نعيمة عبد الجواد
                                        
                                            
                                                    
                                                
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي
                                                    
                                                 
                                                    
                                                
(Naeema Abdelgawad)
                                                    
                                                 
                                                
                                        
                    
                   
                 
                
                 
                
                
                 
                 
              
                                        
                                        
                                      
                                        
                                        
                                            الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 02:56
                                        
                                        
                                        المحور:
                                            الادب والفن
                                        
                                        
                                            
                                        
                                        
                                     
                                      
                                        
                                        
                                        
                                        
                                            
    
    
 
                                       
                                        
                                        
                                
                                
                                   
                                        
                                            
                                              يتحدَّث الأدباء والفلاسفة عن القيم الحميدة، لكن أقصى ما يثير الغضب هو رؤية الكثير منهم يحيدون عنها، وكأنه لغوًا مصنوعًا للاستهلاك الشعبي وبعيدًا عن التنفيذ من قبلهم. لكن أيضًا يذكر التاريخ بضعًا من العلماء والفلاسفة ممن عاشوا وماتوا بسبب التمسُّك بمبادئهم، ومن هؤلاء كان جاليليو وسقراط، وغيرهم الكثيرين ممن صاغوا تاريخ النشرية ودفعوها للارتقاء. وبالتفكير قليلًا، قد يلح سؤالًا على أفكارنا، ألا وهو: هل لا يزال الإنسان المعاصر باستطاعته التمسُّك بأفكاره حتى ولو يعني هذا تعرُّضه للتنكيل أو حتى الموت؟ وإذا كانت الإجابة بالسَّلب، متى توقَّف البشر عن الإخلاص لمبادئهم؟
لقد أجابت على هذه التساؤلات وما يشابهها الكاتبة الأمريكية الروسية الأصل "أيان راند" Ayan Rand (1905-1982) التي لم يحتفي بأفكارها القادة ومن بلغوا أعلى الدرجات في السلَّم الاجتماعي، فقط، بل أيضًا الكثير من الشعوب؛ والسبب هو الترويج عن أهمية منهاجها الفلسفي ومدى مواكبته للتغييرات في العصور الحديثة.
ولدت "أيان راند" تحت اسم "أليسيا زينوفينيا روسينباوم" Alisa Zinovenya Rosenabum، في روسيا  لأسرة برجوازية في مدينة "سان بطرسبرج"، وكان والدها يعمل صيدلانيًا ويمتلك صيدلية. وتلقَّت أوَّل صدمة لها عندما كانت في الثانية عشرة فقط من عمرها، عندما قامت ثورة "تشرين"، والتي على إثرها تولَّى البلاشفة حكم البلاد تحت قيادة "فيلاديمير لينين". وعلى إثر هذا، تمَّ تأميم الصيدلية، ووجدت نفسها مع أسرتها بدون مصدر رزق، فغادروا المدينة ليجابهوا أيَّام عصيبة، قضوا بعضها لا يجدون فيها حتى لقمة العيش لسد جوعهم. وبعد أن آبوا للمدينة، مرَّة أخرى، واستطاعوا تدبير أوضاعهم، أصرَّت على الالتحاق بالجامعة، وكانت من أولى الدفعات النسائية التي التحقت بالجامعة، ودرست في كلية  "التربية الاجتماعية"، حيث تخصصت في دراسة التاريخ. لكنها طُردت من الجامعة مع العديد من الطلبة الآخرين فيما يسمى بحقبة "التطهير"، وكانت حينها قبيل التخرُّج. لكن اليأس لم يصيبها، وعندما استأنفت الحكم هى والآخرين بعد زيارة بعض من العلماء للجامعة، فتح أمامها مرة أخرى الباب للالتحاق بالجامعة فأكملت دراستها، ونالت شهادة التخرُّج. 
