أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناهض الرفاتى - العقل المعرفي















المزيد.....



العقل المعرفي


ناهض الرفاتى

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة
في هذا الكتاب، لا نقرأ القرآن كما تُقرأ الكتب، بل نُصغي إليه كما يُصغى إلى الوحي، ونُحاور أسماء سوره كما يُحاور المتأمل إشارات القدر. فالعقل المعرفي القرآني، كما نقدّمه هنا، ليس عقلًا تقنيًا أو لغويًا فحسب، بل هو أداة تأملية، تستنطق المعاني، وتُحاور الإيحاءات، وتبحث عن المعرفة في ظلال الذكر وتحاول أن تحصل على الإذن من خلال الالهام وبما يفتح الله به على الكاتب.
إن اسم السورة في هذا المنهج ليس بديلًا عن موضوعاتها، بل هو وجودٌ معنويٌّ يرافقها، يدور في فلكها، ويُضيء مساراتها. هو عنوانٌ يحمل إشارات، لا يختزل المعنى، بل يفتح له أبوابًا، ويُمهّد للقارئ طريقًا نحو اكتشاف الخط البياني لموضوعات السورة، من خلال التأمل العقلي الذي يقترب من المعنى دون أن يدّعي امتلاكه.
ففي سورة البقرة، مثلًا نحاول أن نكشف عن سر الاسم "البقرة" بما نتأمله عن واقع العقل الجدلي لبني إسرائيل، الذي يُجادل في كل شيء، حتى في أوضح الآيات، مما يجعل اسم السورة مفتاحًا لفهم طبيعة الخطاب فيها. أما سورة المائدة، فهي عنوان لعطاء الله غير المحدود، في مقابل العقم الفكري والثقافي الذي أصاب بعض الأمم، حين طلبوا المائدة ثم كفروا بها. وفي سورتي الرعد والحديد، نلمح إشارات للقوة والخوف، كأدوات لمواجهة صلف الكفر، حيث تتجلى مظاهر الهيبة الإلهية في مواجهة التمرد البشري.
وما يهمنا من خلال تأمل نصوص السور هو التركيز على مفهوم لنموذج جديد يعرف بالعقل المعرفي القرآني الذي يعطى نوعا من القراءة العميقة التي تفتح آفاقًا جديدة لفهم المعاني الروحية والمعرفية في النص القرآني، ويمنحنا فرصة لربط الآيات بالحياة والعقل والمنهج. هذا العقل الذي يشير الى التفاعل مع النص، لا يستهلكه؛ عقلٌ يُلهمه الذكر، ويُنتج تصورات جديدة، قد تساهم في بناء وعي إصلاحي وتجديدي، في زمن تتقاطع فيه المعرفة مع الذكاء الاصطناعي، وتُعاد فيه صياغة المفاهيم الكبرى. إنه عقلٌ لا يكتفي بالتلقي، بل يُمسك بالقلم، ويكتب خواطره، ويُسجل إلهاماته، ويُشارك في رحلة الفهم، لأن القرآن قد يُسّر للذكر، فهل من مُذّكر؟
وقد أشار الدكتور فاضل السامرائي إلى أن "القرآن يُراعي أدق الفروق بين الكلمات، لأن كل لفظة فيه موضوعة في مكانها بدقة لا تحتمل التبديل"، مما يُعزز فكرة أن اسم السورة ليس عشوائيًا، بل هو جزء من هندسة المعنى أيضا. أما الشيخ عبد العزيز عودة، خطيب القسام، فقد بيّن أن "القرآن لا يُخاطب العقل ليُقنعه فقط، بل ليُحركه نحو الفعل"، وهو ما يتناغم مع فكرة العقل المعرفي كأداة تغيير.
فيما يقول الشيخ محمد عبده: "القرآن كتاب هداية لا كتاب جدل"، لكننا نرى أن الهداية نفسها تمر عبر جدل العقل مع النص، كما في سورة البقرة. أما حسن الترابي، فقد دعا إلى "تحرير العقل المسلم من أسر التقليد"، وهو ما يسعى إليه هذا الكتاب من خلال إعادة بناء العلاقة بين الاسم والمضمون. ويرى عبد الجواد ياسين أن "القرآن يُؤسس لمنظومة قيم تتجاوز الزمان"، وهو ما يجعل تأمل أسماء السور مدخلًا لفهم هذه المنظومة.
ويُضيف الدكتور راتب النابلسي أن "كل آية في القرآن تحمل رسالة تربوية"، فكيف إذا تأملنا اسم السورة كرسالة تربوية شاملة؟ أما الطاهر بن عاشور، فقد أرسى منهجًا تأويليًا عميقًا حين قال: "القرآن يُخاطب العقول على قدر استعدادها"، وهو ما يجعل العقل المعرفي أداةً لتفعيل هذا الاستعداد، وتحويله إلى وعي منتج.
هذا الكتاب هو دعوة لكل تالٍ للقرآن أن يُفعّل عقله المعرفي، أن يتأمل، أن يكتب، أن يُعيد اكتشاف العلاقة بين الاسم والمضمون، بين الإشارة والمقصد، بين الذكر والعقل. وهو محاولة لتأسيس منهج تأملي جديد، يُعيد الاعتبار للعقل المسلم بوصفه شريكًا في الفهم، لا مجرد متلقٍ للمعنى , هي محاولة لأن يكون الكاتب ممن استجاب لنداءات القرآن حينما خاطب الله الناس بقوله "يأ أيها الناس وحينما خاطب "بنى أدم " وحينما خاطب المؤمنون " يأيها الذين آمنوا" هذا الكتاب استجابة لرحلة العمر مع القران في خريف الحياه حيث تتجدد النفس مع انوار القران وتصبح فيها ساعات الحياه لا تقدر بثمن حيث الحياه مع القران أغلى ما في هذه الحياه وأن الغفلة عنه هي خيبة لا يدركها الا كل من عرف جمال وكمال القران وحاول ان يعيش معه وانتفشت نفسه وروحه الى تلك الهالة من العظمة التي تخيط بأنواره.
