أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رائد قاسم - التقدم والحريات المدنية















المزيد.....

التقدم والحريات المدنية


رائد قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 23:22
المحور: المجتمع المدني
    


هل هناك تلازمية بين الحريات المدنية والإبداع والتقدم؟ حقيقة الأمر أن التقدم يستلزم وجود حرية وان كانت نسبية ، وهذا سبب تقدم بعض الدول في عدد من المجالات رغم كونها تدار بأنظمة شمولية أو تقليدية، الاتحاد السوفييتي السابق حقق نهضة علمية كبيرة وتمكن من تحقيق انجازات في الفضاء والطب والدفاع ، رغم كون النظام الشيوعي كان يمارس السلطة وفق اطر شمولية حديدية، السبب بسيط هو أن الدولة منحت هذه المجالات هامشا واسعا من الحرية ، الأمر الذي ساهم في تقدمها، وكل حقل تمنح فيه الدولة (باعتبارها أعلى السلطات) هامشا معتبرا من الحرية فإن نتائجها تصب في خانة الإبداع والتقدم ، الصين مثال بارز فرغم كونها محكومة من قبل الحزب الشيوعي الصيني إلا أن مناخات الحرية في الاقتصاد والطب والتكنولوجيا والتقنية ساهمت في تقدمها ، وحولت الصين خلال اقل من ثلاثين عاما إلى ثاني اكبر اقتصاد في العالم ، بطبيعة الحال الحرية كعنصر رئيسي هو الديناميكا في هذه النجاحات إلى جانب عناصر أخرى لا تقل عنها أهمية كالنزاهة وتنمية الموارد البشرية والإدارة الحكومية الرشيدة ، إلا أن عنصر الحرية اكبر دافع وأكثر أهمية إذ لا يمكن تحقيق تقدم حقيقي دونه ، دبي مثلا إمارة عربية تمتلك موارد طبيعية محدودة، ولكنها من خلال إيجاد هوامش واسعة من الحرية الاقتصادية بمختلف أبعادها تمكنت من التحول إلى مركز اقتصادي ومالي إقليمي، آلاف من مواطني الدول الديمقراطية كبريطانيا وفرنسا والسويد يعيشون فيها غير عابئين بمناخها الحار اغلب أوقات السنة ، وذلك بسبب أجواء الحرية الاقتصادية الراسخة وقدرة الدولة على حل الكثير من عقبات التنمية والأعمار.
ثمة نقطة مهمة وهي أن الحريات الاقتصادية كعنصر رئيسي لن تكون فعالة دون إيجاد حريات مدنية موازية لها ، وهذا ما تمكنت منه ونجحت فيه إمارة دبي على وجه التحديد ، فآلاف العمال والموظفين والخبراء القادمين من مختلف أصقاع العالم ، لا سميا البلدان الصناعية المعروفة بتصديرها للمهارات والخبرات البشرية ، يحتاجون إلى بيئة مناسبة لهم حتى يستطيعون التكيف مع مجتمع الدولة المضيفة، وهذا ما أبدعت فيه دبي حيث تمكنت من إنشاء هامش واسع من الحريات الاجتماعية الواسعة ذات الآفاق المنعشة في نطاق بيئة تعدد بشري تضم أكثر من مائتين جنسية على الأقل، الأمر الذي انعكس على الإنتاجية الاقتصادية للإمارة وحولتها إلى مركز استثماري رئيسي في منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام.
أتذكر كيف أن بعض البلدان العربية المحافظة عانت كثيرا من هذه المشكلة فهي بحاجة إلى الخبرات والمهارات ولكنها لم تتمكن من استقطابها بسبب الأجواء الاجتماعية شديدة المحافظة ، فكانت تعد من البلدان الغير جاذبة سواء لرؤؤس الأموال أو دوي المهارات والخبرات ، فكان الحل هو في إنشاء مجمعات سكنية مخصصة لموظفي الشركات الكبرى وعائلاتهم ، بحيث يتمكنون داخلها من ممارسة أنماط حياتهم بحرية ، حتى أن بعضها اتخذت فيها منازل ككنائس ، إلا أن تلك كانت حلول مؤقتة وغير عملية ولا تحقق هدف جذب رؤؤس الأموال والاستثمارات وإنعاش الاقتصاد ورفع مستوى جودة الحياة، فكان أن سمحت بممارسة الأنشطة الأجنبية وانفتحت على الأنماط الاجتماعية المختلفة ، إلا أن الطريق أمام اغلبها لا يزال طويل في سبيل تحولها إلى بيئات جاذبة وقادرة على استثمار المهارات والخبرات الوطنية والوافدة في اقتصادياتها.
في التاريخ الحضاري العربي ثمة ما يشير إلى ذلك بشكل واضح وصريح ، فالنهضة العربية التي استمرت لقرون كانت شعوب حواضرها تعيش في ظل هامش من حرية البحث العلمي والنقد والترجمة والفلسفة ، وتعايش الأعراق والأديان والمذاهب ، ومن المعروف أن نسبة كبيرة من العلماء والمبدعين في الحضارة العربية الإسلامية من أصول فارسية ونبطية يطلق عليهم بالموالي، يقول المؤرخ الفرنسي فرانسوا ميشو في دراسته عن بغداد في العصر العباسي: ( إنها غدت عاصمة عالمية متعددة الطوائف ).
ويقول ابن خلدون في مقدمته: ( واعتبر ما قرّرناه بحال بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة لمّا كثر عمرانها صدر الإسلام واستوت فيها الحضارة، كيف زخرت فيها بحار العلم وتفنّنوا في اصطلاحات التّعليم وأصناف العلوم واستنباط المسائل والفنون حتّى أربوا على المتقدّمين وفاتوا المتأخّرين )
