أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية















المزيد.....



من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 12:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية (1)


أقدم فيما يلي مقتطفات من كتاب " تاريخ الفلسفة العربية – الإسلامية" في عصرها الذهبي (القرون 9م – 13م) وهو كتاب هام جداً ، من تأليف كل من المؤرخ الروسي أرثور سعدييف و د.توفيق سلوم ، قامت بطباعته دار الفارابي / لبنان عام 2000.
في هذا الكتاب ، يستعرض المؤلفان ، تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية ، بأسلوب مبسط ، حيث يتم التركيز على المدارس الأساسية في تاريخ هذه الفلسفة ، وهي : مدرسة علم الكلام ، المدرسة المشائية الشرقية ، مدرسة التصوف النظري ،عبر ابراز وشرح الأفكار الرئيسية لهذه المدارس .
وقد ارتأيت، إعداد تلخيص الكتاب المذكور ليس فقط لأهمية الأفكار والقضايا التاريخية التي تناولت تاريخ الفلسفة العربية بصورة علمية موثقة، بل أيضاً لأهمية إطلاع الأصدقاء المعنيين بهذا التاريخ على مجمل الأفكار العقلانية ، والميتافيزيقية الغيبية ، المتخلفة ، ومقارنتها مع أفكار وطروحات حركات الإسلام السياسي في هذه المرحلة الخطيرة من الحراك السياسي والاجتماعي في مجتمعاتنا العربية ، حيث يبدو واضحاً بروز هيمنة مشهد الإسلام السياسي في بلادنا لفترة طويلة قادمة .
وبالتالي فإن الإطلاع على أفكار المدارس الفلسفية ، سيسهم في التوعية بطبيعة التوجهات الفكرية للمدارس الإسلامية عموماً ، والمدارس الغيبية ، الرجعية خصوصاً، لكي نستعين بها في كشف الاضرار والآثار السلبية الناجمة عن هذه الأفكار ، في إطار الصراع السياسي – الديمقراطي مع الحركات الدينية عموماً ، والسلفية المغرقة في طروحاتها المتخلفة خصوصاً ، مع إدراكنا للطبيعة الطبقية لهذه الحركات ، التي لا تختلف في جوهرها عن الطبيعة الطبقية للقوى اليمينية الكومبرادورية والرأسمالية التابعة في بلادنا من ناحية ولتعزيز وتعميق الوعي بأهمية البديل الوطني /القومي الديمقراطي العلماني والتنموي بآفاقه الاشتراكية .
الفلسفة العربية الإسلامية /(الكلام والمشائية والتصوف) :
ارتبط ظهور الفلسفة العربية الإسلامية وتطورها بتاريخ دولة الخلافة التي أقامها العرب بعد الفتح الإسلامي. فقد شيّدوا امبراطورية واسعة، مترامية الأطراف، امتدت من الهند شرقاً وحتى البيرينيه غرباً،.
وقد جاءت الفلسفة العربية الإسلامية وثيقة الصلة بالتقاليد الفلسفية اليونانية القديمة، التي كانت قد انتشرت في آسيا ، كما غدت اللغة العربية، التي حلت بعد اكثر من مائة عام محل اللغات الأدبية الأخرى (السريانية – الآرامية والفارسية في سورية وايران، واليونانية في سورية ومصر ، واللاتينية في أسبانيا)، أداة فعالة في التفاعل والتكامل الثقافي بين العرب والفرس والأتراك والبربر وغيرهم من شعوب دولة الخلافة .
وقد أسهم علماء العالم الإسلامي ، في إغناء العلوم الطبيعية والدقيقة. فأحرزوا نجاحات كبيرة في الطب، حيث خلد التاريخ أسماء أبي بكر محمد بن زكريا الرزاي (ت:925) صاحب "الحاوي"، وأبي علي بن سينا (980-1037) صاحب "القانون"، وأبي القاسم الزهراوي (ت: 1013) الذي برز في الجراحة ، وعلي بن عيسى الكحال (القرن الحادي عشر) الذي لعله أول من أدخل التخدير في جراحة العين، وابن النفيس (القرن الثالث عشر) الذي اكتشف الدورة الدموية (الصغرى). وقام علماء الرياضة والفلك المسلمون بتعميق وتدقيق أفكار أسلافهم من اليونانيين والهنود. وفي بغداد القرن الحادي عشر لمع المنجم والفلكي أبي معشر البلخي (ت: 886) ومحمد بن موسى الخوارزمي (توفي في أواسط القرن التاسع). وقد وضع الخوارزمي جملة من الأعمال في الجبر والحساب والجغرافيا الرياضية. وبفضل كتابه "الجبر والمقابلة" شاع مصطلح "الجبر" المعاصر، ومن اسمه باللاتينية اشتق لفظ "اللوغاريتم". وباسم الرياضي والفلكي أبي عبدالله محمد التبّاتي (ت:929) يربط وضع نظرية التوابع (الدوال) المثلثية. واستحق جابر بن حيان (أواخر القرن الثامن ) لقب "أبي الكيمياء". واشتهر ابن الهيثم (965-1039) بكشوفه البصرية. ومن النماذج الفذة للعلماء الموسوعيين، الذين لم يكونوا نادرين في المشرق الإسلامي، كان أبو الريحان البيروني (973-1048) ، الذي برز في علوم الفلك والرياضيات والفيزياء والمعادن والتاريخ والجغرافيا والاثنوغرافيا.
