أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف توفيق - منيرة المهدية 1890-1965















المزيد.....


منيرة المهدية 1890-1965


أشرف توفيق
(Ashraf Mostafa Tawfik)


الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وكتب مستر ريجنالد ديلينى مراسل رويتر: (إن الذى يمشى فى شوارع مدن مصر وقراها يخيل إليه أن جميع أهلها من رجال ونساء وأطفال تحولوا إلى باعة متجولين يبيعون بلحاً اسمه بلح زغلول)!

يا بلح زغلول.. ياحليوه يا بلح!!
فى أثناء ثورة 1919 أصدر القائد العام البريطانى أمراً عسكرياً بسجن كل من يذكر اسم زغيم الثورة سعد زغلول ستة أشهر مع الشغل وجلده عشرين جلدة.. وهنا غنت منيرة المهدية أغنيتها المشهورة (يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح، عليك بنادى فى كل نادى، يا بلح يا حليوة يا بلح). وانتشرت الأغنية،وأصبحت على لسان النساء والرجال والباشوات والفلاحين حتى تحولت إلى ما يشبه النشيد الوطني تحدياً لأمر قائد جيوش الاحتلال!
والمعنى أن المهم الرمز،وزغلول موجود..سعد موجود. ثم أن منيرة المهدية لها أغان مشهورة (أسمر ملك روحى) و(عصفورى يامة عصفورى) وهى قادرة على أغانى صعبة لسيد درويش وداود حسني وهى أول من صرف على المسرح وألفت فرقة مسرحية مثلت على المسرح روايات: (كلها يومين) لحنها سيد درويش و(كليوباترا) ولحنها سيد درويش،وأكملها محمد عبد الوهاب!! وكان أول ظهورها مع (شفيقة القبطية)..ثم أصبحت المطرية الأولى فى مصر بلا منازع.
وكان (سعد زغلول) من حين لآخر يختلس الوقت ليروح عن نفسه وعقله وكان يميل إلى سماع الأغانى من عبده الحامولي ومحمد عثمان وسلامة حجازي، كما كان يقرأ الشعر ويحفظه خاصة : المتبنيى والمعري، وذات يوم قرر (سعد زغلول) أن يذهب إلى المسرح لمشاهدة مسرحية تقوم ببطولتها الفنانة المطربة الكبيرة منيرة المهدية،وحرص على كتابه ماشاهده فى مذكراته بتاريخ 24 نوفمبر 1917 وهكذا عرف طريق منيرة المهدية فيقول: (دعانى أمس إسماعيل صدقي إلى تياترو (برانتانيا) لحضور تمثيل رواية كارمن،بواسطة جوقة منيرة المهدية،ودعا معى عدلي باشا وثروت باشا وقد كان التياترو على سعته، غاصاً بالمتفرجين، والألواج مملوءة جداً ولكن أغلبهم كانوا من الطبقة الوسطى والدنيا، ومنيرة المهدية فنانة فى الثلاثين من عمرها، خمرية اللون رشيقة القد مليحة الوجه،خفيفة الروح،رخيمة الصوت وطويلة النفس، وتمثيلها لا بأس به كما لا بأس ببعض أفراد الممثلين معها. وقد رأيت التمثيل تقدم عن ذى قبل كثيراً ولكن الشعب لم يتهذب بعد، ولم يترب فيه ذوق هذه المشاهد، فهو يصفق لما يجب السكوت عنده ويسكت لما يجب له التصفيق ويضحك عندما يلزم البكاء ويسكت بعضه بعضاً فيكون لا إسكات أدعى للجلبة من التشويش.وقد لبثت إلى ما قبل الفصل الأخير وانصرفت مع عدلي (يكن) وبقى صدقي وثروت ،بحجة أنهما يريدان السير على الأقدام، ولكن يظهر من حالتهما أنهما كانا يريدان أمراً آخر.

