|
|
ما بين الفلسفة والعلم عناق أم طلاق
محمد وردي
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 10:49
المحور:
قضايا ثقافية
على مدى تاريخ الفلسفة كان بإمكان التأمل أو النظر في الماضي، أن يسمح لنا بتأمل مراحل التطور في مجملها، وبالتالي ملاحظة سلبياتها وإيجابياتها، وإمكانيات تصحيح مساراتها. كما كان بإمكان النظر في الحاضر، أن يتيح لنا التمييز بين مختلف عناصر التطور الحاصلة، وما استجد فيها؛ بالتأسيس على ما سبق، ومن ثم معرفة اتجاهاتها. وهكذا كانت تتوالى إضافة مداميك جديدة في عمارة العلم والتقدم، وإمكانيات أجدّ للتعلم وتجاوز الماضي بثقة أكبر أو يقين أعظم. وهو ما كان يسمح بقدر من الطمأنينة المعقولة في النظر نحو المستقبل ومواصلة بناء حضارتنا. أما في العقود الثلاثة الأخيرة فبات التأمل النظري على الوجهين، أي في الماضي والحاضر، أقرب إلى ضروب الفوضى الخلاقة. ولا أقصد هنا فوضى كوندوليزا رايس السياسية، التي انتهت في العراق وأفغانستان ومناطق عدة من العالم؛ إلى فظائع لا ينساها التاريخ، فتلك الفوضى كانت أقرب إلى تجربة "بوكيكو" التي أشار إليها ميشال سار في كتاب "الإصبع الصغيرة"، أي التاجر الذي يعيد موضعة السلع في متجره، التي تدفع الزبون للبحث عنها من جديد، فيرى في طريقه سلع أخرى، فيشتري أكثر، ويتزايد ربح التاجر أكثر فأكثر، وإنما أقصد بها عكس ما تحيل إليه لفظة "الخَلق" أو عملية "الإبداع" من حيث التناسق الجمالي والتناغم الدلالي، فهذه الفوضى هي نوع من الخلق، من حيث أنه جديد من دون شك، ولكنه يفتقر إلى البعد الأنطولوجي، من حيث انعدام المرجعية التي تتناغم مع موجودات الوجود في سيرورة بناء الحياة النامية على قيم الخير والجمال والسعادة. فالماضي الذي أعنيه وأختزله بالعقود الثلاثة الأخيرة؛ كسيرورة زمنية – على محدوديته - لم يعد ماضياً، ذلك لأن جيلين؛ إنْ لم يكن ثلاثة، لا يزالون يتساكنون مع روحه - بالمعنى التأريخي التقليدي - وهي لا تزال تنبض بحيوية في مختلف تفاصيل التطورات الحاصلة في هذا الماضي، ويتعايش معها الناس لحظة بلحظة، وفي الوقت عينه؛ يمكن ملاحظة أن هذه التفاصيل وكأنها تتباعد فيما بينها؛ بسنوات تكاد تكون ضوئية، من حيث ما يفصل بين مؤشراتها؛ كمعرفة أو كعلم يقيني، يُفترض أنه يتأسس على قواعد ومبادئ عامة، تقوم على فروض دقيقة، ومقدمات صحيحة، ونتائج متكاملة، تتأكد صحتها من اتساقها منطقياً وقياسياً وبرهانياً؛ بلغة الفلسفة. والحاضر لم يعد حاضراً، من حيث علاماته الدالة على مختلف تفاصيل عناصر التطور؛ لأنها لا تعرف الثبات أو الاستقرار لهنيهات قصيرات، فهي في حالة تجاوز غير عادية، لا تعرف التمهل أو التباطؤ؛ بأي شكل، يمكن أن يتيح فرصة للتقييم أو المراجعة. وهكذا؛ بات أقصى ما يمكن أن نأمل فيه في اللحظة الراهنة، هو إدراك بعض الاتجاهات العامة، وسط تفاصيل نوعية أو مميزة، تترى تباعاً