أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راسم عبيدات - رحلت أمّ نضال، حارسة الحلم الفلسطيني















المزيد.....

رحلت أمّ نضال، حارسة الحلم الفلسطيني


راسم عبيدات

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 14:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم: راسم عبيدات

أمّ نضال أبو عكر، واحدة من أبرز عناوين النضال الوطني الفلسطيني، بقيت قابضة على الجمر حتى آخر يومٍ في حياتها، ولم تفقد اتجاهَ البوصلة — كما فقدتها الكثير من القيادات الفلسطينية والعربية، التي أفضَت إلى البحث عن مصالحها الخاصة، في زمن رُدّةٍ «حِراشيّ» كما وصف الكاتب والأديب الجزائري العروبي الراحل الطاهر وطار؛ زمنٌ أضحت فيه العروبة لعنةً على المتمسّكين والمتشبّثين بها، في عصرٍ يهرول فيه نظام عربيٌّ بأكمله نحو التطبيع وما يُعرف بـ«السلام الإبراهيمي» مع «إسرائيل»، معتقدًا أن قوى المقاومة هي السبب في كلّ الدّمَار والخراب الذي يصيب الوطن العربي، وليس بسبب أصحاب مشروعٍ استعماريٍّ يقوم على نهب الأرض الفلسطينية والتوسّع، وطرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، بل حتّى إنكار وجوده. فالمشروع الاستيطانيّ الرعويّ والدينيّ في الضفة الغربية وفي كلّ فلسطين التاريخية، وزيرُ المالية "الإسرائيلي" المتطرّف والمغرق في العنصريّة سموتريتش، يقول إنه «لا يوجد شعب فلسطيني، وهذا اختراع عمره أقل من مئة عام»، ويتباهى بأنه منذ بداية هذا العام صادروا ثلاثين ألف دونمٍ من أرضي الضفة الغربية، وسيغرقها بالمستوطنات والمستوطنين، معلِنًا عن إقامة دولة ما يُعرف بيهودا والسامرة.

أمّ نضال أبَتْ أن تتخلّى عن مفتاح العودة إلى قريتها رأس أبا عمار، التي دمّرتها قوات الاحتلال إلى جانب أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية، في أكبر نكبة طرد وتهجير عرفها التاريخ البشريّ الحديث، وما زال الحلم يراود سموتريتش وكلّ المتطرّفين من أمثاله، بطرد وتهجير الشعب الفلسطيني؛ ولعلّ الحرب الشاملة التي تُشَن على شعبنا الفلسطيني، حربُ «الهندستين» الجغرافية والديموغرافية، تهدف لتحقيق هذا المخطّط والمشروع.

أمّ نضال — وهي تخبّئ مفتاح عودتها في حدقات عينيها الشاخصتين نحو قريتها رأس أبا عمار — تقول إنّ حقّ العودة، الفرديّ والجماعيّ، لا يسقط بالتقادم مهما كانت رداءة المرحلة وحالة الانهيار والسقوط.

أمّ نضال، هي واحدة من أبرز رموز النضال الوطني الفلسطيني، وبقيت متمثّلة قول الإمام عليّ رضي الله عنه: «لا تستوحشوا طريق الحقّ لقلةِ السّائرين فيه». وهي كذلك كما يقول المأثور الشعبيّ: «لم تعرف يوم فرح في حياتها». فكان الاحتلال جيشًا، وأجهزتُه مخابراتٍ، زائراً دائمًا لبيتها، من أجل إما اعتقال ابنها نضال «أبا محمد»، الذي قضى أكثر من عشرين عامًا في سجون الاحتلال، معظمها في الاعتقال الإداري، حيث تحرّر قريبًا من اعتقالٍ إداريّ دام أربعةَ وثلاثين شهرًا. ونضال أبو عكر — لسان حاله يقول: «أحمد الله عندما تُشرِق الشمس كل صباح، ويبدأ يومٌ جديد دون أن أكون في السجن. أكثر من نصف حياتي قضيتها بالسجن، وفي كلّ يوم أجد نفسي خارج السجن أشعر بحياةً أخرى. أصبح وجودي طليقًا ليوم واحد هو وحده قياس لأرى الغد وأرى بعض الأصدقاء. كلّ حركاتي مع الناس كأنّها حركات وداع. كلّما أسمع صوت (الزّنانة) في السماء أعرف أنهم فوقي وحولي، يلاحقونني جوًّا وأرضًا، من شارعٍ إلى شارع. هذه حياتي — على قلق، كأنّي سأكون في السجن بعد قليل، أو كأنّي سأصاب برصاصة.»

