لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 16:49
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
1. مقدمة للموضوع
قد يبدو بحث موضوع العلاقة بين الماركسية والديمقراطية غريبا، كما لو طرح موضوع العلاقة بين الاسلام والديمقراطية ، وذلك لان الفهم السائد ان الماركسية تقف ضد الديمقراطية القائمة في المجتمعات الرأسمالية وتعتبرها مزيفة وتغطية سياسية للاستغلال الطبقي الرأسمالي ،وذلك وفق طروحات النسخة السوفياتية من الماركسية، والسائدة في المنطقة العربية وبعض من بلدان العالم الثالث. ففي الوعي العام اليوم ان هناك نقطة افتراق كلي بين طروحات الماركسية ونموذج الديمقراطية الغربية في شكل بناء الدول ونظم الحكم ، نابع من مقولة سوفياتية لتبرر هذا الافتراق الكلي وتقول ان الاقتصاد هو الاساس (البناء التحتي ) ومنه تتكون طبيعة وشكل نظم الحكم ( البناء الفوقي) بما فيها اليات ونظم الديمقراطية ، واريد بها ان النظم الرأسمالية اخذت بالديمقراطية زيفا لتغطي على استغلالها ،وبالتحول للاشتراكية سيقام نظام بديل ، كالذي اقامه السوفيت بعد ثورة اكتوبر 1917، وعندها تقام ديمقراطية حقيقية وشعبية. ولكن واقعا انه لم تقم في الاتحاد السوفياتي اية ديمقراطية، ولا رائحة لها اساسا في النظام السوفياتي ، سواء الديمقراطية السياسية او الاجتماعية ( وفقط للتوضيح فالمقصود بالاجتماعية هي تمكين المجتمع من اقامة منظماته المدنية لممارسة الضغط لاقرار حقوقا اجتماعية على البرلمانات المنتخبة مثل منظمات كالنقابات وحقوق المرأة ودعاة اقرار العدالة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية الخ). ان الواقع قد دحض هذه المقولة كليا . فالنظم السياسية تصنف اما ديمقراطية او ديكتاتورية ، مهما كان شكل اقتصادها ( خذ مثالا بريطانيا والمانيا الهتلرية كلاهما ذات اقتصاد رأسمالي ولكن نظمهما السياسية تختلف جذريا على سبيل المثال) ، ومنه فلا علاقة للاقتصاد بشكل نظم الحكم، كلاهما بلدان رأسماليان ولكن احدهما ديمقراطيا والاخر شموليا ديكتاتوريا . ان الديمقراطية هي مفهوم قائم بذاته وذو مفاهيم واليات قائمة بذاتها ولاتخضع لتأويلات اقتصادية او سياسية كالتي اتى بها السوفيت مثلا ،واعتبرت طروحاتهم وكأنها من صلب الماركسية ،وهي ليست كذلك كما سنرى تحت.
لم يدرك ماركسيونا العرب مثلا ولليوم ان مقولة البناء التحتي والفوقي هي اساسا مقولة طارئة على الماركسية ، اخرجها وصاغها البلاشفة والسوفيت وفق فهم خاص بهم للماركسية ، واستخدمت للتغطية على النظام الشمولي القمعي الذي اقاموه ، وتم نفي وجود الديمقراطية في الدول المتطورة صناعيا "الرأسمالية" ، ومنه جعلت الماركسية والديمقراطية تبدوان متناقظتان . الطرح الماركسي الاخر يقول ان الماركسية بهدفها الاحتماعي العام باقامة عدالة اجتماعية والديمقراطية اساسا يتكاملان ولا يتناقضان .ولكل منهما دوره ، هذا اذا نظرنا للماركسية كمنهج لاقامة العدالة الاجتماعية الاقتصادية ، فان اقامتها ستفشل دون ديمقراطية ،والدليل عليه فشل الاتحاد السوفياتي، كما ان الديمقراطية دون نظم عدالة سيعرضها للتفكك والفشل والاتيان بنظم ديكتاتورية ، كما اثبتت وقائع وتجارب صعود النظم الفاشية في بداية القرن الماضي. ومنه فواضحا ان الماركسية ،كمنهج لاقامة العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة ، والديمقراطية كاساس لبناء نظم الحكم ، تتكامل ولا تتناحر او تتناقض او ينفي بعضها البعض ، وهو عكس ماتقولت به النسخة البلشفية والسوفياتية من الماركسية ورددها كالببغائية ماركسيونا العرب ومازالوا يرددونها وكأن التاريخ والزمن توقف قبل قرن عندما صاغ البلاشفة طروحاتهم.
