علجية عيش
(aldjia aiche)
الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 22:15
المحور:
القضية الفلسطينية
شهد شهر أكتوبر في الجزائر أحداث تاريخية عديدة و مؤثرة، اثنان منها سجلها التاريخ والحدث الثالث سيجل في صفحاته و باللون الأحمر، ويتمثل في إلغاء "ملتقى الجزائر الدولي للقدس" الذي نظمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مكتب سطيف ( ضرق الجزائر) ، دون أن تكشف الجهة المنظمة أسباب إلغائه و في آخر لحظة و هو الملتقى الذي انتظرته الجماهير الشعبية في الجزائر للمشاركة فيه تضامنا مع إخوانهم في فلسطين و في غزة الجريحة، هي تساؤلات تطرح و تبحث لها عن إجابة مقنعة لمعرفة من وراء إجهاض هذا الملتقى الدولي، و ليست المرة الأولى التي تجهض فيها هكذا مبادرات، فقد سبق و أن حاولت جهات رسمية إلغاء ملتقى حول "الخطاب الديني" نظمته كلية العلوم الإنسانية و الفلسفة بجامعة تيارت عاصمة التيهرتيين، لكن محاولتها باءت بالفشل، و يبقى السؤال: لماذا تحفظت جمعية العلماء المسلمين عن كشف أسباب إلغاء الملتقى؟
أسئلة كثيرة تنتظر رد عليها، لماذا ألغي ملتقى القدس الدولي الذي نظمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعاصمة الهضاب العليا شرق الجزائر و بدعم من مركز الشهاب للبحوث و الدراسات، فقد نزل إعلان الإلغاء كالصاعقة على مسامع الجماهير التي انتظرت هذا الموعد منذ الإعلان عن تنظيمه و الإعداد له لأيام بل أشهر ، و ملتقى في مستوى الحدث الدولي يحتاج إلى جهد كبير و تحمّل مسؤولية و منظمي هذه المبادرة كانوا في مستوى المسؤولية من حيث التحضير و التجنيد لاستقبال ضيوف من خارج الجزائر ، لتقديم رؤيتهم الاستشرافية و المستقبلية للأحداث الواقعة في الساحة العربية و ما يحدث الآن في غزة، و قد حملت الجهة المنظمة على عاتقها هذه المسؤولية العظيمة من خلال خلق الجو الملائم لاستقبال الضيوف العرب و وضع برنامج مُحَكَّمٍ مع تنصيب ورشات عمل ، كانت المبادرة عبارة عن تحدٍّ يضع الجزائر في مستوى الحدث الدولي و يرسم صورة إيجابية للدبلوماسية الجزائرية في الخارج، الملتقى الدولي حول القدس شاركت فيه شخصيات علمية و دعوية ،علماء وأكاديميين ، لكن يحدث العكس ، هكذا ضاعت كل الجهود بسبب موقف سلبي لا يُشَرِّفُ الجزائر حكومة وشعبا، خططت له أطراف لإجهاضه، بعد أن أكد المشاركون التحاقهم و منهم الدكتور عبد المجيد النجار من تونس، وسالم جابر من ليبيا، و شخصيات أخرى من فلسطين و من داخل الجزائر و منهم المفكر بدر الدين زواقة و الشيخ بن يونس ايت سالم الرئيس الشرفي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين و ممثلون عن الجمعية و مركز الشهاب للبحوث و الدراسات بقيادة الدكتور علي حليتيم و غيرهم .
فالقرار جاء في آخر لحظة و كان فجائيا، هي القوانين والممارسات التعسفية التي تعمل الأنظمة على إجهاض أي مبادرة تتعلق بالقضية الفلسطينية و حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و استعادة حقوقه و هذا منذ حصول إسرائيل على تأييد دولي في عام 1947 من خلال الأمم المتحدة على إقامة دولة يهودية على جزء من أراضي فلسطين و ما قامت به إسرائيل من قمع للشعب الفلسطيني و ارتكاب في حقه جرائم لا إنسانية منذ 1948 إلى غاية السابع أكتوبر 2023 فيما عرف بطوفان الأقصى، إن هذه القوانين ليست وليدة اللحظة بل جذورها ضاربة في أعماق التاريخ، ففي السابع عشر أكتوبر 1961 شهدت الجزائر مجزرة رهيبة وقعت في باريس ، قتل فيها الألاف من الجزائريين على يد الشرطة الفرنسية و ألقي بهم في نهر السين، و كانت هذه المجزرة واحدة من أحلك صفحات التاريخ الفرنسي الحديث ورغم مرور 64 عاما عن هذه الأحداث، إلا أن التراكمات عمقت الجرح ، خاصة الأزمة الحالية بين باريس و الجزائر.
