لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 18:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1. مقدمة للموضوع
ارتبطت سيرة البعث في العراق خلال اربعين عاما بظواهر عديدة، اغلبها تعود في اصولها وجذورها الفكرية وممارساتها وتقاليدها للحركات القومية الفاشية في اوربا بداية القرن الماضي ، وعدا الافكار والدعوة الشعبوية تحت شعار اقامة مجد الامة، فهي استندت اساسا على العنف الاجتماعي طريقا للوصول للسلطة وكونت الميليشيات ، كالقمصان السود لموسوليني وهتلر والحرس القومي للبعث العراقي، كاداة طليعة لتحرير الامة ، لتبث الرعب العام في المجتمع، كالقيام باستعراضات القوة والاغتيالات والتصفيات السياسية تمهيدا للانقلابات والوثوب للسلطة بعد بث الخوف والرعب في عموم المجتمع ، ويستمر نفس هذا السيناريو حتى بعد الوصول للسلطة حيث تعتمد السلطة على اجهزة الامن والمخابرات والميليشيات الموازية لاضعاف الجيش الوطني عدا جعله عقائديا ، كل هذه الاجهزة ليس فقط لتصفية الخصوم السياسيين ( بوصفهم انهم اعداء الامة واحيانا الثورة) بل لبسط جو الرعب والخوف في كل اركان المجتمع وغسل دماغ الجمهور وتوحيده حول تمجيد وتقديس شخصية قائد الامة ومحررها وملهمها العظيم ،وشخص صدام في العراق خير مثال .
قد لا يجد القارئ صعوبة كبيرة بتشخيص ان الحركات القومية الفاشية ليست هي الوحيدة في نفس هذه الممارسات ، فهذه النظم الماركسية كالبشفية في روسيا والماوية في الصين اعتمدت للتصفيات على اجهزة المخابرات وميليشيات الحرس الاحمر لبث الرعب من التنفس بمعارضة وفرض الطاعة ثقافة تقديس قادة الامة ( البروليتارية) والخضوع التام لسلطة الحزب الحاكم ، وجاء نظام الخميني في ايران (ليكمل السبحة ) على اسس الدعوى الدينية بارجاع واقامة مجد الامة وهذه المرة الاسلامية (وهي نفس طروحات الاخونجية ) واقامة ميليشيات ثورية كالحرس الثوري كأداة لبث الرعب في المجتمع الايراني ( ومثلها اقام الاخوان الميليشيات سواء زمن حسن البنا او حتى بدايات تشكيلها بعد شهرين فقط من تسنم مرسي مقاليد الرئاسة في مصر).
ما أريد ايصاله للقارئ استيعاب حقيقة ان هناك ممارسات متناضرة ومتشابهة وتكاد تكون واحدة لانظمة " الدفاع عن مصالح ألأمة " والاخيرة مصطلح مطاطي يأتي وفق طروحات عقائد مختلفة ( قومجية ،ماركسية، دينية ) ولكنها جميعها تتحدث باسم الامة كل من منظوره لها ( القومية ، البروليتارية، الاسلامية ) ويقصد بها الانتماء القومي او الطبقي او الديني للجمهور الواسع من الشعب الذي يخاطب غرائزه ، لتقيم انظمة القمع الشمولية . من هذا المنحى ( القمعي الديكتاتوري الشمولي ) لا تجد هناك فروقا نظرية ( من ناحية علاقة السلطة بمواطنيها ) كما ولاتجد فروقات في ممارسة هذه العلاقة ( من ناحية استخدام المخابرات للتصفية والمليشيات الموازية للقمع والمراقبة وبث الخوف) ، فهي ممارسات مشتركة مهما صيغت الطروحات الفكرية حول مفهوم الامة المقصودة " الاغلبية من السكان " ومهما صبغت باسم القومية او الطبقة او الدين، فهي واحدة. ومنه يستنتج ان هناك لا فرقا فعلا بين صدام واية الله، وكلاهما مع ستالين وماو، وهؤلاء مع موسوليني وهتلر، على الاقل ترى بعد وصولهم للسلطة ان شكل الدولة واحدا ( دولة الحزب الحاكم العقائدي الواحد ومنه تسمى النظم الشمولية) اوشكل اجهزة القمع ( عيون واذرع المخابرات والميليشيات الموازية والمنظمات الجماهيرية المتحزبة ممتدة لكل ركن وزاوية تراقب حياة الناس) للولاء لزعيم وقائد للامة مقدسا لايقل في الخضوع اليه منزلة عن الاله نفسه. هذه هي المشتركات بين جميع هؤلاء وتكاد تكون نظمهم الشمولية واحدة في البنيان والهيكلة والوظيفة.
