أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهض الرفاتى - مرأة العذاب














المزيد.....

مرأة العذاب


ناهض الرفاتى

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 16:53
المحور: الادب والفن
    


طابور الماء... مرآة الذات في زمن النزوح

خرج قبل طلوع الشمس، وقد صلى الفجر بقلبٍ مثقل، لا يعرف إن كان يسعى إلى الماء أم إلى شيء من الطمأنينة. سار بخطى مترددة نحو نقطة توزيع المياه، يحمل قالونات فارغة، ويجر خلفه ذاكرة مثقلة بالصور، بالوجوه، بالأصوات التي لا تهدأ.
وقف في الطابور، كما يقف الناس في طوابير الحياة، ينتظر دوره، وربما ينتظر شيئًا آخر لا يعرفه. ساعة، ساعتان، وربما أكثر، والحنفية لا تفرّق بين من جاء أولًا ومن جاء مضطرًا.
نظر حوله، وتأمل. لم يكن التأمل ترفًا، بل ضرورة. رأى الناس يتزاحمون، يتدافعون، يتبادلون الشتائم كما يتبادلون الغالونات. رأى الأنانية، الجشع، السطوة، الخداع. وسأل نفسه:
"هل طابور الماء انعكاس لحقيقتنا؟ هل هو مقياس لأخلاقنا، لثقافتنا، لانتمائنا؟"
تذكر المساجد، العائلات، الجامعات، مراكز التدريب التي أنفقت الملايين لتعليم الناس إدارة الأزمات والكوارث. أين ذهبت كل تلك التربية؟ أين ذهبت المواعظ؟ أين ذهبت الاستقامة التي يُنادى بها في كل صلاة؟
رأى النساء والأطفال وكبار السن، رأى الشبان بعيون جاحظة وملامح منتفخة، مستعدون للشجار لأتفه الأسباب. رأى مجتمعًا لا يطيق نفسه، لا يحتمل براءة ولا خبثًا، لا يفكر أحد في الخير لأحد، فالكل ينظر إلى الآخر كذئب. قال لنفسه: "إنه مجتمع الذئاب، مجتمع الفوضى، مجتمع الغوغائية."
رأى رجلًا يملأ قالونا لا تُحصى، يحتكر الحنفية، وحين يُعترض عليه، يرد بلهجة أهل الشجاعية: "الدنيا الصبح... صلوا على النبي أحسن."

رأى فتاة تضرب فتى، وأولادًا يتراشقون بالحجارة، وشتائم لا تُقال إلا في لحظات الانهيار. رأى رجلًا يساعد الناس، لكنه في الحقيقة يملأ قالونات خيمته. لا عدالة، لا كرامة، لا احترام، لا شفافية، لا مسئولية. جلس بجوار رجل سأله عن الصفقة، فقال له بثقة: "طالما مصر داعمة، فالصفقة قريبة... مصر لا تخون القضية الفلسطينية. صدّق الرجل، لكنه ظل يراقب الحنفية، كأنها بوابة النجاة. رأى النساء وقد شكلن مجلسًا خاصًا لانتظار الماء، وسمع إحداهن تقول إنها تخشى الحضور في الصباح خوفًا من الكلاب الضالة أو من أحد الأشرار. رأى الأطفال بملابس متسخة، بشعر فوضوي، يتشاجرون، وسأل نفسه: "أليس هؤلاء كانوا قبل عامين في المدارس؟ أليس هؤلاء النسوة كن يجهزن الإفطار لأبنائهن؟ ماذا حدث؟" تذكر كيف أن حياة الخيام والنزوح والازدحام والاختلاط في المدارس والمؤسسات الحكومية قد أفرزت هذا المشهد. لكن أين الأخلاق؟ لماذا اختفت؟ تأمل وجوه الناس، عيونهم، شحوبهم، ملابسهم، وتذكر حادثة في رفح، حين اعتدى شاب على ابنه، وحين دافع عنه، لم يرحم الشاب شيخوخته، بل اندفع إليه يريد أن يضربه. ناقش شابًا اعترض على من يحضر من خارج المكان، وقال له: "من أخطر؟ من لا يلتزم بالطابور أم من يحتاج الماء؟" فرد الشاب بوجه شاحب وعيون غاضبة "الأخطر من يحضر من خارج المكان."عرف أنه من سكان المخيم، لا يريد أن يشارك أحد في الماء، رغم أنه مجاني، ويكفي الجميع لو قُسم بعدالة. قال لنفسه: "الناس لا ترى في الانضباط إلا ثقافة الضعفاء، أما الأشرار فيرون الطابور ساحة عرض للقوة والسيطرة." تذكر خطيب مسجد القسام، حين قال متعجبًا: "رغم أن الإمام يقول في كل صلاة: استقيموا يرحمني ويرحمكم الله، إلا أن الناس لا تنتظم، لا في الصلاة، ولا في الحياة." تذكر كيف يخرج الناس من المسجد كأنهم يهربون منه، وكيف لم تُنتج الصلاة نظامًا ولا استقامة. حدثه رجل عن مصنع في اليابان يضم ستة آلاف عامل، يدخلون ويخرجون في وقت واحد، دون ازدحام، كأنهم ستة أشخاص، لا ستة آلاف. سأل نفسه: "لماذا نجحوا وفشلنا؟ لماذا نتحدث عن فشل المفاوضين، وننسى فشلنا في طابور الماء؟" سأل نفسه: "ماذا يقول الممول عن إيصال الماء لنا؟ هل ينعتنا بالوحوش؟ بالبهائم؟ أم ننعت أنفسنا بالتفاهة؟ كيف لشعب يُقتل دون تمييز أن يتزاحم بلا عدالة حول شرب الماء؟ والله يقول: وجعلنا من الماء كل شيء حي." قال لنفسه:
"حتى ونحن نشرب الماء، لا نشعر بالحياة. قست القلوب، ولم تصل إلى الحناجر، بل وقعت بين الأرجل، وما عادت ترحم صغيرًا، ولا توقّر كبيرًا." تذكر كيف سبّ رجل ستيني الذات الإلهية لأن قالون احتك بقالون ابنه، فعاد الابن دون ماء، أو عاد بعجز التقي. ثم صمت، ونظر إلى السماء، وقال لنفسه، كما كتب في ورقته ذات يوم: "نحن لا نكتب لننتصر، بل لنُبقي الذاكرة حيّة. نحن لا نحاور الحرب، بل نحاور أنفسنا لنفهم كيف ننجو دون أن نفقد إنسانيتنا."
ثم همس مع نفسه كأنه يناجيها: "إن الله موجود... ولن يتركنا."



