أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سناء عليبات - -تبادل الأسرى... عدالة مقلوبة وكرامة معلَّقة-














المزيد.....

-تبادل الأسرى... عدالة مقلوبة وكرامة معلَّقة-


سناء عليبات

الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست الموازين هي التي اختلّت، بل الوعي الذي قاس بها معنى القوة. فما يحدث ليس تفاوتًا في السلاح، بل تفاوتًا في الإدراك: هناك من يرى في الدمّ شرطًا للكرامة، وهناك من يراه عبئًا على المفاوضة. الكيان لم يحتفظ بمن أراد فحسب، بل أعاد ترتيب المشهد بما يُبقيه سيّد التوقيت، مُمسكًا بخيوط الخسارة والنصر معًا، فيما الأسرى الحقيقيون ما زالوا خلف القضبان، لا في انتظار صفقة، بل في انتظار عودة الوعي من غيبوبته.
ذلك المشهد الذي دوّى في العالم بالتصفيق والبيانات، ليس إلا وجهًا ناعمًا لانكسارٍ عميق: إذ تُقدَّم “الإنسانية” كمنحة من المُحتلّ، لا كحقٍّ منبثق من المقاومة. هنا، لا يكون الاختلال في موازين القوى، بل في تحوّل المأساة إلى فرجةٍ دبلوماسية، والوعي إلى مادة قابلة للتسويق السياسي.
عرض ترامب الأخير لا يُقرأ في لغة السياسة، بل في منطق الهيمنة: حيث تُصاغ المعادلات الأخلاقية على مقاس السوق، وتُختزل معاناة الأسرى إلى فرصةٍ لتبييض صورة الجلّاد وتطويع الضحية. العرض في جوهره ليس صفقة لتبادل الأجساد، بل صفقة لتبادل المعاني؛ إذ يُراد للمقهور أن يقتنع بأن إنقاذ الجسد أولى من تحرير الوعي، وأن البقاء شكلٌ من أشكال الانتصار.
منذ أن صار الجسد الفلسطيني بندًا في التفاوض، فقدت المقاومة بعض سرّها. الجسد الذي كان علامة على الصمود تحوّل إلى رهينة بين يدي الخطابين: خطابٍ عسكريٍّ يرفع شعار الثبات، وخطابٍ سياسيٍّ يسوّغ التراجع بلغة الواقعية. هنا، لا ينقسم الفعل المقاوم بين جناحين، بل ينشطر الوعي بين يقينين متنازعين: يقين النار ويقين اللغة. وحين يصبح الوعي إدارةً للأزمة لا اشتعالًا في جوهرها، ينقلب التحرّر إلى وظيفةٍ من وظائف السلطة.
الأسير الفلسطيني ليس مجرّد ضحية، بل ضميرٌ مؤجَّل للأمة. كلّ عامٍ يمرّ في السجن هو عام يُضاف إلى عمر القضية، وكلّ صفقةٍ مشروطة هي محاولةٌ لإفراغه من رمزيّته. فحين تُحرَّر الأجساد وتُبقى المعاني معتقلة، لا تكون الصفقة تحريرًا، بل إعادة صياغةٍ للهزيمة في هيئة نصرٍ مؤقت.
الهزيمة الحقيقية لا تسكن في الميدان، بل في الوعي الذي يتصالح معها. ذلك الوعي الذي يقيس النصر بعدد التصريحات لا بعدد التضحيات. كلّ مقاومةٍ تفقد وعيها بذاتها تتحوّل إلى ظلٍّ للعدوّ، تنطق بلغته وتبرّر منطقه. ومن هنا يصبح أخطر ما يمكن أن يصيب شعبًا مقهورًا، هو أن يتوهّم أنه انتصر لأنه ما زال يتكلّم باسم الهزيمة.
لكن التاريخ لا يُقفل دفاتره بالصفقات. فسيخرج مروان وسعدات، لا من زنازينهم فقط، بل من طبقات الوعي المأسور، ليعيدوا إلى الفعل المقاوم روحه الأولى: أن يكون احتجاجًا على العدم، لا استجابةً للابتزاز. إنّ الحرية لا تُمنح، ولا تُنتزع بالورق، بل تُستعاد كوعيٍ بالكرامة وسط الركام.
فالنصر ليس حدثًا عسكريًا، بل لحظة وعيٍ تستردّ فيها الشعوب قدرتها على تسمية الأشياء بأسمائها: أن تقول للهزيمة إنها هزيمة، وللمساومة إنها عار، وللحرية إنها فعلٌ لا يقبل الترجمة إلى لغة السوق.



#سناء_عليبات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماس وسلطة الدم: من المقاومة إلى العنف الداخلي
- -نهاية المرحلة الإخوانية: قبول حماس للعرض الأمريكي-
- الذاكرة الشعبية في مواجهة التطبيع
- «الانسحاب الإيطالي والوجه المزدوج لأوروبا: حماية تتراجع أمام ...
- -خطة ترامب للسلام: قناع زائف لإضعاف المقاومة الفلسطينية-
- الغضب المغربي بين وعود التنمية وخيبة الواقع :دروس الاحتجاجات ...
- من فضاء التعلّم إلى فضاء التدين: هل يعيدنا المعهد إلى أصل ال ...
- -بين الخوارزمية والفعل: الهيمنة الرأسمالية على الفكر الرقمي-
- أسطول الصمود بين الاستهداف الصهيوني والرهان على الموقف التون ...
- في الحديد إذ ينقلب على حتفه: من أبراخيليا إلى استطيقا المقاو ...
- في الحديد إذ ينقلب على حتفه: من أبراخيليا إلى استطيقا المقاو ...
- حين يصبح الترند معيار البطولة: البلوغر VS الشهيد في عصر الحد ...


المزيد.....




- لماذا تشعر روسيا بالقلق إزاء صواريخ توماهوك؟ مراسل CNN يوضح ...
- الاتحاد الأوروبي يكشف متى سيكون -جدار المسيرات- جاهزا لمواجه ...
- الحوثيون يُعلنون مقتل رئيس أركان جيشهم.. ووزير الدفاع الإسرا ...
- مسؤول إسرائيلي: قدمنا معلومات حول مواقع جثث بعض الرهائن في غ ...
- لماذا انتخابات عمدة نيويورك مهمة؟
- تطور جديد بقضية مقتل سلوان موميكا.. السويد تصدر مذكرة توقيف ...
- مقتل شخص وفقدان اثنين بسبب تداعيات إعصار ضرب ساحل ألاسكا
- الحوثيون يؤكدون مقتل رئيس الأركان محمد الغماري.. ويتوعدون تل ...
- متطوعون يشرعون في إجلاء المدنيين من مدينة كوستيانتينيفكا الت ...
- ماذا يعني تفويض ترامب لوكالة -سي آي إيه- بتنفيذ عمليات سرّية ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سناء عليبات - -تبادل الأسرى... عدالة مقلوبة وكرامة معلَّقة-