أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علاء الدين حسو - من -عطسة النور- إلى -شاشة السكون-: كيف سرقت وسائل التواصل متعة التفاعل الأساسي؟














المزيد.....

من -عطسة النور- إلى -شاشة السكون-: كيف سرقت وسائل التواصل متعة التفاعل الأساسي؟


علاء الدين حسو
كاتب وإعلامي

(Alaaddin Husso)


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 15:20
المحور: قضايا ثقافية
    


لطالما ارتبطت ذكريات الشباب بـ "طقوس الخروج". ومن بين تلك الطقوس الساحرة، كان الخروج من صالة السينما بعد فيلم مشوق؛ حيث تنتقل فجأة من ظلام الشاشة العملاقة وصوتها الجارف إلى ضوء النهار الساطع. هنا، يضربك شعور غريب، قد يتجسد في تلك "العطسة المزدوجة" اللاإرادية، وهي استجابة بيولوجية سريعة للتغير المفاجئ في شدة الإضاءة أو برودة الهواء، وكأن الجسد يعلن عن عودته القسرية من عالم الخيال إلى أرض الواقع.
هذه العطسة لم تكن مجرد رد فعل جسدي، بل كانت إيذاناً ببدء متعة مختلفة: متعة التفاعل الأساسي. كنا نتبادل النظرات، ونناقش التفاصيل، ونحلل النهاية مع الرفاق، وكان سحر الفيلم يرافقنا حتى أبواب المنزل. كانت تجربة المشاهدة "حدثاً" متكاملاً، يفرض عليك الهدوء والتركيز والانغماس.
لكن اليوم، ومع هيمنة شاشات التلفاز العملاقة وتدفق المحتوى عبر المنصات، لم تعد متعة الذهاب إلى السينما تُضاهي الراحة في المنزل. والأخطر من ذلك، أن ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي قد زاد الطين بلة.
في عصرنا الرقمي، تحولت متعة التفاعل من كونها جائزة تتبع التجربة إلى شرط يسبقها أو يرافقها. لقد سرق التفاعل السطحي اللحظي، المتمثل في الـ"إعجاب" أو "التعليق السريع"، متعة التفاعل الأساسي العميق. أصبح القلق من "حرق" الأحداث، أو الرغبة في "نشر الرأي" قبل الغير، يطغى على متعة الانغماس الفعلي.
التفاعل القديم كان يثري التجربة؛ كان نقاشاً عميقاً يستغرق وقتاً. أما التفاعل الجديد فيطغى على التجربة ويهيمن عليها. لقد أصبحنا نستمتع بردة الفعل أكثر من الحدث نفسه، مما أفقد السينما سحرها، وحوَّلها إلى مجرد محتوى رقمي آخر يُستهلك في قائمة لا تنتهي.ش
لعل أبرز ما ميز تجربة السينما الكلاسيكية هو إحساس المساواة في المتعة. داخل القاعة، كانت المقاعد متساوية، والظلام يُسقط الفوارق، والفيلم يُعرض بمستوى صوت وصورة "كامل" وموحد للجميع. لكن هذه المتعة كانت تأتي بتكلفة: الخيار المتاح لك كان ضئيلاً؛ فإما أن تقبل بالفيلم المعروض وإما أن ترفض التجربة بالكامل. لا دور لك سوى المشاهدة الصامتة.
أما اليوم، فقد قلبت المنصات الترتيب رأساً على عقب. لقد جعلتك منصات المشاهدة حسب الطلب (On-Demand) جزءاً من اللعبة وشريكاً في صنع التجربة الفنية، من خلال انتقائية موسعة وتأثير مباشر لتقييماتك وخياراتك على ما سيتم إنتاجه وعرضه لاحقاً. لقد كسبنا حرية الخيار ومساحة التأثير غير المسبوقتين.
في نهاية المطاف، يجب الاعتراف بأن هذا الشعور بالحنين ليس دليلاً قاطعاً على أن الماضي كان أفضل، بل هو حالة حنين (Nostalgia) لا أكثر. نحن نتذكر سحر الانغماس الكلي والطقوس البسيطة، لكننا نغفل عن محدودية الخيارات وسيطرة جهة واحدة على ما يُعرض علينا.
فالحالة اليوم أفضل من الناحية العملية والحرية الشخصية، حيث إن إمكانية الاختيار أوسع بكثير، والمنصات حسب الطلب تمنح المشاهد القوة في تحديد موعد وطريقة الاستهلاك.
ما نلاحظه هو ببساطة انزياح في طبيعة المتعة، وهي نتيجة طبيعية لا مفر منها لتطور الحياة وتضخم الخيارات. لقد خسرنا شيئاً من سحر البساطة والتركيز، لكننا كسبنا بدلاً منه حرية الاختيار والقدرة على التخصيص. إنه التبادل الذي يفرضه التطور دائماً، وتنطبق عليه قاعدة الحياة الأزلية: لا فوز خالد ولا خسارة خالدة. والمهم هو أن نعرف ما كسبناه وما فقدناه في هذه المعادلة الجديدة.



#علاء_الدين_حسو (هاشتاغ)       Alaaddin_Husso#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنشور الشعبوي: مقصٌ يُمزّق النسيج المجتمعي
- القوة تُحدث التغيير ولكن هل وحدها كافية لتحقيق الازدهار؟
- مفهوم الجمال والقبح في عالم متغير: بين السياسة وكرة القدم
- تحديات بناء قاعدة شعبية مستدامة
- هل ترامب -جودو- الشرق الأوسط ومنقذ المنطقة العربية من الصراع ...
- استشراف مستقبل سوريا الجديدة - النموذج الاول (الاتاتوركي)
- استشراف مستقبل سوريا الجديدة - المقدمة
- النصب والذكاء الصناعي
- هل بدأ عصر أشرقة اوروبا ؟
- صراع الوعي
- حركة النص_ انسي الحاج نموذجا
- الباقي من الزمن ساعة، قراءة سياسية للرواية
- النهر الدامي _ بارليف الشمالي
- هل آن أوان سحب الثقة من المنصات السورية ؟
- إذا كان هذا يحدث في البرازيل ، فيمكن أن يحدث هنا ... نحو قرا ...
- المجتمع الخامس
- هذه بضاعتنا، وهذه خبرتنا.. فماذا نفعل ؟
- الائتلاف السوري بين المطرقة الدولية وسندان الشعب
- حول الشعر ١
- الخاسرون ديمقراطيا هم الفائزون


المزيد.....




- تشمل الفنتانيل وتيك توك.. نظرة على مكونات الاتفاق التجاري ال ...
- هآريتس: الجيش الإسرائيلي يرمي نفايات الأنقاض والبناء في قطاع ...
- 3 قتلى بغارات إسرائيلية على لبنان ومبعوثة ترامب تستطلع الحدو ...
- رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري يستقبل وزير خارجية جيبوتي ...
- انتخابات تشريعية بالأرجنتين تحدد مستقبل الرئيس الليبرالي
- محاكم غزة تكتظ بقضايا الوصاية وإثبات الوفاة بعد حرب الإبادة ...
- المباني الآيلة للسقوط تنذر بخطر داهم على الغزيين في غياب الإ ...
- مهمة البحث المستحيلة في ركام غزة
- هل تتحول القوة الدولية في غزة إلى صراع جديد؟
- مصادر إسرائيلية: واشنطن تسعى للانتقال إلى المرحلة الثانية حت ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علاء الدين حسو - من -عطسة النور- إلى -شاشة السكون-: كيف سرقت وسائل التواصل متعة التفاعل الأساسي؟