ان الهدف من تناول قضية العلاقة بين الماركسية والديمقراطية هو لدعم دعوة التجدد الفكري لليسار العربي والتخلص من الاطروحات الطارئة والسخيفة التي تبناها اليسار وكأنها حقائق مبرهنة ، كالتي اعلاه ، وهي ليست كذلك، فقد دحضها الواقع قبل النظرية ،ولكنها بالمقابل جعلت يسارنا مقيدا ولاحل له في اهم معارك بلداننا وهي اصلاح دولها وتحويلها الى نظم الديمقراطية ، بحجة ان لاديمقراطية ممكنة دون التحول للاشتراكية، وهي في جميع النظم الرأسمالية زائفة ومزيفة. ووصل الامر في منطقتناابتكار وتبني مصطلحا بديلا للظم الديمقراطية بمقولة سوفياتية اخرى تدعى "نظم التحرر الوطني " لمواجهة الامبريالية، ومنه سادت نظم ناصر والبعثين السوري والعراقي، وهي نظما ديكتاتورية قمعية شمولية ، وخسر اليسار بسبب هذه المقولات الفاشلات النابعة من مصالح سوفياتية جيوسياسية ، خسر موقعه الريادي والاجتماعي ومصداقيته لفشله في اهم معارك مجتمعاتنا الحقيقية ،وهي تحويل دولنا الى دول ديمقراطية، وبسبب هذه المقولات، خسر اليسار ومعه دولنا ومجتمعاتنا معركة الديمقراطية ، وكنتيجة لها نرى دولنا اليوم مدمرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كما في مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، جميعها وقعت ضحية الديكتاتوريات التي سميت حينها نظم تحرر وطني ، وفق المقولة السوفياتية اعلاه،وواقعا اقيمت نظما ديكتاتورية ،وتحولت اليوم الى سيطرة عسكر وميليشيات سلفية ، لفشلنا وفشل يسارنا في بناء دول ديمقراطية ، ومنه يكتسب موضوع العلاقة بين الماركسية والديمقراطية اهميته.
ان الطريقة التي سنعالج بها علاقة الماركسية بالديمقراطية تقوم على اثبات التكامل بينهما، وليس احدهما ينفي الاخر ، والذي ادخله السوفيات جزافا، وجعلوه كأنما احد اسس ومهام الماركسية محاربة نظم الديمقراطية المعاصرة ،باعتبار انها نتاج فوقي للرأسمالية . لقد اثبت الواقع انه لاتوجد هناك ديمقراطيتان ، احداها رأسمالية واخرى اشتراكية ، بمعنى وجود مفهوم اخر للديمقراطية غير الذي نعرفه عنها وفق نموذج الدولة الذي طرحه عصر وفكرالتنويرالاوربي وساهم في تطوير الدول من نظم الحكم المطلقة الى دستورية ديمقراطية. ومنه فمقولة ان النظم الرأسمالية ديمقراطية مزيفة هو تعميم فارغ ومزيف بحد ذاته، فنظم حكم كندا وبريطانيا غير نظم حكم المانيا الهتلرية ،وجميعها بلدانا رأسمالية ، ومنه يستنتج ان شكل نظم الحكم هو اما ديمقراطيا او ديكتاتورية، وليست انها وليدة شكل الاقتصاد . ان التكامل فهو الاوضح والابرز، ويمكن اثباته ومن خلال مراجعة تاريخ التجارب والوقائع الكثيرة المعاصرة، وتشير ان تطور الاقتصاد يكون انجح في الدول والنظم الديمقراطية ، وحتى في الدول النامية منها كالهند وكوريا الجنوبية، فتطور الاقتصاد مرتهنا بتطور الديمقراطية ، والفشل الاقتصادي كان غالبا على جانب الدول الديكتاتورية ، وكوريا الشمالية ومصر والعراق امثلة جيدة .
والماركسية ليست استثناء ، ونجاح طروحاتها بأقامة الاشتراكية تتكامل مع الديمقراطية ، فهي علاقة تكاملية.بمعنى ان اقامة اي نموذج للاشتراكية دون ديمقراطية سيؤدي لانهيارها ويؤدي للديكتاتورية، ومنه فالادعاء ان هناك ديمقراطية اخرى في الاشتراكية هو ادعاء فارغ ، ،هو بحد ذاته تلاعبا وتزييفا ايديولوجيا للديمقراطية ومفاهيمها والياتها واسسها .دعونا ندخل اكثر في تحليل علاقة الماركسية بالديمقراطية لدحض مقولة زيف الديمقراطية في النظم الرأسمالية التي دخلت للماركسية من السوفيت ويرددها لليوم اليسار العربي، وذلك لاهمية تأثير هذه المقولة في الواقع العربي.
