أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهض الرفاتى - التكية














المزيد.....

التكية


ناهض الرفاتى

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:51
المحور: الادب والفن
    


لم يكن يعرف أين يمشي، ولا إلى أين يتجه. اسمه لا يعد يهمه، فالأسماء في غزة تُنسى كما تُنسى الأرواح التي تُدفن بلا أكفان. لم تعد وظيفته تهمه فقد أصبح كل شيء في الماضي. والناس لا تحترم الا المناصب والحرب افقدت الجميع مكانتهم ,كان يمشي في مخيم النزوح, المكان يمتلا بالخيام كما هو ممتلئ بالقصص والالام والاحلام، لا يحمل شيئًا سوى ذاكرة مثقوبة، ووجه أمه الذي لم يعد يراه إلا في الحلم حتى الحلم أصبح غير ممكن وكل ما يراه الان ما ينفجر عقله الباطن به أحلام مخيفة ومزعجة.
قال في نفسه هل الحرب تُعرّي الإنسان أم تُعيد تشكيله؟ وهل الجوع يكشف الأخلاق أم يفضح غيابها؟ في زمنٍ لا يُقاس بالساعات، بل بعدد القذائف والضحايا، وقف يتأمل طابور التكية. لم يكن يبحث عن الطعام هذه المرة، بل عن إجابة: لماذا تأخرت الحرب؟ لماذا ترتفع فاتورة الموت والدمار؟ لماذا لا نغير احزابنا وسياستنا
قال في نفسه: "لعلّي أجد الإجابة هنا." كان يتساءل: هل هي مماطلة متعمّدة من أطراف الصراع؟ كلٌ يطيلها ليحقق ما عجز عنه في بدايتها. فالأخبار تكرر نفسها، والمصطلحات لا تتغير، كأن كل يوم هو اليوم الأول من الحرب. يسأل الناس مع كل نزوح جديد: "متى الفرج؟ متى يُعلن وقف إطلاق النار؟" يتأمل وجوههم، أقدامهم، أحذيتهم البالية، والأوساخ العالقة من شوارع محفّرة. ربما حتى الوضوء غاب عنهم، وربما الصلاة أيضًا. في طابور التكية، وجوه موشحة بالسواد، ربما لأنها لم تسجد لله ولم تشكره على النجاة. الأنانية والعدوانية تسيطر، حتى أن أحدهم قد يقتل لأجل كلمة أو تجاوز في الدور. الناس ينظرون لبعضهم كما نظر قابيل لهابيل، لكن الفرق هنا الطمع، وهناك الحسد ويقول في نفسه نحن أبناء القاتل بلا شك.
في التكية الكلام مختلف والنظرات الحادة تحتدم وبين الصمت والقلق تحدث بعض الحوارات هنا وبين الصراخ والشتائم تلقي بصرك هناك لا أحد يتكلم عن السياسة حينما يصرخ الجوع .
يتكلمون عن المساعدات الذي لم تصل، وعن الطفل الذي لم يعد وفقد يد امه وهي تمسك به، عن الجنائز المروعة والجثث الملقاة في الشوارع عن الام الفقد وعن أهالي الموتى ممن لم يجدوا حفرة في مقبرة لدفن أعزاءهم عن الجيوب الخاوية والخيام المهترئة عن العشاء الماضي ماذا كان .
في التكية، تأمل العاملين: هل هدفهم إطعام الناس؟ تحسين جودة الطعام؟ أم المال؟ ويسأل نفسه: "وماذا يتوقع الناس من التكية؟ "إنها مرآة تكشف عورات المجتمع في زمن الحرب، كما تفعل طوابير المياه والمساعدات. لا مكان فيها للأخلاق، ولا احترام للنساء أو كبار السن." تذكّر قول السيدة لموسى: "لا نسقي حتى يُصدر الرعاء، وأبونا شيخ كبير." لكن لا أحد هنا يفكر في الأرامل، أو الخيام بلا معيل، أو الشيخ الكبير.
في التكية، لا يُقال شيءٌ كامل. كل شيء يُقال نصفه، ويُترك نصفه الآخر للدمعة، أو للغصة، أو للسكوت.
التكية ليست مكانًا، بل حالة. هي غزة حين تُغلق الأبواب، ويُنسى الصوت، ويُترك الإنسان وحيدًا أمام الله، لا يطلب شيئًا سوى أن يُسمع.
على بوابات الانتظار امام التكية تجد كل الموبقات: الدماء تسيل، تُسب الذات الإلهية، وتُكسر الكرامة. ثم جاءه ذلك الشعور الغريب...
نسي وظيفته، نسي لون شعره، نسي حتى اسمه. صار مجرد ظل في الطابور، لا يُرى ولا يُسأل. في التكية، لا يُسأل الناس عن وظائفهم ولا عن عائلاتهم، ولا عن فصائلهم، ولا عن ولائهم. يُسألون فقط: هل جعت اليوم؟ هل فقدت أحدًا؟ هل ما زلت تحلم؟ يعتقد ان الأسئلة توجه من خلال المعاملة؟ الأكيد ان الجميع ينظر الي الاخر بانزعاج وتوتر. تعرف بعض الوجوه المغبرة من شراستها وحدتها من خلال خطاب الكراهية والعجعجة
في زمن النزوح، لا أحد يملك وقتًا للرحمة. الكل مشغول بجلب الماء، وتأمين الطعام، وتلقي المساعدات، والاهتمام بالخيمة التي صارت وطنًا مؤقتًا.
الناس كما قال النبي: "الناس كالإبل المائة لا تجد منهم راحلة " لا خير في كثير منهم." فلا راحلة تُهدى، ولا يد تُمد، ولا قلب يسأل: هل أكلت؟ هل حلمت؟
قال في نفسه: "المجتمع الصغير هذا هو صورة مكثفة للمجتمع الكبير. التكية ليست مجرد مكان، بل اختبار أخلاقي، ومسرحٌ للانهيار الداخلي."
رأى كيف يتقاتل الناس على آخر صحن، كيف يُضرب بعضهم بالطناجر، ويُهشّم الرأس لأجل لقمة.
رأى المصوّر يبتسم وهو يلتقط صورة الذل، كأنها إنجازٌ صحفي.
رأى كيف تُحرق الخيام، ويسيل الدم على الطعام، وتنتهي كل معركة بإطلاق نار. شاهد رجلًا يمد يده إلى الطنجرة، تحترق من سخونتها، لكنه لا يتراجع. شاهد رجل يزاحم بين الناس مثل الوحش الذي ينقض علي فريسته. بلا ادب او احترام.
قال في نفسه:
"السر هنا... المفتاح هنا...الاجابة هنا...الخطر هنا أيضا ...
العيب ليس في الطائرات التي تقتلنا، بل فينا.
في الطمع، في الاستغلال، في الصورة التي تُضحك المانح حين يرى الأطفال يهاجمون الطناجر."
غزة ليست ورقة سياسية، بل جرحٌ يُستثمر فيه الجميع: المتصالحون، المتحالفون، الأعداء، الأصدقاء.
كلهم يحملون ورقة الدم، ويضعونها على طاولة المصالح.
التكية عنوان للخزي والعار. مفردة كريهة، لا يفضّلها أهل التقوى. هي عنوان للجوع، للبؤس، للضياع. هي اختبارٌ أخير لطبيعة المجتمع الذي يعيش في ظل الحرب، وتحت سقف الذل.
"نحن لا نعيش هنا، نحن ننتظر أن يُعاد لنا ما سُرق: البيت، والكرامة، والحق في أن نحلم دون أن نخاف. هذا ليس مكاننا ولا هنا حياتنا "
التكية ليست قدرنا ولا طعامها ينفع اجسادنا لأنها تقتل الوعي فينا تقتل الكرامة تجعلنا نقطع الحبل السري بين الطهارة وبين عقولنا بأيدينا
انها لحظات قاسية تلك التي تجعلك تقف هناك وحالة من السخط تحول بينك وبين نفسك فيما الأطفال الذين يتدافعون هناك فلن تفلح معهم تربية وقد أصبحوا لديهم استعداد للجريمة والكراهية واغتصاب الحقوق



