ديار الهرمزي
الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 15:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الآشوريون والكلدان قوميتين اصيلين ليسوا مجرد طوائف دينية،
بل جذور حضارية تمتد إلى فجر التاريخ،
شعوبٌ أسست أعظم الممالك، ووضعت أولى القوانين، وعلّمت البشرية العلم والإدارة والفكر الفلسفي.
من نينوى وبابل انطلقت أنوار العلم والمعرفة إلى كل الدنيا.
لكن السؤال المؤلم هو:
لماذا قلّ عددهم في الشرق الأوسط رغم أنهم من أهل الأرض الأصليين؟
الجواب مركّب ومتعدد الجوانب:
أولاً: عوامل التاريخ السياسي والديني
منذ سقوط نينوى وبابل، تعاقبت على بلاد الرافدين إمبراطوريات عديدة، فارسية، يونانية، عربية، توركية
كلها تركت آثارها في الهوية الثقافية والدينية للمنطقة.
الآشوريون والكلدان اعتنقوا المسيحية مبكرًا، وأصبحوا من أوائل رواد الفكر الديني والثقافة الكنسية،
لكنهم تعرضوا عبر القرون إلى اضطهادات سياسية ودينية، خاصة في العصور التي ساد فيها التعصب.
ثانيًا: الصراعات الحديثة والتهجير القسري
في القرن العشرين، كانت الحروب والمجازر والنزاعات من أبرز الأسباب التي دفعتهم للهجرة.
من مذبحة عام 1933 إلى الاحتلالات والحروب في العراق وسوريا،
كلها خلّفت جروحًا عميقة دفعت عشرات الآلاف من الآشوريين والكلدان إلى الهجرة نحو الغرب بحثًا عن الأمان والكرامة.
ثالثًا: الذوبان الثقافي
كثير من أبناء هذه القوميات ذابوا تدريجيًا داخل المجتمعات الكبرى،
خاصة في المدن المتعددة القوميات مثل بغداد والموصل وحلب.
اندمجوا لغويًا واجتماعيًا في بيئاتهم الجديدة،
فذابت الهوية تدريجيًا بين العربية والكردية والتركمانية وغيرها،
حتى بات من الصعب التمييز بينهم وبين جيرانهم ثقافيًا.
رابعًا: الاغتراب والبحث عن الاستقرار
مع الزمن، أصبح الشتات الآشوري والكلداني أكبر من وجودهم في الوطن الأم.
استقرّ الكثير منهم في أوروبا، وأمريكا، وأستراليا،
وحافظوا هناك على الكنائس والتراث واللغة السريانية،
لكنهم فقدوا التواصل المباشر مع الأرض التي أنجبتهم.
لم يترك الآشوريون والكلدان حضارتهم بإرادتهم،
بل أُجبروا على الابتعاد عنها بفعل الاضطهاد والتهميش والحروب.
وما زال في العراق وسوريا قسمٌ منهم، يحمل شعلة الذاكرة ويحافظ على بقايا اللغة السريانية المقدسة.
إنهم لم يختفوا من التاريخ،
بل تحوّلوا إلى رمزٍ خالدٍ في ضمير الإنسانية —
رمزٍ يذكّرنا بأن الأمم قد تضعف، لكنها لا تموت ما دامت حضارتها تنبض في الكتب والذاكرة والوجدان.
#ديار_الهرمزي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