أمّ نضال، حارِسة الحلم الفلسطيني، تجدها حاضرة في كلّ الأنشطة والفعاليات والمسيرات والاحتجاجات الخاصة بالأسرى وأهالي الشهداء. لا تكلّ ولا تَهْدأ، وهي في حالة استنفار دائم، معاركُ ومشاداتٌ مع جنود الاحتلال أو رجال المخابرات القادمين لاعتقال ابنها نضال أو ابنه محمد. ونضال وابنه محمد مكثا في المعتقل معًا، كما هو حال العديد من الأسر الفلسطينية. ففي سجن عسقلان عام 2006، كان معنا في المعتقل الأسير القائد فخري البرغوثي وابنه شادي، الذي تحرّر في صفقة التبادل مؤخرًا.

وأمّ نضال هي والدة الشهيد العجيب، الشهيد الحيّ محمد أبو عكر، الذي استُشهِد في عام 1990 برصاصة دمدم، وسُمّي «الشهيد الحيّ» لأنه دخل في نوبات موتٍ أكثر من مرة.

أمّ نضال تستذكر ما تعرّض له بيتها من عمليات دهم وتفتيش مستمرّة من أجل اعتقال نضال، حيث كان جيش وضباط ورجال المخابرات زُوّارًا دائمين لبيتهم من أجل اعتقال نضال، الذي كان فترةً مطاردًا: الدهم والتفتيش والاستفزاز والتكسير والضّرب والتحطيم والدمار الواسع، وآثاره: الهلع والخوف بادٍ على الأطفال، مع تهديداتٍ مستمرّة بالعودة.

مخيم الدهيشة، هو واحد من مخيمات بيت لحم إلى جانب مخيمَي عايدة والعزّة، لكنّه على الصّعيد النضالي ومقارعة الاحتلال كان الأبرز. أحاطه الاحتلال بسياجٍ بطول ثمانية أمتار، حتى لا يُلقى الحجارة أو قنابل المولotov على جنود الاحتلال أو دورياته، أو حافلات وسيارات المستوطنين التي تمرّ من أمامه باتجاه مدينة القدس أو مستوطنات جنوب الضّفة الغربية، قبل فترة أوسلو وما جلبه على شعبنا من كوارث.

المرض اللعين نال من جسد أمّ نضال بعد معركةٍ طويلة، ربما كانت شرسةً كما هي معاركها ومقارعتها للاحتلال. لكنّ الفارق هنا أن الاحتلال لم يستطع أن ينال من إرادة ومعنويات أمّ نضال، ولم ينجح في ثنيها أو ردعها عن التخلّي عن قناعاتها وأفكارها ومبادئها. بل كانت متجذّرة في انتمائها وقناعاتها، مؤمنة بأنها في يومٍ من الأيام ستعود إلى مسقط رأسها الذي هجّرت منه قسراً: قرية رأس أبا عمار.

أمّ نضال تجسيدٌ للمرأة الفلسطينية المناضِلة الصابِرة المضحيّة، التي دفعت الأثمان الباهظة من أجل أن يكون لأطفالها وأبنائها مكانة لائقة تحت الشمس، محرّرين من أغلال وقيود هذا الاحتلال، في عالمٍ يسوده الظلم وازدواجية وانتقائية المعايير، ومناصرة المحتلّ على الراشح تحت الاحتلال.

