أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جوتيار تمر - حين تبتلع الهويات الدولة














المزيد.....

حين تبتلع الهويات الدولة


جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 22:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


اقليم كوردستان
19/10/2025
حين تبتلع الهويات الدولة، تغدو السياسة فعلاً شكلياً يبحث عن معنى في فراغ الشرعية.
تشهد الحياة السياسية في العراق منذ عام 2003 تداخلاً معقداً بين المظهر الديمقراطي والمضمون التقليدي، حيث تحولت الديمقراطية إلى إطار شكلي يغطي ممارسة قائمة على الولاء والانتماء أكثر مما تعكس مضمون المشاركة والمساءلة. فالعملية السياسية تتجسد في شعارات المؤسسات الحديثة لكنها في العمق تدار وفق منطق الأعراف الاجتماعية والهويات الفرعية، مما أفرز أزمة تمثيل سياسي ذات جذور بنيوية تمتد إلى طبيعة الشرعية التي يقوم عليها النظام نفسه.
انطلاقاً من تحليل ماكس فيبر لأنماط الشرعية، يمكن القول إن النظام العراقي يمثل نموذجاً هجينا تتوزع شرعيته بين التقليد والكاريزما والعقلانية القانونية. فالشرعية التقليدية، المتمثلة في الولاءات العشائرية والطائفية، تهيمن على الحقل السياسي وتعيد إنتاج نفسها عبر الرموز الدينية والاجتماعية. أما الشرعية الكاريزمية، فتتجلى في شخصيات سياسية تعتمد الخطاب العاطفي والوعود الكبرى لاستقطاب الجماهير، محققة شرعية مؤقتة تستند إلى الرموز لا إلى الأداء؛ وفي المقابل، تظل الشرعية العقلانية القانونية، القائمة على الكفاءة والمؤسسات والقانون وحتى الشهادات العلمية العليا، محدودة الأثر في ظل بيئة يطغى عليها منطق الزعامة والوساطة؛ هذا التداخل بين أنماط الشرعية يولد أزمة مزدوجة في التمثيل، إذ تتحول المؤسسات الديمقراطية إلى واجهات شكلية بينما تظل القوة الفعلية تحت سيطرة البنى التقليدية.
وإذا كانت الشرعية وفق فيبر تكشف عن عمق البنية التقليدية، فإن بورديو يضيء الجانب الرمزي لتلك البنية؛ فالألقاب الأكاديمية والعشائرية والطائفية تشكل رؤوس أموال رمزية تستخدم لتعزيز النفوذ السياسي والاجتماعي، يتحول رأس المال الثقافي، المتمثل في المؤهل العلمي، إلى أداة رمزية للهيمنة بدلاً من أن يكون معياراً للكفاءة؛ كما تسيس الانتماءات العشائرية والطائفية بوصفها رأس مال اجتماعياً يستثمر في السوق الانتخابية، ونتيجة لذلك، يتشكل حقل سياسي مضطرب تغيب عنه الموضوعية وتحكمه المحسوبية والتبادل الرمزي، حيث يتقدم الاعتبار الرمزي على الفعل السياسي الواقعي، ويؤدي هذا إلى انفصال الخطاب الأكاديمي عن المشروع الوطني الفعلي، وتحول التمثيل السياسي إلى ممارسة رمزية شكلية أكثر من كونه فعلاً وطنياً مؤسساً.
من جهة أخرى، تفسر نظرية الاختيار العقلاني طبيعة السلوك الانتخابي في العراق من خلال العقلانية الأداتية التي تحكم سلوك كل من الناخب والمرشح؛ فالناخب، في ظل تآكل الثقة العامة وغياب البرامج السياسية الواضحة، يلجأ إلى الهويات الأولية باعتبارها أداة لتقليل المخاطر وتسهيل قرار الاختيار؛ أما المرشح، فيعتمد على تقديم وعود تعجيزية كاستثمار عقلاني في كسب الأصوات، نظراً لأن كلفة الإخلال بالوعود أقل من كلفة عدم تقديمها أصلاً؛ ومع تكرار هذه العملية عبر الدورات الانتخابية، تتحول الوعود من وسيلة تواصلية إلى طقس سياسي رمزي، وتفقد العملية الانتخابية مضمونها التشاركي والرقابي.
تتجسد الأزمة كذلك في البنية الحزبية التي تحولت من أداة تمثيل اجتماعي إلى وسيلة لإدارة المصالح والهيمنة على موارد الدولة؛ فالأحزاب لم تعد مؤسسات لتوليد رؤى وطنية، بل غدت شبكات ولاء تخدم أجنداتها الخاصة وتستمد قوتها من الدعم الخارجي أو من قواعدها المذهبية؛ وقد أدى ذلك إلى ازدواج الولاء لدى النخب السياسية بين المطالب الشعبية والإكراهات الحزبية، وهو انقسام انعكس على العملية الانتخابية التي باتت أقرب إلى استفتاء على الهويات والانتماءات الموروثة منها إلى عملية تراكم ديمقراطي؛ كما أدى إلى تراجع التمثيل الجغرافي والمجتمعي لحساب التمثيل الهوياتي.
وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن النظام السياسي العراقي يعيد إنتاج أزمته بصورة دورية بفعل التفاعل بين الشرعية التقليدية، والرأسمال الرمزي، والعقلانية الأداتية التي تحكم السلوك الانتخابي؛ هذه العوامل معاً تؤسس لحلقة مفرغة يصعب كسرها ما لم تعاد هيكلة الحقل السياسي برمته على أسس جديدة؛ فإصلاح النظام السياسي يتطلب تأسيس عقد اجتماعي يقوم على مبدأ المواطنة والمساءلة، وفصل المجال السياسي عن البنى العشائرية والطائفية، وإحياء الشرعية القانونية العقلانية بوصفها الإطار الذي تنضبط ضمنه مؤسسات الدولة؛ وحده هذا التحول يمكن أن ينقل العراق من مرحلة الديمقراطية الشكلية إلى ديمقراطية مؤسساتية حقيقية تكرس الكفاءة والمصلحة العامة كمعايير للعمل السياس؛.
فالديمقراطية لا تقاس بعدد صناديق الاقتراع، بل بقدرتها على تحرير الإنسان من سطوة الانتماء الضيق نحو أفق المواطنة الحرة.



