أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهض الرفاتى - مغسلة الموتى














المزيد.....

مغسلة الموتى


ناهض الرفاتى

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 16:52
المحور: الادب والفن
    


كان الصباح لم يكتمل بعد، والضوء لم يخرج من رحم الليل، حين وقفتُ أمام مغسلة الموتى. هناك، حيث لا يُعرف الناس بأسمائهم، بل بأحزانهم. وجوههم لا تنطق، لكنها تصرخ. عيونهم لا ترمش، لكنها تبكي. الحزن قد نحت في أجسادهم انحناءة لا تستقيم، وجعل من رؤوسهم موطناً للطير، كأنهم تماثيل من وجع. كل واحد منهم يرى نفسه الجسد القادم، المسجى على الرصيف، ينتظر تقرير الطب الشرعي، ومغسل الموتى، وكفن لا يليق بالحياة التي عاشها. كان من بينهم جسداً شاباً، لم يبلغ العشرين إلا قليلاً. اسمه حمزة. خرج ليحضر الطعام لعائلته، فكان الموت أقرب إليه من كيس الطحين. والده استشهد في حصار جباليا، حين حاول أن يجلب شيئاً من بيت أقربائه، فقصفته طائرة لا تعرف الرحمة. ومن بعده، صار حمزة المعيل الوحيد لأمه، وأخواته الست البنات ، وأخيه الصغير. لكن طائرة أخرى، لا تختلف عن سابقتها، ألقت عليه قنبلة فانشطر رأسه. أحضره ابن عمه إلى ما تبقى من مستشفى الشفاء، حيث كانت العيادات الخارجية، وصارت الآن بلاطاً للدماء والأنين.
بالامس حين جاء خبر اصابته دخلتُ المستشفى، فوجدتُ الجرحى على الأرض، لا سرير لهم، ولا طبيب. امرأة مسنة تصرخ، وأبناءها يبحثون عن طبيب. رجل يرفع سبابته، وطفلة مضرجة بالدم، كأنها ثوب أحمر منقوع بالحزن. الممرضات يركضن بين الممرات، يركّبن المحاليل في زوايا المكان، بينما الجثث تتراكم، والنداء على الأطباء لا يُجاب. بحثتُ عن حمزة، فوجدته ملقى، رأسه ملفوف، والدماء تنهمر، يتنفس بصعوبة. أمه كانت خارجاً، تبكي وتسألني: هل هو بخير؟ فأكذب عليها، وأقول: نعم، سيعيش. فتفرح مرة، وتبكي ألف مرة.
الطبيب قال: لا يستجيب للدواء. حالته صعبة. لا نملك له شيئاً. ضغطنا عليهم ليصوروا له صورة "سي تي"، لكن المستشفى لا يملك جهازاً. اضطررنا لنقله إلى مستشفى المعمداني، وهناك قالوا: حالته حرجة، والمسألة وقت. دعوتُ الله أن لا تفجع أمه مرة أخرى، بعد أن فقدت زوجها وابنتها، وبيتها. لكن الفاجعة جاءت مع الصباح: حمزة قد استشهد. عند باب المغسلة، حملناه للوداع الأخير. كان وجهه منيراً، كأن الموت اختار أن يمنحه لحظة جمال أخيرة. أمه صرخت: أريد أن أراه. عارضها البعض، لكنهم رضخوا. وحين رأته، قبلت حذاءه، رأسه، وبكت بجنون. تمسكت به، كأنها تريد أن تلتحم معه، أن تصبح جسداً واحداً. في تلك اللحظة، كان السؤال: كيف نجمع ثمن القبر؟ ألف شيكل. لا نملكها. لو كان يملكها، لما ذهب إلى مصائد الموت، حيث تُقتل الأرواح وهي تحاول أن تحيا. إسرائيل لا تريد أن تصل المساعدات بكرامة. اختارت طريق الإذلال، وشجعت اللصوص، وفتحت أبواب الموت. مغسلة الموتى تئن كل يوم، وجعها لا يُكتب، لكنه يُحفر في القلوب. تمر من هناك، فترى الجثث، وتعرف حكاية كل واحد منهم. تعرف الظلم، تعرف أن الأطفال يموتون مع آبائهم، وأن الطائرات لا تفرق بين صغير وكبير. لكن وسط هذا الركام، كانت الأم وحدها من ترى الحقيقة. لم تكن بحاجة إلى تقارير، ولا إلى تحليلات سياسية. كانت عيناها هما الشاهد، وكان وجعها هو الدليل.



#ناهض_الرفاتى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسباب نتياهو لعدم وقف الحرب
- صناعة المأساة والخلاف السياس والدينى
- الإمارة والخلافات السياسية السلفية نموذجا
- مت قضايا الفكر الإسلامي والأنظمة السياسية محددات التقارب وال ...
- الحرب نجاه وبعث
- الفتنة الكبرى لطه حسين فى عيون المسيرى
- ثقافة الحزب أولها استبداد وأخرها فشل -رواية جورج أورويل والح ...
- انتعاش قطاع العقارات السكنية في غزة الأسباب؟
- التطبيع الاسرائيلى السعودي سيكون زواجا مثليا سياسي اذا ما تم
- الرياض والزواج المثلي السياسي مع تل ابيب ؟
- انتصار القهر وخسارة الكرامة لسلعة الانسان
- الشيء المفقود في لقاء الأمناء العامين الفلسطيني
- اقتصاد التفاهة والتعليم الغبي
- الملف النووي الايرانى والحريق المستبعد
- قفص الذهب وغباء السياسة
- - للمنتصر تذهب الغنائم -
- اليوم الثانى من رحيل الرئيس عباس ؟ لعبة العروش أم استمرار ال ...
- التطبيع الاسرائيلى السعودى القادم هدفه التطبيع السياسى أم ال ...
- على العالم أن يشعر بالقلق
- واقع المساعدات التركية فى فلسطين


المزيد.....




- بيت المدى يستذكر الشاعر القتيل محمود البريكان
- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
- وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
- الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ ...
- إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهض الرفاتى - مغسلة الموتى