تميز ابداع العلماء المسلمين بالبحث عن التطبيقات العملية لهذه وغيرها من الانشاءات النظرية، وبالالتفاف نحو التجربة والملاحظة وما يتصل بذلك من الاستخدام الواسع لمختلف المعدات والأجهزة (واختراعها ، بطبيعة الحال)، وبالاهتمام بالطرق الكمية في الاستقصاء، وخاصة في ميادين الفيزياء والكيمياء والفلك والجغرافيا.
كما تعرف المسلمون على المدارس الأساسية في الفلسفة اليونانية القديمة ، وإن كان أرسطو محط اهتمامهم الأول. وإلى أواخر القرن التاسع كانت قد نقلت إلى العربية الأعمال الأرسطية الرئيسية، إما مباشرة من اليونانية أو بتوسط السريانية ، كما نقلت إلى العربية بعض حوارات أفلاطون، بينها "النواميس" و "السوفسطائي" و "طيماوس" ، ولكن معلم أرسطو هذا كان أقل نفوذاً ورواجاً من تلميذه عند العرب.
وتبين لوحات الحياة العقلية في بغداد القرن العاشر، التي رسمها الأديب والفيلسوف أبو حيان التوحيدي كيف كان المسلمون والناصري واليهودي وأبناء الملل الأخرى من كافة أرجاء العالم الإسلامي يلتقون في مجالسهم ("مجالس العلماء")، التي كان يسود فيها ما تمليه الفلسفة من قيم وأهداف، تعلو على الفوارق القومية والدينية.
ففي مجال التشريع تبلورت ، ومنذ صدر الإسلام، مدرستان متعارضتان، أولهما مدرسة "أهل الحديث"، التي أظهر ما كانت في الحجاز، والتي كان أنصارها لا يتجاوزون النص (من قرآن وسنة) فإن سئلوا عن شيء وعرفوا فيه آية أو حديثاً أفتوا، وإلا توقفوا، لا يقولون شيئاً . وكان هؤلاء يعرفون بالاعتداد المفرط بالحديث، حتى الضعيف منه.
وفي مقابل هؤلاء قامت مدرسة "أهل الرأي"، التي انتشرت في العراق خاصة، والتي تميز أصحابها بقلة روايتهم للحديث وإهمالهم له ، وبتدقيقهم في الأدلة، وبتحكيمهم العقل في الآراء ، وبتغليبهم القياس على النقل. وقد تتوجت مدرسة "أهل الرأي" بأبي حنيفة (نعمان بن ثابت، 699، 767). إمام المذهب الحنفي، الذي عرف بتوسعه وسماحته عموماً. وأما نزعة مدرسة أهل الحديث فتجسدت على أشدها في المذهب الحنبلي، وتوسط المذهبان المالكي والشافعي بين المدرستين.
وفي ميدان العقائد توزع المسلمون إلى فرق جمة . فقد نشب الجدل بينهم حول "الامامة" ("الخلافة") ، من الأحق فيها بعد الرسول، وهل تكون بالاتفاق والاختيار (بالبيعة والاستفتاء والشورى) أم بالنص والتعيين ، وهل يجمع الإمام بين السلطتين الزمنية والروحية ، إلخ. وكان ذلك، مثلاً سبب تمايز السنة والشيعة.
كما اختلف المسلمون حول مسألة "صاحب الكبيرة"، وما يتصل بها من قضايا العلاقة بين النظر والعمل ، والإسلام والإيمان . فغالى الخوارج في تشددهم، إذ حكموا بأن صاحب الكبيرة كافر، مخلد في النار، واعتبروا العمل شرطاً للإيمان. وبالمقابل، تمادى " المرجئة" في تسامحهم، فتوقفوا عن تكفير صاحب الكبيرة، وتركوا الحكم فيه لله ، وفصلوا العمل عن الإيمان، واعتبروا أن الله وحده هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فليس لأحد أن يكون رقيباً أو حسيباً على ضمائر الناس.
وتناقضت الآراء في التسيير والتخيير، القضاء والقدر، فذهبت "الجبرية" إلى أن الأفعال كلها لله. وقالت "القدرية" بان الإنسان خالق "قدره" ، خيره وشره.
ودار الجدل حول قضية الصفات والذات الإلهية . واختلفت المواقف. فتطرف بعضهم في إثبات الصفات والأخذ بحرفيتها كما جاءت في القرآن (من "يد" و "عين" ..) ، حتى وصلوا إلى التشبيه والتجسيم . وغالى آخرون في تأويلها (اليد – بمعنى القوة والاستيلاء، والعين – بمعنى الغاية والارشاد...) ، فخلصوا إلى "النفي" و "التعطيل".
ولم يأت القرن العاشر حتى صار مؤرخو الفرق والاخباريون يرون صعوبة بالغة في حصر الفرق الإسلامية.