بسرعات برقية. الأمر الذي يغرقنا في دوامة من الاختيارات، كلها مطلوبة من حيث أنها مرغوبة أو محبوبة وتعِد بالسعادة. وكلها تبعث على الشك والقلق من المستقبل في الوقت عينه؛ لأنها لا تُنبئ بأدنى قدر من الوضوح؛ سواء على مستوى منطلقاتها أو على مستوى اتجاهاتها ومآلاتها. فهناك في اللحظة الراهنة أولاً، انهيار الأساليب القديمة في الحياة، وبخاصة على مستوى التواصل أو التفاهم، وإمكانية التعاون، وربما التضامن أو شيء ولو قليل من التكافل. وهي كلها أمور كانت جذورها تعود إلى أزمنة بعيدة، بعضها بدائي بالفطرة (مثل النزعة الاجتماعية والتعاون من أجل حفظ البقاء)، وبعضها الآخر عقلي، بدأ مع تفتح الوعي أو تكوُّن العقل العارف الذي أنتج الحضارة، وترسخ في الوعي بالممارسة والسلوك اليومي مع سيرورة الأنسنة. وهناك في اللحظة الراهنة ثانياً، طغيان فلسفة القوة، التي ضاعفتها التقنيات الجديدة مرات ومرات متضاعفة على كل مستويات التوحش والبربرية والعدمية، وليس أقل دلالاتها غطرسة وصلفاً وعدواناً همجياً، ما شاهدناه على مدى عامين ما بين التقطيع والتجويع في مقتلة غزة المريعة، والعالم يتفرج ببلادة حس أخلاقي منقطعة النظير. لذلك نقول إن أقصى ما نأمله اليوم هو إدراك اتجاهات بعض تفاصيل عناصر التطور الحاصلة، وسط زوبعة هوجاء من الاختيارات العشوائية المخيفة أكثر منها مطمئنة. ذلك لأن النمو الهائل في القدرات التقنية في هذا الفضاء المفتوح، الذي يُعد من أبرز سماته، عولمة رقمية شرسة وخوارزميات باردة، تجتاح كل الأمثولات النظرية الإنسانية التقليدية، الأخلاقية والدينية على السواء، فتجعل الحياة أكثر تعقيداً بكثير جداً مما اعتدنا أن نراها عليه من قبل. وبطبيعة الحال، ليس مجدياً هنا أن نقرر إنْ كان هذا خيراً أو شراً – لأن ذلك يبدو من ضروب العبث – بقدر ما ينبغي الاهتمام في ملاحظة؛ حقيقة ساطعة، وهي أن المطالب المفروضة علينا في اللحظة الراهنة، باتت أكثر تنوعاً بكثير من السابق، وأن الشروط المطلوبة منا لكي نواصل حياتنا المعتادة؛ بقدر معقول من الطمأنينة النسبية أو السعادة المعقولة، باتت أشد تعقيداً بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى. فهذا كله ينعكس على المجال الثقافي بوجه عام، وعلى المجال العقلي بوجه خاص. فعلى حين أنه كان في وسع أي شخص من قبل، أن يكون متمكناً من عدة فروع علمية، أصبح من الصعب على نحو متزايد في الوقت الراهن، أن يكتسب شخص واحد معرفة أكيدة أو معرفة وثيقة حتى بميدان علمي واحد. والواقع أن تفتيت الميادين العقلية إلى أجزاء يزداد نطاقها ضيقاً بالتدريج، أي أن تجزئة المعرفة أو التخصص الذي بدأ يطغى على حساب الموسوعية - إنْ صح التعبير – قد أدى في العصر الراهن إلى ارتباك حقيقي في لغة الحوار، فراحت تتراجع عملية التواصل والتفاهم فيما بيننا؛ كذوات تتوق إلى الدفء الإنساني وسط صقيع البرمجيات. وهذا غيض من فيض – كما يقولون - من الحصيلة الناتجة للتغيرات التي فرضها العلم. فهل المشكلة تكمن بالخلل الذي وقع في العلاقة ما بين الفلسفة والعلم، من حيث أن الأولى كانت أساس الثاني في تفتح الوعي؟ وهل يعيدنا ذلك إلى مشكلات العصور الوسيطة، ومنها العلاقة بين العقل والدين، التي بدأت مع يوحنا الاسكتلندي في كتاب "الجبر الإلهي"، وحسبنا أن ابن رشد الحفيد كان قد حسم البيان فيها في "فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال". ولكن على ما يبدو أنها ما فتئت تتجدد تحت عنوان "العلاقة بين العلم والإيمان"، وهو الأمر الذي استؤنف مع ما اصطلح على تسميته عربياً "عصر النهضة" مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ولا يزال يتردد صداه حتى اللحظة الراهنة على مستويات عدة، جميعها تحاول الجمع بين العلم والإيمان؛ بحسن نية، غير أنها في الواقع لا تبتعد كثيراً عن محاولات أسلمة العلم، كما فعل مصطفى محمود.. وآخرين كُثُر؟ لعلَّ إحدى أكبرُ المشكلات الزاحفة بقوة على إنسانيتنا في العصر الراهنِ، هي حقيقة أننا نعيش اليوم في زمن تخصُّص المعرفة؛ بفضلِ تطوّرِ العلومِ والتقنيات، التي قسَّمتْ المعرفةَ إلى وحداتٍ صغيرة وعديدة، تتداولُها وسائطُ التواصلِ الاجتماعي. وهذا الاتجاه الثقافي سوف يستمرُّ متصاعداً لسنوات طويلة مقبلة. بالتأكيد إن التخصص له منافعُ عدةٌ، فهو يسمح باكتشافات أعمقَ وتجاربَ أعظمَ وأكبرَ، وهو محركُ التقدمِ. غيرَ أن له عواقبَه السلبيةَ، فهو يمحي الصفاتِ الفكريةَ والثقافيةَ، أو ما يمكنُ أن نسميَها الخصوصياتُ الثقافيةُ – على المستوى الفردي - بينَ الرجالِ والنساءِ أو بين العاديين والعلماء على حدٍّ سواء، تلك الخصوصياتُ التي تميّزُ تفرُّدِ الشخصية الإنسانيةُ على كل مستويات الفاعلية الوجودية. وهو تفرد يُجَمِّع ويُقَرِّب، لا يُفَرِّق، هو تفرد من نوع مختلف، ولكنه يسمحُ بتناغمِ وتآلفِ المختلفاتِ، وبالتالي يسمحُ بالتعايشِ والتواصلِ والإحساسِ بالتضامنِ فيما بين الأفرادِ والمجتمعات على تبايناتها أو حتى فيما بين الثقافاتِ الإنسانية على اختلافاتها. ذلك لأن التخصُّصَ يؤدي إلى نوعٍ من العزلةِ، فهو من حيث طبيعته العملية، التي يحبُ أن يسميَها البعضُ "استقلالية"، ولكنها في الواقع هي أقربُ إلى الانفرادية أو الانعزالية. وبطبيعةِ الحالِ إنّ تقسيمَ البشرِ إلى مجموعات من المتخصصينَ والتقنيين، يؤدي بداهةً إلى نقص في الفَهمِ الاجتماعي أو نقص في التفاهم فيما بيننا. وذلك لأسباب عدة، ذكر بعضها الروائي البوليفي العظيم ماريو فارغاس يوسا، الحائز على نوبل للآداب: منها: لأنَّ تخصيصَ المعرفة يتطلب لغة دقيقةً، ورموزاً تزدادُ غموضاً كلَ مرةٍ. ما يعني أن المعلومة سوف تصبح أكثرَ انفراديةً وأكثر تشتتاً. وهذا ما حذرتْ منه الحكمةُ القديمةُ التي تقولُ: لا تركزْ كثيراً على غصنٍ أو ورقةٍ، وتنسى أنهما