شابا أيوب شابا
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 23:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ عام ١٩٧٢، وُجِدتْ الحركة الشعبية ضد الاتحاد الأوروبي. والآن، على المقاومة أن تجد مسارات جديدة.
نشرت جريدة الشيوعي الدنماركية (جريدة شهرية) في عددها الأخير الصادر في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقال التالي:
بقلم رايكة كارلسون، رئيسة الحزب الشيوعي الدنماركي
هذه هي قصة الحكومات المتغيرة التي كذبت على شعبها
انضمَّتْ الدنمارك إلى المجموعة الأوروبية في ١ كانون الثاني/يناير ١٩٧٣، بعد أن صوتت الأغلبية الشعبية بنعم على العضوية في استفتاء أُجريَ في ٢ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٧٢. وفي التاريخ نفسه، انضمتْ أيرلندا وبريطانيا العظمى أيضاً إلى المجموعة الأوروبية. في ذلك الوقت، كان اختراق وسائل الإعلام بنفس صعوبة الوقت الحالي، لكن الشعب كان نشيطاً، من خلال بعض الاحتجاجات إلى جانب الحفلات الموسيقية الضخمة.
للتاريخ أهميته
لم يكن الحزب الشيوعي الدنماركي ممثلًا في البرلمان منذ عام ١٩٦٠، ولكنه كان على دراية تامة بالتطورات في إتحاد نقابات الفحم والصلب آنذاك. أشار التحليل إلى أن الشركات الكبرى كانت بحاجة إلى السلام بين الدول الأوروبية لتوسيع أعمالها عبر الحدود - دون عوائق وطنية.
في عام ١٩٥١، وُقِّعت معاهدة باريس(١)، التي حظيت بدعم رئيسي من ألمانيا وفرنسا. وفي عام ١٩٥٧، وُسِّعت الصلاحيات بمعاهدة روما، التي شُكِّلت بموجبها الجماعة الاقتصادية الأوروبية.
طوال ستينيات القرن الماضي، شُكِّلت لجانٌ مُعارضةٌ للجماعة الاقتصادية الأوروبية في جميع أنحاء البلاد. وعندما حُسم التصويت لصالح العضوية، تجمعتْ المُعارضة للجماعة الاقتصادية الأوروبية في حركة شعبية ضدها. وكان الحزب الشيوعي الدنماركي(DKP) نشيطاً للغاية في الفترة التي سبقت التصويت، وكان أحد القوى الرئيسية في تشكيلها.
كان لدى جميع الأحزاب السياسية مُعارضون انضموا إلى الحركة الشعبية. بالإضافة إلى ذلك، شاركت العديد من الأسماء البارزة في المجالين الثقافي والأكاديمي. أعادَ الحزب الشيوعي الدنماركي تمثيله في البرلمان على هذه الخلفية، ولا تزال مُعارضتة لما يُسمى الآن بالاتحاد الأوروبي قويةً بنفس القدر داخل الحزب.
كان الهدف من المُعارضة هو فضح الأكاذيب حول كيفية استفادة الطبقة العاملة من التصويت بنعم، والأهم من ذلك، إيضاح أن الدنمارك ستفقد سيادتها تدريجياً ولكن بثبات. وإنضم العديد من الشباب إلى الحركة، وإلى الحزب الشيوعي الدنماركي. وعلى الرغم من أن الشعب لم يَفز في التصويت، إلّا أن الحركة الشعبية أثّرتْ على شريحة كبيرة من السكان لينتقدوا الجماعة الاقتصادية الأوروبية، ثم الاتحاد الأوروبي لاحقاً.
في أول انتخابات لبرلمان الاتحاد الأوروبي عام ١٩٧٩، فازت الحركة الشعبية المناهضة للاتحاد الأوروبي بأربعة مقاعد، واستمر هذا حتى عام ٢٠٠٩، عندما مُثِّلتْ القائمة "N" (٢) بمقعد واحد. خلال تلك الفترة حدثَ انقسام، أولًا مع حركة حزيران/يونيو التي تخلّتْ عن مقاومتها، ثم مع حزب القائمة المُوحدة. في عام ٢٠١٩، فقدتْ الحركة الشعبية آخر مَقعد لها. كان الشيء الفريد في الحركة الشعبية هو استخدام التفاعل بين التمثيل في البرلمان ولِجان التعبئة.
أدركتْ الحركة الشعبية أنه لا يمكن تغيير أي شيء من الداخل. المقاومة الشعبية وحدها هي التي تجبر الحكومات على تغيير سياساتها. وهذا ما أظهره الاستفتاء ضد الاتحاد الأوروبي. لقد خذلَ حزب الشعب الاشتراكي (SF)(٣) حركة المقاومة بقوّة عندما صوَّت الشعب بِ لا للاتحاد الأوروبي عام ١٩٩٢. كان قياديوه هم المُهندسون الرئيسيون وراء التحفظات الأربعة التي نخسرها الآن ببطء. كان آخرها التحفظ العسكري، مُتذرعين بغزو روسيا لأوكرانيا. وكانت النتيجة اقتصاداً ضخماً يعتمد على التسلح، وهو ما حذرنا منه آنذاك.