ناهض رسمي الرفاتي







سورة البقرة
توطئة
في رحاب القران الكريم تتجلى المعرفة في أدق تفاصيلها وتتصل الحقائق بأبعادها وتبقى لحظة التأمل فمع اسم "سورة البقرة" ذلك الاسم الذي ليس مجرد عنوان بل مفتاح بنيوي لفهم موضوعاتها. فالاسم "البقرة" قد يرمز إلى:
- الامتثال الظاهري دون فهم جوهري: كما في قصة بني إسرائيل حين طُلب منهم ذبح بقرة، فتلكّؤوا وسألوا أسئلة لا لزوم لها.
- التحول من الشريعة الشكلية إلى المقاصدية: السورة تفضح السطحية وتدعو إلى عمق الإيمان والعمل كما في تحويل القبلة.
- رمزية الذبح كفعل تطهير: من الشرك، من التردد، من التبعية العمياء كما هو في حادثة البقرة نفسها والى جانب تلك الإشارات نجد ان بنية السورة تتوزع على محاور كبرى:
1. التمهيد العقلي والوجداني (الآيات الأولى): تصنيف الناس إلى مؤمنين، كافرين، ومنافقين وخطاب القران الناس جميعا بالعبادة وصولا الى السؤال الأهم الوجودي لهم كيف تكفرون بالله؟
2. قصة الخلافة والابتلاء (آدم وبني إسرائيل): انتقال القيادة من بني إسرائيل إلى أمة محمد.
3. التحول من القبلة إلى الكعبة: مركزية التوحيد.
4. المنظومة التشريعية: من الأسرة إلى الاقتصاد إلى الجهاد الى الصلاة والحج والانفاق والصيام 5.ذكرمشاهد قرانيه من حياه الأنبياء والرسل كما حدث مع إبراهيم عليه السلام وموسى .
5. خاتمة السورة: دعاء التخفيف، والربط بين الإيمان والعمل وعدم تكلف ما لا تطيقه النفس البشرية.
ثانيًا: الإشارة الى تأملات بعض كبار المفكرين والمفسرين القدماء والمعاصرين حول السورة من زاوية موضوع الكتاب أسرار اسم السورة وبنية موضوعاتها في محاولة لرسم خط بياني قراني يحدد فيه فيما بعد درجة ارتباط كل موضوع مع الاسم والمعنى والرمز وقد تناولنا لكثير من العلماء القدماء والمعاصرين ننهل منهم الأفكار والمعاني مثل :
الزمخشري صاحب الكشاف ركّز على البلاغة والبيان، واعتبر قصة البقرة نموذجًا للجدل العقيم. ورأى أن السورة تفضح التلاعب بالنصوص وتدعو إلى الفهم العميق فيما الشيخ محمد عبده صاحب المنار رأى أن السورة تؤسس لعقلية الإصلاح، وتُدين الجمود الديني. اعتبرها دعوة للنهضة الفكرية والروحي أما الشيخ عبد العزيز عودة خطيب مسجد القسام بان هناك ربط بين السورة والواقع السياسي والاجتماعي ورأى أن قصة البقرة تكشف عن أزمة القيادة في الأمة كما أن فاضل السامرائي يرى درس للبنية اللغوية للسورة، وبيّن كيف أن كل لفظ فيها يخدم المعنى الكلي كما أن اسم السورة ليس عشوائيًا بل هو مركز دلالي وحسن الترابي وهو أحد المفكرين البارزين اعتبر السورة مشروعًا حضاريًا متكاملًا وركّز على التشريع كأداة لبناء الأمة وصاحب التنوير الطاهر بن عاشور رأى أن السورة تمثل انتقالًا من التوراة إلى القرآن درس المقاصد العليا في التشريع الوارد فيها وجودت سعيد راي أن تأمل السورة من زاوية اللاعنف والسنن الكونية وأن قصة البقرة تكشف عن عقلية التسلط مقابل عقلية الحوار والشيخ محمد الغزالي ركّز على البعد التربوي للسورة وأنها تعالج أمراض القلوب قبل أمراض المجتمعات فيما شيخ الازهر أحمد الطيب فقد تناول السورة من زاوية الوسطية الأزهرية و ركّز على التوازن بين العقل والنقل وكذلك شيخ الأزهر السابق عبد الحليم محمود رأى أن السورة تفتح بابًا للتصوف السلوكي ركّز على الآيات التي تدعو إلى التزكية والنية.
ثالثا: البيان التأسيسي للسورة:
ويضم مدخل العقل المعرفي إلى السورة والتي ينظر لها على انها ليست مجرد أطول سور القرآن فحسب، بل هي أطول نفسٍ معرفي في كتاب الله، يُخاطب الإنسان من أول لحظة تكوينه (النشأة الأولى) إلى لحظة تحمّله أمانة الاستخلاف (فحملها الإنسان). إنها ليست سورة الأحكام، بل سورة التحول، سورة التأسيس، سورة الانتقال من الوحي إلى الفهم، من النص إلى المقصد، من التلقي إلى الفعل. وكما هو القرآن. واسمها "البقرة" ليس عارضًا، بل هو مفتاح بنيوي يكشف عن أزمة العقل الديني حين يتعامل مع النصوص بسطحية، ويتهرب من الامتثال الحقيقي ويتخطى الاستسلام والانقياد لأمر الله تبارك وتعالى. وفحين نتأمل قصة البقرة نكتشف مرة تلو الأخرى عن عقلية التردد، الجدل، التهرب، والتُدين الشكلاني التي تُفرغ الدين من روحه وتدور مع النصوص وفق التدين المغلوط.