أمّ نضال كانت تحلم بأن يتجسّد حقّ عودتها إلى قريتها وهي حية على قيد الحياة، لكي تطلق زغاريدها وتقيم الأفراح والأعراس احتفالاً بذلك — لكن هذا الحلم لم يتحقّق، وإنّما بقي مستقراً في تلافيف دماغها، وحلمًا لن يسقط بالتقادم.

أمّ نضال رحلت عن هذه الدنيا الفانية، في مرحلةٍ يتعرض فيها شعبنا لحرب إبادة وتجويع وحصار وطرد وتهجير، في ظلّ نظامٍ عربيٍّ رسميّ بائس وصل حدّ الانهيار، بات يرى في بيانات الشجب والادانة – بخجلٍ – أعلى شكل من أشكال مقاومته لجرائم الاحتلال، بل أنّ هناك من يتآمر ويتواطأ على شعبنا، ويتحلّل من التزاماته القومية والوطنية، ويرى في القضية الفلسطينية عبئًا عليه، بدل أن تكون قضية العرب الأولى.

أمّ نضال رحلت جسدًا، لكن ذكراها ومواقفها ونضالاتها وتضحياتها سيورثها من هم أهل لحملها والاقتداء بها والسير على نهجها ودربها.

لكِ المجد والخلود يا أمّ نضال، ولشعبنا طول البقاء، في رحلةٍ طويلة ومستمرة من أجل تحقيق أهدافه، فالحرب على شعبنا شرسة، وللأسف يشارك فيها من هم من أبناء جلدتنا.

فلسطين – القدس المحتلة
31/10/2025
[email protected]



#راسم_عبيدات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة حماس … غزة، ترامب، كوشنير
- لماذا القطار الجوي الأمريكي إلى «إسرائيل»؟
- المهمة الراهنة: إسقاط مجلس الوصاية «السلام العالمي»
- لماذا جرى استبعاد القادة من صفقة التبادل؟
- غزة للنموذج اللبناني
- أسطول الحرية... الجبهةُ الثامنة
- قرارات عزل وضم قرى شمال غرب القدس: مقدمة لقرارات أوسع
- البوابات الألكترونية اهاف مباشرة وأخرى استراتيجية
- هل ينتقل العرب والإيرانيون من الإشتباك إلى التشبيك؟
- البلاد العربية والإسلامية على مفترق طرق،بعد كسر نتنياهو الجر ...
- -اسرائيل- صعود الى ذروة القوة،أم صعود نحو الهاوية ..؟؟
- مصر وجيشها في قلب الاستهداف -الإسرائيلي–الأمريكي-
- -عصا موسى- في مواجهة -عربات جدعون𔇘-
- الحرب على لبنان باتت قريبة
- المشاريع والمخططات إقليمية وأكبر من معركة غزة
- حل الدولتين أُسقط بالضربة القاضية
- المنطقة والإقليم أمام مخاطر مصيرية ومفصلية
- هي حرب حسم الساحات في المنطقة والإقليم
- الأقصى وذكرى خراب الهيكل
- قرار الكنيست الرمزي تمهيد قانوني وسياسي لإعلان الضم الفعلي


المزيد.....




- -مثير القلق-.. فيديو لضابط شرطة أمريكي يطارد أحد المشاة بسيا ...
- -الراجل مغلطش-..علاء مبارك يشعل تفاعلا برده على سؤال عن تصري ...
- فضيحة مدوّية تهزّ الجامعة اللبنانية: شهادات مزوّرة ابتداءً م ...
- صورة مبارك وفاروق حسني خلال تدشين المتحف الكبير تثير تفاعلا ...
- مراهق عراقي يدفع 30 لاعب روبلوكس لإنهاء حياتهم
- مهرجان القاهرة الدولي للجاز يكرم زياد الرحباني: كيف بدأت الح ...
- المتحف المصري الكبير، هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- في جبل آثوس باليونان.. الجنود الأوكرانيون يلتمسون الراحة من ...
- استمرار نقاشات مشروع موازنة 2026 في الجمعية الوطنية
- هل يصبح روب جيتن أصغر رئيس وزراء في تاريخ هولندا؟


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راسم عبيدات - رحلت أمّ نضال، حارسة الحلم الفلسطيني