أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - عودة إلى -مزرعة الحيوانات-














المزيد.....

عودة إلى -مزرعة الحيوانات-


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 10:39
المحور: قضايا ثقافية
    


لا يرتقي العمل الإبداعي الكلاسيكي إلى مصاف العالمية إلّا في قدرته على تجاوز المباشرة والآنية ليحتلّ مكانه تاريخيًا عبر أجيال تسجّل له الخلود وكأنه يعبّر عنها في راهنيته بقدر تاريخيته، ومن هذه الأعمال الرواية الشهيرة الذائعة الصيت "مزرعة الحيوانات" لمؤلفها جورج أورويل، التي مضى على نشرها 80 عامًا، فقد صدرت حين كانت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها العام 1945، وكان الاتحاد السوفيتي قد خرج منها منتصرًا، ومثّل ستالين زعيمه مستقبلاً واعدًا في ظل الصراع الكوني السائد حينها لدى قطاعات واسعة من تلك التي كانت تفقد ثقتها بالنظام الرأسمالي ومستقبله، لاسيّما بعد مساهمته الكبيرة في القضاء على النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكريتاريا اليابانية.
وهنا يمكن استذكار ما قاله الشاعر الكبير الجواهري في قصيدته الموسومة "ستالينغراد"، التي نظمها في العام 1943 (93 بيتًا – بحر الرمل) والتي يبشّر بها بصعود الاشتراكية وسقوط النازية، وخصوصًا بامتداح ستالين:
يا " ستَالينُ " وما أعظمَها / في التهجي أحرُفاً تأبى الهجاء
وعلى الجرفين " عظمان " هما / رمزُ عهدَيْنِ انحطاطاً وارتقاء