ان منهج ونموذج العقل المعرفي في التعامل مع السورة بدأ من سؤال: لماذا اختار الله هذا الاسم؟ ولماذا وُضعت هذه القصة في قلب السورة؟ ولماذا جاءت السورة بعد الفاتحة مباشرة، وكأنها أول درس تطبيقي في مدرسة الهداية؟ وصولا الي السؤال المحوري لهذا الكتاب ما هي اسرار معاني ودلالات الاسم ودرجة ارتباطه بموضوعات السورة؟ والتي قد تبدو بعيدة عنها للوهلة الأولي.أو أن درجة الارتباط قد تكون من زاوية لا يستطيع العقل ادراكها. حيث توقف عند حد طريقة الارتباط التي تتحدد بطريقة القرآن الكريم في وجود خط بياني يتصل بين الاسم ومحتوى الموضوعات؟ كما ان ذلك التأمل يحفز العقل المعرفي الى ترك أسئلة تحفز تأمل الناس في القران الكريم بحثا عن المقاصد العليا للإسلام وإيجاد ومساهمة وضع حلول للقضايا هذا العصر التي تستوجب العمل عليها من خلال رؤي مفكرين وعلماء إسلاميين ومثقفين في الامة.
رابعا: مقاطع وأقسام السورة
وفيها نستعرض تأمل الآيات الكريمة من خلال مجموعة من المقاطع او الأقسام حيث يمثل كل مقطع أو قسم من السورة نقاط بيانية لموضوعات السورة التي تتماشى مع الخط البياني القرآني الذي يربط بين دلالات الاسم وبنية المواضعات التي حملتها السورة , ونحاول في هذا العرض ان نقف علي بعض هذه الموضوعات وليس جميعها لان ادراك كل أسرار موضوعات كل الله لا يدرك كله لأحد من الناس؟ وتظل محاولة من الكاتب لتكتشف الحبل السري بين الذي يوصل بين الاسم والمواضعات المختلفة ونطرح التساؤلات المعرفية ونقرر الحقائق التي تطرحها المواضعات لتكون بمثابة رسم خط إصلاحي لسلوك الانسان الى الصراط المستقيم , فالقران ميسر للذكر الذي يعنى قابلية التنفيذ واسقاط النموذج على الواقع لينعكس صورة واقعية فذة. بشرية في حدودها ومحدداتها, ولقد تم وضع عنوان فرعى لكل قسم بحيث يمثل مركز الموضوع الذي نحاول أن نتأمله أو تكشفه لنا الآيات الكريمة أو من خلال ما يلهمه الله من معاني.












القسم الأول: الاستخلاف المشروط بالوعي والعمل:
افتتحت سورة البقرة، وهي أطول سور القرآن وأعظمها تشريعًا وتوجيهًا، ببيان واضح لا لبس فيه: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين". فجعل الهداية مشروطة بالتقوى، والتقوى مشروطة بالإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق مما رزق الله، والإذعان لما أنزل على النبي ﷺ وما أنزل من قبله، واليقين بالآخرة. وهكذا رسم القرآن في استهلاله صورة أهل الفلاح الحقيقيين، الذين لا يكتفون بالمظاهر، بل يبنون إيمانهم على الغيب، ويترجمونه إلى عمل. لقد ضم القسم الآيات الكريمة من ال آية1-20 تصنيف الناس بحسب مواقفهم الدعوة التامة فجعلهم ثلاثة:
- مؤمنون: ذُكروا في بضع آيات، ووصفت صفاتهم بإيجاز.
- كافرون: خُتم على قلوبهم، فلا ينفعهم إنذار.