ولقد تحدث الناس بوليمة صنعها زوج (منيرة) المذكورة لثروت باشا، وبعض القضاة والمحامين،وانتقدوا الوزير انتقاداً مراً. ولقد قيل إلى ثروت : إن سري باشا يقول أن منيرة هذه ليست حميدة السيرة فاكفهر وجهه واحتقن وعلاه الكدر وقال: على ذلك سيرفض الإذن فى التمثيل فى الأوبرا السلطانية..
ويحكى أنه عندما كانت (صفية زغلول) تستقبل فى بيتها صديقاتها والمقربات منها، لم يكن سعد زغلول يخرج لملاقاتهن ولاحظت إحدى صديقات صفية هذا الأمر، وتذكرت الشائعة التى انتشرت لفترة أن (سعد زغلول) تزوج من أخرى فسألت هذه السيدة صفية بفضول شديد: هل صحيح أن لزوجك سعد باشا بيت آخر وقرينة أخرى كما يقال؟!
وبكل جدية ترد صفية زغلول: نعم له زوجة أخرى ولكنها فى هذا البيت! أنظرن،سأريكن إياها وأسمعكن أسرار (سعد) معها فى هذه اللحظة!! وتزداد دهشة السيدة ويتملكها حب الفضول والاستطلاع من جواب (صفية) وتنهض الصديقات لرؤية (ضرة) صفية، وتكون المفاجأت فى جلوس (سعد) منكباً على مكتبه بين أوراقه وكتبه يقرأ بصوت جهير على عادة الأزهريين، وإلى جانبه سرير أعد للنوم إذا تأخر به الدرس إلى هزيع الليل الأخير.
وتسأل (صفية) صديقاتها:
- أسمعتن؟!
- نعم ولكن أين الزوجة؟!
وترد (صفية): الزوجة هى هذه الأوراق، وهى الضرة التى سمعتن بها؟!
وفجأ وقبل انصرافهن يسمعن صوت جرمافون يصدر منه صوت يغنى (أسمر ملك روحى يا حبيبى..تعالى..بالعجل) ويضحك النساء ويلعب الفأر فى عب صفية زغلول..وبعد أن تنتهى الزيارة تذهب لزوجها بكوب حلبة باللبن.وتسأله من هذه المطرية ويجيب سعد زغلول:منيرة المهدية (سلطانة الطرب) وكانت هذه شهرتها.وتسأله صفية بتعجب وقد حدث لها تداعى من أقوال صديقاتها: لكنك لا تسمع إلا الشيخ رفعت أو عبده الحامولي أو سلامة حجازي.
ويجيب سعد: إن سلامة حجازي قد أعطى جوقته لمنيرة المهدية.
وفجأة فجرت صفية قنبلة: طلقنى يا سعد. أو طلق السهر والقمار، فأنت وعدتنى أكثر من مرة بأنك لن تبقى خارج المنزل بعد الساعة الثامنة ولكنك لا تحضر قبل الساعة الثانية عشر.
وانفجر سعد زغلول: ما علاقة القمار بمنيرة المهدية بالسهر.
وقالت صفية: كلها سكة واحدة منفده على بعض!!
ولم يكن سعد زغلول يعلم حتى هذه اللحظة أن زوج (منيرة المهدية) له بارتيته قمار خاصة يلعب معها!! وأن لمنيرة المهدية عوامة.. تغنى فيها ويلعب فيها زوجها القمار.
ويبدو أن سعد زغلول بالفعل حنث فى يمينه مع زوجته ففى مذكراته بتاريخ 5 يناير 1917يقول (سعد زغلول): قمت أمس باكراً، وأصبحت اليوم نشاطاً منتعشاً، ولقد تعهدت تعهداً وثيقاً بأن لا أبقى خارج المنزل إلا إلى الساعة 8، وأنى أخذ نفسى بهذا التعهد، وملزمها الوفاء به لأن فيه راحتى،وراحة زوجتى التى تتألم كثيراً من سهرى!! وتكاد تموت إذا غبت عن العشاء ولذلك حرم على أن أعمل على أذاها، وأن أتلذذ بعذابها، على أنه لا لذة فى البقاء زمناً طويلاً خارج البيت خصوصاً لمن كان فى سنى وصحتى. فاللهم أعنى على العمل بما يضمن راحتى وأهلى، إنك سميع الدعاء..