جزءٌ من شجرةٍ، ولا تركزْ على الشجرة فتنسى أنها جزءٌ من غابة. الوعيُ بوجود الغابة يخلقُ شعوراً بالجماعةِ، شعوراً بالانتماء، الذي يربطُ المجتمعَ ببعضه، ويمنعُ تفككَهُ إلى عددٍ لا يُحصى من الأجزاءِ. وبهذا المعنى يكونُ تخصيصُ المعرفةِ بمثابةِ المعادلِ الموضوعيِّ لهوسِ النفسِ البشريةِ بخصوصيةِ الأنا أو الأنانيةِ بمعناها الحصريِ الضيقِ. وتُعلِّمُنا تجربةُ التاريخِ، أنّ هوسَ الأُمَمِ والأشخاصِ بأنفسِهم أو بأنواتِهم، لم يَخلُقْ إلا الارتيابَ والحسدَ والحقدَ وجنونَ العظمةِ، وتشويهاً في الواقع، وهو ما يولِّدُ الكراهيةَ والنزاعاتَ والحروبَ وحتى الإباداتِ الجماعيةَ. منها أيضاً: مشكلةُ أن العلمَ والتكنولوجيا لا يمكن أن يُكمّلَ بعضُهُما الآخر. وذلك للثراءِ اللامُتنَاهي من المعرفةِ وسُرعةِ تطوُّرِها، والذي قادَنا إلى التخصُّصاتِ وغموضِها. وهي من أقل أضراره، ولا يعني ذلك ذم التخصص أو ترذيل العلم بأي حال من الأحوال. وإنما هي نتيجة علينا ملاحظتها؛ لأنه بالقطع ستلعب دوراً – لا أعرف حجمه أو مداه – في مسألة المساواة في الفرص؛ باعتبار أن معيارها الوحيد المقبول الآن إنما هي الكفاءة، ولكنها ليست الكفاءة التي كانت في الماضي تعني المهارة، وإنما الكفاءة في فن الطاعة أو الاستجابة لشروط الآلة، التي تعاظمت عندما تسلحت بالذكاء الاصطناعي من جهة، وشروط الإنتاج والتوزيع التي تسرطنت بدورها من جهة أخرى. إن الأساس المشترك للتفاهم بين الرجل والمرأة، أو بين الصغير والكبير، أو بين زملاء العمل، أو بين الأجير والمدير.. هذا الأساس بدأ يتلاشى، حيث أصبحت مطالب التخصص وشروطه تضغط أكثر فأكثر نحو العزلة، وراحت توجه الجميع إلى مسارات أضيق فأضيق قبل أن تتاح للشباب - بوجه خاص – فرصة تنمية اهتمامات أوسع في المعرفة، وفهم أفضل للعالم من حولهم. والنتيجة الطبيعية لهذا كله، أخذت تتبلور شيئاً فشيئاً في صعوبة التواصل والتفاهم بين أولئك الذين يكرسون أنفسهم لفروع مختلفة في البحث العلمي، وبين كل من هؤلاء وبين من حولهم. وهذا الأمر سوف يؤدي لا محالة إلى انهيار أو موت وسيلة التعبير التي ظلَّت منذ فجر الوعي وسيلة مشتركة للكائن العاقل، فاللغة هي ترجمة للعقل. وكانت فيما سبق - حتى القرن الماضي - اللغة الواحدة المكتسبة - مثل الانجليزية - مع اللغة الأصلية كافية للنظر أو التأمل بلغة الفلسفة في موجودات الوجود، أو كافية للبحث العلمي والعملي بلغة العلم. أما الباحث اليوم فهو مضطر للإلمام -على أقل تقدير - بلغتين أو ثلاث لغات إلى جانب لغته الأصلية؛ كي يواكب الاطلاع على الأعمال التي تحصل في البلدان الأخرى في ميدان تخصصه. وهذه مشكلة ليست قليلة، ولم يتم الاهتداء إلى حلها، وربما لم يتم الاهتداء إلى بحثها حتى الآن. فهل تنتج لنا التقنيات الجديدة، أو الذكاء الاصطناعي لغة كونية للتواصل بين البشر. فضلاً عن مجالات النظر الفلسفي والبحث العلمي معاً؟ أنا في الواقع آمل ذلك، ولا استبعده البتة؛ لأن العرش الذي تربع عليه الإنسان بسلطة العقل، قام العلم بتقويضه. فهل للفلسفة رأي آخر؟ هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن من أهم السمات الجديدة للعصر الراهن، إنما هو الانفصال بين العلم والفلسفة. ويُعد ذلك الطلاق البائن - كما هو ملاحظ راهناً - أول الطعنات في صميم النزعة الإنسانية، فعلى حين كان المفكرون السابقون ينشدون العلم في إطار النظر والتأمل الحر في سياق مغامراتهم الاستكشافية الأخلاقية أو الاستطلاعية العقلية، التي كانت تنبثق منها أولى التماعات العلم؛ بمقتضى مبادئ واضحة تقوم على المنطق والقياس والبرهان، الذي تشذرت منه علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك والأحياء، بات العلم اليوم على النقيض من ذلك. ومن أقل نتائج هذا الطلاق، ليس التصحر الأخلاقي الذي مسخ جوهر الذات الإنسانية؛ منذ نهايات القرن الماضي، وهو ما تحدث عنه الفلاسفة بإسهاب، فحسب، وإنما أيضاً طغيان "قانون القوة" على "قانون الحق"، كما أسلفنا بنموذج غزة الجريحة. وصحيح أن العلماء والفلاسفة لا يتجاهل كلٌّ منهم الآخرين تجاهلاً تاماً، إلا أنه لا أحد يستطيع إنكار حقيقة أن كل فريق يُخفق في فهم ما يقوم به الفريق الآخر. وهكذا باتت مغامرات الفريقين أقرب إلى التناقض أو التعارض منها إلى التوافق أو التناغم. ومع ذلك كله فما زال هناك أمل عند بعض المتفائلين – وأنا أحدهم – بأن تكون هناك إمكانية إعادة تشكيل العالم عن طريق العلم والتقنيات الجديدة، على أن لا يجري استبعاد الفلسفة، وإلا لا يستغربنّ أحد بأن عالم التقنية لن يكون نعمة خالصة، كما يتحمس له أنصار الرقمنة والخوارزميات. فما لا يخفى على الجميع، هو أن عالم التقنيات سيجعل الجميع متشابهين، وقد يكون أكثر استقراراً وكفاءة وربما أكثر طاعة، ولكنه بالتأكيد سيَئِد روح التفرد الذي يجعل الإنسان أكثر غنى وأكثر ثراءاً. هذا فضلاً عن حقيقة "إنَّ الاتساع الهائل في نطاق السيطرة العلمية يُثير مشكلاتٍ اجتماعية جديدة ذات طابع أخلاقي. ولو نظرْنا إلى كشوف العُلماء واختراعاتهم في ذاتها لكانتْ مُحايِدة من الوجهة الأخلاقية، ولكن القوة التي تُكسِبنا إيَّاها، هي التي يمكن تحويلها في اتجاه الخير أو الشر. والواقع أن هذه ليست مشكلةً جديدة بالمعنى الصحيح، ولكن ما يجعل نتائج العِلم أشدَّ خطورةً في أيامنا هذه، هو الفعالية المُرعِبة لأدوات الدَّمار المتوافرة في الوقت الراهن. وهنالك فارق آخر بين الوضع الراهن والأوضاع السابقة، هو أنَّ المصادر العلمية الحديثة للقوة والسيطرة تتَّخِذ طابعًا لا تمييز فيه حين تُستخدَم من أجل التدمير" (برتراند راسل، حكمة الغرب، ت - فؤاد زكريا، مؤسسة هنداوي، ط-2017، ص- 179)، أو حين تستخدم من أجل الربح والنفع الذاتي، أو الكسب الشخصي الخالص. وهذا يبعث نزعات التغول