- منافقون: خُصّوا بعدد أكبر من الآيات، مما يدل على خطورة نفاقهم، وعمق التناقض في نفوسهم. ولم يكتف القرآن بوصف المنافقين، بل ضرب لهم مثلًا هو أول مثل يُذكر في القرآن الكريم، فقال: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون" وهنا تتجلى الحكمة البلاغية والمعرفية التي تميز بها القرآن، والتي يقف عندها العقل المعرفي القرآني الإصلاحي وقفة تأمل عميقة يمثل فيها هذا المثل القرآني كمرآة للباطن المنافق. ونجد من تأمل هذا المثل الاستيقاد (كالذي استوقد نارا) ليس فعلاً عابرًا، بل هو طلب للنار من مصدر خارجي، مما يدل على أن المنافق لا يملك نورًا ذاتيًا، بل يسعى لاكتساب مظهر الهداية ليقنع من حوله بصلاحه. فهو يتكلف الإيمان، ويتظاهر بالتقوى، ويصلي أمام الناس، وينفق رياءً، لكنه يفتقر إلى جوهر الإيمان. فلما أضاءت النار ما حوله، أي حين بدا للناس أنه على نور، ذهب الله بنورهم، ولم يقل "أطفأ النار"، بل سحب النور نفسه، لأنه لم يكن نابعًا من داخلهم، بل كان انعكاسًا زائفًا. وهكذا، يُترك المنافق في ظلمات لا يبصرون، لأن حالته الأصلية هي الظلمة، والنور الذي كان يحيط به لم يكن له، بل كان عاريةً مؤقتة، زالت بزوال الموقف. وأجدني أشعر بأن البعد المعرفي والنفسي في هذا التصوير لهذا المثل بانه لا يُظهر المنافق فقط، بل يفضح باطنه، ويضعه أمام نفسه كمن ينظر في مرآة تكشف له ما كان يخفيه. وإذا سمعه المنافق، أحس بالألم، وشعر بالانكشاف، لأن الوصف دقيق وصادم، لا يترك له مهربًا. وهنا تتجلى عبقرية القرآن في التربية النفسية: فهو لا يكتفي بالوعظ، بل يُجسّد الحالة النفسية في صورة حسية، تجعل الإنسان يتأمل في صدق إيمانه وذاته، ويخشى أن يكون ممن استوقد نارًا، ثم بقي في ظلمات. نجد في كل هذا دعوة للتأمل والإصلاح الذي ليس مجرد تصنيف وحسب، بل دعوة للإنسان أن يحدد موقفه من هذه الأصناف. فالإيمان ليس كلمات تُقال، بل نور يُغرس في القلب، ويُترجم إلى عمل. والمنافق، مهما تظاهر، فإن الله علم ما في القلوب، ويكشفه في لحظة، ويتركه في ظلمات نفسه وهكذا تعتبر أولى آيات سورة البقرة، بما فيها من تصنيف ومثل، تمثل مدخلًا معرفيًا ونفسيًا لسورة عظيمة، تُرسي قواعد الهداية، وتُمهّد لما بعدها من تشريعات وقصص ومواقف وتكتشف معها اهل الكتاب وعقوق الطاعة وتعرف أكثر كيف يتلقى الناس أوامر الله حينما يكشف عن العقل الجدلي لليهود وبنى إسرائيل وحين تتعرض السورة لعشرات المواضيع التي يمكن ان نتأمل وجود خطا بيانيا يربط بين اسم السورة بما يحمل من اسرار وفتوحات وبين بنية الموضوعات.
وفى هذا الإطار لا نكتفي بتأمل نصوص الآيات الكريمة بل نحاول ان نبسط العبارة لعدد من العلماء والمفكرين الذين نجد في كتاباتهم هذه الروح التي تسري بين اسرار الآيات الكريمة وبين الواقع المعاش ففي حضرة الشيخ حسن الترابي نجد انه لا يقرأ النصوص ليشرحها، بل ليُفجّر طاقاتها الحضارية ويرى فيها أيضا مشروعًا متكاملًا لبناء الأمة والتحرر من التبعية: كما تحررت الأمة من قبلة بني إسرائيل، يجب أن تتحرر من كل تبعية فكرية وسياسية كذلك يعتبر التشريع كأداة للنهضة: الأحكام ليست قيودًا بل أدوات لبناء الإنسان الحر فيما يعتقد أن الجدل العقيم مرفوض: كما رفض الله جدل بني إسرائيل في قصة البقرة، يجب أن نرفض الجدل الذي يُعطل الفعل ويربط الترابي بين العقيدة والعمل: لا إيمان بلا مسؤولية، ولا توحيد بلا مشروع.
الترابي كان يرى أن السورة تُعيد تشكيل العقل المسلم ليكون فاعلًا، لا متلقيًا، مبادرًا لا تابعًا، مفكرًا لا مقلدًا. ان تأمل العقل المعرفي القرآني لأسرار الاسم البقرة وأصناف الناس من زاوية الاسم وتصنيف الناس نجده لا يعبر عن تصنيفًا خارجيًا، بل يُكشف عن جوهرهم من خلال موقفهم من الوحي، من الحقيقة، ومن التكليف. والاسم ذاته "البقرة" ليس رمزًا لحيوان، بل مفتاحٌ لفهم أزمة الإنسان حين يُطلب منه الفعل، فيُغرق نفسه في السؤال، ويتوارى خلف التفاصيل، ويهرب من الامتثال لذا نجد منطلقا فلسفيا ومعرفيا لما يمثله اسم السورة البقرة وربطه بأصناف الناس
الصنف الأول: الذين ذبحوا البقرة وهم كارهون هؤلاء هم الذين يُطيعون ظاهرًا، لكنهم يُجادلون باطنًا. يطلبون تفاصيل لا لزوم لها، ويُظهرون الطاعة وهم في الحقيقة يختبرون حدودها. هؤلاء هم نموذج العقل المتردد، الذي لا يرفض صراحة، لكنه يُفرغ الأمر من روحه.
الصنف الثاني: الذين رفضوا الذبح أصلًا وهم الذين يُنكرون التكليف، ويُعرضون عن الوحي، ويُقيمون لأنفسهم مناهج بديلة. هؤلاء هم الكافرون الذين لا يرون في البقرة إلا عبثًا، ولا في الذبح إلا خرافة.
الصنف الثالث: الذين فهموا الذبح كرمز للتحرر وهم المؤمنون الذين رأوا في البقرة رمزًا للانعتاق من التردد، من التبعية، من الجمود. ذبح البقرة عندهم ليس فعلًا جسديًا، بل موقفًا معرفيًا: أن تذبح التردد، أن تذبح الخوف، أن تذبح العقلية التي تُقدّس الشكل وتُهمل الجوهر.
