حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 22:07
المحور:
قضايا ثقافية
في عام 1884، تحطمت سفينة اليخت مينيونيت في عرض الأطلسي، تاركة أربعة رجال في قارب نجاة لا يتجاوز طوله أربعة أمتار، بلا طعام ولا ماء ولا أفق للنجاة. بعد أسابيع من الجوع والعطش، قرر اثنان منهم قتل أصغرهم، فتى في السابعة عشرة، وتناول جسده لإنقاذ نفسيهما من الموت.
لكن المحكمة الإنجليزية رفضت دفاعهم عن “الضرورة”، مؤكدة أن القانون والأخلاق لا يُعلَّقان في الأزمات، لأن السماح بذلك يعني تبرير كل جريمة بحجة البقاء. لم يكن الحكم عقوبة فقط، بل بياناً أخلاقياً: المبادئ تُختبر حين تكون الحياة على المحك، لا حين تكون مضمونة.
بعد قرن ونصف، يتكرر صدى هذه الحكاية في الخطاب السوري.
نسمع عبارات مثل: “يجب أن ننظر إلى الأمام”، "البلد أهم" “الاستقرار أهم من العدالة”، “الظروف لا تسمح بالمحاسبة”، أو حتى: “من يتحدث عن الأخطاء أو العدالة الآن هو مثير للفتنة”، أو حتى القذف بالشتائم والتخوين.
يحمل هذا الخطاب منطق البحارة نفسه: التضحية بالمبدأ باسم الضرورة، وتجميل الخضوع باعتباره واقعية سياسية.
المشكلة أن المبدأ الذي يتبدل مع الظروف ليس مبدأ، بل تبرير. وإذا تحولت “الضرورة” إلى قاعدة، اختفت العدالة، وتحوّل الانتهاك إلى عادة. حين يُطلَب من المجتمع أن “يؤجل العدالة حتى تهدأ العاصفة”، يُطلَب منه عملياً أن يعيش في العاصفة إلى الأبد.
وعندما نقبل أن الظروف القاسية تبرر كل شيء، لا نخسر العدالة فقط، بل نخسر قدرتنا على أن نكون بشراً.
#حسان_الجودي (هاشتاغ)
Hassan_Al_Joudi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