أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لهيب خليل - المسرح لعبة المخفي والمحكي ..














المزيد.....

المسرح لعبة المخفي والمحكي ..


لهيب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 09:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما يدخل المتلقي إلى أي مسرح، يواجه منذ اللحظة الأولى عنصرًا بصريًا ثابتًا: الستارة التي تحجب الخشبة. هذه الستارة ليست مجرد عنصر تقني يفصل بين الجمهور والممثلين، بل هي جزء أساسي من لغة المسرح. فهي تؤدي وظيفة مزدوجة: من جهة، تثير فضول المشاهد وتجعله متشوقًا لمعرفة ما يُخفيه الفضاء المسرحي خلفها؛ ومن جهة أخرى، تعمل كإشارة رمزية تمهّد للدخول في عالم مغاير للواقع اليومي.
الستارة تمثل "المخفي" في المسرح، إذ تغطي الحكاية قبل أن تبدأ، وتجعلها محاطة بالغموض. إنها بمثابة وعد غير معلن للجمهور بأن هناك حدثًا سيُكشف لاحقًا، وأن ما هو محجوب الآن سيُعرض عليهم تباعًا. هذا الإحساس بالانتظار جزء من العملية الدرامية نفسها، لأن المسرح قائم على التدرج من الخفاء إلى الانكشاف، ومن الغموض إلى التوضيح.
كذلك، يمكن النظر إلى الستارة باعتبارها رسالة ضمنية من فريق العمل، من المؤلف إلى المخرج إلى الممثلين، مفادها: "تعالوا معنا لنفكك ما هو مخفي". فهي إعلان صامت عن بداية شراكة بين العرض والجمهور، حيث يشارك المشاهد في استكشاف المعنى وتفسير الحكاية. وبذلك، لا تكون الستارة مجرد قطعة قماش تُسدل وتُرفع، بل رمزا لبداية الرحلة المعرفية والجمالية التي يقطعها المتفرج داخل فضاء المسرح.
إذن، وظيفة الستارة لا تنحصر في الجانب الجمالي أو التقني، بل تتجاوز ذلك لتصبح جزءا من فلسفة المسرح ذاته، حيث يشكل المخفي والمحكي ثنائية لا غنى عنها. المخفي يخلق الترقب، والمحكي يقدّم الإجابة أو يفتح مجالًا للتفكير. والستارة هي أول تجسيد عملي لهذه الثنائية، فهي تغلق على الغموض وتفتح على الكشف في آن واحد.
المسرح، في جوهره، ليس مجرد منصة لعرض الأحداث أو سرد الحكايات، بل هو لعبة دقيقة بين المخفي والمحكي، بين الظل والنور، بين الغموض والوضوح. ففي المخفي، حيث يختبئ العالم خلف ستار من الظلام، تولد الأسئلة والهواجس والمشاعر والظنون والأحلام. هناك، في صمت العتمة، تتوه النفس الإنسانية بين الخوف والرغبة، بين الغموض والإثارة، فتنبثق منها صور الحياة بألوانها الخفية، وتتحرك المشاعر وكأنها كائنات مستقلة تبحث عن منفذ للتعبير.
أما في المحكي، فيسطع النور على خشبة المسرح، نور العقل والحكمة واليقين، فيكشف الحقائق ويجلي الأوهام. الكلمات هنا ليست مجرد حروف، بل شعاع يكشف ما كان مخفيًا في الزوايا، ويربط بين الأسئلة التي ولدت في الظلام وإجاباتها الممكنة. المحكي هو فعل التنوير، هو محاولة الإنسان لفهم ذاته والعالم من حوله، وهو الضوء الذي يوجه الفكر ويرشد العاطفة.
من هنا يمكن القول إن المسرح يعمل بوصفه لعبة توازن بين هذين البعدين: فإذا غلب المخفي تحوّل العرض إلى لغز مغلق قد ينفّر المتلقي، وإذا غلب المحكي فقد العرض عنصر التوتر والإثارة. والنجاح المسرحي يتحقق حين يستطيع المخرج والكاتب معًا أن يوفّقا بينهما بحيث يبقى المتلقي متأرجحًا بين ما يفهمه وما يظلّ مطروحًا على شكل سؤال.
المسرح إذا هو فضاء مزدوج، فضاء الظل الذي يثير الفضول ويحفز الخيال، وفضاء النور الذي يمنح الفهم والوعي. إن اللعب بين المخفي والمحكي ليس مجرد تقنية فنية، بل هو انعكاس لصراع الإنسان الدائم بين الرغبة في المعرفة والخوف من المجهول. ومن هذا الصراع يولد الجمال المسرحي، الذي يجمع بين المتعة والوعي، بين الحلم والحقيقة، بين العاطفة والفكر.
بهذا المعنى، يصبح المسرح أداة معرفية وجمالية في آن واحد: فهو لا يكتفي بعرض الوقائع بل يفتح مجالا لإعادة التفكير فيها، ولا يكتفي بطرح الأسئلة بل يقدم إشارات إلى مسارات الفهم الممكنة. إن ثنائية المخفي والمحكي هي التي تمنح المسرح خصوصيته مقارنة بسائر الفنون الأخرى، لأنها تجعله قائمًا على المشاركة النشطة بين العرض والمتلقي.
إن فهم المسرح بهذه الثنائية يجعلنا ندرك أن كل مشهد ليس مجرد حدث عابر، بل هو رحلة في عوالم النفس البشرية، رحلة تبدأ من الظلال لتنتهي بالنور، رحلة تكشف لنا أن الإنسان يعيش دائمًا بين الغموض والفهم، بين الحيرة والحكمة.



#لهيب_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمثيل قبل السياسة
- الصراع البريطاني الامريكي
- خفايا السياسة
- اليس ما يحدث هو الواقع
- قصة ساخرة
- كوميديا رمادية
- انتبه انت امام وهم ..
- كل عام ونحن مهرجين
- سياسة
- ديمقراطية لذيذة
- الحياة سائلة
- هل لازال للشعر ضرورة
- ابو الكذب ..
- عجيب ديمقرطية
- حكاية
- دراما رمضان
- هموم سلطانية
- مطرقة ماركس شعر
- تضامنا مع مظاهرات تشرين الاول العراقية
- حَمّام من اجل الوطن ....


المزيد.....




- ردّ عليها بشيء من الطرافة.. والدة جاستن بيبر تصلّي من أجله
- إيران تُعلق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتوجه رسالة للم ...
- كأنها ليلة العيد في غزة.. فلسطينيون يحتفلون باتفاق وقف إطلاق ...
- عمر ياغي.. فلسطيني أردني سعودي أمريكي يحصل على جائزة نوبل في ...
- عمر ياغي.. ثاني عربي يفوز بجائزة نوبل للكيمياء
- تكريم شهيد ومصابي -لخويا- في قطر تقديرا لتضحياتهم عقب العدوا ...
- مواقع التواصل بين مشكك ومرحب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة
- انتقاد وتحرك حكومي بعد تعنيف طلاب على يد مديرة مدرسة بسوريا ...
- ماذا يجري في اجتماع الكابينت بشأن اتفاق غزة؟
- ترامب: أنهينا حرب غزة وستنظم مراسم بمصر لتوقيع الاتفاق


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لهيب خليل - المسرح لعبة المخفي والمحكي ..