من هذه المقدمة استمد ما جاء في عنوان مقالتي "بعثيو التشيع في العراق " و يصح ايضا "التشيع البعثي في العراق "، فالجذور والممارسات واحدة ،كما نعرف وسنرى ، ومنه ارجو وبعد هذه المقدمة ان لاتكون غريبة ، الربط بين البعث وسلطة التشيع في العراق ، كلاهما يقوم على اساس الامة ، الانتماء العربي عند البعث العراقي والسوري ،او ماتلاها الانتماء الشيعي عند "البعث الشيعي العراقي" الذي يحكم العراق او السني عند "البعث السني السوري" تحت حكم الشرع اليوم، ولهذا لاغرابة القول انهم جميعا بعثيون في الطرح والممارسة والفرض وتقويض دولة وحقوق المواطنة حتى وان اعتبرت سلطة الميليشيات في العراق انها قضت على البعث العراقي ومثلها فصائل الشرع في سوريا، ولكني اقتصرعلى تفاصيل البعث الشيعي العراقي وفق عنوان مقالتي.
2. المشتركات والخصوصيات بين البعث الصدامي والتشيع البعثي
تمتاز الدولة العراقية اليوم ان لها دستورا ونظاما برلمانيا وضعه الاميركان بعد 2003 بالاشتراك مع قادة الطوائف وقسم السلطات لثلاثة واقام نظاما فيدراليا واقر تحويل صلاحيات السلطات المركزية للاقليم ومجالس المحافظات ،أي اريد له ان لا يكون مركزيا ( منعا لتمركز السلطة في المركز تحت ديكتاتور جديد اوحزبا واحدا) ولكنه لايمنع سيطرة الطائفية السياسية بل واقعا عززها تحت تطبيق شعار أو هدف اللامركزية التي سرعان ماتم ترجمتها في الواقع الى محاصصة سياسية بين قادة ثلاثة طوائف هم الشيعة والسنة والكرد ، ومنها لم يردأ الدستور ولم يرى خطر تكوين ثلاثة نظم قمعية بديلة لنظام قمعي واحد في المركز وعزز هذا التوجه بوضوح ان رئيسا وطنيا للدولة ( رئيس الجمهورية) لايتم انتخابه مباشرة من الشعب كرمز للوطنية واستحقاقه الديمقراطي لمباراة الاجندات والمشاريع السياسية الوطنية للمباراة بل حرم الشعب منه تعسفا وتركه للبرلمان المنقسم طائفيا ليتم التحاصص وفق الاتفاقات السياسية الطائفية . ربما لم ير المشرعون هذا الخطر باضعاف الوطنية العراقية وربما هذا هو ما أراده زعماء الطوائف وضغطوا باتجاهه لتمزيق الوطنية العراقية وهو ما يصب في مصالحهم وليس مصلحة الشعب العراقي حتما.
ومنذ عام 2005 سنة اقرار الدستور ، واجراء اول الانتخابات عام 2006 والى اليوم يعيش العراق واقعا تحت حكم ثلاثة امم شيعية وسنية وكردية تستولي على البرلمان والوزارات ومجالس المحافظات وعلى المال العام والمناصب العليا وفق سياسة المحاصصة والعدالة للطوائف ، فلكل مكون حقه في المركز اضافة لحقوقه كحاكم مطلق في مناطق المكون الجغرافية. عمليا اختفى العراق كدولة وطنية واصبح ثلاثة دويلات طائفية . وبما ان الطائفة الشيعية هي الاغلبية فلها اغلب مقاعد البرلمان ( اكثر من النصف) ومنه لها حصة الاسد في الوزارات والمراكز والمدراء العامين والسفراء والمحافظين وللسنة والكرد حصتهم وفق نسبهم السكانية التي اتفق عليها الثلاثة بكل دقة ولحد القرش الواحد خصوصا وان اقتصاد البلد ريعي ومنه حتى تقاسم الوزارات وفق ما يخصص لها من ميزانيات محسوبة وفق وزن الطوائف وتنهب من وزراء وموظفي الطوائف لكل وزارة باسم الطائفة، ولهذا ليس مجازا القول ان العراق اليوم هو دويلات الطوائف ولا باي شكل تحتل التنمية الوطنية والانتماء الوطني والثقافة الوطنية والمصالح الوطنية عموما اي ركن في دولته اللاوطنية ليست تسمية سب بل تشخيصا واقعا.
