|
اتفاق شرم الشيخ: عودة الانتداب بثوب أمريكي – قراءة في مشروع “إعمار غزة” كواجهة للتطهير الرأسمالي والاستتباع السياسي.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 18:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة : مفارقة إعادة الإعمار في زمن الهيمنة والسيطرة.
ما جرى في قمة شرم الشيخ ليس مجرد توقيع بروتوكول أو لحظة رمزية لإعلان النوايا الإنسانية، بل هو فصل جديد في مسرحية طويلة تُديرها شبكة معقدة من المال والسلطة، حيث يطل المقاول المقنّع ، ترامب في هذه الحالة ، حاملًا خرائط الأرض ولائحة العقود، بينما تحاك في الظلّ آليات السيطرة وإعادة توزيع النفوذ. هذه الواقعة لا تعكس فقط تحوّلا في إدارة الأزمات الفلسطينية، بل تجسد نموذجا معاصرا لإعادة بناء الدمار باسم التنمية، حيث تتقاطع مصالح الإمبراطورية مع مصالح حكام العرب وأوروبا وتركيا، في ما يشبه صفقة عالمية لإعادة هندسة الجغرافيا والاقتصاد على مقاس القوى العظمى. إن ما يجعل هذه الصفقة أكثر خطورة وتعقيدا هو أن التمويل المزدوج هنا ليس أداة مساعدة بل هو أداة الهيمنة نفسها: أموال تأتي من خزائن الارودولار الأميركية، موجهة لحفظ النفوذ الإمبريالي، وأموال أخرى تأتي من دول عربية وأوروبية، تستثمر تحت شعار التنمية، لكنها في الحقيقة أداة لتثبيت مصالح هذه الدول في قلب الصراع الفلسطيني، وتحويل السكان إلى متلقين خاضعين للقرارات الخارجية، لا مساهمين في بناء حياتهم ومستقبلهم. هذا النموذج يتجاوز مجرد الإعمار، فهو محاكاة للعلاقات الاستعمارية الكلاسيكية التي عرفها الفلسطينيون عبر التاريخ، حيث يعود الانتداب البريطاني بثوبه الأميركي المعاصر، مستغلًا موقع ترامب المقاول لتحويل غزة إلى أداة سياسية واقتصادية شخصية، لا منطقة حياة حرة لشعبها. هنا، لا يُقاس النجاح بعدد المدارس أو المستشفيات التي تبنى، بل بقدرة هذه الأموال على إعادة هندسة السيطرة، وفرض أدوات النفوذ على الأرض، وضبط السكان عبر العقود والتمويل. في قلب هذه المفارقة تكمن الطبقة الاقتصادية العالمية التي تتحكم في مفاصل القرار، والتي تجعل من غزة مشروعا استثماريا تحت الحراسة، بدلا من أن تكون مدينة حرة تملك شعوبها السيادة على أراضيها ومواردها. كما أن الخطأ الفادح الذي يرتكبه بعض الحكام المحليين والدوليين هو تصديق الواجهة الإعلامية للمشروع، والاعتقاد بأن مجرد ضخ الأموال يعني حل الأزمة، في حين أن الواقع يفضح لعبة أكبر: إعادة توزيع الثروة والهيمنة الاقتصادية باسم الإنسانية والتنمية. يقول كارل ماركس: "تاريخ كل مجتمع حتى الآن هو تاريخ الصراعات الطبقية." هذه المقولة تصوّر بدقة ما يحدث اليوم في غزة: إعادة البناء ليست عملا إنسانيا بحتا، بل إعادة إنتاج للهيمنة الاقتصادية والسياسية، حيث تصبح مصالح القوى الكبرى فوق حياة الإنسان وحقوقه، وتتحول العدالة الاجتماعية إلى ورقة تباع على مقاس الربح والسيطرة.
النقطة الأولى: المقاول المقنّع ، ترامب وشبكة المال الإمبراطوري الموسّعة.