وقد نوه المفكرون الإسلاميون أنفسهم إلى التأثير المعرفي الإيجابي لتباين الآراء هذا، مما تجسد في القول المأثور: "لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يسمع الاختلاف".

وأدى الحوار بين الفرق الإسلامية إلى تفهم تعذر الاعتماد على النص، حتى القرآني منه، حجة حاسمة لنصرة هذا المعتقد أو ذاك ، "فالقرآن حمال أوجه" ، " وما من فرقة إلا ولها في كتاب الله حجة". هذا في الجدل بين المسلمين، فكيف بينهم وبين أبناء الملل الأخرى، بما فيها الديانات التوحيدية التي اعترف الإسلام بها، كاليهودية والمسيحية ، والتي كان معتنقوها يعيشون بأمان في دار الإسلام.
وعلى هذا النحو راح يبرز دور العقل حكماً أعلى في المناقشات اللاهوتية، وفي فهم العقائد الدينية نفسها.
وفي خضم هذه المشادات ظهرت وتطورت النزعة العقلانية في "علم الكلام"، أول التيارات الفلسفية في الفكر العربي الإسلامي.
وإذا كان علم الكلام وليد المناقشات بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين ممثلي الديانات الأخرى، فإن "الفلسفة" بالمعنى الخاص للكلمة ، جاءت وليدة "حركة الترجمة" وأما الفارق بين هذين الاتجاهين فكان بعض المتكلمين (أصحاب علم الكلام) يرونه في انهم ينطلقون من المسائل التي يمليها الدين ، ويسيرون على "قانون الإسلام"، أما الفلاسفة فيجرون على "قانون العقل"، وافق الإسلام أم لا . وكان الفلاسفة يردون ذلك الفارق إلى كون علم الكلام يعتمد الأساليب "الجدلية" ("الديالكتيكية"، بالمعنى الأرسطي)، أما الفلسفة فتقوم على الأساليب "البرهانية".

علم الكلام :السمات العامة والمدارس الأساسية :
كان علم الكلام أول الاتجاهات الأساسية في الفلسفة العربية الإسلامية. وقد طوره بصورة رئيسية ، مفكرو المعتزلة، ومن ثم الأشاعرة . ونظراً لتشعب واختلاف الآراء ، القديمة منها والمعاصرة ، حول مدلول "علم الكلام" لفظاً ومصطلحاً، سنستهل عرضنا لمذاهب المتكلمين بالنظر في هذه المسألة.
1- في تسمية "علم الكلام" وتعريفاته :
1) "لأن عنوان مباحثه كان قولهم: الكلام في كذا وكذا"؛
2) "ولأن مسألة الكلام (كلام الله، أي القرآن من حيث كونه قديماً أو محدثاً- المؤلفان) كانت أشهر مباحثه وأكثرها نزاعاً وجدالاً "؛
3) "ولأنه يورث القدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات وإلزام الخصوم، كالمنطق للفلسفة"؛
4) "ولأنه أول ما يجب من العلوم التي تُعلم وتتعلم بالكلام، فأطلق عليه هذا الاسم لذلك، ثم خُصَّ به ولم يُطلق على غيره تمييزاً له"؛
تسمية "علم الكلام" عند الشهرستاني فيردها إلى مقابلة المعتزلة للفلاسفة في تسميتهم فناً من فنون علمهم بالمنطق، "والمنطق والكلام مترادفان". لكن علم الكلام هو صناعة جدلية، تقوم ميزتها الأساسية في المناظرة مع خصم حقيقي أو مفترض.
تطور علم الكلام، بصورة أساسية ، في المناظرات والمجادلات ، التي دارت بين المتكلمين أنفسهم خاصة. وفيما بعد صار "الكلام" يستخدم أساساً للدلالة على المبحث النظري، الذي اشتغل به المعتزلة، ومن ثم الأشاعرة .
إن ما يميز علم الكلام عن علم اللاهوت هو توجهات المتكلمين الابيستيمولوجية (المعرفية)، المنافية للنصية والإيمانية Fideism والصوفية mysticism . فالمتكلمون ،قالوا بالعقل مرجعاً أعلى في الحكم على المسائل النظرية والفكرية ، بما فيها اللاهوتية.
إن علم الكلام قد ظهر وتطور أول الأمر في إطار المنظرات التي دارت بين المسلمين أنفسهم ، وذلك بظهور مختلف الفرق الدينية – السياسية (الخوارج، المرجئة، القدرية، الجبرية..) ، وكذلك بين المسلمين وبين أبناء الديانات الأخرى (ولا سيما المزدكية والمسيحية). وقد تبلورت في مجرى هذه المناظرات جملة من السمات، التي صارت مميزة لطريقة المتكلمين في البحث، وأهمها:
اللجوء إلى تأويل النصوص القرآنية ؛ اعتبار حجج العقل هي وحدها الحاسمة في النقاش والبرهان؛ الاستخدام الواسع لطريقة "الالزام" (وهي لون من "الحجة الشخصية").
كما وتبلورت أيضاً القضايا الأساسية في "جليل الكلام: التوحيد، وضمناً العلاقة بين الذات والصفات الإلهية؛ قدم القرآن أو خلقه (حدوثه في زمان)؛ القدر الإلهي وحرية الإرادة البشرية، أو التسيير والتخيير، معنى الإيمان، وخاصة العلاقة بين النظر والعمل فيه ، إلخ.