ما علاقة هذه التشكيلة بالبعث ؟ الجواب له علاقة مباشرة فنحن نشهد نفس ممارسات نظام البعث في هذه الدويلات الطائفية الثلاثة ، جميعها تمتلك ميليشات وجميعها تمارس نفس التمييز والقمع والارهاب والتخويف بالسلاح لمن لايخضع ، ونفس الولاء لقائد طائفة الامة وهو يعني الولاء لقائد محلي او احدى الاحزاب اواحدى الميليشيات التابعة لت الطريق للفوز بمنصب وقيادة عصابة مافيوية تعمل لصالح هذا القائد وعصاباته لنهب المال العام المخصص للتنمية واستخدامه مافيويا لصالح القائد ورؤساء عصابات الامة المذهبية. هذه ليست مبالغة في الوصف بل هي واقعا اشد من ذلك حيث اقامت الامم المذهبية الثلاث (الطوائف) عصابات متخصصة وقيادات ذات تسلسلية تتوزع بين هرمية حرامية اقتصادية وقادة ميليشيات متعددة هي اشد وضوحا في الدولة الشيعية حيث عدد قادتها يصل الى سبعة رغم ان الكردية تكتفي فقط بقيادتين والسنية بين اثنتين الى ثلاثة حسب المواسم ولكنها عند السنية اضعف كون البعثيين فيها متعشعشين واخطأوا انهم انخرطوا مع داعش ظنا انهم سيعيدون نظام البعث بصورته الداعشية هذه المرة ومنها لم تبرز لهم قيادات سياسية اوميليشياوية معروفة واكتفت اليوم بقيادات نهب مافيوية.
لنناقش حال الدويلة الشيعية فهي الاكبر حجما ومساحة وسكانا مواردا ونفوذا في المحاصصة . فهل تختلف ممارساتها عن البعث ؟ لنمتحن الامر وفق مفاهيم وممارسات البعث. من حيث العقيدة فهما متناضران ، البعث يقول امة عربية واحدة وهم يرددون امة شيعية واحدة ، البعث يتقول بمصالح الامة العربية وهم يتقولون بمصالح الامة الشيعية ، للبعث ميليشيات عقائدية واجهزة قمعية ولهم ميليشيات عقائدية تدافع عن المذهب وتحمي الامة الشيعية وتغتال وتهدد من تشاء من نفس الامة باسم حمايتها كما حدث في انتفاضة تشرين وصفت الصوت الوطني العراقي الهادر لفضح زيف امة الحرامية والعصابات الميليشياوية، وهل هناك فرقا في شراء ذمم الناس في التعيين او تسنم المناصب كما وفي تهديدهم وارهابهم لو لم يطيعوا او انتقدوا او فضحوا او طالبوا بالمساواة والوطنية العراقية.
يحاول البعثيون اليوم استغلال الفساد وضعف الخدمات وتشتت العراق بين دويلات وميليشيات وعصابات مافيوية ليظهروا للناس على الاقل كنا نمسك بلدا موحدا وتتعاملون مع دولة البعث الواحدة التي تجمع الشيعي والسني والكردي ( المتعاونين طبعا) ، وها انتم اليوم ترزخون تحت دويلات تبدو ثلاث ولكنها واقعا اكثر من عشرين بعدد الفصائل والعصابات لمن هب ودب ، فايهما احسن لكم وللعراق..هذا واقعا ما ادى اليه وضع العراق اليوم من غياب الوطنية وانهائها واغتيالها على يد الطائفيات الثلاث .
واذ ما دام من ناضل ضد البعث ما زال حيا من قادة دويلات الطوائف ، ان ميليشياتكم لن تحميكم ، فهي لم تحم البعث الصدامي قبلكم ، وكما جابه الالاف من الشعب البعث الصدامي لاقامة لاقامة العراق الوطني كبديل للعراق البعثي ، فهناك اليوم مئات الالاف سيجابهونكم بعد ان تخلصوا من خوف صدام وجلاوزته وسيتخلصون من طغيان وفساد دويلاتكم الطائفية الشكل البعثية المنهج ، واعلموا الناس لاتراكم بغير صورة صدام و البعث ، وممارساته هي نفس ممارساتكم ومنهجكم بتغييب واغتيال العراق الوطني هو نفس منهجكم ولا يرى فيكم غير حثالات فاسدة على اشكال دويلات وعصابات طائفية مستقوية بميليشيات الحشد والفصائل الايرانية. الحل الاضمن لكم وللشعب العودة للوطنية واصلاح الدستور وجعل الحكم وطنيا برئيس وطني ينتخب مباشرة من الشعب مباشرة وليس ببرلمان يمثل طوائف ومافيات الطوائف، فهذه لن تحميكم بل سيكنسها العراقيون كما كنس البعث الصدامي قبلكم والنصح لمن راعى وارتعا قبل فوات الاوان.
د. لبيب سلطان
29/7/2025
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