وقبل حوالى أسبوع بالضبط من تسجيل هذه الخواطر، كان (سعد زغلول) قد عاد من مسجد وصيف عند الفجر فيقول: (ورأيت حرمى بعد عودتى فى الساعة 2 تنتظرنى، فقالت: خضيتنى وغضبت، وغضبت ثم اصطلح الحال..).لقد كان حب (صفية زغلول) لزوجها سعد حباً لا حدود له، ولم تتزعزع مكانه هذا الحب أبداً، وعاشت (صفية) تتمنى من كل قلبها أن يكف (سعد) عن لعب القمار!!..
ومن أطرف ما جرى فى أواخر يوليو 1918 عندما نشرت جريدة المقطم خبراً يقول إن حكمدار بوليس القاهرة أرسل منشوراً لرؤساء جميع النوادى يحرم عليها لعب الورق بجميع أنواعه كان هذا القرار مصدر فرح وسعادة لـصفية زغلول،كما كان مصدر حزن وغضب لــسعد زغلول وحرص (سعد) على تسجيل ذلك فى مذكراته (29 يوليو) فيقول: (ارتاحت حرمى لهذا المنع غاية الارتياح،ولكنى قرأت اليوم أن هذا المنع خاص بالنوادى التى تأسست على اللعب وللعب،لا التى تأسست لأغراض أخرى فارتحت ولكن لم يسر ذلك حرمى).وهكذا لم تدم فرحة صفية زغلول!!

وفى أواخر 1918 أقلع سعد زغلول تماماً عن القمار وقرر أن يعيد ترتيب مكتبته واهتم بالجغرافيا واللغات والتاريخ القديم وأعطى أسطوانة (منيرة المهدية) لأخيه (سعيد زغلول) الذى كان يعتبر ابنه بالتبنى وكتب فى مذكراته يقول: أرى (حرمى) مسرورة من حالى وقد زادت ساعات المؤانسة والمجالسة فيما بيننا. لأنها إن كانت وحدها كانت مؤانستها ضرورية لازمة لإزالة الوحشة من نفسها، وإن كان معها غيرها كان ذلك على الأقل دفاعاً لما يتوهمه الأجنبى من وجود شئ من الجفاء بيننا. إذا كنت أظلم نفسى باللعب وأظلم من يحبنى بالإعراض عنه!!
وفى مذكرات ثروت باشا بضع سطور عنها: كانت منيرة المهدية صوتاً يطرب.لم تكن شخصيتها على مستوى صوتها، فهى مسيطرة،لحوحة فى طلباتها، لا تترك فرصة إلا وعاجلتها بالاقتناص.وفى كل مرة أروح فيها بسماعها كانت تتحايل لألتقاط الصور معها لى ولمن معى. وكان زوجها مثلها إلا أنه أكثر ألحاحاً وفظاظة..ويفجر مفاجأة حين يذكر: (توفى سيد درويش قبل عودة الزعيم سعد زغلول بخمسة عشر يوماً من منفاه وذهبت على رأس وفد من حزب الوفد للعزاء. بعد ما علمنا من أنه يعد احتفالاً قضى فيه وقتاً طويلاً لهذا اليوم. وبالفعل وجدت هناك بالإسكندرية المنشدين والعزفين وقد استعدوا لحفل استقبال الزعيم، واقترح الشيخ ماضي الفقي أن يتحول المنشدين والجقه لأداء جماعى وغير فى بعض كلام النشيد فحول (كلنا جميعاً للوطن ضحية) إلى (كلنا فى حب الوطن ضحية) وحاولت أن أعارضه فى ذلك لاختلاف المعنى، ولكنه أوضح صعوبة ذلك فى الأداء الجماعى، وإذا بى أجد زوج (منيرة المهدية) الفظ اللحوح، يخبرنى أنه ومنيرة قد حضرا لواجب العزاء وأن منيرة المهدية تريد أن تحل محل سيد درويش فى استقبال الزعيم. ووجدت أن ذلك يجعل المنشدين والعازفين يعودون للسياق الذى وضعه سيد درويش،فوافقت مبدئياً إلا أن (عبد الرحمن فهمي) حضر للإسكندرية قبل موعد الزعيم بأسبوع.ولما علم الخبر ثار ثورة عارمة ورفض رفضاً باتاً. وقال فى ثورته: ما تجيبوا عوالم ورقصين!..ورفعت يدى عن الأمر. ووصل الأمر لحد رفض الاحتفال كله.)