ولعل من أوائل المفكرين، الذين اشتغلوا بالكلام، كفن له أسلوبه المتميز ، كان الجعد بن درهم (قتل عام 742/743م) وينسب إليه إنكار وصف الإله بشيء من صفات المخلوقات، والقول بخلق القرآن، وبحرية الارادة البشرية. وبرز بعده تلميذه الجهم بن صفوان (قتل عام 745م)، الذي باسمه ترتبط مدرسة "الجهمية". وقد عرف الجهمية بنزعتهم الجبرية الخالصة، التي تعكس توجههم نحو مذهب وحدة الوجود (البانتيئية Pantheism). وكان من أبرز أعلامهم ضرار بن عمرو (ت:815) وبشر المريسي (ت: 833) وتلميذه الحسين النجار.
وسرعان ما أخلى الجهمية مكانهم للمعتزلة ، الذين شاركوهم رؤيتهم للإله وصفاته، واعتقدوا مثلهم بخلق القرآن، الأمر الذي جعل العديد من الاخباريين وخصوم المتكلمين لا يفرقون بين المدرستين، وذلك على الرغم من تضاد مواقفهما من الجبر والاختيار.
2- المعتزلة :
يمثل المعتزلة أولى أكبر مدارس علم الكلام ، والفكر الفلسفي الإسلامي عامة . وقد ظهر لقب "المعتزلة" أول الأمر للدلالة على الجماعة الذين وقفوا موقف الحياد في النزاع بين أنصار علي وخصومه، وخاصة في معركة الجمل (عام 656) وصفين (عام 657). أما المعتزلة أنفسهم فيربطون تسميتهم بما يرونه من "اعتزال" واصل بن عطاء (ت:748) وعمرو بن عبيد (ت:761) حلقة الحسن البصري (ت:727)، كبير علماء الدين بالبصرة في زمانه .
وقد كان المعتزلة يرتبطون فكرياً بالدوائر المثقفة والمتنورة من الفئات المدينية المتوسطة والعليا. وكانوا من الأحزاب الدينية – السياسية المعارضة للأمويين. أما ميولهم الشيعية فكانت وراء موقفهم السلبي من العباسيين. فأيدوا الإمام المسمى "النفس الذكية"، وشاركوا في انتفاضة عام 762 ضد الخليفة العباسي المنصور.
وفي عهد هارون الرشيد (786-802)، وخاصة أيام ارتفاع نجم البرامكة، ومن ثم في عهد المأمون والمعتصم والواثق (813-847). صار للمعتزلة نفوذ ملحوظ، وتقلد البعض منهم مناصب هامة في الدولة. ولكن في أيام المتوكل (847-861) ساءت أحوال المعتزلة، وتعرضوا للملاحقة والاضطهاد، وفقدوا الكثير من مواقعهم الفكرية في البلاد. بيد ان المعتزلة ظهروا من جديد على المسرح السياسي في عهد البويهيين (945-1055)، حيث ازدهرت مدرسة القاضي عبد الجبار الهمداني (ت:1024/1025) ، الذي تولى (بتعيين من الصاحب بن عباد) منصب "قاضي القضاة" في مدينة الري (بالقرب من ظهران الحالية). ولاقت أفكار المعتزلة، وخاصة ما يتعلق منها بجليل الكلام، القبول والانتشار في أوساط الزيدية.
وفي القرنين 12-13 راج مذهب الاعتزال في خوارزم . ومع الغزو المنغولي في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي انحسر تأثير المعتزلة في الدوائر السنية بايران وغيرها من مناطق المشرق الإسلامي، وشارف على النهاية.
ويذكر المعتزلة في كتبهم أصولاً خمسة، اجمعوا عليها، واتفقوا على نفي صفة الاعتزال عن المخالف، ولو في واحد منها. وهذه الأصول هي :
1- العدل.. والمقصود به العدل الإلهي، الذي يقتضي حرية الإنسان في أفعاله، وخلقه لها، واستحقاقه، بذلك، الجزاء عنها، ثواباً أو عقاباً . كما ويعني هذا الأصل عندهم إن الله لا يفعل لمخلوقاته إلا ما هو "الأصلح" لها.
2- التوحيد.. وهو لا يعني فقط توحيد الله في الألوهية (القول بإله واحد)، بل وتوحيده في صفاته بتنزيهه عن كافة صفات المخلوقات، والتوحيد بين ذاته وصفاته. والصفات الإلهية نوعان: "صفات الذات" ، كالعلم والقدرة والحياة ، وهي ، عند المعتزلة، مطابقة للذات الإلهية، وقديمة قدمها بالتالي؛ و "صفات الفعل" ومنها الإرادة والسمع والكلام، وقد اعتبروها حادثة، تظهر في زمان وتتغير وتتبدل ، ولذا فإنها غير الذات الإلهية . ومن هنا يلزم أن القرآن ، بوصفه كلام الله، محدث، مخلوق في زمان ، وليس قديماً .