في هذا المشروع، لا ينظر إلى ترامب كمقاول عادي، بل كممثل لشبكة معقدة من المصالح العابرة للحدود. المقاول المقنّع لا يكتفي بتوقيع العقود أو إدارة المشاريع، بل يمتد دوره ليشمل تحديد الأطر السياسية والاقتصادية، توزيع الحقوق والواجبات، والتحكم في كل مسار التمويل، بحيث تتحوّل المشاريع الإنسانية إلى أدوات للسيطرة على الأرض والسيادة الوطنية. هذه الشبكة تشمل شركات متعددة الجنسيات، بنوك استثمارية، شركات أمنية، مراكز دراسات، مؤسسات دولية، وحكومات عربية وأوروبية، كلهم تحت غطاء “الإنسانية والتنمية”، بينما الواقع أن هذه الأموال تدار بآليات تضمن استمرارية النفوذ والسيطرة، وليس رفاه السكان.
+توسيع التحليل التاريخي: بعد غزو العراق 2003، شهدت مشاريع إعادة الإعمار ضخ ملايين الدولارات، لكنها تحولت إلى عقود احتكارية لشركات أميركية وغربية، وظهرت شبكة فساد واسعة، حيث بلغت نسبة الأموال التي ذهبت بالفعل للبنى التحتية المحلية أقل من 40٪. السكان المحليون لم يروا سوى كسور صغيرة من التمويل، بينما الشركات الأجنبية والعاملون في القطاع الخاص تحكموا بالسوق والسياسات. إعادة إعمار أفغانستان بعد 2001 أظهرت نمطا مشابها: شركات متعددة الجنسيات استحوذت على التمويل الضخم، وتم توظيف السكان المحليين في مشاريع مؤقتة تحت شروط صارمة، في حين بقي التحكم بالموارد الرئيسية في يد القوى الأجنبية. تجربة إعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية بين 1990–2000 تظهر مثالا آخر: الشركات الكبرى التي قادت عملية إعادة البناء حوّلت التمويل إلى مشاريع عقارية واستثمارية كبيرة، مع تغييب شبه كامل للبرامج الاجتماعية والحقوقية لسكان المناطق المتضررة، ما أحدث فجوة هائلة بين الحاجة الإنسانية وغايات الربح.
+التمويل المزدوج وأبعاده السياسية: في حالة غزة، ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو التمويل المزدوج: أموال الارودولار الأميركية: تذهب للحفاظ على النفوذ في الشرق الأوسط، وللضغط على الحكومات المحلية لتطبيق سياسات تتوافق مع مصالح الإمبراطورية، بما في ذلك قيود على المقاومة الفلسطينية والتحكم في السلطة المحلية. أموال عربية وأوروبية: تستثمر تحت شعار التنمية، لكنها غالبا تأتي بشروط سياسية واقتصادية، مثل تمكين الشركات الكبرى من الاستحواذ على السوق المحلي، وتحديد من يشارك في التشغيل، وحتى فرض شروط أمنية وتقنية على المشاريع. هذا التمويل يحوّل غزة من مدينة مقاومة إلى أداة للهيمنة الاقتصادية والسياسية، حيث تفرض قيود على السكان، وتصبح العقود أداة لضبط الأرض وتوجيه النشاط الاقتصادي بما يخدم مصالح الشركات الكبرى والدول المتدخلة، لا شعوب غزة نفسها. كما قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو: "السلطة ليست شيئا يمتلك، بل شبكة من العلاقات تمارس." هنا السلطة تمارس عبر المال، العقود، وشبكات النفوذ، وليس عبر رغبات السكان أو حقوقهم.
+الشواهد المعاصرة: في وثائق "Gaza Reconstruction Projects: Advances and Shortcomings"، وثق أن الشركات الكبرى غالبا ما تتحكم بنسبة تتجاوز 70٪ من التمويل، بينما يحصل السكان المحليون على وظائف مؤقتة وبأجور محدودة. تقرير Strategic Analysis Australia يشير إلى أن “المشاريع الإنمائية الكبرى غالبا ما تحوّل السكان إلى مجرد متلقين، بينما يبقى التحكم بالموارد الاستراتيجية في يد المقاولين الدوليين”. منظمة Transparency International تؤكد أن المشاريع الكبرى لإعادة الإعمار في المناطق المتضررة تحتاج إلى آليات رقابة محلية صارمة لتجنب الفساد واستغلال التمويل في مصالح خاصة بدل رفاه السكان. باختصار، المقاول المقنّع ليس مجرد شخصية أو شركة، بل واجهة لمشروع عالمي لإعادة توزيع الثروة والسيطرة على غزة، حيث تستخدم المشاريع الإنسانية كستار لفرض النفوذ، وضبط السكان، وإعادة هندسة العلاقات الاقتصادية والسياسية لصالح الأطراف الأجنبية.
