أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري رسول - صور في العتمة














المزيد.....

صور في العتمة


صبري رسول
(Sabri Rasoul)


الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 01:20
المحور: الادب والفن
    


بارتباكٍ قلقٍ كان ينظر بعينين كسيرتين إلى ضوء خافت يهطلُ من النّافذة المنكمشِة على نفسِها، انزوى إلى حواره المتقطِّع مع بقايا صورٍ عالقة في داخله، الصّورة المتشظِّية تكتسبُ ملامحَ بليدة عند استعادتها من قاع الخوف، عندما أنجبَتْه أمُّه كانَتِ الشَّمس تعلو على قمة الجبل بأمتارٍ قليلة، ومع صرختِهِ الأولى عرضَتْه الدَّايةُ تحتَ خصلات شمس نيسان الذَّهبية المنسابةِ على الكونِ، قائلةً: يشرب الجسدُ الضوءَ، فيتحرّر من الخوف، يكسر الزوايا الضيقة وينطلق مع الأفق المفتوح، إنّه الجسد البشريُّ يتغلْغلُ الضَّوء إلى داخله مع الجرعة الأولى من هواء الولادة، ثم أضافت بلهجةِ حكماءِ التَّاريخ: صرخةُ الطّفل الأولى في الحياة توقيعٌ منه على ميثاق الاستمرارية فيها، كان يتمطّط بأقمطته تحت دفْءِ نيسان، مستمداً منه قوةً تمسكه بالحياة، من قوة هذا الشَّهر في التَّجدد والانبعاث تحقيقاً للعرف المقدَّس السَّائد في ولادته المائية، أغمضَ عينيه على ألمٍ منتشرٍ في أصقاع الجسد، وابتلع آهةً كتيمةً لم تجدْ لها مكاناً في فمه.
تلمّس أطرافَه السّفلية ليُكذِّب خشبيةَ روحِهِ، لكنَّه لم يجدْ نهايةً لركبتيه، ولم يستطع تحديد الشَّكل الذي تنتهي به قدماهُ، نهاية لينة عجينية، شبيهة بغفوة طفلٍ بعد بكائِه على أمِّه، خانَه الإدراكُ من معرفة الزَّمن الذي أخذتْ فيه قدماه هذا المقاس، ولم يعلم أأكلتْهَا العتمةُ أمْ تضاءَلَتَا بفعل كثافتِها، كبساطةِ عذريةِ الرِّيف، كان ينظر إلى الآخرين بعيون النّبوّة، ويرى الناس كسنابل حبلى بالخير، لكنَّه لم يجدْ تفسيراً دافئاً لرفضِ ذواتِ اللّكنةِ الثقيلةِ لشكْلِه، ولطريقة نطقه لأحرف الحجل الشَّجية، جمع مواويلَ أمِّه وأغاني الحصيدة، وأعادَها كخرقٍ باليةٍ إلى مهده الخشبي، المزخرف، وربطَها في مكان نومِهِ بـ(دسْتْ بَنْدْكَا DEST BENDKA) المهد قائلاً: أمي هذه مواويلك وحكاياتك من التكوين والعدم، وعن السّلالات المائية والصّخرية، أودعتُهَا في مهدي كي لا تجلبَ لي متاعبَ وأوجاع لا قوة لي بحملها، ونسي أنَّ الأم تتركُ صدى أغانيها عميقاً في ملامح الابن، فيبقى أسيرَ لونِها حتى القيامة ؛ مع مرور الأيام استمدّ القلبُ قوةَ خفقانِه من صمتِ الجدرانِ الكتيمةِ المشبعة بعتمة السِّنين، فتسرَّبت العتمة إلى داخلِه، ومع الزَّمن اعتاد الجسم على القوى الخفيَّة خارج الضوء، يسقط النُّور الخجولُ من أعالي الكوة، فتتنفّسُ الكائنات الخامدة، والجمادات في الغرفة.
وحده يتضاءل حجمُ الجسد باحثاً عن زاوية تحتفظ بعتمتها، كلَّمَا أخذتْ ضآلة الجسم شكلها الأقصى تحتاج إلى كميةٍ هائلةٍ من كثافة العتمة ليعود بها الجسم إلى حجمه المعهود قبل سقوط الضوء في فضاء الغرفة، تسرَّبت العتمةُ الصَّامتةُ إلى مفاصل الجسد، وتغلغل طغيانُها في عتيق الرُّوحِ، أصبحَ كائناً ذائباً في الظَّلام، يرتقي إلى معاني العدمِ، بنشوة الصَّمت، ويتلاشى مع فضيحةِ الضَّوء للكائنات، غابتْ عنه صورُ الحياة تحت النُّور، واهتزّ مخزونُها، احتضنَ ظلامَ الغرفةِ الرَّخو ولم يَعُدْ يذكر من مواويل أمِّه، وهي أعذبُ من مياهِ (كانيا بلك KANYA BELEK). أغمض عينيه بقوة، وبدأ العدم التَّالف يصعدُ إلى أعلى جسمه.



#صبري_رسول (هاشتاغ)       Sabri_Rasoul#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أساطين الغناء الكُردي Aslika Qa-dir-
- الصّورة النمطية تؤطرها محاذير مقدّسة
- الإبليس والاستلاب الفكري*
- الرّواية الكُردية بين الطّموح والواقع
- كسر المألوف وبناء هندسة شعرية (قراءة في رشقة سماء تنادم قلب ...
- الحياة موقف يا سادة
- رواية لالين مسألة الهُويّة والتّنوع
- من يكتب التّاريخ؟
- من التّحرير إلى بناء الدّولة
- الحقول السّياسية المحروقة غير منتجة
- قد تجرّك المحاكم الأوربية يا جمال إلى قاعاتها
- الرّحلة البشرية الثانية
- غياب القراءات النّقدية
- الرّحلة البشرية الأولى
- أصداء النّداء الاجتماعي
- الرّسالة المثيرة إلى حدّ الدّهشة
- مقياس الهزيمة الكُردية
- الشعبان الأمازيغي والكردي يعيشان في بلادهما في ظل سياسات إقص ...
- مسألة الاندماج بين اتحادات الكتاب الكرد
- قد تنتهي إيران الخميني


المزيد.....




- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري رسول - صور في العتمة