2. الانشطار في موقف الماركسية من الديمقراطية
ولدت طروحات ماركس الفلسفية والسياسية في منتصف القرن التاسع عشر وجاءت اطروحة "ديكتاتورية البروليتاريا " عام 1848 وقت تراجع اوربا عن تبني اهم اهداف الثورة الفرنسية بتحويل النظم المطلقة الى دستورية مقيدة وسادت الامبراطوريات المطلقة القارة من اقصاها الى اقصاها تحت حكم اربعة امبراطوريات الالمانية والفرنسية والنمساوية والروسية. ولكن الواقع بدأ يتغير سريعا وبدأ ينهض من جديد مفهوم الدولة البرلمانية الدستورية وفصل السلطات ،التي نادى بها عصر التنويرالاوربي، في مرحلة متأخرة من عمر ماركس الذي عاش مهاجرا منفيا في بريطانيا وكانت نموذجا وحيدا للنظم الملكية الدستورية مع هامش جيد من الحريات . تحولت الامبراطوريات لنظم دستورية تباعا وخصوصا بعد الحرب الاهلية الاميركية وانهاء القنانة فيها وفي روسيا القيصرية بنفس العام 1863 ، حصل هذا التطورالسريع في الوقت التي كانت تشهد القارة انجازات كبيرة وسريعة للثورة الصناعية التي خلقت الظروف لهذا التوجه اي التحول للنظم الدستورية ، ولم يعد ماركس لطرح "ديكتاتورية البروليتاريا " من جديد ، ولم يرد حتى في أهم اعماله " الرأسمال" الصادر عام 1867 بل وحتى عند رحيله عام 1883 ، بل طرح خلال هذه الفترة اهمية تنظيم العمال لانفسهم واقامة احزاب تدافع عن حقوقهم ومصالحهم، بعد تحول النمسا والمانيا وفرنسا وروسيا لنظم دستورية ، وتسمح للاحزاب بالعمل والمشاركة بانتخابات برلمانية ، ربما هذه الاصلاحات رفعت عن ماركس هاجس الدعوة للقيام بثورة بروليتارية . ان مقولة الثورة البروليتارية هي طرح بلشفي خالص لم تتبناه الحركات والاحزاب الماركسية التي انشئت وكونت الاممية الاولى والثانية والتي طرحت الاشتراكية كبرامج اجتماعية عدالية يتم اقرارها قانونيا ودستوريا من خلال البرلمانات عند فوز الاحزاب الاشتراكية فيها لاقرارها . ومنه فمقولة ان النظم البرلمانية رجعية والديمقراطية فيها زائفة مزيفة ويجب قلبها بثورة بروليتارية هي طروحات خاصة بالبلشفية في روسيا ولدت عام 1903 ، وهي مستمدة من طروحات ماركس الشاب عام 1848 ، ولم تمثل توجه ماركس او الاحزاب الماركسية الاوربية التي تاسست في السبعينات. ومنه فمقولة ان النظم البرلمانية رجعية وديمقراطيتها مزيفة وكاذبة ليست هي اطروحة ماركس اواخر حياته، ولا الاحزاب الماركسية التي تشكلت منذ سبعينيات القرن التاسع عشر في اغلب دول اوربا الصناعية ،انما هي ابتكارا ومقولات متأخرة للبلاشفة الروس ، ولكنها تكرست وكأنها مقولات ماركسية بعد نجاحهم في ثورة اكتوبر 1917 ،بل وجعلوها وكأنها احدى أهم اسس الماركسية ومنها نقلوها للاحزاب الاوربية الشيوعية التي تبنت اطروحتهم واقاموا معهم الاممية الثالثة . كما وتبنتها الاحزاب التي انشأوها في الصين العالم العربي ان النظم الرأسمالية تقيم البرلمانات لخداع الطبقة العاملة وديمقراطيتها مزيفة وحرياتها زائفة، أي الغاء كلي لمفهوم الدولة الديمقراطية، باعتبار ان النظم البرلمانية هي نتاج الرأسمالية وتعمل لمصالحها فقط ، انها اطروحة لينينية صرفة برفض ونفي استخدام البرلمانات والطرق الديمقراطية،واللجوء للعمل السري للتحريض والعمل على اقامة ثورة تطيح بالنظام الرأسمالي لتقيم دولة اشتراكية. واضحا انها عكس توجهات ماركس الناضج بعدها بثلاثين عاما عندما دعا للنضل الطبقي ديمقراطيا من خلال احزاب ومن خلال برلمانات كما رآها وعايشها في بريطانيا وليس بتنظيمات سرية مختفية كالبلاشفة ، ومنه اعتبر ان التحول للاشتراكية لن يتم الا في البلدان الصناعية المتطورة ذات التقاليد الديمقراطية