#جوتيار_تمر (هاشتاغ)       Jotyar_Tamur_Sedeeq#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكورد في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025: حضور فكري من دهوك
- صدري لي حديثا عن دار تموز - تموزي - بدمشق كتاب ( نبدذة عن ظه ...
- صوت الضمير: تبريراتي لدعم استفتاء كوردستان
- بين بغداد وأربيل: صراع النخب على حساب الإنسان
- فئران التجارب: المواطن الكوردي في مختبر السياسات المستوردة
- التنمية المقلوبة: من ناطحات السحاب إلى مواطن ينتظر الراتب
- الازمات الامنية والاجتماعية في ظل غياب العدالة وتفشي المحسوب ...
- لا..صلاة ( شعر)
- كوردستان وبغداد: تفاهمات مصلحية أم شراكة وطنية ؟
- جمرة لاتخون / شعر
- مشهد سياسي عبثي يتكرر بلا نهاية
- انكسارات على حافة العدم
- ازدواجية القومية العربية ذات الجذور القبلية بين تفكيك الخلاف ...
- التدخل الايراني في الشرق الاوسط: قراءة في الايديولوجيا والمم ...
- هوية تتشظى بين الاڤيستا وحلبچة
- اسم لايُقال إلا بكَ ( اليها..).
- القشرة المزيفة: تناقضات التنمية ورداءة الخدمات في العراق – إ ...
- للتاريخ حكومة بدون منطق
- -الانتخابات وفوضى العقول- أقليم كوردستان انموذجاً
- صدر للكتاب والمؤرخ الكوردستاني (جوتيار تمر صديق) كتاب النزعة ...


المزيد.....




- بيان من الخارجية السورية بعد فيديو قنصلها السابق في دبي
- -انشقاق نادر-.. جندي كوري شمالي يعبر إلى الجنوب
- ترامب يحذر زيلينسكي من -الدمار- إذا لم يبرم اتفاقا مع بوتين ...
- اللوفر.. فرنسا تكشف سرقة -حُليّ لا تقدر بثمن- وتحدد عددها
- الضوء الأخضر الأميركي لعزل حماس.. غزة بين التهدئة والانفجار ...
- ترامب يوقف صواريخ توماهوك ويركز على -الأرض مقابل السلام-
- إسرائيل تستأنف وقف إطلاق النار في غزة بعدما -انتهكته- حماس
- مقاومة و-برغماتية متأخرة-.. إيران على مفترق طرق
- إيطاليا: قتيلان وإنقاذ العشرات على متن مركب مهاجرين قبالة جز ...
- فايننشال تايمز: ترامب دعا زيلينسكي للقبول بشروط بوتين


المزيد.....

- رؤية ليسارٍ معاصر: في سُبل استنهاض اليسار العراقي / رشيد غويلب
- كتاب: الناصرية وكوخ القصب / احمد عبد الستار
- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جوتيار تمر - حين تبتلع الهويات الدولة