع. ومن الواضح أنّ هذه الأشكال من الإدارة السياسية تتشابه بشكل ملحوظ مع الفاشية التي ظهرت في بلدان الرأسمالية التابعة في أوروبا الشرقية. لقد خدمت الدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين الكتلة الرجعية المحلية (كبار ملاك الأراضي، البرجوازية الكومبرادورية، وأحياناً شرائح من الطبقات الوسطى المستفيدة من هذا النمط من "التطور الرث")، لكنها خدمت قبل كل شيء رأس المال الأجنبي المهيمن، وخاصة رأس المال الأمريكي، الذي دعم هذه الدكتاتوريات حتى سقوطها بفعل انفجار الحركات الشعبية الأخيرة. إن قوة هذه الحركات وما فرضته من مكاسب اجتماعية وديمقراطية تستبعد - على الأقل في المدى القصير-عودة الدكتاتوريات شبه الفاشية. غير أنّ المستقبل يبقى غير مؤكد: فالصراع بين حركة الطبقات العاملة وبين الرأسمالية المحلية والعالمية لم يبدأ سوى للتو. وكما هو حال كل أشكال الفاشية، لم تخلُ دكتاتوريات أمريكا اللاتينية من الأخطاء، وبعضها كان قاتلاً بالنسبة لها. أفكر هنا، مثلاً، في ليوبولدو غالتييري الذي خاض حرب جزر المالفيناس (فوكلاند) لاستغلال النزعة الوطنية الأرجنتينية لمصلحته الخاصة. ابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي، حلّ "التطور الرث" (lumpen development) المصاحب لانتشار الرأسمالية الاحتكارية المعممة محل الأنظمة الشعبوية الوطنية التي طبعت حقبة باندونغ (1955–1980) في آسيا وإفريقيا (أنظر( Amin, 2013).³ . وقد ولّد هذا التطور الرث أيضاً أشكالاً مشابهة لكلٍّ من "تحديث الفقر" و"تحديث العنف القمعي". وتشكل إفراطات الأنظمة ما بعد الناصرية وما بعد البعثية في العالم العربي أمثلة جيدة على ذلك. ولا ينبغي أن نخلط بين الأنظمة الشعبوية الوطنية لحقبة باندونغ وخلفائها الذين ارتكبوا القفزة نحو النيوليبرالية المعولمة، بحجة أنّ كلاهما كانا "غير ديمقراطيين". فالأنظمة الشعبوية في باندونغ، رغم ممارساتها السلطوية، تمتعت بقدر من الشرعية الشعبية بفعل إنجازاتها الفعلية التي أفادت غالبية العمال، وبفعل مواقفها المناهضة للإمبريالية. أما الدكتاتوريات التي تلتها فقد فقدت هذه الشرعية بمجرد خضوعها للنموذج النيوليبرالي المعولم وما يرتبط به من تطور رث. وهكذا حلت السلطة البوليسية، العارية من أي غطاء، محل الشرعية الشعبية والوطنية، ولو كانت غير ديمقراطية، لتخدم المشروع النيوليبرالي المعادي للشعب وللوطن. إن الانتفاضات الشعبية الأخيرة التي بدأت في عام 2011 قد وضعت هذه الدكتاتوريات موضع تساؤل. لكن هذا التساؤل لم يرقَ بعد إلى إسقاط بدائلها. ولن تستطيع أي بدائل أن تبلغ الاستقرار إلا إذا نجحت في الجمع بين الأهداف الثلاثة التي قامت من أجلها الثورات: استمرار مسار ديمقراطية المجتمع والسياسة، تحقيق مكاسب اجتماعية تقدمية، وترسيخ السيادة الوطنية. ما زلنا بعيدين عن ذلك. ولهذا السبب، فإن البدائل الممكنة في المدى المنظور عديدة. فهل يمكن أن نشهد عودة إلى النموذج الشعبوي الوطني لحقبة باندونغ، مع شيء من الديمقراطية؟ أم تشكّل جبهة ديمقراطية شعبية وطنية أكثر وضوحاً؟ أم الغرق في أوهام رجعية تتخذ في هذا السياق شكل "أسلمة" السياسة والمجتمع؟ وفي خضم هذا الصراع المربك بين هذه الاستجابات الثلاث المحتملة للتحدي، اتخذت القوى الغربية (الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون التابعون لها) خيارها: إذ قدّمت الدعم التفضيلي لجماعة الإخوان المسلمين و/أو غيرها من التنظيمات "السلفية" في الإسلام السياسي. والسبب في ذلك واضح وبسيط: هذه القوى السياسية الرجعية تقبل بممارسة سلطتها ضمن إطار النيوليبرالية المعولمة (وبالتالي تتخلى عن أي أفق للعدالة الاجتماعية أو الاستقلال الوطني). وهذا هو الهدف الوحيد الذي تسعى إليه القوى الإمبريالية. وعليه، فإن برنامج الإسلام السياسي ينتمي إلى نمط الفاشية الموجود في المجتمعات التابعة. فهو يشترك مع جميع أشكال الفاشية في خاصيتين أساسيتين: (1) الامتناع عن تحدي الجوانب الجوهرية للنظام الرأسمالي (وفي هذا السياق الامتناع عن تحدي نموذج التطور الرث المرتبط بانتشار الرأسمالية النيوليبرالية المعولمة)؛ و(2) اختيار الأشكال البوليسية واللاديمقراطية في الإدارة السياسية (مثل حظر الأحزاب والتنظيمات وفرض أسلمة قسرية للأخلاق). إن الخيار اللاديمقراطي للقوى الإمبريالية (الذي يكذب الخطاب الديمقراطي المزعوم في سيل الدعاية التي نتعرض لها) يتضمن قبول "التجاوزات" المحتملة لهذه الأنظمة الإسلامية. وكما هو الحال مع الفاشيات الأخرى، فإن هذه التجاوزات منقوشة في "جينات" أنماط تفكيرها: الخضوع غير المشروط للقادة، التمجيد المتعصب للالتزام بالدين الرسمي، وتشكيل قوات صدام لفرض الطاعة. والواقع، كما يتضح منذ الآن، أنّ برنامج "الإسلاميين" لا يحقق تقدماً إلا في سياق حرب أهلية (بين السنّة والشيعة وغيرهم) ولا يسفر عن شيء سوى فوضى دائمة. وهكذا يصبح هذا النمط من الحكم الإسلامي الضامن لبقاء هذه المجتمعات عاجزة تماماً عن إثبات نفسها على الساحة العالمية. ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة، في انحدارها، تخلّت عن البحث عن "أفضل" (أي حكومة محلية مستقرة وخاضعة) لمصلحة هذا "الخيار الثاني". تتكرر تطورات مماثلة وخيارات مشابهة خارج العالم العربي–الإسلامي، كما هو الحال مثلاً في الهند الهندوسية. فحزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، الذي فاز في الانتخابات مؤخراً، هو حزب ديني هندوسي رجعي يقبل بإدماج حكومته في النيوليبرالية المعولمة. وهو الضامن لأن تتراجع الهند، في ظل حكمه، عن مشروعها لتكون قوة صاعدة. ولذلك فإن وصفه بالفاشي لا يُعدّ مبالغة كبيرة. خلاصة القول، لقد عادت الفاشية إلى الغرب والشرق والجنوب؛ وهذا العود مرتبط طبيعياً بانتشار الأزمة البنيوية للرأسمالية الاحتكارية المعممة، المعولمة، والممركزة مالياً. إن اللجوء الفعلي أو حتى المحتمل إلى خدمات الحركات الفاشية من قبل المراكز المهيمنة لهذا النظام المأزوم يدعو إلى أعلى درجات اليقظة من جانبنا. فهذه الأزمة مرشحة للتفاقم، وبالتالي فإن خطر اللجوء إلى حلول فاشية سيغدو خطراً حقيقياً. وليس دعم هيلاري كلينتون لنزعة واشنطن الحربية سوى نذير شؤم للمستقبل القريب. الهوامش: 1. أولها أوستريتشوك، الأوكرانيون في مواجهة ماضيهم، (بروكسل: P.I.E. Lang، 2013). 2. انظر: سمير أمين، انفجار الرأسمالية المعاصرة (نيويورك: منشورات مونثلي ريفيو، 2013). 3. حول انتشار الرأسمالية الاحتكارية المعممة، انظر المرجع السابق.
#بندر_نوري (هاشتاغ)
Bandar_Noory#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو
...
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
-
نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل
...
-
الاقتصاد السياسي لحرب السودان
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
-
مخلص لدراسة: عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: رؤية
...
-
الصراع حول توحيد مواثيق لجان المقاومة.. كتعبير عن احتدام الص
...
-
ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب- الجزء الثالث والأخير
-
ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (2)
-
ملاحظات حول الميثاق الثوري لسلطة الشعب (1)
-
لامركزية الخدمات الصحية والخصخصة.. بحث عن تجربة السودان
-
التبعية وأثرها علي القطاع الصحي
-
إقتصاد سياسي جائحة فيروس كورونا المستجد
-
إقتصاد سياسي الصحة المهنية أو نظام الصحة المهنية كخلاصة مركز
...
-
راهنية أفكار لينين.. كتابة أولية حول الثورة
-
من نقد الموازنة إلي نقد السياسات الإقتصادية والإجتماعية أو إ
...
-
منهجية وموجهات موازنة 2020: الليبرالية الجديدة من بوابة إنتف
...
-
قضايا القطاع غير المنظم
-
مفهوم العمل الديمقراطي وسط الشباب
المزيد.....
-
حزب التقدم والاشتراكية يستقبل التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال
...
-
م.م.ن.ص// عمال ميناء جنوة: امتداد لتاريخ بحري من التضامن ال
...
-
تركيا تشهد احتجاجات حول مقر حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، و
...
-
مجزرة السويداء تكشف عن الطابع الطائفي للنظام الجديد
-
الاشتراكيون يؤكدون جاهزيتهم لحكم فرنسا إذا طلب ماكرون
-
احتجاجات حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول
-
بعثة فلسطين لدى البرتغال تشارك في مهرجان الحزب الشيوعي البرت
...
-
فرنسا: أي نجاح لحملة -سأدفع نقدا- المشاركة في الاحتجاجات الش
...
-
رسالة من المعتقل السياسي الأستاذ محمد جلول إلى الريفيين والر
...
-
العبودية هي ما تريد فرضه مدونة الأحكام الشرعية على النساء في
...
المزيد.....
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية!
/ طلال الربيعي
-
مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
المزيد.....
|