كانت زيارتها الأولى للولايات المتحدة نافذة جديدة فتحت أمام عينيها عالم مختلف. ولهذا السبب، بعد التخرُّج ذهبت لزيارة أقربائها في شيكاغو، ووعدت أهلها بالرجوع إلى روسيا مرَّة أخرى، بيد أنه من المؤكِّد والمنتظر أن ذلك لم يحدث، بل أنها أيضًا بعد فترة تركت أقربائها وولاية شيكاغو، وتوجَّهت إلى ولاية نيويورك. وكانت سعادتها بالغة عندما تم اختيارها لتكون من ضمن المجاميع (الكومبارس) في فيلم "ملك الملوك" King of Kings، وحينها تاقت لأن تصير كاتبة سيناريو. ومن ثمَّ، وبعد أن غلبها الحماس، التحقت بالجامعة مرة أخرى. لكن، في هذه المرَّة درست كتابة السيناريو، وقبلها نشأت قصة غرامية بينها وبين المثل الصاعد "فرانك أوكونر"Frank O’Coner، ونجم عن تلك القصة زواجهما، الذي مكَّنها من إقامة دائمة بالولايات المتحدة، وبعدها حصلت بسهولة على الجنسية الأمريكية.
وبعد محاولات لم يكلِّلها بالنجاح في كتابة السيناريو والروايات، كتبت رواية "المنبع" The Fountainhead (1935) التي منحتها شهرة واسعة وكانت السبيل إلى شهرتها إلى يومنا هذا، والتي أيضًا من خلالها أرست قواعد مبدأها الفلسفي الرأسمالي البحت الذي أعطت له اسم "الموضوعية" Objectivism والذي أيضًا من أجله هجرت فيما بعد الكتابة الأدبية وتفرَّغت للبحث الفلسفي، وأسست جريدة ومؤسسة تحمل اسمها لنشر هذا الاتجاه الفكري.
ومفهوم "الموضوعية" عند "أيان راند" يتطابق تمامًا مع الأفكار التي يتم ترويجها بشدة عالميًا في الوقت الحالي، وكذلك تم تطبيقها بداية من منتصف القرن الماضي في الولايات المتحدة، لما لها من قيم تدعو إلى الاستقلالية والكدّ والعمل بشرف لتحقيق الهدف والإحساس بالقيمة الشخصية. ومن الطريف أن العديد من الرؤساء الأمريكيين وقعوا في غرام رواية "المنبع" التي تجسِّد هذا الاتجاه الفلسفي وقدمته للعامة بشكل بسيط ومحبب يلامس أبناء المجتمع ويعدِّل من مسار اتجاهاتهم الفكرية بسلاسة. 
وتؤكِّد "أيان راند" أن "الموضوعية" يمكن وصفها بأنها تلقي الضوء على "مفهوم الإنسان بوصفه كائن بطولي، فسعادته هي الهدف الأخلاقي لحياته، والإنجاز الانتاجي هو أنبل نشاط له، والعقل هو الحقيقة الوحيدة المطلقة بالنسبة له." وبناء على ذلك، فإنها تعتبر أن دور العقل في حياة الإنسان يتعاظم كلَّما زاد التطوُّر، وكان ذلك سببًا مباشرًا في تطوير فلسفة أخلاقية جديدة قوامها أخلاق المصلحة الذَّاتية العقلانية التي يكون حجر الزاوية بها ضربًا من ضروب الأنانية المحمودة والتي تدور في فلك  الرأسمالية الغير اقتصادية. 
وتشير "راند" في الفلسفة الموضوعية إلى أن الواقع موجود بشكل مستقل عن الوعي، وأن البشر لديهم اتصال مباشر بالواقع من خلال الإدراك الحسي. وبناء على هذا، فإنه من السهل على أي فرد الوصول إلى المعرفة الموضوعية عبر الإدراك وكذلك عبر عملية تكوين المفهوم والمنطق الاستقرائي، أي أن الاتصال المباشر بالتجربة والنتائج التي تكون إدراكنا بالشيء تصبح سبيلًا  لفهم ومعرفة ما يدور حولنا من أشياء. 
لكنها أيضًا تحذَّر من فخ الوقوع في التشعُّب، فإن الإدراك لديها الغرض منه هو الوصول إلى سعادة الفرد بشكل أخلاقي، عبر تطبيق أسس من الأنانية العقلانية، أو المحسوبة بدقة، التي تُظهر الاحترام الكامل لحقوق الفرد. وكانت "راند" تعتقد أن للفن دورًا جوهريًا في تشكيل الوعي الاجتماعي؛ لأنه يعمل من خلال المنصَّات المرئية على تحويل أفكار مجرَّدة جامدة إلى واقع ملموس، ويكون هذا عبر الشكل الدرامي الذي يعيد إنتاج الواقع بشكل انتقائي، وفي تلك العملية يحدث تحويل الواقع إلى عمل فنّي تغلب عليه الطبيعة المادية الملموسة التي تجبر المشاهد على فهم أصعب الأفكار وكذلك الاستجابة لها عاطفيًا.
وبناء على ذلك، استطاعت "راند" تمرير مبدأ "الأنانية العقلانية" باعتباره مبدأً شديد الأهمية وشديد الخطورة. ويشدد هذا المبدأ على ضرورة إعطاء الأولوية للمصلحة  الشخصية والقيمة الخاصة، لكن في نفس الوقت لا يجب أيضًا الاعتداء على مصالح الآخرين أو، في نفس الوقت، التضحية من أجل الآخرين. تُؤدي هذه العقلية إلى وجود حياة أكثر إشباعًا وأصالة؛ حيث يعمل كل فرد على النهوض بذاته دون إعاقة الآخرين عند تحقيق أهدافهم.