ولكن الإسكندرية خرجت كلها فى يوم 23 سبتمبر 1923 عند عودة سعد وقد حفظ الناس لحن سيد درويش واستقبلوه به.واختلط المنشدين بالبشر والعازفين والغريبة أنهم جميعاً أدوا اللحن صحيحاً وكما وضعه الشيخ سيد درويش!
مصرنا وطنا سعدنا أملنا كلنا جميعاً للوطن ضحية
أجمعت قلوبنا هلالنا وصليبنا أن تعيش مصر عيشة هنية
عزك حياتنا. زلك مماتنا يا مصر بعدك مالناش سعادة

أما أوراق الفنانة (حياة صبري) فغريبة ترد فيها أنها كانت تعمل فى فرقة (منيرة المهدية)كمغنية وراها الشيخ سيد درويش فأعجب بها وزادت العلاقة بينهما ارتباطاً جينما علم أنها من الاسكندرية ومن عائلة (عبد العال) من محرم بك وأن اسمها الحقيقى (عائشة محمد ابراهيم عبد العال) وأنها هربت إلى القاهرة لتعمل كمطربة. ولاحظت (منيرة المهدية) العلاقة بينهما وأنه يقدمها فى الجوقة ويعطيها بعض الدخلات فى مسرحياتها فطردتها.فقد كانت منيرة المهدية تغير عليه.ولكنه لم يكن يبادلها ذلك إلا فى أوقات البروفات،فإذا انتهت المسرحية فض يده عنها!!وعندما طردتها الست منيرة. ماذا فعل معها الشيخ سيد درويش؟! إنها تقول على لسانها:فأغرقنى فى الرفاهية واستأجر لى شقة مفروشة لنقيم بها.. وكان يتردد على فى هذه الشقة مع بعض الأصدقاء حيث كان يشعر بأننى مهبط الوحى الفنى. وتتوالى الحكايات عن منيرة المهدية المرأة التى اختصها سعد زغلول ببضع سطور ضمن مذكراته التى لم يكتب فيها إلا عن سبعة نساء: أمه، وزوجته صفية،وابنته بالتبنى (رتيبة) أم علي ومصطفي أمين،وحماته، ومنيرة ثابت، الملكة نازلي، وسابعهم (منيرة المهدية)!! مثلاً يكتب: ( إنها رفضت بيع عوامتها الخاصة للملكة نازلي، رغم أن الملكة زارتها بنفسها فيها وحينما قالت لها نازلي: يظهر أنك ناسية أنى ملكة مصر.ردت عليها منيرة: أنت اللى ناسية يا مولاتى أنى سلطانة الطرب؟! )... ومثل آخر ما سجله وراءه علامات تعجب واستفهام سعد زغلول فى مذكراته فبراير 1914 ( من أن حسين رشدي باشا عقد جلسة مجلس الوزراء فى عوامة منيرة المهدية.وعلل ذلك بأنه وجد كل الوزراء هناك فى ندوتها التى تضم كبار رجالات البلد!!) ولكنها باعت عوامتها واحتجبت عام 1942 ولمدة عشرة سنوات عادت بعدها للطرب فى أكبر سقطة لها حيث لم يتحملها الجمهور ونادور عليها:

شدوا الستارة منيرة دى ولا غارة!!