النقطة الثانية: شرم الشيخ كواجهة لمشروع الهيمنة الجديدة .
قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد اجتماع بروتوكولي دبلوماسي أو توقيع اتفاقيات ظاهرية، بل تمثيل مسرحي متقن لعلاقات القوة والسيطرة، تحت شعار الإنسانية والتنمية. هنا، نجد الرئيس الأميركي ترامب في ثوب المقاول، يمثل ليس فقط دوره الرسمي كرئيس دولة، بل كـ"وجه واجهة" لشبكة دولية معقدة تتداخل فيها شركات متعددة الجنسيات، بنوك استثمارية، تحالفات إقليمية، ووسائل إعلامية ضخمة، لتقديم المشروع على أنه إنساني، بينما الحقيقة السياسية والاقتصادية تظهر محاولة إعادة هندسة غزة بما يخدم مصالح خارجية على حساب السكان المحليين.
أولا: النفوذ الإقليمي والدولي ، شراك معقد للهيمنة: شبكة القوى المشاركة في شرم الشيخ تظهر تحالفا معقدا بين أطراف لها مصالح متقاطعة: -الولايات المتحدة: تستخدم التمويل و"الارودولار" كأداة لضبط اللعبة السياسية في غزة، مع إملاء شروط على السلطة المحلية والفصائل، مثل الحد من نشاط المقاومة، وتوجيه الموارد نحو مشاريع تحت إدارة الشركات الكبرى. -الدول الخليجية: تسعى للحصول على حصص اقتصادية في سوق إعادة الإعمار، فتح أسواق للشركات الخليجية، وضمان ولاء سياسي داخلي عبر عقود مشروطة. -أوروبا: تتعامل مع التمويل كوسيلة لربط التنمية بشرط النفوذ السياسي، وتحقيق مصالح شركاتها الكبرى، مع فرض شروط رقابية أحيانًا تجعل السكان مجرد متلقين. -تركيا: تعمل على فرض وجود تقني وإقليمي، مع استغلال مشاريع إعادة الإعمار كوسيلة لتثبيت نفوذها، حتى لو كان ذلك على حساب حرية السكان وكرامتهم، مستغلة الواجهات الإنسانية والتقنية للتسلل إلى الأرض الفلسطينية. هذا التداخل يجعل من غزة مختبرا لتطبيق نموذج الهيمنة الحديثة، حيث تتحكم القوى الأجنبية في السياسة الداخلية، الاقتصاد، وحتى في حركة السكان. هذا ما يسمّيه المفكرون اليساريون "الهيمنة المزدوجة"، أي السيطرة الاقتصادية والسياسية في آن واحد، مع توظيف أدوات التمويل كوسيلة ضغط ومراقبة.
ثانيا: التمويه الإعلامي والسياسي ، صنع سردية الزيف: الاتفاق في شرم الشيخ يصنع سردية إعلامية جذابة، مع تقديم المشاريع التنموية كدليل على "نهضة غزة"، بينما الخطة الحقيقية تخفي السيطرة الخارجية: -الغطاء الإنساني والتنمية: المشاريع الإعلامية تركز على المستشفيات، المياه، الكهرباء، شبكات الصرف، وفتح الطرق، بينما في الواقع جزء كبير من التمويل يذهب لعقود شركات كبرى خارج نطاق الرقابة. -الإبراز الإعلامي: وسائل الإعلام تركز على الرمزية والإنجازات المعلنة، لكنها تتجاهل العقود الاحتكارية، الرقابة التقنية، والشروط التي تُقيّد حرية السكان. -إخفاء أدوات السيطرة: إدخال البنية التحتية المراقبة، كاميرات المراقبة، أجهزة الاستشعار، وإدماج الشركات الكبرى يجعل السكان جزء من مشروع رقابي أكثر من كونه تنمويا.