3- الوعد والوعيد.. ومؤداه ان الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب، ولذا فليس للعصاة، وخاصة مرتكبي الكبائر، أن يعولوا على "رحمة" الرب أو "شفاعة" الرسل والمؤمنين.
4- المنزلة بين المنزلتين .. ومعنى هذا الأصل أن مرتكب الكبيرة من المسلمين، الذي نسبه المرجئة المتسامحون إلى الإيمان، وعده الخوارج المتشددون في عداد الكفرة، هو، عند المعتزلة، في منزلة وسط بين منزلتي الإيمان والكفر. وقد سمى واصل بن عطاء مثل هذه المسلم بـ"الفاسق"، في حين ذهب الحسن البصري إلى تسميته بـ"المنافق".
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... وقد ذهب المعتزلة، وكذلك الخوارج والزيدية ، إلى أنه للقيام بهذا الواجب يجوز (حتى ويجب) استخدام القوة والثورة والخروج المسلح، في حين مال عامة أصحاب الحديث وأهل السنة إلى قصره على القلب واللسان فقط، دون اليد ، ناهيك عن السيف.
وكان هذا الأصل يتصل ، عند المعتزلة ، بالاعتبارات السياسية، بالخروج على أئمة الجور وظلمة الحكام. فتحت لواء هذا الشعار شاركوا، مثلاً ، في انتفاضة عام 762.
من ناحية ثانية ، فقد "أجمعت المعتزلة على أن الله واحد، ليس كمثله شيء.. وليس بجسم ولا شبح ولا جُثّة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسّة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن.. ولا تجوز عليه المماسة ولا العزل ولا الحلول في الأماكن، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدثهم، ولا يوصف بانه متناه ولا يوصف بمساحة.. ولا تدركه الحواس، ولا يقاس بالناس، ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه.. لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام .
إن التنزية ، أي إنكار أي شبه بين الإله والمخلوقات ، هو أحد الجوانب الأساسية لـ"التوحيد" المعتزلى .
وانطلاقاً من اعتبارات الكمال يؤكد المعتزلة على تطابق الفعل الإلهي مع السيرورة الكونية. فلو جاز أن يخلق الإله عالماً آخر، لجاء هذا العالم حسب اعتقادهم، مطابقاً لعالمنا . فالإله أمهر الصناع ، فيصنع ما يصنعه على أحسن وجه وأكمله.
3- الأشاعرة :
كان الأشاعرة ، شيمة المعتزلة قبلهم، قد اختلفوا فيما بينهم ليس في مسائل "دقيق الكلام" فقط ، بل وفي "جليله " أيضاً . ولم تكن لهم ثمة "أصول" توحد بينهم كالمعتزلة، وان كانت تجمعهم بعض التوجهات العامة في حل عدد من المشكلات اللاهوتية.
ففي مسألة الصفات الإلهية قال الأشاعرة بجملة من "صفات الذات"، منها العلم والقدرة والحياة والإرادة والكلام والسمع والبصر. وهذه الصفات، عندهم، قديمة، ليست هي الذات الإلهية ولا هي غيرها. أما "صفات الفعل"، كالخلق والرزق والعدل والانعام والحشر والنشر وغيرها، فاعتبروها، كالمعتزلة قبلهم، محدثة ، تظهر في زمان معين .
ومن القول بقدم الكلام الإلهي لزم الأشاعرة القول بقدم القرآن وهنا ميزوا بين "الكلام الحسي (أو اللفظي) " وبين "الكلام النفسي"، الباطني ، ليذهبوا إلى أن القرآن قديم من جهة "المعنى" ، (باعتباره "كلاماً نفسياً" ) ، ولكنه محدث من جهة اللفظ (باعتباره "كلاماً حسياً").
يطرحون رأيهم على أنه "مذهب وسط" بين مذهب المعتزلة ومذهب معارضيهم من أصحاب الحديث وأهل السنة. أما في الحقيقة فقد ساروا على درب العقلانية المعتزلية. ولم تكن ثمة هوة شاسعة، تفصل بين المدرستين . فمما له دلالته أن الأشعري نفسه كان تلميذاً للمعتزلة، وان المعتزلي البارز عبد الجبار قد كان في أوائل حياته الفكرية من الأشاعرة .
وقد انتشر مذهب الأشاعرة في العراق وبلاد الشام ومصر خاصة ، أما في بلاد ما وراء النهر فقد راجت ، منذ القرن العاشر، مدرسة الماتريدية، أتباع أبي منصور الماتريدي (ت:944)، الذي لا يختلف مذهبه عن الأشعرية إلا في بعض النقاط الجزئية الفرعية.

الإيمان والعقل : في ظروف سيادة الإيديولوجية الدينية تغدو مسألة العلاقة بين الإيمان والعقل، الدين (او اللاهوت) والفلسفة، إحدى النقاط المحورية في الصراعات الفكرية. وقد اكتسبت هذه المسألة في الأوساط الكلامية صيغة العلاقة بين العقل والنقل (أو السمع، وكان يعني أساساً الكتاب والسنة) . وانحاز المتكلمون ، في حلهم للمسألة ، إلى طرف العقلانية ، فقالوا بتقدم العقل على النقل، وأنكروا التقليد والمقلدين ، وأكدوا على الشك مرحلة تمهيدية تسبق الأخذ بأي من الآراء والمذاهب.
