ناهض الرفاتى
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 16:52
المحور:
الادب والفن
الورقة النقدية التي في يده لا تكفي لتشبع بطنًا واحدًا، لكنها كل ما يملك فقد حصل عليها من تبادل شراء كليو من الفاصوليا وتفاجأ ان أحدا لا يقبلها قالت له زوجته: عد بها للبائع
فخرج من خيمته لا ليشتري، بل ليُقنع البائع بأنه لا يزال إنسانًا. كان يمشي على جمرٍ من الذكريات.
فغزة التي كانت تُشبه مدينة الصحابة في اسواقها، تسمع فيها المآذن تصدع بالآذان يرتفع، وقد بنيت المساجد بملايين الدولارات، والمهرجانات الإسلامية تملأ الساحات، وتُوزّع المصاحف، وتُبشّر بالنصر والجنة. قال في نفسه حين جاء الجوع، لم تصمد المآذن، ولم تُنقذ المصاحف، ولم تمنع الشعارات الوحش من الخروج من جوأتنا.
الناس يقتتلون على طوابير الماء، على صحن من العدس، على جرامات من السكر الذي يُباع من المساعدات المسروقة، الأسواق ممتلئة بالبضائع المسروقة لا لتُؤكل بل لتُباع.
الربا يقتل الفقراء بأسعار الفواتير والتحايل على نسبة الكاش، والتجار يحتكرون، والناس تُهان وتُذل وتُنسى.
يحدث نفسه وهو في طريقه الى البائع ليرد اليه الورقة النقدية
*لو كانت المساجد تُربّي، لا تُزيّن،
لو كانت المهرجانات تُهذّب، لا تُحرّض،
لو كانت السلطة تبني الإنسان، لا تُراكم المكاسب،
لما خرج الوحش من العيون، ولا من الأرصفة، ولا من طوابير الماء. *
وصل إلى البائع، مدّ الورقة، فرفضها.
لكن شابًا أمسك يده، قبّلها حينما قال له اعتبرني اباك ولا تغلبني،
هنا تدخل الشاب يحسم الأمر
– أعطه ورقة منيحة مخاطبا البائع، هذا أبونا. رجع إلى خيمته يحمل ضميرا لكنه خائف ان يتحول هو ايضا الى وحش هذا الشاب الذي قبل يده لأنه ذكره بابية جعل الوحش يختبئ فلا زالت هناك رحمة وان هناك خير قد يهزم الوحش اذا اخترنا الإنسان وليس المكاسب السياسية لكن في الطريق، رأى الوحش يعود. رآه في كل عين، في كل يد، في كل بسطة، في كل رغيف يُباع بثمن الكرامة.
رأى كيف تحول الوحش فينا إلى قاتل وسارق ومعتدى وان ألف مئذنة لن تمنع هذا التحول في اللحظة الراهنة فلقد خسرنا المعركة في بناء الانسان وفي تلك الليلة، كتب على ورقة صغيرة، علّقها في خيمته:
"المقاومة ليست أن تقتل عدوك، بل أن تحمي أخاك من أن يتحول إلى وحش."
ثم نظر إلى السماء، فتذكر المئذنة التي قد بطحت على رصيف الشارع المجاور بعدم قصفها للمسجد وقال:
"يا رب، لقد بنينا المساجد، لكننا نسينا أن نبني الإنسان."
#ناهض_الرفاتى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