الصنف الرابع: المنافقون الذين يُظهرون الفهم ويُخفون الإنكار هؤلاء يتحدثون بلغة الدين، لكنهم لا يذبحون شيئًا. لا البقرة، ولا الهوى، ولا التبعية. يعيشون في منطقة رمادية، يختبئون خلف الكلمات، ويُعطّلون الحركة
وهكذا فإن اسم السورة "البقرة" ليس مجرد عنوان، بل مرآة تُظهر وجوه الناس حين يُطلب منهم الفعل. فمنهم من يذبح البقرة ليُحرر نفسه، ومنهم من يذبحها ليُرضي الجماعة أو الطائفة أو الحزب، ومنهم من يرفض الذبح لأنه لا يرى فيه معنى، ومنهم من يُراوغ ليبقى في منطقة الإقرار. وهذا التصنيف ليس أخلاقيًا فقط، بل معرفي، حضاري، يكشف عن طبيعة العقل الذي يُنتج الفعل أو يُعطّله ويكشف عما يرسخ في باطن هؤلاء وهي دعوة لتحديد المواقف الاخلاقية والإنسانية من تلك الأصناف في عالم السياسة والثقافة والسلوك والاجتماع












القسم الثاني: العلاقة الوجودية بين الإنسان وربه
في هذا القسم من سورة البقرة الآيات الكريمة الذي ينحصر في الآيات من (21–29)، ووفقًا لمحددات نموذج العقل المعرفي القرآني الذي ينادي باستبطان أسرار اسم السورة، حيث يكشف اسم السورة شيء عن العقل المغشوش الجدلي لبني إسرائيل، في سياق السؤال الوجودي الذي يتخلل هذا القسم من السورة: كيف تكفرون بالله؟ الآية: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون". انه ليس مجرد استفهام بل صدمة معرفية، تهز بنية العقل الغافل عن دورة وجوده. هذا السؤال لا يُطرح على منكرين فحسب، بل على كل من غفل عن حقيقة الإحياء، عن كونه كان عدمًا ثم صار حيًّا، ثم سيموت ويُبعث، في دورة وجودية لا تقبل الإنكار إلا من عقل مغشوش، فقد البصيرة.
العقل المعرفي القرآني هنا لا يطلب من الإنسان أن يؤمن فقط، بل أن يتأمل في ذاته، في لحظة الإحياء الأولى، في كونه كان "ميتًا" لا يعلم شيئًا، ثم أُعطي الحياة، ثم سيُسلبها، ثم يُعاد إليه الوجود. هذا التأمل هو أساس كل معرفة، وكل موقف، وكل وعي. يا أيها الناس: نداء ما قبل الهوية الخطاب يبدأ بـ "يا أيها الناس"*، لا بـ " يا أيها الذين آمنوا"، لأن المقصود هنا ليس جماعة مؤمنة، بل الإنسان في مطلقه، قبل أن يتشكل في هوية دينية أو قومية. هذا النداء يسبق الإيمان، يسبق الانتماء، ويستدعي الإنسان في لحظة تكوينه الأولى، حين كان عدمًا ثم صار حيًّا. النداء هنا ليس دعوة إلى عبادة الله فقط، بل إلى إدراك العلاقة الوجودية بين الإنسان وربه: "اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون". فالتقوى ليست نتيجة العبادة فقط، بل نتيجة الوعي بالخَلْق، بالانتماء إلى دورة الحياة، إلى ربٍ خلقك وخلق من قبلك، وأنت لست استثناءً في هذا الوجود. ضرب المثل بالبعوضة: لتفكيك الغرور العقلي الآية: "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها"، تكشف عن منهج قرآني في تفكيك الغرور العقلي، الذي يرفض أن يرى المعنى في الصغير، في الهامشي، فيما لا يُحسب له حساب أو فيما يعتقد بانه تافه أو خارج سياق العقل والمعجزة. البعوضة هنا ليست مجرد حشرة، بل رمز لما يُحتقر في العقل الجدلي، الذي لا يرى إلا ما يُدهشه، ويكفر بما لا يوافق هواه هذا العقل هو ذاته الذي يُجادل في البعوضة، كما جادل بنو إسرائيل في البقرة، حين طُلب منهم ذبحها، فغرقوا في تفاصيل لا معنى لها، وسألوا عن لونها، وعمرها، وشكلها، بينما المطلوب كان واضحًا "فأما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم". العقل المغشوش لا يبحث عن الحقيقة، بل عن مبررات للهرب منها في هذا القسم وحالهم "ماذا أراد الله بهذا مثلا"، تتجلى ملامح العقل الجدلي لبني إسرائيل، الذي يُظهر الإيمان ثم ينقضه، ويطلب الآيات ثم يكفر بها، ويُجادل في كل شيء حتى البديهي. هذا العقل لا يسعى إلى المعرفة، بل إلى التملص منها، إلى بناء جدار بينه وبين الحقيقة، إلى تحويل كل أمر إلهي إلى معركة من الأسئلة , انه عقل مشوه يناور الذات العلية من المخلوق الضعيف.
ويبقى هذا المثل يضرب عبر بوابة الزمن لأنه دوما سوف يكون العقل الذي يرفض او يعارض التسليم ,وان الربط بين سر اسم البقرة وهذا المقطع القرآني منطقيا في جانب من جوانب موضوعات هذا القسم مع استقلالية وخاصية طرح الموضوعات في محدداتها وظروفها التشريعية والفقهية.
هذا النموذج من العقل هو ما يُحذر منه القرآن، لأنه يُنتج الكفر لا عن جهل، بل عن مراوغة، عن رفض للوضوح، عن رغبة في السيطرة على المعنى بدل التسليم له. ولذلك جاء السؤال: "كيف تكفرون بالله"، لا بوصفه استنكارًا فقط، بل بوصفه كشفًا عن خلل في بنية الإدراك، عن عقل لا يرى الحياة إلا حين تُسلب منه.