والتوحش بأبشع صورها التي عرفها الإنسان في التاريخ. وهو ما يجعلنا نبتعد بسلبية، ومن دون أدنى مبالاة؛ عن محمولات "العقل العارف"، الذي يُفترض أنه ينظر إلى قطع شجرة، وكأنها جريمة حرب أو عدوان على الطبيعة، أي على كوكب الأرض مسكننا الوحيد. ومع ذلك لا يمكن إنكار حقيقة أنَّ من أصعب الأمور في اللحظة الراهنة، هي رؤية المرء لعصره من منظورٍ صحيح. وأننا نواجه موقفًا مختلفًا عن كل ما حدَث في الماضي. فالتغيرات المادية التي شهدناها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الفلسفة والعلم. وعلى الرغم من ذلك، فلم تحدُث حتى الآن طوال تاريخ حضارتنا، حالةٌ واحدة لم يتمكَّن فيها ذوو البصيرة والعزم في نهاية الأمر، من الوصول إلى طريقة لإصلاح الأوضاع؛ في الوقت الذي كان يبدو فيه أنَّ كل شيءٍ قد ضاع، وبات أثراً بعد عين، كما يقولون.
#محمد_وردي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أخلال فلسفية أم مشكلات التفلسف
-
في الفلسفة ووظيقتها وشروط التفلسف
-
مآلات الحداثة.. تقدم الفرع وهرم النوع
-
إشكاليات اصطلاحية أم قصور بالمعنى والوعي
-
نتيجة المقارنة بين ابن رشد وابن بيه
-
العقلانية الإيمانية ما بين ابن رشد وابن بيه
-
التنوير بالمحبة والإحسان في بناء الإنسان
-
شيخ الإنسانيين.. التنوير بالحكمة والشريعة
-
سردية السلم وحوار الثقافات في فكر الشيخ عبدالله بن بيه
-
سردية السلم والتنوير والأنسنة والغواية العقلانية الإيمانية
المزيد.....
-
وزير إسرائيلي يجدد هجومه على السعودية -بعد اعتذاره لها-.. ما
...
-
لماذا غيّر رحالة مغربي مسار رحلته على الدراجة إلى مكة ثلاث م
...
-
فوز أطول زعماء العالم بقاء في السلطة في الانتخابات في الكامي
...
-
مخاوف على المدنيين بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر في
...
-
فلسطين: ما دلالات إصدار الرئيس محمود عباس إعلانا دستوريا حول
...
-
جدة فلسطينية تبحث مع أحفادها وسط أنقاض الحرب في غزة عن الماء
...
-
دعوة أممية لوقف إطلاق النار فورا بالسودان ونزوح بعد تقدم الد
...
-
رئيس الوزراء السوداني للجزيرة نت: لا تستطيع أي جهة فرض تنازل
...
-
كيف استغلت هجمات التصيد الاحتيالي أداة الذكاء الاصطناعي -كوب
...
-
%40 من الأميركيين يستهلكون الأخبار بشكل سلبي.. ما دلالات ذلك
...
المزيد.....
-
الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس
/ د. خالد زغريت
-
المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين
...
/ أمين أحمد ثابت
-
في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي
/ د. خالد زغريت
-
الحفر على أمواج العاصي
/ د. خالد زغريت
-
التجربة الجمالية
/ د. خالد زغريت
-
الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان
/ د. خالد زغريت
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
المزيد.....
|