أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - كرم خليل - الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري














المزيد.....

الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري


كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث

(Karam Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 02:58
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في المشهد السوري الراهن، حيث تحوّل الوطن إلى مختبر دائم للخيبة، لم تعد المأساة في بنية النظام وحده، بل في تلك الطبقة الرخوة التي ارتدت ثوب «الثقافة» زمن الخوف، وتحوّلت اليوم إلى جوقة جديدة من المصفّقين في سوق الولاءات المتبدّلة. أولئك الذين كانوا يهمسون عن الحرية بخوف، صاروا الآن يصرخون بأعلى أصواتهم دفاعًا عن الاستبداد الجديد، وكأنهم يطلبون الغفران عن «ذنب» التفكير يومًا بوطن حر.

هؤلاء ليسوا أبناء فكرة ولا حاملي مشروع، بل هم نتاج عقود من القهر والفساد الثقافي، أعيد إنتاجهم على صورة الجلاد ذاته، بوجه جديد ولونٍ مختلف، دون أن يفقدوا تلك الرائحة الطائفية المنفّرة التي تحاول أن تتجمّل بشعارات ( المدنية ) و(الديمقراطية ). هم نسخة كربونية من الموالين القدامى، لا فرق إلا في الأسماء واللافتات. الجديد الوحيد هو في درجة الانحطاط، وفي غياب الحسّ النقدي، وفي استعدادهم لبيع قناعاتهم مقابل فتات الظهور أو دعوات لمؤتمرات لا تغيّر شيئًا في مأساة هذا الشعب.

إن أخطر ما يواجهه السوري اليوم ليس النظام ولا المعارضة في معناهما الكلاسيكي، بل الفراغ الأخلاقي والفكري الذي تمدد في الوعي العام حتى صار الخضوع نمط حياة، والمواربة ثقافة، والنفاق ذكاءً اجتماعيًا. لقد تسللت الموالاة الجديدة إلى كل مساحة كانت تُفترض أن تكون مساحة مقاومة فكرية؛ فأفرغت الخطاب الثوري من معناه، وحوّلت النضال إلى سلعة موسمية، والوطن إلى ورقة تفاوض في أيدي الطارئين على الوعي.

إن الموالاة الداجنة — تلك التي لا تمتلك الجرأة على النقد ولا الشجاعة على الاعتراف — هي في حقيقتها السبب الأعمق لانهيار كل سلطة تواليها. إنها الوجه الثقافي للخيانة، لأنّها تغلّف العبودية بخطاب عقلاني كاذب، وتستبدل المبادئ بالمصالح، والحقائق بالشعارات، والمواقف بالتصريحات التي تُصاغ في مكاتب العلاقات العامة.

منذ خمسة عشر عامًا، كان السوري يحلم بدولة قانون ومواطنة وعدالة. اليوم، يعيش بين سلطات متناحرة تشبه بعضها في القمع والفساد وادعاء الوطنية. أما المثقفون الذين كان يُفترض أن يكونوا ضمير الأمة، فقد انقسموا بين من باعوا أنفسهم للمال السياسي، ومن لاذوا بالصمت، ومن احترفوا التنظير للذلّ تحت لافتة “الواقعية السياسية”. هكذا تهاوت القيم، وتحوّل التاريخ السوري الحديث إلى سلسلة من الخيانات الصغيرة التي تراكمت حتى صارت جريمة كبرى ضد الوعي.

لكن وسط هذا الركام، لا تزال هناك قلة تؤمن أن الثورة ليست حدثًا، بل مسار وعي مستمرّ. الثورة ليست بندقية ولا شعارًا، بل إعادة بناء الإنسان السوري على أسس الكرامة والعقلانية والحرية. نحن لا نثور لنستبدل جلادًا بآخر، بل لنستعيد حقّنا في أن نحلم بوطن لا يُدار بالخوف ولا يُحكم بالمحسوبيات ولا يُرسم مستقبله في مكاتب المخابرات.

إن سورية الجديدة التي نحلم بها لن تُبنى بالموالين الجدد، بل بأولئك الذين لم يساوموا على كلمتهم، الذين آمنوا بأن الوطن فكرة لا تموت، حتى لو سقطت المدن وتهاوت الرايات. نحن أبناء مرحلة لم نختَرها، لكنها اختارتنا، لنكون صوتًا للحقيقة في زمن تكميمها، ولنقول إنّ الحرية لا تُقاس بعدد المؤتمرات ولا بكمّ التصريحات، بل بقدرة الإنسان على أن يقول «لا» حين يقول الجميع «نعم».

سيكتب التاريخ، كما كتب دائمًا، أن الطغيان لا ينهار بضربة سيف، بل بانكشاف زيفه أمام وعي الناس. وحين تنكسر أقنعة الموالاة الجديدة، سيتضح أن الثورة السورية، رغم كل ما اعتراها، كانت الحدث الأخلاقي الأعظم في التاريخ المعاصر، لأنها كشفت لنا من نحن، ومن لم نكن نريد أن نكونه أبدًا



#كرم_خليل (هاشتاغ)       Karam_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحياء في ضمير الثورة: الشهداء الذين حموا سوريا أحياءً وأموات ...
- حين يصبح الإجماع قيدًا: في نقد الوعي الجمعي العربي
- الليبرالية: مشروع وجودي أم مجرد جهاز قانوني؟
- تركيا بين اهتزاز الداخل وتشابك الإقليم: قراءة في الواقع والم ...
- سوريا بين خطاب المركزية وأزمة التشكل: قراءة في مسارات إعادة ...
- سوريا في معترك المواجهة: الخطة الوطنية للتصدي لهيمنة الإحتلا ...
- من بوق الحدث إلى عقل الأمة: الإعلام ودوره في بناء الثقة والو ...
- بسّام العدل: من بريق الطائرة إلى ظلام القمامة قصة خيانة تكشف ...
- بين الموعظة والقانون: رحلة الإنسان بين خلود الفكرة وفناء الج ...
- قانون قتل الإخوة في الدولة العثمانية: بين السلطة والفوضى
- التحول السوري: قراءة في المرحلة الراهنة وتوصيات لبناء الدولة ...
- أهمية العلاقات السورية الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة
- تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية في سوريا
- الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو ...
- وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
- ظاهرة التكويع وسلطة الأمر الواقع
- العدالة الانتقالية والية الاصلاح
- الجهاز الأمني السوري الجديد
- الجيش السوري: أزمة هوية واستجابة للثورة
- تحديات النصر السوري ومستقبله


المزيد.....




- دولة الاحتلال: أعراض العلة السوفييتية الراجعة
- العدد 623 من جريدة النهج الديمقراطي
- بيان المكتب الجهوي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة الجنوب ...
- بيان صحفي صادر عن القوى الثلاث – الجبهة الشعبية وحماس والجها ...
- حماس والفصائل الفلسطينية: مساع لعقد اجتماع وطني بدعم مصري لت ...
- اجتماع حاسم لليسار مع ماكرون وترقب لاختيار رئيس جديد للوزراء ...
- حرمان ابو الديار من الترشح للانتخابات.. النظام ينكل بالمعارض ...
- فرنسا: قادة أحزاب استقبلهم ماكرون يؤكدون أن رئيس الوزراء الم ...
- تركيا ترفع حظر الطيران على مطار في إقليم كردستان العراق بعد ...
- إتصال هاتفي بين الجبهة الديمقراطية وحزب النهج الديمقراطي الع ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - كرم خليل - الموالاة الجديدة.. وجه آخر للانحطاط السياسي السوري