سناء عليبات
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد التناقض في تونس بين الشعب والمنظومة فحسب، بل بين إرادةٍ تريد أن تتحرّر، وجهازٍ يريد أن يبقى.
كلّ ما يحدث اليوم ليس سوى ترجمةٍ لصراعٍ مكتوم داخل جسد الدولة نفسها: صراع بين رأسٍ يريد أن يتحرّك، وجسدٍ مريضٍ يصرّ على الشلل.
الرئيس يعلن معركته ضد المنظومة، لكن المنظومة لم تعد خارج النظام، بل تستوطنه في شكل بيروقراطيةٍ سائلة تتسلّل في مسامّ القرار، وتحوّله إلى ورقٍ بلا أثر.
هي لا تواجهه في العلن، بل تخنقه بالملفّات، بالتأجيل، بالشكليات، ببطءٍ مقصودٍ يشبه الخيانة الباردة.
هكذا تتحوّل الإدارة من أداةٍ لخدمة القرار إلى سلطةٍ تحاكمه، وتغدو الدولة حلبةً لقتالٍ غير مرئيّ بين منطق الفعل ومنطق الإجراء.
المنظومة القديمة فهمت سرّ اللعبة: أن تبقى داخل السلطة عبر إتقانها تقنيات البطء، أن تهزم خصومها لا بالقوّة، بل بالعُطالة.
أمّا الرئيس، فمأساته أنّه يواجه نظامًا يثقله النظام ذاته؛ شعبًا يريد التغيير بلا تنظيم، ورئيسًا يرفض التنظيم باسم النقاء.
هكذا يتكوّن ميزان قوى مختلّ: منظومةٌ متماسكة في صلابتها، وثورةٌ مبعثرة في سيولتها؛ جهازٌ يعرف كيف يجمّد الحركة، في مواجهة طاقةٍ تتحرّك دون أن تتجسّد. وما بين خطابٍ وقرار
المنظومة تُنفّذ بصمت، والرئيس يتوعّد بصوتٍ مرتفع.
ولأنّ السياسة بلا إدارة لا تُدار، فإنّ الصراع البيروقراطي سيظلّ هو الواجهة الخفيّة لمعركة السيادة.
ذلك هو التناقض الرئيسي اليوم — لا بين الداخل والخارج، ولا بين النظام والمعارضة، بل بين دولةٍ تريد أن تتحرّر من ذاتها، وجهازٍ يقدّس الجمود ويُعيد إنتاج العجز والعطالة كأنّه قانون.
الزمن صار خصم الرئيس الأشدّ، لا لأنّ الأحداث تتسارع خارجه، بل لأنّه ما زال واقفًا عند عتبة اللغة.
يُخاطب ببياناتٍ وتهديدات، فيما البيروقراطية تتحرّك بهدوءٍ وتُعيد ترتيب أوراقها من الداخل.
المنظومة لا تتكلّم، بل تُنفّذ؛ أمّا هو فيكتفي بالكلمات التي تفقد حرارتها مع كلّ تأجيل.
لقد آن أن يتحرّك قبل أن تبتلع البيروقراطية آخر ما تبقّى من الإرادة الثورية، أن يُخزّن الحرب لا الوعيد، وأن يُحوّل لغته إلى جهازٍ فعّالٍ يصنع القرار لا يصفه.
فالمرحلة لا تحتاج إلى مزيدٍ من الخطاب، بل إلى عقلٍ تنظيميٍّ يُمسك بزمام الفعل، قبل أن يتحوّل الانتظار إلى شكلٍ آخر من أشكال الهزيمة.
#سناء_عليبات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