و..ولعوا النور منيرة بلعت وأبور؟!

وقد انضمت (منيرة المهدية) لزميلتها فى الكار (فاطمة سري) فى قضيتها مع (محمد شعراوى وهدي شعراوي) وأرسلت فكري أباظة المحامي ليقف معها فى قضيتها فقد كانت لمنيرة قضية مشابهة، فقد غرر بها ابن أحد البشوات، وحملت منه، وخطف أهله بنتها التى أنجبتها منه، فهربت من اهلها، وبدأت حياتها كمطربة - متخفية فى ملابس الرجال حتى لا يعرف مكانها أهلها - ثم تزوجت من بطل المصارعة (حسن كمال) ليحميها وبدأت فى الظهور بجنسها الحقيقى!! ولذا شعرت أن قضية فاطمة سري قضيتها.. قضية الفن ضد البشوات. إلا أن أغرب حكايات (منيرة المهدية) كانت مع أم كلثوم حينما شعرت أن هذه الفتاة الصغيرة تهدد عرش سلطنته (سلطنة الطرب) وقد فعلت العجائب من أجل الحفاظ على اللقب للأبد ولكن كما يقولون (لو دامت لغيرك ما وصلت لك)!! لقد شعرت بأهمية سلاح (الصحافة) فى قضية (فاطمة سري) فأرادت أن تستعمله ضد أم كلثوم!! لم يسعفها سلاحها المعروف البشوات وغنوتها المشهورة (ما تخفش على أنا واحدة سجوريا.. فى العشق يا أنتا واخدة البكلوريا) وأشار عليها البعض إلى اثنين: فكري أباظمة وعبد المجيد حلمي..وسألت من أكثرهم استقامة وقلة خبرة وقلة شهرة وحاجة وتعجب الجميع ولكنهم قالوا لها: عبد المجيد حلمي رئيس تحرير مجلة (المسرح)،وقلمه عنيف وهو صعيدى وشاب لم يسبق له نزوات،ولم يعرف عنه مغامرات فى عالم العشق والهوى.وقررت منيرة المهدية أن تقع فى غرام الصحفى الشاب، ودعته إلى الغذاء فى عوامتها وبعد ساعة واحدة كان يجلس تحت قدميها يبادلها عبارات الشوق وهى تلقى البترول على قلبه المشتعل فتندلع النيران! وخرج عبد المجيد الطيب من عند منيرة وهو مقتنع بأنه حبها الأول والأخير، واصبحت مجلة المسرح هى مجلة منيرة المهدية سلطانة الطرب فى مصر والشرق! وبدأت مجلة المسرح تهاجم أم كلثوم وقالت فى 17 يناير سنة 1927،أم كلثوم لها مئات العشاق ولا أدرى ماذا يحبون فيها، فهى ليست على شئ من الجمال ولا خفة الروح ولا سلامة الطبع.وفى13 ينايرسنة 1927 كتبت مجلة المسرح تقول (إن أم كلثوم نجمها قد غرب) وفى 31 يناير أيضاً كتبت مجلة المسرح تقول (أم كلثوم قدمت وهى بنت صغيرة شكوى لمحكمة السنبلاوين بأن شاباً من القرية اغتصبها) ووعدت بنشر نص الحكم ولم تنشره أبداً لأنه كان خبراً مختلق،ولكن هذا الخبر كاد ينجح فى إعادة أم كلثوم إلى قريتها فقد قرأه والدهاالشيخ ابراهيم وأقسم ألا تبقى أم كلثوم بالقاهرة بعد أن بزغ نجمها ولكن الأب أصر لولا أن صديقاً للأسرة حضر فى تلك اللحظة واستطاع أن يقنع الشيخ ابراهيم بالبقاء.ولكن هذه الحملة العنيفة على المطرية الشابة أم كلثوم لم تصرف الناس وفجأة جاء أولاد الحلال وقالوا لها.. لنغير ونعدل..سنضرب أم كلثوم من المسرح وبسرعة اقنعت الست منيرة "عبد الوهاب"بأكمال لحن سيد درويش (كليوباترا).وكان الفضل لمسرح منيرة المهدية التى اكتشفت محمد عبد الوهاب والذى يكتب فى مذكراته عن ذلك الحدث: بأن هذه المرحلة جعلته يلمع كملحن بعد أن لمع كمطرب،ولكنه يذكر أيضاً ذلك المشهد الذى تلقى فيه (كليوباترا) بنفسها على صدره منتحرة بسم الثعبان- ويقول ولأن منيرة المهدية لا تقل عن 150 كيلو شحم فإنها فى كل ليلة كانت تخرج روحه حينما تموت على صدره متوهمة بأنها كليوباترا!!