ثالثا: السيطرة على المقاومة وإعادة هندسة الوعي الشعبي: +الغلاف الإعلامي يخفي هدفا سياسيا واضحا: تقليص قدرة المقاومة الشعبية على التأثير، وتحويل السكان من فاعلين إلى متلقين: +توظيف السكان كعمال موسميين، يضمن استمرار العمل في مشاريع محددة، بينما تظل إدارة الموارد الحيوية (الكهرباء، المياه، البنية التحتية) بيد الشركات الكبرى. +فرض قيود على المشاريع بما يضمن عدم استخدامها لأغراض المقاومة، مثل بناء المباني على أعمدة (pylons) لتسهيل الرقابة، كما ورد في بعض الدراسات التحليلية لمشاريع إعادة الإعمار الدولية. +دمج تكنولوجيا المراقبة والبنى الأمنية في التصميمات يجعل السكان مراقبين ومقيدين، وبالتالي تحويل غزة من "مدينة مقاومة" إلى "مدينة مراقبة".
رابعا: شواهد مقارنة وتاريخية: -إعادة إعمار العراق بعد 2003: شركات المقاولات الكبرى هيمنت على توزيع الموارد، بينما السكان المحليون اكتفوا بالوظائف الرمزية، وكانت العقود مشروطة بالولاءات السياسية. -أفغانستان بعد 2002: التمويل الدولي قاد إلى تسيّد شركات كبرى على البنية التحتية، مع الحد من مشاركة المجتمع المحلي، وتحويل المشاريع التنموية إلى أدوات نفوذ سياسي. -بيروت بعد الحرب الأهلية: سيطرة الشركات الدولية على المشاريع الكبرى، مع هامش ضئيل للمشاريع الاجتماعية والخدمية، مثال على تحويل إعادة الإعمار إلى أداة احتكارية. مقولة مؤطرة: أنطونيو غرامشي: "الهيمنة ليست فرض قوة فحسب، بل القدرة على جعل الآخر يشارك طواعية في اللعبة التي ترسم له."
النقطة الثالثة: التمويل المزدوج ، بارودولار العرب وديون أوروبا: التمويل هو أداة السيطرة الأكثر حساسية في إعادة إعمار غزة. يتسم بالازدواجية: تمويل إمبريالي مباشر ("بارودولار")، وتمويل عربي وأوروبي، غالبا باسم التنمية، لكنه مشروط بأهداف استراتيجية وسياسية.
أولا: البارودولار الأميركي ، أداة ضغط وتحكّم سياسي: +التمويل الأميركي يستخدم لفرض قيود سياسية وأمنية: قيود على المقاومة، إشراف على المشاريع، تحديد شركات المقاولات. +السكان المحليون غالبا ما يُحصر دورهم في تنفيذ محدود، مع قيود على المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار. +الأموال الأميركية توجه نحو العقود الكبرى، بما يخدم مصالح شركات عالمية، على حساب التنمية الحقيقية للسكان.
ثانيا: التمويل العربي والأوروبي ، مصالح مختلطة: يأتي باسم التنمية، لكنه مشروط بشروط سياسية واستراتيجية، مثل ضبط الفصائل الفلسطينية، وإعادة هيكلة البنية الاقتصادية. -المشاريع غالبا ما تصمّم بحيث يوظف السكان المحليون بحدود ضيقة وأجور منخفضة، بينما الشركات الكبرى تسيطر على السوق. -آليات الرقابة المدمجة في المشاريع، مثل الكاميرات وأنظمة الاستشعار، تُحولها إلى أدوات رقابة أكثر من كونها أدوات تنمية.
ثالثا: أبعاد التمويل المزدوج: +يحوّل السكان إلى عمال موسميين بدلاً من شركاء في إعادة البناء. +يتيح للشركات الكبرى الاستحواذ على مشاريع استراتيجية، مثل البنية التحتية الحيوية والموانئ. +يقيد الدول المانحة الكبرى تصميم السياسات المحلية، ويُحد من حق العودة والسيادة الوطنية.