اسم السورة "البقرة" ليس مجرد عنوان، بل مفتاح لفهم طبيعة العقل الذي يُجادل في كل شيء، حتى في أمر بسيط كذبح بقرة. هذا الجدل العقيم هو ما يُعيد إنتاجه العقل المغشوش، الذي لا يرى في الأمر الإلهي إلا فرصة للجدل، لا للتنفيذ، ولا للفهم وهنا نكشف عن سر اسم البقرة بأنه ليس مجرد حيوان، بل رمز للعقل الذي يُغرق نفسه في التفاصيل، ويهرب من المعنى، ويُحول الوضوح إلى غموض، واليقين إلى شك. ولذلك كانت هذه السورة هي أول ما يُفتتح به القرآن بعد الفاتحة، لأنها تُعرّي هذا العقل، وتُعيد بناءه على أسس معرفية جديدة وبهذا التأمل، نكون قد استبصرنا هذا القسم من سورة البقرة في ضوء العقل المعرفي القرآني، وربطنا بين نداء "يا أيها الناس"، وسؤال "كيف تكفرون بالله"، وضرب المثل بالبعوضة، والعقل الجدلي لبني إسرائيل، وأسرار اسم السورة، في نسيج معرفي متماسك قد يكون مفتاحا وكشفا بين اسم السورة وبنية موضوعات السورة في تأملات أخرى ومفاتيح كشف جديدة وارتباطات تكشفها العقول وتقبلها المقاصد الإسلامية.







القسم الثالث: الخطيئة الأولى والتوبة
في العلاقة بين اسم سورة البقرة، والاستخلاف نتأمل في هذا القسم من الآيات الكريمة 30 -39 موضوعات، الخطيئة الأولى، والتوبة، وعداوة الشيطان ونستلهم من فكرة ذبح البقرة التحولً من الاعتياد إلى الاستثناء، من العقل المعرفي الأول " وعلم ادم الأسماء كلها" الى شهود جدلية الذنب والتوبة حيث ندم آدم الأول ما يزال يسري في عروقنا. فكلما تلقينا كلمات التوبة نعيش تجربة الاستخلاف إلى الذبح حيث يتأمل العقل المعرفي لحظة التكوين وحين بدأ تأسيس مشروع الاستخلاف الإنساني على لحظة فارقة: بإعلان الله أنه "جاعل في الأرض خليفة". هذا الإعلان لا يُستقبل بالقبول المطلق، بل يُقابل بسؤال من الملائكة يكشف عن عقل طاهر لكنه غير مؤهل لحمل الأمانة: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟" عقل من نوع خاص ومخلوقات بمواصفات عدم المعصية وتقبل الخطأ ولا ترى الاعتراض ولا تتوقعه لكن الله لا يُجيب بالجدل، بل بالفعل: "وعلم آدم الأسماء كلها" فيتجلى العقل المعرفي، لا بوصفه عقلًا يُسبّح، بل عقلًا يُدرك، يُسمّي، يُفهم، ويُجرب. فآدم لم يُمنح الاستخلاف لأنه لا يُخطئ، بل لأنه قادر على التعلّم، على التوبة، على العودة على الندم.
وتكشف الآيات أيضا عن سر اسم السورة الذي يحمل في طياته سرًا يتجاوز الحيوان المذبوح إلى بنية رمزية أعمق. فذبح البقرة في قصة بني إسرائيل لم يكن مجرد طاعة من الطقس إلى المعجزة، من الجدل إلى التسليم. لقد أراد الله أن يُحيي ميتًا بضربه بجزء من البقرة، فكان الذبح هنا وسيلة لإظهار القدرة الخارقة، لا مجرد تنفيذ أمر. وهذا ما يجعل البقرة رمزًا للذبح الداخلي أيضًا: أن يذبح الإنسان غروره، جحوده، كبرياءه، كما يُذبح الحيوان في الطقس. فالاستخلاف لا يُمنح إلا لمن مرّ بهذا التحول من الغفلة إلى الوعي فيبقى الارتباط والخط البياني القرآني يسير الى لحظة الاستخلاف والخطئة والتوبة والندم وتلقى كلمات الله التامة التي استحق عليها ادم بها ندمه وخشيته واحساسه بالذنب.
حين أكل آدم من الشجرة، لم يكن ذلك مجرد مخالفة، بل الذنب الأول في التاريخ. قبلها، لم يكن آدم يعرف شعور الخطأ، لم يكن يعرف الحزن، ولا الندم، ولا الهمّ. لكن بعد المعصية، دخلت هذه المشاعر إلى الوجود الإنساني، وصارت جزءًا من تكويننا. وهنا يظهر السر العميق:
"الندم الأول الموجود فينا هو من ذاك الحزن والهمّ من المعصية التي وقع فيها آدم، أو قد يكون إحساس آدم بالذنب الأول نجده فينا مع كل ذنب نتلقى فيه كلمات لنتوب. فكل توبة فينا هي استعادة لكلمات آدم، وكل شعور بالذنب هو صدى لأول ندم بشري، وكل رجوع إلى الله هو امتداد لتلك اللحظة الأولى التي قال فيها الله: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه"
لقد رفض الشيطان: الذبح، رفض التوبة الشيطان لم يُطرد لأنه أخطأ، بل لأنه رفض أن يتوب، رفض أن يذبح كبرياءه، رفض أن يسجد. وهنا تتأسس العداوة بين الإنسان والشيطان، لا على مستوى الجسد، بل على مستوى المنهج: الإنسان يُخطئ ويتوب، والشيطان يُخطئ ويُكابر. وهذا ما يجعل التوبة هي الانفصال الحقيقي عن الشيطان، لا بالعداء اللفظي، بل بالفعل الوجودي: أن نختار الذبح الداخلي، كما اختار آدم أن يتلقى الكلمات وفي هذا القسم من سورة البقرة، تتشابك الأسرار:
- أن الاستخلاف لا يُمنح إلا لمن يملك عقلًا معرفيًا قادرًا على التعلّم والتوبة.
