أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رائد قاسم - شعوب عربية ام ناطقة بالعربية؟















المزيد.....

شعوب عربية ام ناطقة بالعربية؟


رائد قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 02:15
المحور: قضايا ثقافية
    


ما بين فترة وأخرى أشاهد على وسائل التواصل أراء تقول أن العرب هم فقط شعوب الجزيرة العربية وما عداهم شعوب غير عربية وإنما ناطقة بالعربية ، كشعوب الشام ومصر والمغرب العربي والسودان، تماما مثلما أن هناك شعوب تنطق الفرنسية ولكنهم ليسوا فرنسيين ، والتركية ولكنهم ليسوا أتراك ، والانجليزية ولكنهم ليسوا انجليز، بطبيعة الحال فان انتشار مثل هذه الأفكار ليس بالجديد ، وهي تعبر عن ضعف الأمة العربية والإسلامية أيضا، فالأمة التي تعاني من ضعف حضاري تنشأ فيها عادة تيارات تدعوا للخروج منها والانتماء لأمة أخرى أو تأسيس امة جديدة ، ويبدوا أن مثل هذه الأطروحات ظهرت عند إنشاء لبنان المستقل فقد كان جزء من الإقليم السوري تحت السيادة العثمانية ، وعندما استعمرته فرنسا وجدت أن نسبة كبيرة من سكانه من المسيحيين وإنهم يستحقون أن تكون لهم دولة مستقلة لتكون لبنان دولة المسيحيين الشرقيين في الشرق الأوسط ، ولعل فرنسا فكرة بذلك أثناء ما كانت بريطانيا تعمل على قدم وساق لإنشاء دولة خاصة باليهود في فلسطين، ومنذ أن تأسس لبنان وهو يعاني من أزمة هوية مستعصية ، فالمسيحيون وعدد آخر من الطوائف قالوا بان لبنان ليس عربيا بل فينيقي، وشملت هذه الدعوى سوريا أيضا فظهرت آراء تقول بالهوية الفينيقية لسوريا ولبنان بدلا من الهوية العربية، أمثال آراء المفكر اللبناني أنطوان سعد وبولس نجيم وغيرهم ، وبالطبع اغلب من طرح فكرة سوريا الفينيقية من المفكرين المسيحيين، وفي الحرب الأهلية اللبنانية صرح أيضا عدد من قادة الميلشيات بأنهم لبنانيون أولا وفينيقيون ثانيا، ويبدوا لي أن القول بالفينيقية جاء لتحقيق عدة أهداف من أهمها تبرير إقامة علاقات مع إسرائيل ، لان التخلص من الانتماء للبنان العربي يجعل الطريق ممهدا للتنصل من مسئوليات الحق العربي في فلسطين باعتبار لبنان كيان سياسي مستقل دو مصالح غير مرتبطة بالأمة العربية لعدم انتماءه لها ، الا إن هذه الأطروحة سرعان ما سقطت أمام صخرة الواقع الصلبة ، فالفينيقية حضارة بائدة لا امتداد لها ، ولا يمكن إحيائها على نحو الإطلاق ، أي شخص من حيث المبدأ يمكنه الذهاب للولايات المتحدة والاندماج الكامل في المجتمع الأمريكي ، الكثير من مشاهير أمريكا كانوا مهاجرين أمثال الرئيس الأسبق باراك اوباما ، وزوجة الرئيس ترامب ميلانيا ترامب ، وذلك أن أمريكا تمتلك مقومات الأمة من التاريخ واللغة والحضارة والإقليم والوحدة السياسية ، علاوة على كون المجتمع الأمريكي مجتمع مستقطب للمهاجرين ، ولكونه يمتلك أدوات متطورة وعالية الكفاءة سواء على مستوى الثقافة أو التشريعات والقوانين أو أنماط الحياة القائمة على التعدد والتنوع فأنهم قادرين على الاندماج بل والانصهار فيه ، فأمريكا امة حية ومستمرة ، بينما الفينيقية امة منقرضة ميتة يستحيل إحيائها ، لذلك سقط هذا الادعاء وعاد لبنان عربيا ، وكذلك في مصر ظهرت دعاوى أن مصر ليست عربية وانه يجب إحياء الانتماء للأمة المصرية ، هو قول فارغ من محتواه أيضا ، فالحضارة المصرية منقرضة ومنتهية ، فكيف سيتمكن المصريون من أحيائها من جديد؟ هل سيستبدلون صفة الرئيس بالفرعون! ، أم هل سيستبدلون اللغة العربية بالمصرية القديمة أو القبطية؟ ، ودعوى أن أصول المصريين ليست عربية فإنها دعوى فاسدة شكلا ومضمونا، فالهوية العربية ليست عرقا وإنما انتماء ثقافي وديني وتاريخي وقيمي ، مثلما الانتماء للأمة الأمريكية ، فالأمريكيون مثلا من الجيل الثاني من المهاجرين لا يعرفون غالبا وطنا سوى أمريكا رغم إنهم لا ينتمون عرقيا إلى المهاجرين الأوائل الدين أسسوا البلاد ، بل قد ينتمون إلى مجتمعات إفريقية أو أمريكية لاتينية ، ولكنهم أمريكيين بالانتماء القانوني والسياسي والثقافي والقيمي ، وهذا هو واقع حال مصر وبلدان الشام والمغرب والسودان وغيرها من الأقاليم التي غدت جزء من الأمة العربية التي امتدت من الأندلس وشواطئ المغرب حتى إقليم الاحواز على أطراف بلاد فارس، والشام لم تكن بعيدة عن العروبة والعربية فقد كان فيها عرب الشام ودولة الغساسنة ، ومع الفتح العربي زادت الهجرات العربية إليها حتى تحول العرب إلى أكثرية وغدت إقليم عربي ، وكذلك مصر كان فيها وجود للعرب قبل الفتح العربي ، حيث كان تقيم قبائل العرب في سيناء والمناطق الشرقية وكانت إحدى اللغات الدارجة في المدن المصرية إلى جانب اللغة القبطية السائدة، ومع دخول مصر تحت حكم العرب هاجرت القبائل العربية إلى الفسطاط وغيرها من المدن واعتنق اغلب أهل مصر الإسلام وسادت العربية خلال اقل من مائة عام ، وفي القرون الوسطى هاجرت إلى مصر قبائل عربية وعرفت هذه الهجرة بالهجرة الهلالية ، واللغة العربية لم تكن العنصر الوحيد الذي ساد مصر بل الثقافة والقيم والنظم وأنماط الحياة ، بحيث غدت مصر بلد عربي مركزي مند الفتح العربي حتى يومنا هذا، وتاريخ مصر منذ ذاك جزء لا يتجزأ من تاريخ العرب بعد الإسلام ، وكل الأحداث والوقائع التاريخية في مصر متصلة بالأقاليم العربية الأخرى، علاوة على دور مصر الحضاري والثقافي والفكري والأدبي والإنساني الشامل الذي مارسته في البلاد العربية بصفتها إقليم عربي محوري يشكل مع الشام والعراق مناطق الإشعاع والإنتاج الحضاري العربي حتى هذا العصر.