الحضارة الغربية اليوم تقوم على هذه الأسس بل زادت عليها بحريات واسعة في الاقتصاد والثقافة والحياة الاجتماعية بل وفي اغلب اتجاهات الحياة، بحيث تستوعب كافة أو معظم الهويات والانتماءات والجماعات الدينية والروحية والعرقية والاثنية، وكالة ناسا الأمريكية لأبحاث الفضاء مثلا لا تضم فقط أمريكيون أو غربيون بل تضم نخبة من العلماء والخبراء من الشرق الأوسط واسيا أمثال المصري د.فاروق الباز ، والمغربية أسماء بوجيبار التي تعد أول امرأة عربية تعمل في ناسا، ومن الهند الدكتور ميا ميابان ، وتضم ناسا اليوم أكثر من عشرة علماء عرب في صفوفها على الأقل، وكذلك وكالات الفضاء الأوربية حيث يعمل فيها العشرات من العلماء والخبراء من خارج أوربا الغربية ، أمثال العالم المصري د. احمد فريد الذي يعمل في وكالة الفضاء الألمانية في قسم التحكم بمركبات الفضاء ، وغيره الكثير، وكان أول عقار لفيروس كورونا أنتجته شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية حيث كان الزوجين الألمانيين من أصل تركي أوغر شاهين وأوزلم توراجي على رأس فريق من الباحثين عمل على إنتاج أول لقاح مضاد للفيروس، وهكذا كلما كانت مساحات الحرية العلمية والاقتصادية واسعة مع السماح بممارسة أنماط اجتماعية موازية إضافة إلى عناصر أخرى على رأسها النزاهة وسيادة القانون والتحديث المستمر للأنظمة والتشريعات فإن التقدم يتحول إلى واقع حيوي متجدد ينعكس على كافة أو معظم أوجه الحياة، لذلك فأن دول أوربا الغربية متفوقة في العديد من حقول التنمية والأعمار لكون معظم مساراتها تقوم على الهامش الواسع من الحرية.
لماذا السينما الأمريكية متفوقة على السينما الصينية مثلا؟ بل لا مجال للمقارنة بين البلدين في هذا الحقل من الأساس؟ السبب ليس فقط في التقدم التقني فهذا يمكن للصين أن تحصل عليه أيضا ولكن مناخ الحرية الواسع النطاق في السينما الأمريكية يمثل عامل حاسم في جعلها في قمة صناعة السينما عالميا، في عالمنا العربي تبرز السينما والفن المصري بشكل عام متفوقا على بقية البلدان العربية ، لا شك أن هامش الحرية التي يتمتع به الفن في مصر لعب دورا في تقدمه على بقية البلدان العربية، الفن في إيران مثلا رغم أن إيران بلد محافظ وتسوده قوانين محافظة إلا إن وجود هامش من الحرية دفع بالفن في إيران إلى النجاح وتحقيق انجازات كبيرة ، ففي عام 2012 حصل فيلم " انفصال نادر" على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2012، وفاز فيلم "البائع" بنفس الجائزة عام 2017، وفي عام 2015 حصل فيلم " تاكسي طهران" على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي وهي اعلي جائزة في المهرجان ، وحصلت السينما الإيرانية على جوائز أخرى في مهرجانات البندقية السينمائي بايطاليا ولوكارنوا السينمائي الدولي بسويسرا.
الفن في الكويت في السبعينات والثمانيات كان متألقا ومتفوقا على بقية دول الخليج ، إذ كان اهتمام الدولة بالفن دور حاسم في تقدم الكويت الفني ولكن لم يكن ليتحقق دون وجود هامش من حرية الطرح ، حيث قدم الفن الكويتي أعمال متميزة ورائعة لا يزال العديد منها متداولا في الذاكرة الشعبية الخليجية ، كما قدم أعمالا مسرحية تناولت قضايا حساسة ومثيرة للجدل كمسرحية "هذا سيفوه" عام 1987 بطولة الراحلين عبد الحسين عبد الرضا وخالد النفسي ، التي تناولت جمع بعض الأثرياء لثرواتهم بطرق غير شرعية وعلاقاتهم الغامضة مع ممثل سلطات الانتداب البريطاني في البلاد ، إضافة إلى توظيف الدين في التجارة والمصالح الخاصة ، وقد أوقفت المسرحية بضغوط من التيارات الإسلامية وحكم على عبد الحسين بالسجن ثلاث شهور مع وقف التنفيذ.
والمسلسل السوري الشهير "مرايا" للفنان ياسر العظمه الذي عرض على مدى اكثر من خمسة وعشرون عاما ، سر نجاحه وتميزه ليس في احتراف طاقم العمل فقط بل في هامش الحرية في الطرح الذي حظي به ، مما مكنه من تقديم حلقات ناقدة وجريئة في قوالب فكاهية أضحكت المسئولين قبل المواطنين ولو أنها قدمت في اطر جادة وفظة لحظرت وتعرض طاقهما للملاحقة الأمنية والمحاكمة.
إن الحرية هي إكسير التقدم ، والأكسجين الذي يتنفسه الإبداع ، والمعين الذي لا ينضب ، وحينما غابت الحرية اعدم سقراط وأحرقت كتبت ابن رشد وعلق سبارتكوس على مشانق القيصر.