رابعا: شواهد مقارنة: -لبنان بعد الحرب: شركات دولية تسيطر على المشاريع الكبرى، وتمويل خارجي مشروط بالتحكم في الأراضي والمرافق. -العراق بعد 2003: تحويل جزء من التمويل الدولي إلى أرباح للشركات الكبرى، مع تقليص دور السكان المحليين. -أفغانستان 2002–2010: التمويل الدولي يستغل لتثبيت النفوذ، بينما المشاريع التنموية المحلية لا تلبي احتياجات السكان. مقولة مؤطرة: نعوم تشومسكي: "التمويل الدولي غالبًا ما يُستعمل كسلاح للسيطرة، لا كوسيلة للتنمية."
النقطة الرابعة: تحويل غزة إلى منطقة استثمارية تحت الحراسة .
في هذا الفصل، يتحول النقاش من مجرد اتفاقية لإعادة الإعمار إلى رؤية متكاملة لتحويل غزة إلى منطقة استثمارية تحت الهيمنة المباشرة وغير المباشرة للقوى العالمية والإقليمية. ما يطرح اتفاق شرم الشيخ ليس فقط تسهيل إعادة الإعمار، بل بناء منظومة اقتصادية سياسية جديدة تتحكم في الأرض والسكان والموارد، وهو ما يعرف في الأدبيات السياسية بـ "الهندسة الاقتصادية للسيادة".
أولا: غزة كمشروع استثماري – إعادة تقسيم الأرض وإعادة إنتاج السيطرة: الاتفاقية لم تقدم مجرد خطط لإعادة البناء، بل أسست إطارا قانونيا وسياسيا يسمح بالتحكم في الأراضي والمرافق: +الأراضي المخصصة للإعمار تتحول إلى مشاريع صناعية وتجارية: مشاريع تدار بواسطة شركات متعددة الجنسيات، تتخذ القرار بشأن توظيف السكان واختيار الموردين والمعدات، في حين يُستبعد السكان المحليون عن أي مشاركة فعلية. +العمالة الموسمية والسيطرة على القوى العاملة: السكان يصبحون مجرد قوة عمل محدودة الوقت والأجر، تحت رقابة مباشرة من الشركات والممولين، بينما الإدارة الفعلية للمشاريع بيد هذه المؤسسات. +الهدف الباطني: تحويل غزة إلى حاضنة للربح التجاري والسيطرة الاقتصادية، وليس إلى مجتمع قادر على تقرير مصيره. +شاهد تاريخي: بعد حرب 2003 في العراق، أعيد تقسيم الأراضي والمرافق الصناعية تحت سيطرة شركات المقاولات الكبرى، بينما السكان المحليون فقدوا القدرة على المشاركة في اتخاذ القرار، وخرجت المشاريع عن مسار التنمية الحقيقية.
ثانيا: الحراسة الاقتصادية والأمنية ، المراقبة المزدوجة: +آليات المراقبة المدمجة: الاتفاقية تضمنت إدخال كاميرات مراقبة، أجهزة استشعار، ونظم إشراف خارجية لضمان الالتزام بالشروط الاقتصادية والسياسية. +ربط التمويل بالشروط السياسية: أي نشاط معارض أو مقاوم يؤدي إلى تجميد التمويل، ما يحول السكان إلى رهائن للسياسة الخارجية. +نتيجة ذلك: السكان المحليون يفقدون السيطرة على مواردهم ويصبحون أداة عمل مؤقتة، غير قادرة على التأثير في تصميم المشاريع أو تنفيذها. +مثال مشابه: في أفغانستان بعد 2002، استخدمت الأموال الدولية لفرض رقابة على السكان، مع إدماج قوى أمنية لضمان السيطرة على البنية الاقتصادية والمجتمعية، في حين كان السكان المحليون محرومين من أي قرار مستقل.
ثالثا: التمويل المزدوج والتحكم الدولي: الاتفاقية تعتمد نموذج تمويل مزدوج: -الجزء الأول: أموال مباشرة من الدول الكبرى (أوروبا، أمريكا، الخليج) تدار كأداة لربط الإعمار بالنفوذ السياسي، وليس فقط بالإغاثة الإنسانية. -الجزء الثاني: أموال من الحكومات العربية والأوروبية أو البنوك الاستثمارية، تحت عناوين "مساعدات تنموية"، لكنها في الواقع تحوّل إلى عقود مفصلة لمصلحة الشركات الكبرى. -شاهد: تقرير Transparency International حول مشاريع إعادة الإعمار في غزة يشير إلى أن "التمويل الكبير غالبًا ما يتم توجيهه نحو شركات مختارة مسبقًا، ويُفلت من رقابة المجتمع المدني".