المترسخة والتطور الصناعي الكبير. ولكن طروحات البلاشفة هي التي سادت وتبناها اليسار العربي وظل يردد مفاهيمها وخصوصا بزيف الديمقراطية البرلمانية وخيانة احزاب الماركسية الديمقراطية (الاشتراكية الديمقراطية ) لقضية الطبقة العاملة وغيرها من الطروحات التخوينية للبلاشفة التي سيطرت على اليسار الماركسي العربي القليل الخبرة والوعي والاطلاع ، ومنه تبناها ببغائيا ولا زال يرددها لليوم باعتبارها انها هي طروحات الماركسية ولكنها في الواقع طرحا سياسيا خاصا بالنسخة السوفياتية من الماركسية . والنسخة الاخرى ترى تحقيق الاشتراكية كبرامج تقر قانونيا برلمانية دستورية ونظما ديمقراطية. وهكذا فنحن امام مفترق طرق
3. مراحل تطور الديمقراطية منذ ولادة الماركسية
لابد من التوقف قليلا عند التطورات الجوهرية التي حصلت لمفهوم الديمقراطية منذ ولادة الماركسية في البيان الشيوعي منتصف القرن 19، حيث بدأ التحول الى الدول الدستورية وفصل السلطات في معظم الدول الاوربية مرتبطا بالتطور الصناعي السريع ونمو الطبقة الرأسمالية ومطالبها بالدستورية والبرلمانية للحفاظ على مصالحها من سطوة الملوك والامبراطورية المطلقة. جاءت المرحلة الجديدة للديمقراطية بعد الحرب الثانية وانهيار النازية والعقائد القومية الفاشية التي اثبتت وجود ثغرات في النظم الدستورية وجعلها ضعيفة يمكن للقوى المتطرفة انهائها واقامة نظم شمولية ديكتاتورية. دخل تطور الديمقراطية في مرحلة مايدعى "الديمقراطية الاجتماعية" لمنع العقائد المتطرفة من استغلال الثغرات الاجتماعية والاقتصادية لخداع الجمهور ومنع اي محاولة للتحول للنظم الديكتاتورية، وحلت مرحلة الديمقراطية الليبرالية ذات التوجه نحو تعميق الاصلاحات وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني لتساهم في صياغة شكل ومهام الحياة السياسية ( واقعا تحقيق مطالب التجمعات الاجتماعية والاقتصادية والنقابات من خلال تعبئة جمهورها لفرض مطالبهم على الاحزاب وتبنيها في برامجهم الانتخابية )، ومنه بدأت البرلمانات تسن وتحت قيادة اغلبية من الاحزاب اليسارية الاشتراكية الديمقراطية قوانين وتشريعات لتطوير برامج الضمان الاجتماعي والعدالة الاقتصادية يمكن اعتبارها تحولات جوهرية في الدول الغربية الديمقراطية حتى يمكن دعوتها لدرجة تطور برامجها الضمانية والعدالية انها واقعا يمكن تسميتها دولا ديمقراطية واشتراكية بان واحد، فدولا مثل كندا وبريطانيا وفرنسا والمانيا والبلدان الاسكندنافية ،أي مجمل بلدان اوربا الغربية المتطورة صناعيا ، قد طورت جميعها برامج اجتماعية لدعم الضمان الاجتماعي وخدمات اجتماعية وصحية وتعليمية ودعم الدخل المحدود نهضت بها الاحزاب اليسارية التي حققت واقعا ما طرحه الماركسيون الديمقراطيون قبل قرن او اكثر ان الاهداف الاشتراكية يمكن الوصول اليها عبر طرق قانونية برلمانية ، وهذا ماتحقق واقعا في هذه البلدان والدليل عليه ضخامة البرامج الاجتماعية التي تقوم بها حكوماتها حتى تعجز احزاب اليمين عند فوزها وتحاول تقليصها فيخرج الجمهور والاف المنظمات لتقف ضدها وافشال محاولتها، حيث يبقى مايكسبه الشعب مقنونا وسائدا دائما ولن يتجرأ اليمين على المساس به خوفا من خسارة الانتخابات ، وعند فوز اليسار تتعمق وتتوسع اكثر هذه المكاسب. هذا كان تقريبا المسار الذي تطورت به الديمقراطية منذ 75 عام ولم تشهد اوربا خلاله نظما متطرفة ولا ديكتاتورية ، بل شهدت استقرارا ورفاها ونموا مضطردا لمستوى المعيشة والخدمات وبرامج الضمان الجتماعي والصحي والتعليمي والاقتصادي، واقعا انها برامج عدالية اشتراكية في كافة المجالات.