وقد قوبلت نزعة المتكلمين العقلانية والنقدية بالعداء المستحكم من قبل رجال الدين من أنصار الإيمانية Fideism. وبين هؤلاء كان "أصحاب الحديث"، الذين يعولون على نص الكتاب، والسنة خاصة (في مقابل "أصحاب الرأي"، الميالين إلى القياس والاجتهاد والنظر العقلي)، ومن ثم الحنابلة (نسبة إلى أحمد بن حنبل، ت : 855) والظاهرية ( أسسها داؤود الأصبهاني، ت: 883) من المذاهب الفقهية.
وكانت المعارضة لعلم الكلام قوية أيضاً بين أنصار المذاهب الأخرى ، المالكية (نسبة إلى مالك بن أنس ، ت:795) والشافعية (نسبة إلى محمد بن إدريس الشافعي، ت:820) والحنفية (نسبة إلى أبي حنيفة ، نعمان بن ثابت ، ت:767) .
وفي إطار السعي لإضفاء المشروعية على النظر العقلي عمل المتكلمون لتوسيع ميدانه أيضاً . فلم يكونوا يهتمون بالإلهيات من "جليل الكلام" فقط، بل وبالطبيعيات من "دقائقه" . فالمعتزلة، كما يحكي عنهم الجاحظ، كانوا ينشدون معرفة كل شيء. وتنعكس هذه النزعة الموسوعية على أشدها في كتاب "الحيوان" للجاحظ نفسه، فضلاً عن مؤلفاته الأخرى – "كتاب المعادن"، "كتاب الرياضيات" وغيرهما .
كانت مرحلة المعتزلة من تطور علم الكلام، فترة "رونق" هذا العلم كما يسميها الشهرستاني، كان للمتكلمين ، امثال "النظّام" وأصحابه ، أن ينصرفوا إلى الطبيعيات ، بحيث "كانت المداخلة (أي القول بتداخل الأجسام بعضها ببعض) أعجب إليهم من علم القرآن ، والطفرة (في حركة الجسم) أبلغ عندهم من علم الأحكام".
وفي ذلك العهد كان علماء الكلام يجاهرون بالتطلع للتضلع في علوم الفلاسفة.
وراح المتكلمون، الذين كفرهم خصومهم من المحافظين ودعوا إلى تأديبهم والتشهير بهم، يستخدمون كل مخزونهم من الأدوات الجدالية دفاعاً عن علمهم. وقد كان علماء الكلام على قدر رفيع من المهارة في الجدل والمناظرة.

أولوية العقل : لم يلجأ المتكلمون ، وهم يعملون لمجابهة الإيمانية وإرساء العقلانية، إلى التسلح بالآيات القرآنية، الداعية إلى التأمل والنظر ، فقط، بل واستندوا أيضاً إلى جملة من الأحاديث ، المروية عن النبي، في امتداح العقل والثناء عليه . ومن أشهر الأحاديث الواردة في كتاب "العقل" لابن المحبر كان الحديث ، الذي عرف لاحقاً بـ "حديث العقل": "أول ما خلق الله العقل . ومن الأحاديث الرائجة في ذلك العصر، والتي تشيد بالعقل وفضله : "إن الرجل ليكون من أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الحج وأهل الجهاد، فما يجزي يوم القيامة إلا بقدر عقله"؛ "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة"..
والعقل ، عند المعتزلة، هو "وكيل الله" على الأرض. وخلافاً لأصحاب الحديث وأهل السنة، الذين يرتبون الأدلة على النحو التالي- الكتاب، فالسنة، فالإجماع، أضاف المعتزلة إلى هذه الثالثة دلالة العقل، وقدموه عليها جميعاً.
وذلك هو مقام العقل عند الأشاعرة أيضاً. صحيح أنهم كانوا أقل تطرفاً في إشهار عقلانيتهم ، وأكثر بعداً عن استثارة حفيظة الإيمانيين، فكان البعض منهم، أحياناً ، يرتب الأدلة، بحيث لا يأتي العقل قبل القرآن. ولكنهم. في حقيقة الأمر، ساروا على درب المعتزلة، فذهبوا معهم إلى أن العقل حاكم على السمع (بما فيه الكتاب والسنة). وانعكس هذا المبدأ الكلامي الشهير: "تقديم العقلي على النقلي".
ومن مظاهر العقلانية الكلامية كانت النزعة النقدية ، المميزة للمعتزلة والأشاعرة على حد سواء . فقد قالوا بالشك أسلوباً معرفياً ، ضرورياً على طريق تحصيل اليقين . إنه مرحلة يتوجب على كل مسلم ومسلمة المرور بها، فينفض عندها كل معتقداته السابقة، ويطهر نفسه من كافة الأفكار الموروثة، حتى تستعد لقبول الحق بالنظر والاستدلال . فعند الأشاعرة أنه "لا يصح إسلام أحد حتى يكون، بعد بلوغه، شاكاً غير مصدق" . وكان المعتزلة أشد تطرفاً في ذلك، فقالوا بوجوب الشك حتى قبل سن البلوغ، بمجرد وعي المرء لذاته.
