أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد قاسم - الحفاظ على الديمقراطية















المزيد.....

الحفاظ على الديمقراطية


رائد قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 22:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل الديمقراطية والنظام المدني كيان استعلائي مفروض على المجتمع البشري لذلك يحتاج الى تنمية وتجديد مستمر لكي يبقى وإلا فان البيئة البشرية ستعود إلى سيرتها الأولى وهي هويات ما دون الدولة والنظام الجامع؟ بمعنى آخر أن الديمقراطية نظام عارض غير متوافق مع طبيعة البشر القائمة على الخضوع لسلطة مركزية نافذة لتحيى بأمان واستقرار ، وفي جوهرها ليست سوى نظام تتحكم به طبقات برجوازية رأسمالية امبريالية تمسك بزمام الأمور على الحقيقة ، والمجتمعات تعيش في إطار هامش محدد منضبط ، يطلق عليها عرفا "حريات مدنية" ، إلا أنها في الواقع العميق ليست سوى حياة في صندوق محكم الإغلاق ، لذلك فأن عدد الدول المحسوبة على الديمقراطية الكاملة والمعيبة 48.4 ، إذ تضم قائمة الدول المعيبة دول عريقة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا، بينما تحكم العالم أنظمة تسلطية وهجينة بنسبة 51.6 ، ونظام الدولة التسلطية القائم على السلالة الحاكمة أو القبيلة أو الفئة الإشرافية أو القوى العسكرية هو النظام الذي سيسود حال انهيار النظام الديمقراطي ، وبالتالي فان الديمقراطية نظام دخيل بينما الحكم المركزي هو المتوافق مع الفطرة البشرية، والحقيقة أنها مسألة معقدة حقا ، فرنسا مثلا التي تعد ثورتها من أعظم الثورات في العالم والتي هدفت إلى العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي والحريات المدنية هي اليوم ديمقراطية معيبة بسبب ضعف حقوق المهاجرين واللاجئين وبعض الفئات في المجتمع الفرنسي، وظهور مشاريع تشريعات مخالفة للحقوق المدنية، وانحسار ثقة الجمهور بالطبقات السياسية ، وقوة اليسار الفرنسي المعادي للمهاجرين والمتحفظ على القيم العلمانية.
فلنعود لمحاولة الإجابة على السؤال المطروح : هل الديمقراطية بناء فوقي مفروض وبالتالي فانه غير منسجم مع طبيعة الشعوب البشرية وعلى هذا فانه ليس حتمية تاريخية وليس نهاية التاريخ بل انه مرحلة ستنتهي يوما لتعود البشرية إلى سابق عهدها من سيادة النظم البطريركية الحديدية؟
إن أي نظام يقوم في البداية على المقومات والإمكانيات المتوفرة ، نظام المواصلات مثلا كان يعتمد على الحيوانات والعربات ، وهو نظام بسيط في متناول معظم الأمم ، ولكن المواصلات تطورت بشكل هائل حتى وصلت اليوم للسيارات الطائرة التي قد تظهر قريبا خلال العقود المقبلة، هل هذا التطور عارض ؟ انه ليس كذلك . هل يمكن أن ينهار ويعود البشر للمواصلات البدائية؟. يمكن أن يحدث هذا بالطبع.
وسائل الاتصالات كانت بدائية أيضا بالحمام الزاجل والرسائل الورقية ثم تطورت حتى بلغت اليوم إلى ما هي عليه ، هل يمكن أن تنهار وتعود إلى بدائيتها؟ نعم ممكن؟ هل هو تطور عارض ؟ كلا ، انه تطور طبيعي قائما على التراكم المعرفي.
الدولة منظومة متطورة في الاجتماع البشري ، تضم غالبا قبائل وأعراق وطوائف تعيش في بقعة واحدة ويمثلها نظام سياسي واحد يدير الإقليم الذي تعيش عليه، الدولة هنا مؤسسة تمثل آخر ابتكار بشري لإدارة شئون المجتمعات في إطار الكيان السياسي المعبر عنه بالوطن، الذي بدا يترسخ ليصبح الهوية الأولى للمنتمين إليه، لعل هذا الرسوخ سائد في أوربا بشكل أفضل من غيرها ، فتجارب انفصال ايرلندا الشمالية واسكتلندا في بريطانيا وإقليم كتالونيا في اسبانيا انتهت تقريبا بسبب قوة ورسوخ الانتماء الوطني ، بينما تعاني دول شرق أوسطية وافريقية من ضعف الانتماء للكيان الوطني ، الأمر الذي سبب الكثير من الحروب الأهلية والأزمات انتهى بعضها بنشوء دول جديدة كدولة جنوب السودان مثلا.
من ناحية أخرى فان الدولة بما تشمله من كيان سياسي ومؤسسة حكم لها عمر افتراضي إذ لا بد أن يأتي يوم وتنتهي ، حتى لو كانت دولة ديمقراطية وصلت لأعلى مستويات الكفاءة والاقتدار، ولكن في الأمم الناهضة فان نهاية مؤسسة الدولة لا يعني نهاية الأمة أو نهاية الوطن ، إذ يمكن إعادة بناء الدولة مرة أخرى مع الاحتفاظ بكافة الانجازات والقدرات والإمكانيات ، في بريطانيا شهدنا محاولة انفصال اسكتلندا وقبلها ايرلندا، قد تنفصلان في يوم ما ، وقد يؤدي ذلك إلى نهاية المملكة المتحدة التي يعرفها العالم، ولكن قد لا يعني هذا نهاية الأمة الانجليزية، إذ يمكن إعادة تأسيس دولة جديدة وبنظام سياسي أرقى لتعود لندن مدينة عالمية مزدهرة.