ان واحدة من من الاضحوكات التي بقي يروجها السوفيت وورثوها من طرح البلاشفة هو تسمية هذه النظم الديمقراطية المتطورة انها مزيفة وزائفة ، وعبثا حاولوا اخفاء التطور الحاصل في اوربا كما اخفاء التخلف الديمقراطي والسياسي والاقتصادي للنظام الذي اقاموه على طروحات ومقولات الماركسية البلشفية البديل للماركسية الديمقراطية ، التي طرحت التكامل بين الاشتراكية والديمقراطية وه الذي اثبت نجاحه في الواقع في اغلب البلدان الرأسمالية اليوم ، ومنذ وقت مبكر رأت ان الاشتراكية هي برامج يمكن اقرارها بطرق قانونية من خلال النضال الشعبي ومن خلال نفس البرلمانات وباليات تعميق الديمقراطية . ويمكن القولا انهم رأوا في الرأسمالية ماكنة اقتصادية كفوءة لزيادة الانتاج ومنها زيادة الثروة العامة ، وفي الديمقراطية الية قانونية لفرض سياسات وبرامج وقوانين اشتراكية تهدف لاقامة مجتمع عادل ومرفه ( اي ليس عدلا بفقر بل بغنى يتولد من زيادة الثروة العامة التي تنتجها الماكنة الرأسمالية) ، ونجحت ايما نجاح.
4. كذبة اليسار العربي على مجتمعاتنا ذات نتائج تدميرية مضاعفة
وضع اليسار العربي نفسه في موقف لايحسد عليه في تبني الاطروحات البلشفية والسوفياتية للماركسية، بترديده ولليوم ان الديمقراطية في النظم الغربية الرأسمالية مزيفة وكاذبة وهي ليست ديمقراطية حقيقية، وكأنما هناك لديه ، او كما ادعى السوفيت، ان لديهم ديمقراطية حقيقية غير مزورة، والواقع انها غير مزورة كونها لاتوجد اساسا . ان مقولة لا ديمقراطية ولا عدالة يمكن ان تقام في النظم الرأسمالية اليوم هو ما مايثير السخرية ، يدعي المادية ، والديمقراطية واقع امامه ، وينفيها ، ويأخذ بالمقولة السوفياتية الغير مدعومة من الواقع "أي المثالية او النصية السلفية" . ومازلنا نسمع ونقرأ عبارات ليسارنا العربي مثل " الديمقراطية الزائفة في النظم الرأسمالية " يرددها ماركسيونا لليوم ، والسخرية هنا مرتين ، الاولى كونها مغايرة للواقع المادي الملموس المحدد المعروف جيدا، والثانية كونهم ما زالوا مصرين على الحبس في قفص سلفي من المقولات التي تخالف الواقع المادي، ومنه تم فقدان الموضوعية والجماهيرية بان واحد. العالم يعرف ان هناك نظما ديمقراطية واخرى ديكتاتورية ، ولكن يسارنا يردد كالببغاء " الديمقراطية في النظم الرأسمالية كاذبة ومزيفة " ، ومنه فكندا وبريطانيا والمانيا الهتلرية مثلا كنظم رأسمالية لها نظما حاكمة واحدة ولا تصنف ديمقراطية وديكتاتورية.