وفي تلك المرحلة التاريخية، ظهر العديد من المفكرين المتكلمين الذين عرفوا بالملاحدة ، ومن أشهرهم كان أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمد بن اسحق الريوندي(2) .
يقول المفكر المعتزلي أبو الحسين الخياط عن ابن الريوندي انه كان من جلة المعتزلة وحذاق متكلميهم، ثم انفصل عنهم، "وألف عدة كتب في تثبيت الإلحاد وإبطال التوحيد وجحد الرسالة وشتم النبيين. لم يفعل ، في حقيقة الأمر، إلا المضي بالنزعة العقلانية المعتزلة حتى نهايتها المنطقية.
وقد ألف كتاب "الزمرد" في دحض النبوات عامة، استناداً على القول بالعقل معياراً أعلى لليقين ومرجعاً أسمى في التمييز بين الخير والشر. ورفض في كتابه كل التقاليد التي لا تتوافق مع العقل مثل: رمي الحجارة على إبليس، والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر، والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران... فما الفرق بين الصفا والمروة إلا كالفرق بين أبي قبيس وحري، وما الطواف على البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت".
وزعم ابن الريوندي أن المعجزات ، التي جاء بها الرسل تثبيتاً لنبوتهم، ليست إلا لوناً من "مخاريق" السحرة، التي يصعب أحياناً الوقوف عليها لدقتها. وأما شهادة بعض الناس عليها فقد تكون ضرباً من "المواطأة" والاتفاق على الكذب.
وقد نصب ابن الريوندي على رأس "زنادقة الإسلام الثلاثة" (وبعده يأتي أبو العلاء المعري وأبو حيان التوحيدي).

بدلاً من الخاتمة :
كان للفلسفة العربية الإسلامية الكلاسيكية تأثير ملحوظ على تطور الفكر الفلسفي في أوروبا. وكان التصوف أقل تيارات الفلسفة العربية الإسلامية الثلاثة تأثيراً في تطور الفكر الفلسفي الأوروبي.
ولم يقتصر تأثير المتكلمين في الذريين الأوروبيين على المراحل الأولى ، التي رافقت "عصر التراجم" أو أعقبته ، بل وامتد إلى العصور اللاحقة (نيكولاي الكوزاني، جوردانو برونو).
ومن الجدير بالذكر أن ليبنيتز، صاحب "المونادولوجيا"، كان قد لخص ، قبل وضعه لهذا الكتاب، آراء المتكلمين الذرية، وذلك أثناء قراءته لمؤلف ابن ميمون "دلالة الحائرين".
بيد أن التأثير الأكبر على الفكر الفلسفي الأوروبي كان من نصيب "الفلسفة"، الممثلة بالمشائيين الشرقيين . فقد سبق لروجر بيكون (ت: 1294) الإشارة إلى أنه بفضل الشروح الإسلامية بالذات صارت الفلسفة الأرسطية، المنسية سابقاً، معروفة لدى اللاتين. ثم إن أعمال فلاسفة الإسلام الإصيلة قد تركت بصماتها العميقة على فلسفة أوروبا العصر الوسيط وعصر النهضة. ولكن الأثر الأعمق على الفكر الفلسفي بأوروبا المسيحية إنما تركه ابن سينا وابن رشد.
إن فلسفة ابن سينا قد اجتذبت الاهتمام، وفي المقام الأول، بفضل ما فيها من عناصر أفلاطونية محدثة. وعلى هذه الأرضية ظهر التيار، الذي يعرف أحياناً بـ"الأوغسطينية ذات الطابع السينوي".ولاقت فلسفة ابن رشد رواجاً ملحوظاً في أوروبا القرون 13 – 16، وقامت في صلب التيار المعروف بالرشدية (أو الرشدية اللاتينية .
وقد طور الرشديون مذهب معلمهم في تولد الصور في أحشاء المادة، وقالوا، بالاتفاق معه، بالسببية الشاملة التي تربط بين الظواهر ، ورأوا في الحركة المنتظمة للأجرام السماوية تجلياً للضرورة الطبيعية التي يخضع لها كل ما يجري في العالم الأرضي (عالم ما تحت فلك القمر) بما في ذلك تبدل الدول والشرائع الدينية.
ورفض أتباع فيلسوف قرطبة من الأوروبيين الخلود الفردي، فأخذوا بمذهب العقل البشري الواحد. ونادوا باستقلالية العقل والمعرفة عن الوحي واللاهوت، فطرحوا نظرية "الحقيقة المزدوجة"، التي ترى أن ثمة موضوعات، تكون خاطئة من زاوية اللاهوت، ولكنها قد تكون صحيحة من زاوية الفلسفة.
ثم إن قول ابن رشد بخلود العقل البشري العام قد اقترنت على امتداد قرون عديدة في أوروبا، وليس فقط في الأوساط الرشدية (دانتي، هردر) ، بفكرة وحدة البشرية، التي تسير صعداً في طريقها نحو الكمال العقلي والأخلاقي.
