أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية














المزيد.....

الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 08:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الخيانة ليست فعلاً سياسيًا محضًا، ولا موقفًا أيديولوجيًا صرفًا، بل كثيرًا ما تكون عرضًا لأمراضٍ نفسيةٍ دفينة، وعقدٍ اجتماعيةٍ مزمنة، تدفع بصاحبها إلى الانفصال عن أهله، وكراهية قومه، والتبرؤ من وطنه، حتى إذا وجد نفسه في حضن العدو، استكان له واستظلّ بعباءته، وراح يبرر له كل ما لا يُبرَّر.
فالخائنُ، في جوهره، ليس شجاعًا ولا عقلانيًا، بل هشٌّ، مشروخٌ من الداخل، يحمل داخله تاريخًا من النبذ أو التهميش أو الشعور بالخذلان، وقد يتحول هذا التاريخ الشخصي إلى وقودٍ لصناعة الحقد، وإعادة توجيه الكراهية نحو الذات الجمعية التي نشأ فيها.
ليس كل خائنٍ مرتزقًا باحثًا عن مال، فبعضهم يبيع ذاته لا من أجل الجيوب، بل من أجل الجراح، تلك التي لم تلتئم، فنمت كالورم داخل قلبه، وتحولت إلى غضبٍ كامن، ثم إلى خيانةٍ فعليّة... ؛ وقد تُقنّع هذه الخيانة بألف قناع: ثوري، تنويري، معارض، تحرّري, وطني , عروبي , قومي , عقائدي , مسلم , وحدوي , ملحد , علماني , مثقف , لا منتمي ... الخ ؛ لكنها تظل في جوهرها عداءً مأزومًا للهوية الأصلية، واصطفافًا نفسانيًا لا واعيًا مع الضد النوعي لمكونه الاجتماعي او مع الاعداء والغرباء والاجانب .
في علم النفس، يُعرف هذا الميل بالـ "إسقاط المعاناة على الجماعة"، حيث يلجأ الفرد – حين يعجز عن مواجهة آلامه – إلى اتهام جماعته بأكملها: دينًا، قومًا، عشيرة، وطنًا ... ؛ ليُبرر شعوره الدفين بالخذلان والعجز... ؛ وهنا يولد نوعٌ من الانحراف في التقدير: حيث يُعاد تعريف "العدو" و"الصديق" بناءً على منح الاعتراف لا منطق الانتماء.
إن الخائن المصاب بعُقدة النقص، غالبًا ما يكون تائهًا في رحلة البحث عن "هوية بديلة" أو "أبٍ رمزي" يضمه ويعترف به، ولهذا تجده أكثر انجذابًا إلى صفوف الأعداء، ممن يمتلكون قوة التأثير أو المال أو الهيمنة، ويظن أن التحول إلى أدواتهم سيمنحه القيمة والاعتبار... ؛ لكنه، في حقيقة الأمر، لا يُعامل هناك سوى كخادمٍ مطيع، أو مرتزقٍ مستهلك، أو عميلٍ يُستخدم ثم يُرمى.
وقد عرف التاريخ العراقي – كغيره من المجتمعات – نماذج كثيرة من هؤلاء المرضى والخونة: أفرادًا منبوذين أو مهمشين، وجدوا في خيانة الجماعة تعويضًا داخليًا عن شعورهم بالنقص، أو انتقامًا رمزيًا من ماضٍ شخصي موجِع... ؛ فتراهم يُعادون قومهم بشراسة تفوق عداوة الغرباء والاجانب والاضداد ، ويُبالغون في تشويه هويتهم الأصلية، وكأنهم ينتقِمون من أنفسهم عبر جلد الآخرين.
أخطر ما في هذا النمط من الخيانة أنه لا يأتي من فراغٍ سياسي فقط، بل من فجوةٍ نفسية ومعرفية... ؛ فهؤلاء يجهلون تاريخهم، ويكرهون تراثهم، وينظرون إلى هويتهم من زاوية دونية، لا من موقع نقدٍ بناء... ؛ ولهذا فإن خيانتهم لا تتوقف عند حدود الرأي، بل تتحول إلى مشروع تدميري للذات الجمعية : يهلّلون للاحتلال، ويباركون التدخلات الأجنبية، ويسخرون من مقاومة شعوبهم، ويمتدحون الطغاة طالما كانوا أعداءً لقومهم وابناء جلدتهم .
وما يزيد الأمر سوءًا، هو أن بعضهم يصل إلى السلطة أو الإعلام أو المنابر الأكاديمية، فيلبس ثوب المثقف أو المعارض أو الباحث، لكنه في حقيقته ليس سوى مأزومٍ داخلي، متضخمٍ بالغرور، يحركه شعورٌ مزمن بالرفض أو الفقدان.