ونجحت الفكرة مرحلياً عندما نشر الأستاذ فكرى أباظة مقالاً فى الأهرام بعنوان(معجزة الموسم)قال فيه (منيرة وعبد الوهاب يغردان تغريد البلابل، والجمهور يضج ضجيج الإعجاب العنيف بعد أن أخذت منه الدهشة كل مأخذ، واستولى عليه ذهول الخاشع أمام السحر الحلال مجرم فى حق نفسه وحق الفن من لا يشهد رواية كليواترا فى الحال مجرم فى حق النبوغ والعبقرية من لا يبادر بإذاعة خبر هذا النصر الحاسم والنجاح البالغ عنان السماء!)وأبدت منيرة إعجابها الشديد بفكري أباظمة وغار عبد المجيد من فكري أباظة. وفى 7 مارس سنة 1927 كتب عبد المجيد حلمي إلى حبيبته يقول (كان الشرط ألا نتراسل، مهما جد فى غرامنا، ومهما وقع لنا، ولكنى أحب أن أقص فى غيبتى ما لا أستطيع ذكره أمامك)، نذالة فى الرجل يا سيدتى أن يغدر،ولكنها طهارة أيضاً ألا يكون مخادعاً ولا غشاشاً،وأنا اليوم أغدر بك، ولكنى لا أغشك ولا أخدعك.كنت أنت النار التى اشعلت؛ حسنى، ولا أقول قلبى- ولكن هذا القلب كان يدق حين يشعر بالالتهاب. فظننت أنى أحبك، وظننت أننى لا أستطيع أن أعيش إلا لك أو من أجلك وفى سبيلك وفى ذلك النهار الممطر الذى قضيناه معاً فى منزلى، فجأة دفعتك عنى كشئ قذر تمرغت فيه برهة ثم عافته نفى فتنصلت منه أصبحت (لا شئ) فى حين أنك منذ دقائق كنت (كل شئ)كنت أعتقد أننى أحبك وأننى لا أستطيع فراقك كنت أغار عليك حين تمدين يدك بالسلام لمخلوق ما وكنت أحترق حين أراك تبتسمين لشخص آخر كنت لا أطيق مجرد التصور أن رجلاً غيرى نظر إليك وابتسم لك..أما الآن فلا أتمنى على الله إلا أن يبعدنى عنك إلا الأبد.وقالت منيرة المهدية: هذا الحشرة.. يتركنى أنا يترك ست الستات لست المرأة التى يتركها رجل أنا الذى أترك..وجن جنون برج الحمل برج منيرة المهدية آه من برج الحمل..وآن من امرأة يبدأ اسمها بحرم ميم إذا قررت الانتقام والثورة.وجاء أولاد الحلال..وقالوا لها: بشبشي له.. أسحرى له..وقالت آية الكلام الفارغ ده.. وقالوا لها وصفة معروفة بعض الآيات وبعض الطلاسم تكتب على ورق بالزعفران وتغسل بالماء ويشرب منها المحبوب!! أو شئ من أطره قطعة قماش منديل.وفى يوم 18 إبريل سنة 1928 كتب إليها عبد المجيد حلمي يقول (أصدقائي يصورنك لى بصورة بشعة،وما يزيدنى ذلك إلا حباً فيك، وشغفاً بك وحنيناً إلى لقياك، إن حديث السوء عنك يصيب جرحاً فى عاطفتى فيذيبها، المرأة التى أحببتها يحتقرها الناس؟!)..