- أن اسم السورة يحمل رمزية الذبح كتحول من الاعتياد إلى المعجزة، ومن الطقس إلى الوعي.
- أن الخطيئة الأولى هي لحظة تأسيس الندم الإنساني، الذي لا يزال يسري فينا.
- أن عداوة الشيطان تتجلى في رفضه للذبح والتوبة، بينما الإنسان يُخطئ ويعود.
- أن التوبة هي الذبح الداخلي الذي يُعيد للإنسان الهداية، ويؤهله للاستخلاف.
وهنا لا يكون العقل المعرفي القرآني مجرد عقل يُدرك، بل عقل يُجرب، يُخطئ، يُحزن، ثم يتلقى كلمات، ويختار الهداية من جديد.
ويبقى الصراع والمواجهة والعداء بين آدم وذريته منذ هذه اللحظة حيث دب الخلاف على أصل الرواية ومبدأ الحكاية. لقد كتبت على ابناء البشر العيش بعد ذلك على خطى هذه الحادثة وذاك المشهد الذي صوره القران في هذا القسم ليكون تذكيرا لكل حادثة بين بنى البشر او بين الشر والخير او الامور المعنوية والرمزية او الحقيقة . لقد ظلت هذه العداوة لها صور وفلسفات بين الاديان وبين الشعوب والطوائف والثقافات وبين بعض الفلسفات التي اختلفت في تفسير هذه العداوة وقد كان هذا المقطع ليعظم تلك النشأة ويطلقها من عالم الغيب الى عالم الشهاد-ة في نصوص كريمة من كلام الله في كتابه ليكون هو الحد الفاصل بين الضلال والهدى وبين الحقيقة والبهتان وفيما يلي بعض هذه التفسيرات والأفكار منها الغير دينية التي تفسر أصل الإنسان وعداوة الشيطان بطرق مختلفة:
1. *التفسير العلمي*: وفقًا لعلم الأحياء التطوري، الإنسان تطور من كائنات حية أكثر بدائية عبر ملايين السنين من خلال عملية الانتقاء الطبيعي. هذا التفسير لا يتطرق إلى وجود شخصية مثل الشيطان أو عداوته للبشر. وبدلًا من ذلك، يركز على الأدلة العلمية لتطور الحياة على الأرض.
2. الفلسفة: بعض الفلاسفة يتناولون فكرة الخير والشر بشكل رمزي. على سبيل المثال، الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه رأى أن الخير والشر مفاهيم نسبية ومجردة تتشكل بناءً على السياق الاجتماعي والثقافي. بالنسبة له، فكرة الشيطان قد تكون رمزية للصراعات الداخلية والنفسية داخل الإنسان.
3. علم النفس: سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، اقترح أن الصراع بين الدوافع الغريزية والنظم الأخلاقية والاجتماعية (الهو، الأنا، والانا الأعلى) يمكن أن يكون تفسيرًا للصراعات الداخلية في الإنسان. في هذا السياق، يمكن اعتبار الشيطان رمزًا لدوافع الهو التي تتعارض مع القيم الأخلاقية.
4. الأساطير والفولكلور: في الثقافات المختلفة، هناك تفسيرات أسطورية عديدة لأصل الإنسان وعلاقته بالقوى الخارقة. الشياطين أو الكائنات الشريرة غالبًا ما تظهر في هذه الأساطير كرموز للقوى السلبية أو الخطر.
هذه التفسيرات غير الدينية تقدم رؤى مختلفة حول أصل الإنسان وطبيعة الشر أو الشيطان، وتعكس تنوع الطرق التي يحاول البشر من خلالها فهم أنفسهم وعالمهم.
أما الجانب الديني فنجد أن خلق آدم الخليفة والكليم وعداوة الشيطان له من خلال الآيات الكريمة التي تحدثت عن آدم عليه السلام اب البشر وعدواه الشيطان نجد التلميحات والإشارات التالية نذكر منها:
الأمر الأول: أن الله تبارك وتعالى ذكر إبليس أنه أبى واستكبر فكانت هذه المعصية سببا في لعنته وطرده من رحمة الله وان الله لم يجد في نفس إبليس تراجعا وندما على ما في قلبه من كبر واستكبار وحسد تجاه آدم عليه السلام ولا ندما فيما جعله يتجرأ على المعصية معتقدا ان الله سيمرر له هذا الأمر فغرر بنفسه قبل أن يغرر بأدم عليه السلام وبذلك استحق العدالة الإلهية فكان من الكافرين
الأمر الثاني: ان الله تبارك وتعالى بعد نفحة الروح في آدم خلقت حواء لتكون له زوجه "وخلق منها زوجها " وعلى ذلك نفهم ان مما علمه الله لادم هو كيف تكون الحياه الزوجية بكل تفاصيلها حتى تتم عملية التكاثر(وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" وبقاء النسل وبالتالي كل ما يمكن ان نعلمه حول هذه الحياه هي مما علمه الله لادم وانتقل إلى ذريته.