ولعل المفارقة الأشد إيلامًا، أن العدو نفسه، الذي يدعونه "المنقذ" أو "المتحضّر"، لا يثق بهم، ولا يحترمهم، ولا يمنحهم مكانًا متساويًا، بل يستخدمهم ببرودٍ كمجرد أدوات وظيفية... ؛ فـ"الخائن والدوني " في عُرف السياسة والاستخبارات هو أكثر من يُستَعمل، وأقل من يُحتَرَم.
إن عقدة "الخيانة المضادة" – كما يسميها بعض علماء النفس – قد تنشأ لدى الفرد حين يتعرض لظلم شديد أو خيانة من أقرب الناس إليه، فينقلب حبه المنكسر إلى نقمة شاملة، تعمي بصيرته وتجرّه إلى حضن الأضداد، متوهّمًا أنهم الملاذ والشفاء، لكنه يسقط هناك في فخ الاستغلال النفسي، والاستهلاك الأخلاقي.
*الخلاصة:
الخيانة ليست دومًا فعلًا عقلانيًا، بل كثيرًا ما تكون نتيجةً لاضطرابٍ نفسي، وتشوهٍ اجتماعي، وانكسارٍ داخلي دفين.
وما لم تُفهم جذور هذه الظاهرة – النفسية والاجتماعية والسياسية – سنبقى نعيد إنتاج الخونة، كما نعيد نسيان الشهداء.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتحول الفضاء الرقمي والاعلام إلى ميدان صراع و حين يتكل ...
- المسرحية السياسية في العراق: وجوه تتبدل... والمأساة واحدة
- حين يتكرر المشهد: تكالب الأقليات السياسية على الأغلبية العرا ...
- حين تُغتال الحقيقة: اغتيال صفاء المشهداني وفضيحة الخطاب الطا ...
- حين يتنفس الحزن من رئة الوجود
- الشاب العراقي… أحلامٌ تذبل في سوق العمل الموحش
- مراجعات ضرورية حول الضربة الإسرائيلية المرتقبة ضد العراق
- الخونة الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا
- السذاجة السياسية وخطر الحاشية الجاهلة
- الشخصية العراقية بين التمرد والاستكانة: قراءة في جدلية السلط ...
- حركة الإسلام السياسي الشيعي في العراق من المقاومة إلى السلطة ...
- براغماتية الإيراني ومثالية العراقي – قضية أمير الموسوي أنموذ ...
- الخائن الدوني : جرح الأمة النازف وطعنة الظهر التي لا تندمل
- الصلاة كفعل حب… قراءة فلسفية في نص زوربا واستلهامه لبناء عال ...
- ظاهرة الوقاحة في العراق: جذور نفسية وتموجات اجتماعية
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة السادسة / الفلافل بين حقيقة الجوع ...
- العوائل المعروفة والاسر المشهورة بين شرف الانتساب وأرث الماض ...
- الشيعة وإيران: بين الاستقواء السياسي والتحول الاجتماعي بعد ا ...
- بين العراق وتجارب الأمم الأخرى – لماذا انتصرت بعض الشعوب وفش ...
- الهند والعراق: تشابه ظاهري وتباين جوهري في إدارة التعددية وا ...


المزيد.....




- مشهد -غريب ومهيب في آن واحد-.. سرداب كنيسة في روما يتزين بآل ...
- كيف تحدث ترامب عن احتمال ترشحه لولاية ثالثة أو لمنصب نائب ال ...
- ترامب يصعّد نبرته ضد بوتين بعد اختبار صاروخ نووي.. وهجمات أو ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف: وحدة سرّية تدير منظومة رقمية تمتد من غ ...
- قلق أممي وحقوقي على مئات آلاف المحاصرين وسط القتال في الفاشر ...
- فتاة يابانية تكشف سرّ اضطراب نادر حيّر الأطباء
- الكاميرون: فوز بول بيا بولاية رئاسية ثامنة في عمر 92 عاما
- إسرائيل تنهي حالة الطوارئ في الجنوب لأول مرة منذ 7 أكتوبر
- مراسل الجزيرة يرصد التجهيزات لدفن 40 شهيدا مجهول الهوية في غ ...
- الأنمي الياباني يواصل غزو هوليود.. -تشينسو مان- في صدارة شبا ...


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - الخيانة كمرضٍ نفسيّ وعقدةٍ اجتماعية