وبعد الوصول إلى تلك المعرفة عن طريق الإدراك، يصبح السبيل لحياة مرضية هو اتباع القيم الشخصية، وتجنّب الوقوع في فخّ الضحية، وتنمية تقدير الذَّات، وممارسة الصدق، وكسب المال بشرف، والمثابرة في مواجهة التحديات، والالتزام بقواعد تنمية الذَّات مدى الحياة؛ حيث أنها تفضي لتغذية العقل وتحقيق الإنجازات واتباع القواعد الأخلاقية الداخلية لكونه أمر بالغ الأهمية، حتى لو تعارض أحيانًا مع المصلحة الشخصية المباشرة. ومن ثم، يصبح تقبّل المسؤولية الشخصية وتقدير الذات من المحتمل أنه يفضي في نهاية الأمر إلى المزيد من السعادة والاكتمال. في حين أن الافتقار إلى الشجاعة في السعي لتحقيق الأهداف يُمكن أن يُؤدي إلى فقدان تقدير الذات والوقوع في فخ علاقات ومهن غير مُرضية. وتوكِّد "راند" أن بناء تقدير الذات من خلال التقييم الذاتي العقلاني والتأثيرات الإيجابية أمرٌ أساسي للنمو الشخصي الذي يفضي إلى تكوين علاقات أصيلة وتحقيق الذات اللذان يقومان على الصدق وكسب المال بشرف.
وعن علاقة الفرد باالمال تلفت "راند" النظر إلى أن التعامل باحترام مع المال يُؤدي إلى حياة أكثر معنى يزداد معها مقدار الرضا الشخصي ويساعد المرء في التغلب على الصعوبات التي تجابهه في رحلته الشخصية عبر مراحل حياته المختلفة، علمًا أن تلك الصعوبات جزءًا أساسيًا من النمو الشخصي. وكما هو رائج في عصرنا الحالي، تدعو "راند" إلى الثقة بال قوة الداخلية التي تقود إلى الحياة المنشودة رغم التحديات.
وبالرغم من جميع المبادئ البرَّاقة التي كانت تروِّج لها "أيان راند"، اتهمها الفلاسفة بأن معاييرها كانت تفتقر إلى المنهاج العلمي، وأنها لم تكن تطبِّق تلك المعايير على نفسها، وأكبر دليل على هذا أن بالرغم من مهاجمتها لأي نظم اشتراكية، لكنها كانت أولى المستفيدين من نظام التأمين الصحي بعد إصابتها بالسرطان.
وبعد مائة عام تقريبًا، يلاحظ أن مبادئ "أيان راند" التي لم تستطع تطبيقها بأكملها على نفسها أصبحت رائجة ويتم تطبيقها في جميع أنحاء العالم، بالرغم من أنها لم تكن أبدًا قائمة على منهاج علمي كما أكد الفلاسفة والمفكرين المعاصرين لها. 
                                                  
                                            
                                            
                                          
                                   
                                    
      
    
  
                                        
                         #نعيمة_عبد_الجواد (هاشتاغ) 
                           
                          
                            
                          
                        
                           
                          Naeema_Abdelgawad#
                         
                
                         Naeema_Abdelgawad# 
                           
                          
                            
                          
                        
                           
                          
                         
                      
                                        
  
                                            
                                            
                                             
                                            
                                            ترجم الموضوع 
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other 
languages
                                        
                                            
                                            
                                            
الحوار المتمدن مشروع 
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم 
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. 
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في 
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة 
في دعم هذا المشروع.
 
  
                                                               
      
    
			
         
                                         
                                        
                                        
                                        
                                        
                                        
                                         
    
    
    
                                              
                                    
                                    
    
   
   
                                
    
    
                                    
   
   
                                        
			
			كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية 
			على الانترنت؟