في ليلة الـ: 17 أكتوبر 2004 أعلن فيه عن قانون معاداة السامية
في هذا التاريخ وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش على قانون جديد حول معاداة السامية بعد مواقفة الكونجرس عليه ( البرلمان) و متابعة الأعمال المعادية للسامية في العالم ، و هو المشروع لذي تقدم به عضو الكونجرس اليهودي عن ولاية كاليفورنيا " توم لانتوس" المشهور بعدائه للعرب، اعتبر بوش معاداة السامية شَرٌّ ، و أيُّ نقد لليهود أو لإسرائيل في العالم كله هو عداء للسّامية، و هو ما أشار إليه أحد الباحثين و هو الدكتور عماد جاد في كتابه "العداء للسامية و من يحاسب الصهيونية؟"، فالجزائر عاشت أزمة لمعاداتها لليهود منذ عام 1898 ، فيما عرف بعد ذلك بـ: "الأقدام السوداء" و دعم فرنسا لهم بمنحهم الجنسية الفرنسية و ازداد عددهم مع توافد الهجرة في عهد الجمهورية الثالثة، و استفادوا من حق المواطنة فازدادت شوكتهم، فأصبحوا يطالبون بعقوبة كل من يقف ضد السامية في الجزائر و عُرٍفَتْ الأزمة بأزمة معاداة اليهود، و هذا بسبب الاختلافات الطبقية و التاريخية و العرقية، و لمبدأ حرية الفكر و التعبير عن الرأي التي تكفل للإنسان المشاركة في الحياة ، و اليهود في الجزائر يشكلون أكبر الجاليات اليهودية في البلاد الإسلامية ، وعاشوا في الجزائر أكثر من 2000 سنة، إلا أنه بعد الإستقلال غادر جزء كبير منهم الجزائر ، حسب الدراسات فهذا القانون مخالف للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وإلى اليوم لا يزال قانون معاداة السامية ساري المفعول بعد أن زرع واضعوه هذا عيونهم ( جواسيس) في كل دولة.
و يتكرر سيناريو 17 أكتوبر مع ملتقى القدس الدولي 2025
السيناريو طبعا يتكرر، ففي ليلية السابع عشر أكتوبر 2025 و هو اليوم الذي تنطلق فيه اشغال الملتقى ، اصطدمت الجماهير أمام إعلان إلغاء الملتقى، لاسيما و ملتقى القدس الدولي شاركت فيه (كما أسلفنا آنفا) شخصيات فكرية و دعاة و أكاديميون ، و كما قال عنهم طه حسين في كتابه "المعذبون في الأرض" ، الذين يحرقهم الشوق إلى العدل مصبحة و ممسية "، فقرار إلغاء هذا الملتقى الدولي يدخل في إطار نظرية المؤامرة في مواجهة كل من يدعو إلى السامية، رغم أن برنامج الملتقى واضح و لا غبار عليه و لا يخدم أجندات سياسية رغم بعض الانتقادات التي تركها بعض "المشوّشين" في الجزائر و هم من أعداء النجاح، أعطوا للملتقى صبغة سياسية و اعتبروه ملتقى حركة حماس الإخوانية، كون أحد المشاركين هو ممثل حركة حماس بالجزائر، و هذه عادة المطبعين الذين كثيرا ما يرددون أن المشكلة الفلسطينية هي مشكلة خاصة بالفلسطينيين وحدهم و لم تعد مشكلة الأمّة، و تجدهم يوظفون مفاهيم و مصطلحات تبعث القلق عن مصير القدس الشريف و المسجد الأقصى ثاني بيت الله الحرام ، فقرار الإلغاء يطرح كثير من الأسئلة عن الجهة التي بيدها قرار الموافقة و منحها الترخيص لعقده ، لاشك طبعا انها هي الجهة التي احتكرت السلطة احتكارا كاملا، كل هذا ، لأن الملتقى الدولي تجتمع فيه كل الأفكار لتتفق على هدف واحد، و تقدم فيه تحدّي جديد من التحديات التي تواجهها الأمّة العربية و الإسلامية التي ما تزال تتعرض لهجومات فكرية و أنماط متعددة من التدخل الخارجي و عن طريق الخيانة من الداخل.
و كما أسلفنا فالملتقى الدولي للقدس، يعالج القضية الفلسطينية كقضية احتلال اغتصب أرضا ليست ملكه و هي من حق شعب آخر و هو الشعب الفلسطيني، وهي قضية عقيدة قبل كل شيء و ليست قضية إيديولوجية أو سياسية، و الجزائر كان لها موقف إزاء هذه القضية منذ الرئيس الراحل هواري بومدين الذي رفع شعار: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" ، و كما أسلفنا ، فقد حرّك طوفان الأقصى مشاعر الشعوب بما فيها الغير مسلمة، حين خرج المجتمع المدني الدولي إلى الشوارع في مسيرات سلمية يطالب بوقف القصف على الغزاويين و عمليات التجويع التي تسببت في موت أطفال جياع، و منع عليهم الخبز و الماء، لا ذنب لهم في شيء و لا علاقة لهم بما يلعبه الكبار، ذنبهم الوحيد أنهم مسلمون و فلسطينيون، ما يمكن قوله هو للجزائر الفخر و الاعتزاز لما تبادر هيئة رسمية يقودها و يؤطرها كوادر الدولة من مفكرين و أطباء و مثقفين و أكاديميين من الجامعة الجزائرية لتنظيم هكذا ملتقيات لتؤكد موقفها من القضية الفلسطينية و ترحب بها و تباركها و تدعمها ماديا و لما لا؟ ، أو على الأقل توافق على تنظيمه لا إصدار قرار إلغائه، بل وأده و هو حيٌّ و قرار الإلغاء قد يؤثر على مواقف الدبلوماسية الجزائرية من القضية الفلسطينية.
علجية عيش (للمقال مراجع)
#علجية_عيش (هاشتاغ)
aldjia_aiche#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