وتعد ولاية كاليفورنيا قلب أمريكا النابض ، وهناك ثمة تيارات تطالب بانفصالها وتأسيس جمهورية مستقلة، ولكن زوال الدول قدر لا يمكن تجاوزه، إلا أن الأمة التي أسست دولة عظمى كأمريكا يمكن أن تبني دولة جديدة في حال حفاظها على قدراتها وإمكانياتها، حدث هذا في الشرق الأدنى فعندما سقط الاتحاد السوفييتي كانت روسيا وريثه الشرعي في إمكانياته الاقتصادية وجيشه الضخم وترسانته النووية وقدراته العلمية والبشرية، وها هي اليوم تسعى لإنشاء قطب عالمي جديد ينافس القطب الغربي.
إن الديمقراطية ليست نظام يفرض فرضا قهريا ، حاولت عدة قوى دولية فرض الديمقراطية فظهرت كيانات سياسية مشوهة وفاشلة، كأفغانستان مثلا حيث فرضت الديمقراطية على هذا البلد ولم يكن قادرا على ممارستها لأنها في جوهرها ليست ممارسة بقدر ما هي ثقافة ونظام وأسلوب حياة ، فكان أن نشى نظام هش وفاسد ، وظهر جليا كيف استقرت أفغانستان بعدما حكمت من قبل نظام مركزي تقليدي ، هذا ما نادي به احد المفكرين الخليجيين قبل أكثر من عشرين عاما ، حين دعا إلى دعم أفغانستان بغض النظر عمن يحكمها، وان الاستقرار وانتهاء الحرب الأهلية أهم من كل شي لأنه أساس كل شي، وسوف تؤسس طالبان مؤسسة دولة قوية ومسيطرة وبالتالي يمكن ممارسة التغيير من خلاها، وقد اتضح صدق هذه الدعوة رغم كونها مليئة بالصعوبات والتحديات إلا إنها الطريق الوحيد ، خاصة بعد فشل الراديكالية الغربية والأمريكية القائمة على الإسقاط القهري والإجباري، والرهان قائم على أن القيادة الأفغانية ستجبر على الأخذ بأسباب النهوض ومقومات الرخاء والتفاعل بايجابية مع الثقافة العالمية والأسس المبدئية لحياة الإنسان المعاصرة.
إن الديمقراطية ثقافة راسخة ومعرفة وممارسة وأسلوب حياة ، علاوة على مؤسسات وقدرات وإمكانيات يجب أن تتوفر لكي يمكن إعادة إنتاجها ، فلنفترض أن دولة ديمقراطية زالت فهل يمكن أن تؤسس دولة شمولية على أنقاضها أم أن شعبها سيتمكن من إنشاء دولة ديمقراطية مرة أخرى قد تكون بأنظمة أكثر تطورا من النظام الديمقراطي السابق؟
من وجهة نظري انه يمكن ذلك إذا ما كانت الديمقراطية نظام راسخ ، وإذا ما كان سقوط الدولة لم يؤدي إلى سقوط المؤسسات وزوال القدرات والإمكانيات وإلا فانه في حال انهيارها وضعفها فان شكل النظام القادم سيكون بناء على معطيات الواقع الجديد وستظهر مراكز قوى مرتبطة به وستعمل على ترسيخه بما يؤدي إلى إنشاء دولة اقل تحضرا ومدنية من الدولة السابقة ، باعتبار أن الديمقراطية أرقى ابتكار سياسي صنعه الفكر البشري حتى وقتنا الراهن على الأقل.
إلا انه من ناحية أخرى فان الديمقراطية باعتبارها نظام بشري وبالتالي يصيبه التقادم والمحافظة عليه تطويرا وإصلاحا أمر لا مفر منه لا من اجل بقاء الدولة التي هي مؤسسة لا بد من وصولها لمرحلة الانهيار في يوم ما ، ولكن من اجل بقائه كثقافة ومعرفة راسخة في المجتمع بحيث يمكن إعادة إنتاجها وممارستها مرة أخرى ، لتظهر دولة أطول عمرا واقوي ديمقراطية ، في أمريكا مثلا هناك مشاكل جمة في نظامها الديمقراطي ، منها نظام المجمع الانتخابي، الذي يمكن أن ينتخب الرئيس حتى في حال حصوله على أغلبية أصوات الناخبين وتعد أمريكا الدولة الديمقراطية الوحيدة التي لا ينتخب فيها الرئيس مباشرة ، وبروز الجماعات الشعبوية والقوى الايدلوجية المتطرفة، وتنامي دور المصالح الاقتصادية على حساب المصالح الوطنية ( حق اقتناء الأسلحة مثلا رغم أضرارها الفادحة على المجتمع الأمريكي).
في بريطانيا بالغت الدولة في احترام آراء مواطنيها ، فالانسحاب من الاتحاد الأوربي جاء نتيجة لاستفتاء شعبي وهذا كان خطا كبيرا، فقضية مثل هذه يجب أن تكون بيد مجلس النواب لأنها قضية ذات أبعاد وارتدادات كبيرة وقد عبر العديد من المواطنين عن رغبتهم في إعادة التصويت وقال بعضهم إنهم لم يكونوا على علم ودراية بخطورة القضية ، في عهد مارغريت تاتشر فرضت الحكومة ضريبة السكن فاندلعت مظاهرات عارمة تطالب بإلغائها فقالت تاتشر: الانتخاب مرة واحدة وليس كل يوم، لقد انتخبوني لأقرر.
قد تكون الديمقراطية مرحلة مؤقتة مرتبطة بالتطور الحضاري فقط فان تراجع تراجعت معه حتى تنحسر ويعود العالم إلى سيادة الأنظمة التسلطية التقليدية ، إلا أن منجزاتها وإفرازاتها وآثارها ستبقى لقرون قادمة لتؤكد على قيمة الحرية كحق وممارسة ونظام في الحياة والحضارة الإنسانية.