لكن السؤال الكبير والمحيّر: ما الذي مكّن أورويل من كتابة تلك الرواية برؤية مستقبلية، حتى وإن كان الحاضر بائسًا؟ وكيف استطاع الولوج إلى مجتمع كان كل شيء فيه مكبوتًا وغامضًا، حيث قام بتحليل النفس البشرية بما فيها من قسوة وأنانية وخوف.
كنت أحاور صديقي الروائي شمران ‫الياسري (أبو كاطع) في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي حول رواية أورويل، فقلت له وأنا أطالع مسودات مخطوطة له بعنوان "مملكة الضبع الأكبر"، والتي نشرتها في كتابي "أبو كاطع - على ضفاف السخرية الحزينة" (1997) المتأثرة برواية "مزرعة الحيوانات"، لا تتصوّر أن هذه المزرعة هي في بلادنا فحسب، بل هي موجودة هنا حيث نقيم في الفردوس الاشتراكي (براغ)، فقد سمعت قصصًا وحكايات عمّا حصل لأصحاب الرأي والمختلفين مع إدارة الحزب القائد بعد "ربيع براغ" المُجهض العام 1968 وربيع بودابست (1956)، الذي تحوّل إلى شتاء قارص بالدبابات السوفيتية. وكانت تلك فرصة للتأمّل والمراجعة التدرجيّة بجانبها الفكري أولًا، ثمّ بمقاربات أوسع.
كانت رواية "مزرعة الحيوانات" التي أعدت قراءتها أكثر من مرّة قد منحتني قدرةً أكبر على رؤية بعض الحقائق والتناقضات، وهو ما عرفته لاحقًا حين اطّلعت على ميثاق 77، الذي تضمّن احتجاجات على شحّ الحريّات وهدر حقوق الإنسان، وكان ذلك بمثابة مقدّمة لانتفاضة العام 1989.
حكاية أورويل الخرافية عن مملكة حيوانية تمثّل أداة تشريح لمسار عدد من الدول الاشتراكية وفي مقدّمتها الاتحاد السوفيتي، وهي وإن تأثّرت بالدعاية الغربية كثيرًا، لكنّها كانت مرآةً عاكسةً للسردية الستالينية تنظيرًا وممارسة عبر سوسيولوجية عميقة وأنثروبولوجيا شاملة.
يمكنني القول أن الكثير من الأعمال التي صوّرت حالة أنظمة شمولية مثل الحقبة الستالينية أو ما يشبهها، خصوصًا في بلدان العالم الثالث، لكنها لم تكن قادرة على البقاء والاستمرارية مثلما هي "مزرعة الحيوانات"، التي صوّرت الجموح للسلطة والشهوة للتسلّط بردع وإخافة الناس ضمن منهجية ديناميكية قادرة على الإرعاب والإخضاع من جهة والتسيّد والهيمنة من جهة أخرى.
وبتقديري أن المسألة تتجاوز الحقبة الستالينية، بل أنها تصلح لمحاكمة أنظمة أخرى عاشت المرحلة التوتاليتارية مثل الماوية والبولبوتية والشاوشسكية والأنورخوجية وغيرها، إضافة إلى الأنظمة النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية، ثم الأنظمة الاستبدادية الدكتاتورية العراقية الصدامية والسورية الأسدية والليبية القذّافية والسودانية البشيرية وغيرها.
وفي كل هذه المنعطفات والانقلابات الحادّة أكلت الثورة المزعومة أبناءها، وغالبًا ما وقع الجيل الأول ضحية إرهاب وتصفيات وانتقام وصراع على السلطة، وتحوّلت تلك الأحلام النبيلة إلى كوابيس مرعبة، وأصبحت الشعارات البسيطة والمعقولة الداعية إلى الحريّة والكرامة والعدالة مجرّد امتيازات لأصحاب القرار والماسكين بالسلطة، وكان الخنزير (سكويلر) وزير الثقافة حسب الرواية يبرّر اختفاء أغذية بزعم أن إدارة المزرعة تحتاج إليها لعملها الفكري، وهكذا أصبح التمييز مشرعنًا وحكرًا على البيروقراطية المتحكّمة، أما جهاز الأمن الخاص (الكلاب التي تمّت تربيتها سرًا)، وفقًا لأورويل، فهي مزيج من الإعلام والدعاية والتسويغ الأيديولوجي والقمع البوليسي الفيزيولوجي.
إذا أردنا اليوم إدراك المعنى الأخلاقي لمزرعة الحيوانات، فإن الشعبوية في ظلّ النظام الرأسمالي السائد والمتنفّذ، هي التي تستحقّ ما ورد على لسان أورويل من نقد وتسليط ضوء على توحّشها. وكان أورويل قد حذّر من أن مجرد التخلّص من الاستبداد سيظهر قادة آخرون مستبدون، وهؤلاء هم اليوم من يتحكّم بالمزرعة، أو قل بمزارع الحيوانات المختلفة.
لعلّ لغة الرواية بما تحمله من دلالات هي التي يمكن أن تجعل المجتمع أشد قسوة حتى أكثر مما ورد فيها. وبغض النظر عن الأيديولوجيا، سواء كانت اشتراكية أم رأسمالية، علمانية أم دينية، يسارية أم يمينية، فإن لغتها حين تسيطر تفرض نظامها الشمولي وتضع وصايا بمثابة تعليمات، كما هو وارد في الكتاب الأحمر والكتاب الأخضر وما العمل وفلسفة الثورة وغيرها، تضخّها بوسائلها الدعائية المختلفة لتصبح التزامات على الناس، لا ينبغي عليهم مخالفتها وإلّا سيتعرضون للعقاب.
وبالطبع فالوصايا تشمل الناس العاديين (سكان المزرعة) وليس الإدارات العليا البيروقراطية المتسلّطة، التي يصبح الفساد في عرفها الديني وغير الديني مشرعنًا، والإرهاب مبررًا والتغوّل على الدولة مقبولّا.
بغض النظر عن الاتهامات الموجهة إلى أورويل، إلّا أنه جعلنا بقراءة روايته نشعر بثقل الاستبداد على الصدور وفي النفوس والعقول. إنها إدانة لكل قمع وكل عنف وكل قهر لإنسانية الإنسان. وقد يكون دافعًا لمنح الإنسان الأمل والقدرة على المقاومة والتحدّي.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏لا نقول وداعًا إنما نقول اشتياقًا - محمد بن عيسى: للحياة مع ...
- نموذج المفكر الراقي.. نموذج الفكر النشط
- ‏داوننغ ستريت ووعد بلفور
- الإنسان والمفكر
- صفاء الحافظ وصباح الدرّة: دائرة النسيان ودائرة الضوء
- المفكّر عبد الحسين شعبان.. نظرة شخصيّة
- عبد الحسين شعبان لجريدة المستقل: أنا حزين وحزني لا يعادله ثق ...
- مبادرة -أوجلان- تاريخية... والكرة الآن في ملعب الأتراك
- الهوّية وأدب المنفى
- شعبان.. من ثِمارِه تعرفونه
- سناء شامي: في تقريظ كتاب -دين العقل وفقه الواقع-
- أمسية البنفسج
- فيض فكري في عصر القحط الثقافي
- عبد الحسين شعبان ونظريته في تعظيم المشتركات
- الاجتماع الديني وثقافاته في خطاب المفكر العربي الكبير الدكتو ...
- ساعة توقّف الزمن
- أصبوحة شعرية لسنا شعبان
- باهرون... حقًا باهرون
- السياسة في مواجهة العنف
- الشعر والاغتـراب - خصوصية حالة السيّاب


المزيد.....




- حريق في منزل قاض بأمريكا.. والتحقيق جارٍ لكشف الأسباب الغامض ...
- جنيفر لوبيز تتألّق بإطلالة عنكبوتيّة مستوحاة من فيلمها الجدي ...
- بفيديو من زفافها.. سيلينا غوميز توجه رسالة لـ تايلور سويفت
- تحطم مروحية طبية على طريق سريع بأمريكا.. شاهد ما حدث
- تحفة معمارية..نظرة على دير منحوت بصخور جبل المقطم في مصر
- إسرائيل تحيي الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر
- سلوفينيا تختتم مهرجان R.o.R بمشهد فني يربط الإنسان بالكون
- تدخين التبغ في انخفاض مستمر والسجائر الإلكترونية تتصدر الأسو ...
- ألمانيا: مساعدات إعادة إعمار غزة جاهزة فور وقف إطلاق النار
- الضفة الغربية: أكثر من 31 ألف اعتداء إسرائيلي وأكثر من ألف ق ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - عودة إلى -مزرعة الحيوانات-