#رائد_قاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحفاظ على الديمقراطية
- القيم والمصالح في السياسات الدولية
- دولة قريش ومسلسل معاوية
- القمع الثوري وبناء الحرية
- صدام وبشار ورئيسي
- الوطن والامة في الوعي العربي
- غزة والهايدبارك
- القوة الاقتصادية بين استبداد الصين ودبمقراطية الغرب
- مسلمون بلا مذهب
- سلطة الفرد وسلطة القانون
- عاشوراء والدولة الاموية
- المعتقدات والدليل التاريخي
- الدين العربي
- المدنية بين النظم الدينية والايدولوجية
- العراق: من ابو مسلم الخراساني الى قاسم سليماني
- ربيع الوعي العربي
- العراق ودولة الطائفة
- النسوية المتطرفة والذكورية المتسلطة
- الدين ببساطة
- العقل الديني والعقل المدني


المزيد.....




- الأمم المتحدة: الدول التزمت بـ 70 مليار دولار لإعادة إعمار غ ...
- -التربية- تعقد اجتماعا للجنة التوجيهية لتقييم برنامج التعليم ...
- تعثر في تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين ينذر بأزمة تهدد الاتفا ...
- منظمات حقوقية تحذر من ملاحقة مدافعين عن أراضي السكان الأصليي ...
- الأونروا: إسرائيل تواصل منع إدخال مساعدات لغزة رغم وقف النار ...
- شهيدان بالشجاعية والاحتلال ينفذ حملة اعتقالات قرب رفح
- تعثر في تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين ينذر بأزمة تهدد الاتفا ...
- إدانة استهداف المرشحات والمرشحين وترويع الناخبين ومحاولات هز ...
- إعدام 3 أشخاص بتهمة السطو المسلح في إيران
- مصادر في غزة: مؤشرات إعدام ودهس بجثامين شهداء سلمها الاحتلال ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رائد قاسم - التقدم والحريات المدنية