رابعا: آثار على السكان والمجتمع: +السكان يستبعدون من اتخاذ القرار حول أولويات البناء، ويصبحون متلقين للقرار الخارجي. +المشاريع الاقتصادية الجديدة تحوّل الأراضي الزراعية أو السكنية إلى مناطق صناعية وتجارية، ما يهدد حق العودة ويقلّص الفرص الاقتصادية المحلية. هناك تحويل تدريجي للسيادة الاقتصادية والسياسية من المجتمع المحلي إلى شركات ومؤسسات خارجية، بينما يقدّم المشروع واجهة "إنسانية" لإخفاء هذا الهدف. مقولة داعمة: فريدريك إنجلز: "الاقتصاد هو البنية التي تبنى فوقها السلطة؛ حيث تقسّم الموارد تقسّم السلطة".
خامسا: التجارب المقارنة ، دروس من الماضي: العراق بعد 2003: السيطرة على المشاريع الكبرى بواسطة شركات المقاولات الكبرى، استبعاد السكان المحليين، تحويل التمويل إلى مصالح الشركات الأجنبية. أفغانستان بعد 2002: التمويل الدولي استخدم لفرض رقابة شاملة، وتقييد القرار المحلي، واستغلال العمالة الموسمية. لبنان بعد الحرب الأهلية: المشاريع الكبرى أعادت إنتاج النخب الاقتصادية والسياسية، وأخضعت الفضاء المدني للتحكم الخارجي.
النقطة الخامسة: من هندسة الأرض إلى هندسة الوعي: في هذه النقطة، لا نركز فقط على ما يبنى على الأرض، بل كيف يعاد تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي للسكان، وهو ما يميز التحليل النقدي اليساري العميق.
أولا: هندسة الوعي ، السيطرة على الفضاء الاجتماعي: +البرامج الإعلامية والتعليمية المرتبطة بالمشاريع تبرز السردية الخارجية عن التنمية، بينما تُهمّش المشاريع المحلية. +السكان يغرس في ذهنهم أن التنمية تأتي من الخارج، بينما الواقع أن السيطرة على الموارد والبنية التحتية تظل خارجية. +الهدف: تحويل السكان إلى متلقين للقرار، غير قادرين على المشاركة في صياغة المستقبل.
ثانيا: الشرعية والتحكم السياسي: الحكومات العربية والأوروبية تبرز نفسها كـ"صانعة سلام"، بينما في الحقيقة تغطي على مصالح الشركات الكبرى، وتضعف المقاومة المحلية. الفساد داخل المشاريع يحوّل السكان إلى ضعفاء أمام الممولين، حيث تصبح حقوقهم الاقتصادية والسياسية رهينة للتمويل الخارجي.
ثالثا: شواهد تاريخية ومقارنات: إعادة إعمار العراق: استغلال الأموال الكبيرة من قبل الشركات الكبرى لصالحها، مع تهميش السكان المحليين. مشاريع التنمية في أفريقيا بعد الاستعمار: فرض السياسات النيوليبرالية، والتحكم في الموارد، وإضعاف القدرة على التنمية المحلية. لبنان بعد الحرب: المشاريع الكبرى أعادت هندسة الفضاء المدني لصالح النخب المسيطرة، وأخضعت المجتمع لسيطرة اقتصادية وسياسية جديدة. مقولة داعمة: تروتسكي: "التحرير الاقتصادي بدون التحرير السياسي ليس إلا استبدال نير بآخر، بينما تحرير الوعي هو قلب النضال".
رابعا: الخطر الأساسي ، هندسة المجتمع من الخارج: التمويل والموارد تستخدم كأداة لفرض سيطرة خارجية على السكان. السكان الذين يعاملون كـ"عمال موسميين" يفقدون القدرة على التأثير في حياتهم اليومية. +الهدف النهائي: تحويل غزة من مشروع مقاومة حضارية إلى مشروع اقتصادي تابع، مغلق على حرية التفكير والقرار.
النقطة السادسة : من خزان يد عاملة مقموعة إلى اختناق القضية: كيف يُقضى على فلسطين بالمال.
1. التحوّل الهيكلي: من مواطنين إلى مخزون عمل مؤطَّر: ليس الأمر خطأً تعبيريا حين نصف ما يجري بأنه تصميم منظّم لتحويل سكّان غزة إلى خزان يد عاملة مقوَّعة. المقصود هنا تحول مركزي ومنهجي في العلاقة بين الإنسان والعمل، بحيث لا يعود المواطن صاحب حقّ وسيادة، بل يصبح وحدة إنتاج مؤقتة تُستدعى بالطلب وتُرحّلُ خارج دائرة القرار: +سيبنى الاقتصاد المحلّي على عقود قصيرة الأجل ومشاريع مرحلية، لا على استثمار في قدرات بشرية دائمة (تعليم تقني مستدام، مؤسّسات تعاونية، ملكية إنتاجية محلية). +العمالة ستكون مجهّزة وفق حاجة المقاول: مواصفات تقنية، عقود مؤقتة، أجور زهيدة، وبرامج تدريب فوري تهدف للاستهلاك المهني اللحظي لا لصنع قدرة اقتصادية ذاتية. +الفقر والاعتماد على دخل يومي أو موسمي هما آليتا الضبط الاجتماعي: كلما ازداد اعتماد الناس على هذه العقود القصيرة، كلما ضاق هامش حريتهم السياسية والاجتماعية، لأن خسارة الوظيفة تصبح عقابا فعّالا على الاحتجاج أو المقاومة. منطق العمل هذا ليس بريئا: هو منطق تسليع الإنسان وإخضاعه لآلية سوقية تحرسها قواعد التمويل الخارجي والشرطية الأمنية. الغاية ليست بناء مواطنين مستقلّين، بل صناعة قوى عمل قابلة للضمّ إلى مشروعات الشركات الكبرى تحت إشراف «الوصيّ الدولي».
2. آلية العمل: كيف يصنع الخزان؟ خمسة محاور عملية:
أركان هذه العملية عملية واقعية ويمكن مشاهدتها في تفاصيل السياسات المقترحة: -العقود قصيرة الأجل كقانون عمل افتراضي بدل عقود عمل دائمة وتوظيف طويل الأمد، تفرَض عقود تنفيذية محدودة المرحلة تلزم العمال بفترات تشغيل قصيرة، بلا حقوق تقاعدية ولا حماية اجتماعية. هذا يجعل العامل رهين رغبة المقاول في استمرار العقد. -التدريب التقني كتحويل «للكفاءة المسخّرة» برامج التدريب ستكون مصممة لتأهيل العمال لمهام محددة (تركيب، توصيل، تجميع) لا لصناعة مشاريع إنتاج محلي، وبالتالي يُدمَغ العامل كقيمة تشغيلية لا كمبدع أو صاحب مشروع. -منع الملكية المحلية للأدوات الإنتاجية الآلات والمخازن والمستورَدات تمتلك من قبل شركات المقاولات أو الشركاء الأجانب، ما يحرم المجتمعات من رأس المال المنتج ويحولها لطبقة تعمل على ممتلكات الآخرين. -الآليات المالية المشروطة التمويل يصرف على مراحل مربوطة بشروط أداء تقنية وسياسية (إقفال ملفات أمنية، تعاون في الرقابة، إلخ)، ما يجعل المجتمع كرهينة لتقارير خارجية. -ترتيب سوق الإسكان على مقاس الاستثمار بدل إعادة توطين السكان بملكية حقيقية، تبنى مشاريع سكنية مملوكة لشركات أو مجمعات استثمارية تؤجر أو تبيع بأسعار لا تطاق، ما يجرّ المجتمع إلى الاعتماد على الإيجار وسلسلة ديون. -النتيجة: قوة عاملة رخيصة، مرنة، مقوّعة، وغير قادرة على المطالبة الحقوقية أو السياسية دون خسارة البقاء الاقتصادي.