وفي كل الأحوال ، فإن الفلسفة العربية الإسلامية قد ساعدت عموماً في ترسيخ النزعة الدنيوية في الفكر الفلسفي الأوروبي ، وفي توطيد صلاته بالعلوم الطبيعية، فكان لها دورها في التهيئة لظهور وتطور فلسفة عصر النهضة، في مقابل انكفاء النزعات العقلانية في الفلسفة العربية الإسلامية وتراجعها لحساب الرؤى السياسية والدينية والمجتمعية المغرقة في تخلفها ، حيث خيم ظلام التخلف على المجتمعات العربية منذ القرن الخامس عشر الميلادي إلى يومنا هذا .
فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين ، إلا أننا –في البلدان العربية- ما زلنا في زمان القرن الخامس عشر قبل عصر النهضة، أو في زمان "ما قبل الرأسمالية" ، على الرغم من تغلغل العلاقات الرأسمالية( الرثة والمشوهة ) في بلادنا، والشواهد على ذلك كثيرة، فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير، بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية، وإبداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية، ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي والوجود الاجتماعي والاخلاقي والدور التاريخي الموضوعي للنهوض الحداثي وللثورة الوطنية الديمقراطية وللمشروع القومي التقدمي أو الذات العربية في وحدة شعوبها، ووحدة مسارها ومصيرها، إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي ، والسبب في كل ذلك يتجلى عند رؤيتنا للفرق الزمني الذي يفصلنا كمجتمعات عربية عن شكل ومضمون مفاهيم الحداثة والنهضة والتنوير العقلاني والتقدم ، التي نشأت في اوروبا منذ اكثر من مائتي عام .
وسؤالي هنا : ما هو -يا ترى- الفرق الزمني الذي يفصلنا اليوم في عصر العولمة ، وثورة العلم والاتصالات والمعلومات عن مفاهيم وقيم الحداثة والنهوض والثورة؟؟ ألسنا بحاجة الى ثورة شعبية تغييرية شاملة تقتلع الطبقات الاستغلالية من جذورها و تطال كل جوانب البنية المادية والمجتمعية العربية الكفيلة وحدها بازاحة التبعية وكل مفاهيم واليات وادوات الاستبداد والاستغلال والتخلف الاجتماعي والاخلاقي في بلادنا ؟.

(1) كتاب "الفلسفة العربية الإسلامية " – المؤلف : أرثور سعدييف و د.توفيق سلوم – دار الفارابي – بيروت / لبنان – ط1 - 2000
(2) أو الرواندي، الروندي، وقد عاش في بغداد في النصف الأول من القرن الثالث الهجري .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الماركسيـة والدور النضالي التقدمي الديمقراطي المستقبلي ...
- ملاحظات عامة في التاريخ الثقافي الاسلامي والاسلام السياسي
- وجهة نظر حول التثقيف الذاتي والمسلكية الأخلاقية في أحزاب وفص ...
- مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني
- بصراحة ، كلمات عن العلمانية والديمقراطية والاشتراكية
- اين تكمن الطريق الى مستقبل عربي تقدمي وديمقراطي افضل؟
- الحزب الماركسي والنضال التحرري والديمقراطي الطبقي واهمية عنص ...
- للتاريخ ... شروط قبول هيئة الأمم المتحدة بعضوية دولة -إسرائي ...
- خاطرة عن الوالد الصديق والرفيق القائد المؤسس الحكيم جورج حبش
- رؤية راهنة ومستقبلية حول الماركسية كمنهج حي وليست عقيدة جامد ...
- يهودية الدولة ومستقبل الصراع العربي الصهيوني
- البعد القومي للصراع العربي الصهيوني
- حديث فلسفي عن الضرورة التاريخية لصياغة منظومة حضارية معرفية ...
- امتلاك مقومات التطور العلمي المعرفي والتكنولوجي عنصر رئيسي ل ...
- عن رواد الإصلاح الديني رفاعة الطهطاوي والافغاني ومحمد عبده و ...
- تقديم الصديق والرفيق المؤرخ عبد القادر ياسين للمجلد الثاني ع ...
- رؤية موضوعية تحليلية ، تاريخية وراهنة لتطور حركة التحرر العر ...
- بوضوح ....
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ...
- حاجة المثقف العربي إلى بلورة مفهوم جديد للمعرفة


المزيد.....




- -نوّر مولانا-.. تيم حسن يرحب بعودة فارس الحلو للدراما السوري ...
- محمود عباس يصدر إعلانًا دستوريًا يحدد من سيخلفه في منصبه في ...
- الفاشر.. حقيقة فيديو -رسالة قوات الجيش السوداني بعد هجوم الد ...
- مقتل شخص وإصابة ستة آخرين في إطلاق نار خلال احتفال في جامعة ...
- -قوات الدعم السريع- تعلن سيطرتها على الفاشر آخر معقل للجيش ف ...
- هل عادت الأمور إلى مجاريها بين واشنطن وحلفائها الآسيويين؟
- اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة والصين حول المعادن النادرة ...
- هل سيطرة الدعم السريع على مقر القيادة بالفاشر تعني سقوطها عس ...
- خبير عسكري: إسرائيل تحول -الخط الأصفر- إلى خط قتال لإطالة اح ...
- إصابة 12 جنديا إسرائيليا في حادث -عملياتي- على حدود غزة


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غازي الصوراني - من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية