نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 01:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نهاد أبو غوش
دعنا نتحدث عن دور "القيادة الرسمية الفلسطينية" وليس عن السلطة الفلسطينية بشكل عام، وقيادة منظمة التحرير هي نفسها قيادة السلطة، ولو دققنا أكثر سنجد أننا نتحدث عن فريق قيادي وليس عن هيئات قيادية، أي أننا نتحدث عن المتنفذين وأصحاب القرار وليس عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، أو المجلس المركزي والمجلس الوطني، ولا عن اللجنة المركزية لفتح ولا عن الحكومة، ولا عن "القيادة الفلسطينية" وهي صيغة ليست ذات قوام ثابت كان يتم اللجوء لها أحيانا. وعلى الرغم من وجود تداخل بين هذه الهيئات والشخوص لكن يبدو لي أن الهيئات آخر من يعلم فهي إما مشلولة أو مغيّبة، أو يجري استدعاؤها عند الحاجة لنيل مصادقتها على توجهات مقررة اصلا. يمكننا تقييم دور السلطة من خلال مواقفها السياسية المعلنة، كما من خلال خطواتها العملية، وأقول بكل أسف أن مواقفها السياسية العامة كانت تتراوح بين مواقف الشلل والعجز أو الاكتفاء بإصدار مواقف لفظية ومناشدات مجردة، وفي بعض الأحيان صدرت مواقف بالغة السلبية والضرر عن قيادة السلطة وصلت إلى حد الدعوة إلى محاسبة قيادة المقاومة، والادعاء بأن المقاومة منحت إسرائيل ذرائع لتنفيذ حرب الإبادة والأنكى من ذلك القيام بحملات قمع في الضفة مثل الحملة الأمنية في جنين وتنفيذ اعتقالات سياسية. مما سبق نستنتج أن دور السلطة في مواجهة حرب الإبادة كان محدودا وسلبيا، وتفسير ذلك إما لأن السلطة مكبلة ولا تستطيع موضوعيا القيام بخطوات فعلية جدية ضد هذه الحرب وهي التي امتنعت عن تنفيذ قرارات الإجماع الوطني في ظروف كانت أكثر ملاءمة، أو أن السلطة محكومة بعقلية أنها مطالبة بإثبات جدارتها وحسن سلوكها لكي يتم قبولها مع أن الأحداث تثبت أنه كلما أظهرت السلطة استعدادا للتنازل والتكيف مع المخططات الجارية كلما تعرضت لمزيد من الضغوط كما نرى في ممارسات إسرائيل في الضفة.
حين نتحدث عن الإصلاح يجب أن نشير إلى مصدرين لهذه الدعوات ما يجعلها متناقضة ومتنافرة، الدعوات الصادرة من قوى وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات فلسطينية وهيات أهلية وأكاديمية وغيرها وكلها دعوات إصلاح تدعو إلى بناء الوحدة الوطنية ودمقرطة مؤسسات منظمة التحرير، وترتيب البيت الفلسطيني، وبناء قيادة وطنية موحدة، وإجراء الانتخابات الرئاسة والتشريعية وللمجلس الوطني، وحماية الحريات العامة والحقوق المدنية وتعزيز استقلال القضاء، والتمسك بحق العودة وحقوق اللاجئين، ولكن هناك في المقابل ضغوط أميركية وأوروبية تدعو لإصلاح من نوع آخر، وهو إصلاح يلبي الشروط الأميركية الأوروبية، القريبة بل المتطابقة مع الشروط الإسرائيلية من قبيل إصلاح المناهج، والمالية العامة (وخاصة رواتب الشهداء والأسرى) ومنع التحريض، واختيار نائب رئيس ومكافحة الفساد ( مع أن الفساد مسكوت عنه إذا كان في صالح تعزيز السيطرة الإسرائيلية)، واعتقد أن الاستجاباعت الظاهرية الأخيرة لدعوات الإصلاح هي استجابات للضغوط الخارجية وليس للمطالب الداخلية، والدعوة الأخيرة للارنتخابات تشوبها عيوب جوهرية واضحة أبرزها توقيت طرحها في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة، وثانيا الحديث عن انتخابات مجلس وطني بمعزل عن الرئاسة والتشريعي، ثم التغيير غير المفهوم في نسب الانتخاب خلافا لقرارات إجماع وطني متخذة في هذا المجال، وصدورها بمعزل عن أي حوار وطني ومجتمعي جدي، ثم تعليق كل شيء على موافقة الاحتلال وهي الذريعة التي استخدمت لإلغاء الانتخابات التي كانت مقررة في أيار من العام 2021. ومن الواضح أن إسرائيل لن توافق على إجراء الانتخابات في القدس فضلا عن استحالة إجرائها في غزة وأبرز الدول المضيفة للاجئين وخاصة الأردن وسوريا ولبنان، إلى جانب تجاهل المداخل الوطنية المعتمدة والمتفق عليها للاصلاح وآخرها اتفاق بكين الذي اعتمد خلال الحرب على غزة ولم ينفذ منه شيء. والأغرب مما سبق هي الدعوة الموجهة لكل القوى الراغبة في المشاركة للموافقة على البرنامج السياسي للسلطة، وهي دعوة تستثني عمليا أكثر من نصف القوى السياسية وتبقيها خارج نطاق المشاركة.
لا اعتقد أن خيار حل السلطة هو واقعي أو منطقي، أولا لأن خيار حل السلطة قد يضر الشعب الفلسطيني أكثر مما يحرج إسرائيل والمجتمع الدولي، وإسرائيل بالمناسبة لديها خيارات جاهزة كي تستخدمها بدائل للسلطة من قبيل عصابات أبو شباب أو الإمارات التي تحدث عنها بعض العملاء، وحتى إمكانية التعامل المباشر مع مجالس محلية بلدية وقروية منتخبةـ وهناك اتجاه يتنامى في صفوف اليمين الإسرائيلي يدعو صراحة إلى تقويض السلطة مع أن الاتجاه المركزي في إسرائيل ما زال يريد سلطة ضعيفة خاضعة تعفيه من أعباء التعامل مع ملايين الفلسطينيين، ونقوم ببعض الوظائف الأمنية، وتخلق وهما بوجود عملية سياسية ولو متعثرة، كما أنها توحي بأن مشاكلنا الرئيسية ناجمة عن سوء أدائنا وليس عن الاحتلال. ليس المطلوب في رأيي عودة الاحتلال أو عصاباته لكي يتدخل في شؤون حياتنا اليومية وصحتنا وتعليمنا وباقي شؤون حياتنا، بل المطلوب تغيير وظائف السلطة وليس حلها، أي حصر وظائف السلطة في الجوانب الخدمية وبمعزل عن الدور الوطني والسياسي والمفاوضات التي يجب أن تكون من اختصاص منظمة تحرير موحدة تضم الجميع.
مطلوب جملة من الخطوات والإجراءات بعضها سياسي مركزي وبعضها عملي تنفيذي، ويمكن البدء بتنفيذ الجوانب العملية الملحة الواردة في اتفاق بكين وأبرزها تفعيل هيئة إصلاح وإعادة بناء منظمة التحرير، والتي يمكن أن تضطلع بدور الهيئة القيادية المؤقتة للمنظمة، وتشكيل حكومة توافق وطني، وبناء القيادة الوطنية الموحدة على مستوى مركزي وعلى مستويات المحافظات والقطاعات وتجمعات اللاجئين والمغتربين، بالإضافة إلى تكريس هيئة الأمناء العامين وعقد اجتماعات دورية لها، وتكليف هذه الهيئات إلى جانب لجنة الانتخابات المركزية مهام التحضير للانتخابات المقبلة في الوطن والشتات وحيثما أمكن.
أما بالنسبة للإجراءات فاعتقد أن الأولوية القصوى هي لوقف حرب الإبادة وإغاثة شعبنا في غزة، واضطلاع قيادة المنظمة بدور رئيسي في الجهود من أجل وقف الحرب وإغاثة غزة على قاعدة توافق وطني تستند لقرارات الحوار وليس لشروط تعجيزية.
من الخطوات العملية إعادة الاعتبار لدور الحركة الجماهيرية، من خلال تنظيم فعاليات موحدة في كل المحافظات وتركيز الجهود على مواجهة انفلات المستوطنين وعربدتهم، وإعادة التركيز على المهام الرئيسية للحركة الجماهيرية في الضفة بشكل خاص وأبرزها نصرة غزة وإغاثتها بالإضافة لقضايا القدس والمستوطنات واللاجئين وقضايا الحريات العامة والديمقراطية، وهي مهام تفرض نفسها كذلك على تجمعات شعبنا في الشتات.
من المهام الملحة كذلك إعادة بناء جميع الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية والعمالية على أسس ديمقراطية صحيحة بعيدا عن أشكال "التواطؤ بالكوتا" وسياسات الزبائنية والتنفيع التي تعيد إنتاج نفس القيادات ونفس الهيئات في كل مرة، وتفرغ هذه الهيئات من مضمونها وتحولها بالتالي إلى أجسام مفرغة من مضمونها ومجرد واجهات أو ابواق للحزب أو الفصيل الذي يقودها.
لا اعتقد أن من حقنا كمثقفين أو محللين أو ناشطين أن نتخلى عن هذا المطلب الضروري والحيوي، صحيح أن هناك عقبات جدية تعترض الوحدة، وهناك مصالح فئوية وفردية نمت وترعرعت في ظل الانقسام واستفادت منه حتى باتت تدافع عن إدامته، لا بل تختلق أسباب وذرائع لمنع وعرقلة اي جهود وحدوية جدية، ولكن علينا ألا نيأس لأن الوحدة هي شرط للانتصار، والمستفيد الأول من الانقسام هو الاحتلال وأعداء الشعب الفلسطيني وحريته. ولكن تحقيق الوحدة في حد ذاته هو عملية نضالية تراكمية مستمرة، وهي ليست مرهونة ولا ينبغي أن تكون مرهونة ولا ينبغي أن تكون مرهونة بقناعات الأطراف المختلفة، بل هي مسؤولية كل القوى المجتمعية والأهلية وليست مسؤولية الفصائل فقط، وبناء الوحدة الوطنية يمكن أن يتم بشكل تراكمي وليس بالضرورة أن يولد كل شيء جاهزا في ضربة واحدة، ويمكن تحقيق إنجازات مهمة في قطاعات بعينها مثل تجمعات شعبنا في الشتات وبلدان الاعتراب، أو تجاه قضايا محددة مثل نصرة الأسرى، ومواجهة الاستيطان
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