#ناهض_الرفاتى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوحش والمئذنة*
- مغسلة الموتى
- اسباب نتياهو لعدم وقف الحرب
- صناعة المأساة والخلاف السياس والدينى
- الإمارة والخلافات السياسية السلفية نموذجا
- مت قضايا الفكر الإسلامي والأنظمة السياسية محددات التقارب وال ...
- الحرب نجاه وبعث
- الفتنة الكبرى لطه حسين فى عيون المسيرى
- ثقافة الحزب أولها استبداد وأخرها فشل -رواية جورج أورويل والح ...
- انتعاش قطاع العقارات السكنية في غزة الأسباب؟
- التطبيع الاسرائيلى السعودي سيكون زواجا مثليا سياسي اذا ما تم
- الرياض والزواج المثلي السياسي مع تل ابيب ؟
- انتصار القهر وخسارة الكرامة لسلعة الانسان
- الشيء المفقود في لقاء الأمناء العامين الفلسطيني
- اقتصاد التفاهة والتعليم الغبي
- الملف النووي الايرانى والحريق المستبعد
- قفص الذهب وغباء السياسة
- - للمنتصر تذهب الغنائم -
- اليوم الثانى من رحيل الرئيس عباس ؟ لعبة العروش أم استمرار ال ...
- التطبيع الاسرائيلى السعودى القادم هدفه التطبيع السياسى أم ال ...


المزيد.....




- -مذكرات في فلسطين وإسرائيل-… كتاب يوثق تجربة مصرية في غزة ما ...
- مسسلسل -The Studio- الأكثر فوزًا بجوائز -إيمي- للفنون الإبدا ...
- حبّ تحت التقنين
- هذه هي الأفلام التي يفضلها بوتين؟
- فيلم -صوت هند رجب- يفوز بـ-الأسد الفضي- في مهرجان فينيسيا
- WSJ: غزة أصبحت نقطة استقطاب في عالم الموسيقى العالمي
- الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي: -طوبى لعينيْك يا أَنس الشرِيف- ...
- ملحمة جديدة تجمع سوبرمان بعدوه.. جيمس غان يكشف تفاصيل فيلم - ...
- -فلسطين 36-: فيلم لفهم انعكاسات الانتداب البريطاني على تاريخ ...
- صحف عالمية: الغزيون تعبوا من النزوح وظاهرة دعمهم تمتد إلى عا ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهض الرفاتى - مرأة العذاب