ولا أظن أن أحدا سيكون سعيد بالقومية المصرية سوى إسرائيل، التي تتمنى أن تعلن مصر أنها بلد غير عربي ، وإنها امة مستقلة بذاتها ، هكذا حاولت مع القبائل العربية في سيناء أثناء احتلالها ، حيث سعت بقدر ما تستطيع إقناع مشايخ سيناء
أنهم واليهود أبناء عمومة والأقرب إليهم من المصريين وإنهم ليسوا عربا، ولكنها فشلت فشلا ريعا ، وربما لو أنها نجحت وأعلنوا ولائهم لإسرائيل لما تمكنت مصر من إعادة سيناء مرة أخرى.
المصري مثلا عندما يغادر وطنه ويذهب إلى اليمن أو السعودية أو إحدى دول الخليج أو العراق أو الأردن أو سوريا أو لبنان فانه يظل متنقلا في أرجاء بلاد الأمة العربية، التي تمتد على مساحة أربعة عشر مليون كيلو متر، تماما مثلما ينتقل الأمريكي من ولاية لأخرى في نطاق فقاعة الأمة الأمريكية التي تناهز مساحتها أكثر من تسع مليون كيلو متر ، وأكثر من ثلاثمائة عام من التاريخ، ولكن عندما يغادر الايراني بلاده ويذهب إلى اقرب بلد له كتركمانستان أو باكستان فانه سيشعر بتغير واسع النطاق، ليس على مستوى اللغة فقط، بل على كافة الأصعدة ، فتلك بلاد لها صفحات تاريخية خاصة بها ، وهوية إنسانية وحضارية وثقافية مستقلة، وإيران امة بحد ذاتها ، وكذا التركي عندما يغادر بلاده فانه أيضا يغادر أمته ، فعندما يتجاوز الحدود إلى جورجيا أو أرمينيا فانه لا يدخل دولة أخرى فقط بل امة أخرى، ولكنه عندما يغادر تركيا إلى جمهورية شمال قبرص فانه سيذهب إلى دولة أخرى فقط ، فكلا الدولتين تنتميان إلى امة واحد هي الأمة التركية.
من ناحية أخرى فان إيران رغم إنها استعادة هويتها القومية منذ القرون الوسطى الا أن نشاطها السياسي والديني والثقافي بشكل عام ظل متصلا بالمنطقة العربية ، بل حتى ما قبل الإسلام، كان نشاط الفرس السياسي والاقتصادي مع العرب في الدرجة الأولى، وتاريخ بلاد فارس لا سيما بعد الإسلام جزء من تاريخ المنطقة بعد الإسلام وقبله أيضا، وإيران الشاه والخميني اغلب أحداثها السياسية جزء من أحداث المنطقة العربية ومرتبطة بها ، وسياسات إيران ونفوذها اغلبه في المنطقة العربية ، والحق انه إلى أين ستذهب إيران والى أي امة من الأمم سترتبط ؟، ليس لها الا العرب ، حتى انه ينقل عن الخليفة عمر بن الخطاب قوله عن الفرس: لوددت أن بيننا وبين الفرس جبلاً من نار، لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم.
فهذه إيران على مدى تاريخها الطويل فما بالنا بتلك المحاولات المستحيلة في بعض الأقاليم العربية التي تحاول أحياء أمم منقرضة بدوافع أما سياسية أو سلطوية؟.
فالقول بفينيقية شعوب الشام ، وفرعونية مصر، وامازيقية بلاد المغرب ، وافريقية السودان، تصب في مصلحة الإسرائيلي فقط، لأنه يعيش بوسط امة شعوبها معادية له، فان انقسمت هذه الأمة إلى قوميات وشعوب فان الإسرائيلي لم يعد عنصر غريب في جسد الأمة ، بل جزء من طيف متعدد ومتنوع ويستطيع القول للعالم نحن لسنا محتلين ، نحن جزء من تعدد عرقي وقومي وسياسي وثقافي ، والعرب ليسوا سوى جزء منه وهم محصورون في شبه الجزيرة العربية، وغيرهم ليسوا عرب بل ناطقين بالعربية ليس الا، وهذا الطيف يتبعه قيم متفاوتة وتوجهات متباينة ومصالح متضاربة ، وهذا هو سر تشجيع إسرائيل لأكراد المنطقة بالانفصال وإنشاء دول مستقلة ، ويتمنى الإسرائيلي استقلال الدروز في سوريا أيضا، حتى ينتفي واقع الأمة الواحدة التي تحيط بها والتي تتعامل معها ككيان منبوذ ودولة اغتصاب مازوم.
في حقبة الاستعمار حاولت فرنسا في تونس والجزائر والمغرب استئصال الهوية العربية ولكنها لم تتمكن، السبب ببساطة أنها لم توجد امة بديلة لتنقل إليها هذه الشعوب، علاوة على ذلك فإنها واجهة مقاومة باسلة وقدمت ملايين الشهداء في سبيل الخلاص من الاستعمار ونيل الاستقلال.
عندما عرفت أن احمد شوقي والده شركسي ووالدته يونانية ورغم ذلك استوعب في البيئة المصري وغدا أمير للشعراء العرب، واحد أهم رواد النهضة الأدبية في مصر والعالم العربي، وعندما سقط الطفل المغربي ريان في تلك الحفرة ضجت وسائل تواصل من المغرب حتى الاحواز الإيرانية بالتعاطف معه والدعاء له ومتابعة مأساته حتى النهاية ، أدركت أننا نعيش في ظل امة عربية واحدة ، وإنها ستخرج يوما من ضعفها وانكسارها لتعود امة قوية بين الأمم.