وفى يوم 9 مايو سنة 1927 كتب عبد المجيد لها يقول (أنت طاغية فى حبك الأبله، طاغية فى تفكيرك الجنوبي، طاغية فى عبثك الأثيم، طاغية فى استهتارك السخيف،طاغية فى إحساسك وشعورك، ومصرع كل طاغية رهيب) فهل هذا بسبب الحب.. أم بسبب السحر أم بسببهما معاً؟!
وسقط عبد المجيد حلمي صريع الحمى والحب، وارتفعت درجة حرارته وأصبح يهذى ويذكر اسم منيرة..منيرة وحدها! وأفاق من غيبوبته ليكتب يوم 6يونيو 1927:(الآن وقد مضت على الأيام الستة وأنا فريسة المرض، بدأت الخيالات تمر أمامى تباعاً، أعيد على ذكرياتى الماضى بعيدة وقريبة،فيشتد الألم وتزداد قواى انحلالاً،تألفت على عناصر الطبيعة تريد أن تصرعنى وتألبت لتغلبنى ووقفت لها احتمل ولا أدفع وأصبر فلا أجزع، حتى ثقل الحمل ودنا المصرع!).
وهبت العواصف من كل مكان تقتلع منيرة المهدية من عرشها،البعض لعنهاوالبعض هاجمها والصحفيون أهملوا أخبارها،والجمهور قاطعها ومضت منيرة تقاوم الصحف كلها والمجلات كلها والنقاد كلها،كل أصدقائها تخلو عنها حكموا عليها بغير محاكمة رفضوا أن يسمعوا شهودها أبوا أن يكون لها حق الدفاع عن نفسها!
يعمى كان عبد المجيد معبوداً بين الشباب هقاطعوا مسرحها،وأطلقوا عليها اسم القاتلة،وذهب بعض الناس إلى الشوارع ينتزع إعلاناتها الملونة أو عينيها الجميلتين المطلتين من إعلانات الحائط.
ولكن منيرة المهدية بقيت تذكر شيئين: إنها وفدية سعدية، وفدية نحاسية، وفدية ولو على رأس الوفد غراب!!
أما الشئ الثانى تلك الصورة التى التقطت لحسين رشدى باشا رئيس مجلس الشيوخ!!ونشرتها الصحف وروز اليوسف،(أنها مدت يدها ليسلم عليها رئيس مجلس الشيوخ حسين رشدي باشا ووجد الرجل نفسه يقبل يدها ليحدث أزمة برلمانية يقف فيها بسذاجة يقول: (ليس فى الدستور المصرى مادة تمنع رئيس مجلس الشيوخ من أن يقبل يد مطربة).

كانت منيرة المهدية تحب شيئاً واحداً..هو منيرة المهدية.. أن أى واحد أحبها قال هذه العبارة (أنا وهى نحب شخصاً واحد- هي!!).وإذا احتاجت لشئ لم تفصل بين الحب وما تحتاجه..وتفعل هذا قبل الحب تمسح وتنكس وتكوى وتهب كل شئ ولها صوت مؤثر وكلام مؤثر وخطاباتها قصيرة.وعن ذلك يحكى (مصطفي أمين):وفجأت سألتها:
- وآية حكاية عبد المجيد؟ قالت فى استغراب: عبد المجيد مين؟ قلت: عبد المجيد حلمي مجلة المسرح. قالت ك آه.. آه.. عبد المجيد دي حكاية بسيطة، كان يحبنى حباً جنونياً وكنت أعطف عيه لطيبته وبراءته ولكنى لم أحبه لأن غيرته كانت كالإعصار تحطم كل شئ أمامها!