#رائد_قاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيم والمصالح في السياسات الدولية
- دولة قريش ومسلسل معاوية
- القمع الثوري وبناء الحرية
- صدام وبشار ورئيسي
- الوطن والامة في الوعي العربي
- غزة والهايدبارك
- القوة الاقتصادية بين استبداد الصين ودبمقراطية الغرب
- مسلمون بلا مذهب
- سلطة الفرد وسلطة القانون
- عاشوراء والدولة الاموية
- المعتقدات والدليل التاريخي
- الدين العربي
- المدنية بين النظم الدينية والايدولوجية
- العراق: من ابو مسلم الخراساني الى قاسم سليماني
- ربيع الوعي العربي
- العراق ودولة الطائفة
- النسوية المتطرفة والذكورية المتسلطة
- الدين ببساطة
- العقل الديني والعقل المدني
- المرأة وسياجات العزلة والتدمير


المزيد.....




- سهر معجبوها حتى وقت متأخر لانتظاره.. نظرة على ألبوم تايلور س ...
- دبلوماسيان لـCNN: من غير المرجح موافقة -حماس- على خطة ترامب ...
- فيديو متداول للحظة -وصول سفن من أسطول الصمود إلى غزة-.. هذه ...
- نظرة على ضمانات ترامب الأمنية للدوحة والحضور الأمريكي في قطر ...
- عزيز أخنوش: ماذا نعرف عن -إمبراطور المحروقات- الذي يطالب الم ...
- إنذار أخير من ترامب لحماس: قبول خطة غزة أو -مواجهة الجحيم-
- الانتخابات البرلمانية السورية: هل سيعكس أول مجلس نيابي منذ س ...
- احتجاجات -جيل زد- المغربي بالأرقام
- سياسة إيران -التوجه شرقا- على المحك مع عودة العقوبات الأممية ...
- سوريا تلغي ملاحقات قضائية لـ287 ألف قضية من عهد نظام الأسد


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد قاسم - الحفاظ على الديمقراطية