#رائد_قاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقدم والحريات المدنية
- الحفاظ على الديمقراطية
- القيم والمصالح في السياسات الدولية
- دولة قريش ومسلسل معاوية
- القمع الثوري وبناء الحرية
- صدام وبشار ورئيسي
- الوطن والامة في الوعي العربي
- غزة والهايدبارك
- القوة الاقتصادية بين استبداد الصين ودبمقراطية الغرب
- مسلمون بلا مذهب
- سلطة الفرد وسلطة القانون
- عاشوراء والدولة الاموية
- المعتقدات والدليل التاريخي
- الدين العربي
- المدنية بين النظم الدينية والايدولوجية
- العراق: من ابو مسلم الخراساني الى قاسم سليماني
- ربيع الوعي العربي
- العراق ودولة الطائفة
- النسوية المتطرفة والذكورية المتسلطة
- الدين ببساطة


المزيد.....




- -الدعم السريع أطلقوا النار على أولادي أمام عينيّ-، بي بي سي ...
- كأس ألمانيا.. شتوتغارت يعبر بثبات وليفركوزن يتأهل بشق الأنفس ...
- اعتداءات للمستوطنين بالضفة والاحتلال يقرر بناء 1300 وحدة است ...
- احتجاجات في دوالا الكاميرونية بعد رفض زعيم المعارضة فوز بيا ...
- واشنطن تدين العنف في السودان ودعوات لعدم الاعتراف بالحكومة ا ...
- محللون: أميركا تساعد إسرائيل على قتل الفلسطينيين تحت مظلة وق ...
- -بيقولي الولد مات.. مش في هدنة!- غزي يصرخ مفجوعا بوفاة طفله ...
- حظر تجول في عاصمة تنزانيا عقب انتخابات شهدت أعمال عنف
- -حميدتي- يتأسف لأهل الفاشر ويتعهّد بتوحيد السودان
- غزة:هل انهار اتفاق وقف إطلاق النار؟


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رائد قاسم - شعوب عربية ام ناطقة بالعربية؟