ومضت الأيام وانقطعت منيرة المهدية عن الغناء، وذات مساء اتصلت بى أم كلثوم تليفونياً وقالت لى: (إنى أدعوك معى فى حقل ساهر اشتريت بنوار فى صالة بديعة وستغنى منيرة المهدية، وأنا أريد أن أشجعها وأصفق لها وألحت إلحاحاً عجيباً أن أصاحبها) وذهبنا وغنت منيرة المهدية وياليتها ما غنت، كان صوتها أشبه بالأسطوانة المشروخة، فقد صوتها حلاوته وبحته ورخامته وجاذبيته، وكانت أقرب إلى ملكة محنطة فى تابوت ترى فيها الماضى الخالد ولا تجد من أثر الحاضر سوى التراب، وكانت أم كلثوم تلهب يديها بالتصفيق وتزغدني فى كتفى لأشاركها فى التصفيق، وخيل إلى أننا وحدنا الذين كنا نصفق وأن الجالسين فى الصالة أنهمكا فى الحديث عن ذكريات سلطانة الطرب وبريقها الفتان.ولم تكن التى أمامنا: منيرة المهدية- بل شبح منيرة المهدية وشعرت أم كلثوم أن القصاص قد جاء وإن كان تأخير 40 سنة منذ أول مقالة كتبها الصحفى المتيم المسحور عبد المجيد حلمي- ضدها!!



#أشرف_توفيق (هاشتاغ)       Ashraf_Mostafa_Tawfik#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرائب وعحائب هدى شعراوي “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر ) - ...
- الملحق الدينى بجريدة الصباح
- من الكتابة عن كتابة لسرقة الكتابة نفسها ؟!
- غرائب وعحائب هدى شعراوي “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر
- غرائب وعحائب هدى شعراوي “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر
- غرائب وعحائب هدى شعراوي “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر
- زينب الغزالى
- علوية صبح ..الجنس فى ذاكرة المرأة العربية جحيم؟!
- تكتب بجسدها نظرية جديدة فى كتابة المرأة سلوى النعيمي مثالا ف ...
- بضربة ماوس... فصل من رواية كشف المستور فيما آلت أليه الأمور-
- السقوط فى هوى رواية -النبطى- لزيدان
- الملكة نازلي..أو الرومانسية تخلع ملابسها (تفجير الحرملك السل ...
- سمكة مياسة دمياطية ..بعيدا عن عيون أنيس منصور ؟!
- تكتب بجسدها نظرية فى الأدب النسوى.-العبد الأسود من شهر زاد.. ...
- باتريشيا كرون .. وتعصب الاستشراق الجديد
- نسوية الدولة بين حواجب درية شفيق وبياض لطيفة الزيات عن كتاب ...
- أنا ولميس جابر وحرس فاروق الحديدى
- تاريخ القبلات والاهات يكتبها أشرف توفيق
- وكان البحر بيننا,, اقتباس من رواية (قرصان يسرق بحرى) للكاتب ...
- مارلين مونرو الذ اختراع امريكى بعد الكوكا كولا - بتصرف عن كت ...


المزيد.....




- -حماس- تُعلن تسليم جثتي رهينتين الخميس.. وبيان مشترك للجيش ا ...
- أفرجوا عن حمدي الزعيم .. خمس سنوات حبس احتياطي بمخالفة القان ...
- البرازيل- أكثر من مئة قتيل في أعنف حملة أمنية ضد المخدرات بت ...
- انتخابات هولندا..توقعات بتقدم الديمقراطيين وانتكاسة لحزب فيل ...
- سرقة اللوفر: المدعية العامة في باريس تبدي تفاؤلها إزاء التحق ...
- إسرائيل تعلن قصف مخزن للأسلحة في غزة: هل القطاع أمام رغبة إس ...
- ما أهمية اختبار روسيا أسلحة تعمل بالقوة النووية؟
- ما أهمية اللقاء بين شي وترامب؟
- جثث تملأ شوارع ريو دي جانيرو بعد أعنف عملية أمنية ضد عصابات ...
- -أوراق الموت 3-.. لهذه الأسباب تراجع مستوى الموسم الثالث عن ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف توفيق - منيرة المهدية 1890-1965