فقدت الحركة الشعبية ضد الاتحاد الأوروبي أساسها الاقتصادي والإعلامي بعد أن اختار حزب القائمة الموحدة الترشح بِمُفرده في عام ٢٠١٩. ومع أكثر شروط الترشيح غير الديمقراطية التي وضعها الاتحاد الأوروبي، والتي لا يخضع لها أي حزب في البرلمان، اختفت أيضاً فرصة الترشح مرة أخرى والدعوة إلى مناقشات قيادات الإحزاب. وهكذا اختفت الفرصة الديمقراطية للجدال ضد الوحش الذي تحول إليه الاتحاد الأوروبي.
إنها خسارة فادحة للديمقراطية. وكل ما حذّرنا منه أصبح حقيقة واقعة. أصبح النقص في حقوق العمال، والفقر، والمضاربة العقارية، والتلوث، والاحتيال الضريبي من صميم الحياة اليومية. وأخيراً وليس آخراً، ثَبتَ أن ما يُسمى بـ"مشروع السلام"، الذي بُني عليه تاريخ المجموعة الإقتصادية الأوروبية والاتحاد الأوروبي بأكمله، مجرد ذريعة. تُرحب صناعتي الفحم والصلب بحماس بالتسليح. في المقابل، أظهر الاتحاد الأوروبي عدم اكتراثه بالبيئة والمناخ واللاجئين، ولم تُحل أية مشكلة مهمة في بروكسل.
المقاومة لم تنتهِ
لم يسبق أن عُثرَ على هذا الكم الهائل من المياه الجوفية والتربة الملوثة. البحر هو في نفس الحالة، وهو ما يُعزى إلى سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال مصايد الأسماك. تتعرض الحركة النقابية لضغوط بسبب حرية حركة العمال، والحد الأدنى للأجور في الاتحاد الأوروبي، وقوانين المشتريات الفاضحة التي تُسبب في انهيار الجسور والمستشفيات العملاقة بسبب الاحتيال وعدم الكفاءة المهنية. والقائمة تطول.
نشهد احتجاجات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وليس أقلها خلافاً حول المسار الذي ينبغي أن يسلكه الاتحاد. رأينا كيف صوَّتت الطبقة العاملة في بريطانيا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لم ينتهِ الأمر بعد. تتحدث المفوضيةالأوروبية الآن عن إلغاء حق النقض، وهنا في الدنمارك عن إلغاء التحفظ الأخير، وهو التعامل بالكرونة. هذا التحفظ يمنع الدنمارك حالياً من الانضمام إلى برنامج الاقتراض المشترك الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي. لقد أنقذ الحفاظ على الكرونة (سياستنا المالية الخاصة) الدنمارك قبل وأثناء الأزمة المالية عام ٢٠٠٨. ومع موافقة السياسيين الدنماركيين، دون إجراء استفتاء، على الاتفاقية المالية، بنسختها الدنماركية المسماة قانون الميزانية، لا تزال لدينا فرصة كناخبين للمطالبة بإلغائها. ستنتهي هذه الفرصة إذا أُزيل التحفظ الأخير.
لا تزال هناك معارك طويلة ومتعددة. هنا، يجب أن نتمسك بلجان المقاومة التابعة للاتحاد الأوروبي النشطة محلياً. علينا أن نثبت أن الاتحاد الأوروبي يتدخل في الشؤون الداخلية. الانتخابات البلدية والإقليمية القادمة هي فرصة سانحة.
لهذا السبب، يجوب الحزب الشيوعي الدنماركي البلاد ويعقد اجتماعات نقاش حول استمرار الاتحاد الأوروبي في فرض مستوى متدنٍّ من الرعاية الاجتماعية. يُنشئ الاتحاد الأوروبي حالة من عدم المساواة في بلديتك ومنطقتك. حيث تُهدر الأموال المُدّخرة في مشاريع مرموقة لا تتحمّلها الميزانيات المقررة. بدلًا من ذلك، يمكن استخدام هذه الأموال لرعاية الفئات الضعيفة اجتماعياً والمرضى وكبار السن. يمكن أن تُفيد هذه الأموال أطفالنا وشبابنا، ويمكن أن تُدفع لموظفينا العموميين رواتب مُجزية.
الحركة الشعبية ضد الاتحاد الأوروبي هي رصيد معرفي تاريخي غني بتجارب واسعة وعميقة امتدت لأكثر من 50 عاماً من المقاوَمة المنظمة عبر الأحزاب والبلدان. يحق لنا أن نفتخر بذلك. يجب أن نتذكر التاريخ ونستخدمه في مُقاومتنا المستقبلية. شكراً لكم على جهودكم.
(١) هي المعاهدة التي أنشأت الجماعة الأوروبية للفحم والصلب ، وهي الخطوة الأولى نحو إنشاء الاتحاد الأوروبي- (المترجم)
(٢) في سياقها العلمي والتقني تتعلّق بالمواد الكيمائية، وتشمل القائمة مواداً لها آثار خطيرة على صحة الإنسان والبيئة- (المترجم)
(٣) هو حزب سياسي اشتراكي دنماركي. تأسس عام ١٩٥٩، أسّسه أكسل لارسن ( Aksel Larsen) المُنشق عن الحزب الشيوعي الدنماركي- (المترجم)
ترجمة وإعداد: شابا أيوب
#شابا_أيوب_شابا (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