والواقع ان المحنة هي اعقد من ذلك بكثير من مجرد مقولة مؤدلجة غير مسنودة في الواقع وسخيفة ، فهي تمثل منهجا اتى وبالا على شعوبنا ودولنا في منطقتنا التي تسودها نظما ديكتاتورية اما عسكرية او سلفية دينية ، ومجابهتها يتطلب طرح نظم الحكم الديمقراطية البديلة لشكل الحكم والدولة، وهو النموذج الديمقراطي المعاصر ، وبدلا من ان يستخدم يسارنا نجاحات النموذج الديمقراطي في اوربا كمثال للاستقرار والتطور والنجاح الاقتصادي الرفاهي والضماني الاجتماعي المتطور لكسب الناس والجمهور اليه ولمعركة اصلاح دولنا وتحويلها لنظم ديمقراطية ، نراه يروج العكس، ان ديمقراطيتها مزيفة وزائفة ..الله الله ، كم هو مصداق وكم هو ذكي يسارنا ، انه يعطي العسكر والسلفية مايريدونه ، ليسوا وحدهم من يقول بذلك، بل اليسار العربي ايضا، فالعالم باجمعه مزيف الديمقراطية. قطع اليسار الطريق على نفسه ، وعلى شعوبنا بهذا الطرح الفاشل المنافي للواقع ، فلا احد اصبح يصدق به، واصبح عاجزا عن طرح حل لاصلاح شكل دولنا وطرح وسائل وادوات لتحويلها الى ديمقراطية ، ما دامت جميعها زائفة مزيفة ، اما ما يدعو اليه من نموذج سوفياتي واشتراكية على نمطه، فهو غير مزيف، فالناس تعرف ذلك، كونه فاشل اساسا سياسيا واقتصاديا وقمعيا.
ان تجديد يسارنا العربي يجب ان يبدأ من هذه النقطة بالذات ، بالتخلي عن مقولات وطروحات خاطئة وفاشلة ، وأولها ان لا ديمقراطية في النظم الرأسمالية ، فهذه اكذوبة يعرفها الناس ، فلاتوجد نظما رأسمالية بل نظما ديمقراطية يسعى اليسار فيها لنيل وفرض سياسات اجتماعية متقدمة ، ويسارنا يجب ان يكون كيسارهم وتبني مهمة تعكس الاصلاح الديمقراطي لدولنا كي يتمكن من انجاز الاصلاح الاجتماعي ، واتخاذه من نجاح اليات الديمقراطية في اوربا نموذجا يضرب به المثل لاصلاح نظمنا ودولنا ، وضربها مثلا للناس لكسبها للمطالبة بالتحول للنظم الديمقراطية ، والتخلص نهائيا من مصطلح النظم الرأسمالية والتنظيرات البلشفية السخيفة التي تسب وتشتم الديمقراطية فيها. انها واقعا تخدم الرجعيات السلفية والطغم العسكرية ومافيات السياسة والفساد في العالم العربي.
ان مصطلح "النظم الرأسمالية " لايميز بين الدول الديمقراطية والديكتاتورية ومنه يخدم السلفيات والديكتاتوريات العربية، ومنه اول خطوة في طريق الاصلاح والتجدد ليسارنا هو التخلص منه وطرح البديل والواقع كما هو ، استخدام مصطلح " النظم الديمقراطية في العالم المتطور" كي يكون موضوعيا، وويستخدم تجاربها وبرامجها العدالية المتطورة نموذجا ومثالا للدعوة معه لاصلاح دولنا وتحويلها الى "دول ونظم ديمقراطية " اسوة بمثال بالنظم الديمقراطية في العالم . ولا بد ليسارنا من طرح نموذج اقتصادي يؤدي لتحسين معيشة الناس من خلال زيادة الانتاجية وليسميه " التحول للاقتصاد الانتاجي" اذا كان يستحي ان يسميه " الرأسمالي" ، مع العلم ان كلاهما في الجوهر واحد من ناحية الاليات والمنهج والادوات ، مجرد اختلاف في التسمية. تشكل هاتين القضيتين اهم القضايا والتحديات امام شعوبنا ، وعلى اليسار العربي التجدد كي يطرحها ويقودها ، والا نبقى قرونا اخرى قادمة تحت التخلف بينما تتقدم البشرية في كل مكان حيثما نجحت في انجاز هاتين المهمتين. لقد حان وقت التجدد والتجديد للتحول من يسار طوباوي متكلس حول طروحات ومقولات بالية فاشلة ، الى يسار موضوعي ذو حلول ملموسة لانجاز هاتين المهمتين، عليه التخلص من مقولات عفى عليها الزمن واصبحت كما يقال " اكسبايرد" اي منتهية الفعل والمفعول ، والانطلاق لطرح الحلول وقيادة المهام واسترجاع دوره الريادي القيادي في مواجهة السلفيات ونظم الديكتاتورية في مجتمعاتنا العربية .
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