#ناهض_الرفاتى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل المعرفي
- تقدير موقف حول تهديدات نتياهو-انتظروا-
- تقدير موقف حول نجاح او فشل مبادرة ترامب ذات 21 بن
- الرواية: ساحة المعركة الحقيقية
- مرأة العذاب
- الوحش والمئذنة*
- مغسلة الموتى
- اسباب نتياهو لعدم وقف الحرب
- صناعة المأساة والخلاف السياس والدينى
- الإمارة والخلافات السياسية السلفية نموذجا
- مت قضايا الفكر الإسلامي والأنظمة السياسية محددات التقارب وال ...
- الحرب نجاه وبعث
- الفتنة الكبرى لطه حسين فى عيون المسيرى
- ثقافة الحزب أولها استبداد وأخرها فشل -رواية جورج أورويل والح ...
- انتعاش قطاع العقارات السكنية في غزة الأسباب؟
- التطبيع الاسرائيلى السعودي سيكون زواجا مثليا سياسي اذا ما تم
- الرياض والزواج المثلي السياسي مع تل ابيب ؟
- انتصار القهر وخسارة الكرامة لسلعة الانسان
- الشيء المفقود في لقاء الأمناء العامين الفلسطيني
- اقتصاد التفاهة والتعليم الغبي


المزيد.....




- بعد الفيلم المُرتقب.. الإعلان عن موسمين جديدين من مسلسل -Pea ...
- عاجل.. المصري خالد العناني مديراً لمنظمة اليونسكو
- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تنتخب ...
- فنان تونسي بأسطول الصمود: نعتذر لأهلنا بغزة لأننا لم نصل إلي ...
- اليونسكو تختار مديرا عاما يقودها في مرحلة بالغة الصعوبة
- فيلم تايلور سويفت يعتلي صدارة شباك التذاكر متفوقا على -معركة ...
- لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتي ...
- لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتي ...
- جغرافيون مجتمعون في فرنسا يناقشون ترامب و-إعادة كتابة الجغرا ...
- سوريا: تشكيل أول برلمان منذ إطاحة الأسد وسط انتقادات لآلية ا ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهض الرفاتى - التكية