3. انعكاس على الضفة: نسخة مصدّرة من نفس النظام: لا يقتصر الخطر على غزّة وحدها. اتساع المشروع سيجعل الضفة الغربية هدفا لنسخ التطبيق نفسه. ذات الآليات التي سنذكرها أدناه ستزحف تدريجياً إلى الضفة: +توظيف الضفة كمصدر قوة عمل إضافية: عندما تكون غزة مشغولة بعقود موسمية، سيُطلب من ضفة معطّلة أن تصبح سوقا للعمالة المؤقتة تحت سرائر شركات متعددة الجنسيات، أو مسارا لبرامج تدريب تشلّ طموحات التوظيف الدائم. +شراء الأراضي والعقارات في الضفّة: نظام العقود والملكية المشروطة سيكون له امتدادات ،شركات استثمارية ستعرض أسعارا «مغرية» لشراء أراض وبيعها ثم إعادة تأجيرها كمشاريع استثمارية؛ هكذا تفقد الضفة تدريجيا أراضي زراعية وحلقات إنتاج غذائي مستقل. +فرض قوانين وممارسات سوقية: سيروّج لتسهيلات «الاستثمار» والقوانين التي تشجّع الخصخصة والتسهيلات الضريبية، فتضع الضفة تحت قيود سوقية شبيهة بما يجري في غزة. الضفة بهذه الصورة لن تكون «منطقة آمنة» منفصلة؛ بل مسرحا آخر لاستنزاف القدرات الشعبية، ما يجعل القضية الفلسطينية مجزأة داخليا: غزة تعمل كـ«مصنع موظفين»، والضفة تتحوّل إلى «مصدر أراض ورخيص قوة عمل»، وفي كلا الحالتين تخسر القدرة على تنظيم مقاومة موحدة أو بناء اقتصاد مستقل.
4. المال الإمبريالي والصهيوني كأداة شراء الأرض: آلية استباقية للإلغاء: +إغراق القضية بالمال ليس رحمة؛ بل سلاح. تشتري الماليات المقصودة ، أميركية وغربية وخليجية، وفي بعض الحالات استثمارات مرتبطة بمنظومات صهيونية—الشرعية والزخارف +السياسية والامتيازات القانونية اللازمة لعصرنة الاستحواذ: شراء العقارات تحت ستار الاستثمار: شركات تشتري ممتلكات، أو تبرم عقود تطوير مع ملاك أصليين بصفقات تبدو «مربحة» بالنسبة لهم، لكنها تزيل قيمة الاستخدام المجتمعي للأرض (زراعة، سكن مستدام) وتحوّله إلى منتج
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة والمقاومة: غنيمة التّاريخ وبوصلة الأحرار
-
من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر
-
الأفقية والقاعدية: تفكيك مفاهيمي وتحليل تطبيقي.
-
البناء القاعدي والتسيير الذاتي: بين النظرية، التجارب، والتحو
...
-
السلاح ، المخدرات و الادوية ، اسلحة للثراء و اخضاع الشعوب.
-
تحليل مقتضب للنرجسية الفردية و السّلطة والشعبوية.
-
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد ال
...
-
الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
-
الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
-
نقد الإبداع وإبداع النقد.
-
بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
-
اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا
...
-
قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني
...
-
11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
-
الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر
...
-
رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال
...
-
أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
-
البيروقراطية
-
السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
-
قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش
...
المزيد.....
-
ماذا قال رئيس إثيوبيا عن العلاقات مع مصر خلال تسلم أوراق اعت
...
-
اشتباكات -عنيفة- بين-حماس- ومنافسيها.. والسلطة الفلسطينية وإ
...
-
دور ترامب في اتّفاق وقف إطلاق النار كان حاسماً، لكنّه لا يشك
...
-
نتنياهو يتحدث عن الخطوات المقبلة بغزة ورأي ترامب بسلوكه
-
إسرائيل تتسلم رفات 4 رهائن عبر الصليب الأحمر وتعلن تقليص دخو
...
-
ستارمر يطرح نموذجا لنزع السلاح من غزة
-
3 جرحى بقصف إسرائيلي على جنوب لبنان
-
الهند.. مصرع 20 شخصا بعد اندلاع حريق في حافلة
-
واشنطن.. إجراءات ضد أجانب احتفلوا باغتيال تشارلي كيرك
-
تونس: ارتفاع عدد حالات الاختناق قرب مجمع كيميائي في قابس جنو
...
المزيد.....
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
المزيد.....
|