الامر الثالث :في قوله تعالى "وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجتك الجنة" نلمح من هذا الخطاب أن الله قد أوضح لادم المسئولية عن السكن في الجنة اليه ومعه زوجته ثم خاطبهما معا "وكلا منها رغدا حيث شئتما" أي أن هذا يعنى مسئولية المعصية والطاعة هي أمر فردى ويصدق ذلك قوله تعالى "انى لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى " فالآيات تحدد المسئولية عن الأفعال والى الاختيار والى سعة وهامش الحلال والتنوع اللامحدود فيها مع بقاء الاستثناء دوما وهو الحرام "ولا تأكلا من تلك الشجرة "وهى الدلالة على بقاء الاختبار والامتحان لادم وذريته كون المباح هو الأمر الغير محدود للبشر والحلال هو المساحة الأكبر في حين مساحة الحرام محدودة وضيقة وان العقل الجدلي هو من يسعى الى تغيير المساحات والتلاعب بها .
وفي اول ظهور للشيطان في القران الكريم كانت أيضا سورة البقرة حين بدأ بالحديث عن عدواته لأدم في محاولة منه ألا يبقى في الكرامة والفضل الذي منحه الله اليه. لقد قدم اليه الإغواء والإغراء " فأزلهما عنها فأخرجهما مما كان فيه " لقد نجح الشيطان منذ اللحظة الأولى في ان يجعل قدم آدم ان تزل ولا نعلم كم هي محاولات الشيطان التي جعلت آدم يقع في الزلل وكم كانت المدة الزمنية وبحسب الروايات انها كانت ما بين صلاه العصر والمغرب والواضح من تأملنا للآيات الكريمة ان القران الكريم يركز على النتائج الكبرى التي تتوج بالعبرة التي فيها اننا نلمح شيئا أخر من أسرار ومفاتيح الآية الكريمة السابقة بين كلمة" فأزلهما" " فأخرجهما منها" انها المدة الزمنية الكافية كي يوسوس الشيطان لبني ادام كي يقع في المعصية
وان المعاصي تتسبب في فقدان النعم من جهة وتخرج الانسان من الرحمة الإلهية من جهة أخري كان آدم وزوجه في الجنة وكان حسد وكبر إبليس عليه لعنه الله حاجزا من البقاء فيها ومانعا من استمرارية وجودة. فالقدر كان يرسم طريقا أخر والغيب كان يخفي الحكمة معه.
لقد نجح أدم في اختبار الأول حينما تاب مع أنه قد يبدو أن هبوطه كان عذاب. أدم خليط الطين والروح تاب ليفتح لنا بابا عظيما من بعده لا يغلق وليكون له شأن اخر "قلنا اهبطا منها جميعا فأما يأتينكم من هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى "ولا يشقى "
الأمر الرابع: تحذير الله لهما "فلا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " والاكل من الشجرة هو المعصية والمخالفة والذي تعنى الظلم للنفس فكل معصية واثم وذنب وسيئة هي ظلم للإنسان نفسه لأنه تخرج الإنسان من رحمة الله إلى غضبه والعياذ بالله
الأمر الخامس: تقرر الآيات الحكمة من خلق آدم عليه السلام وخلافته في الأرض لتكون عالمه المؤقت ودار الاختبار انها دار المتاع إلى حين و الرجوع إلى الله نهاية هذه الرحلة لكل منا هو أمر محتوم وقائم وأت لا محالة والمسألة هي بتجاوز الحياه الدنيا في اختبار مؤقت بعمر الإنسان وعمر الحياه عليها.
الامر السادس شعور الندم: نفخة الروح في آدم لا تقبل المعصية لا تحبها ولا تقبلها في حق من منح الحياة والوجود, لقد وجد ادم في نفسه الندم الذي نفسره بانه عدم الرضا ببقاء غضب الله عليه الذي تفضل عليه في كل شيء وبالرغم من أن المعصية جاءت بعد التحذير. لكن إذا وجد الله الندم في قلب العاصي كما رآها في قلب آدم تلقى من ربه دعوه بالتوبة والمغفرة "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه علم ما في قلبه وروحه ونفسه حين يخاطب النادم نفسه ويقول ماذا فعلت يا رب بنفسي وانت قد خلقتني بيديك وتكرمت على بسجود الملائكة ونفخت من روحك بهذا السر الذى لم يطلع عليه احد من خلقك ماذا فعلت يا رب بنفسي وقد فتحت لي أبواب الجنة والخير والعطاء والنعم لقد حذرتني من شيء "ولا تقربا هذه الشجرة " لكن الشيطان جعل قدمي تزل تسقط في المعصية وانا يا رب اريد لا أن اكون مرة ثانية أن أقع بخديعة الشيطان
لقد قال ادم في نفسه والالم يعتصره كل كلمات الندم وتضرع بكل كلمات التوبة فتاب الله على آدم بكلمات علمها آدم ويعلم كل تائب كيف ينطق بكلمات التوبة ليناجي ربه , فلا فرق عند الندم بين عالم ومتعلم وبين كبير وعظيم انه الهام من الله يلهمك الله به ويقبله منك لانها منه : ربنا اننا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" كانت المعصية الأولى في التاريخ البشرى في السماء وليست على الأرض "اهبطا منها بعضكم لبعض عدو" "فقد كانت المعصية ظلم للنفس في ذاك المكان وفى تلك اللحظة الزمنية المقررة بالغيب " وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ويستمر الصراع بين الخير والشر وما بين الطاعة والمعصية وما بين التوبة والكبر والاستعلاء فى الأرض بين خليفة الله في الطاعة وقبول الأوامر الإلهية وفى الشيطان الذى يمنع بمحاولات من النجاح في التوبة فاكثر ما يخشاه ابليس ليس الطاعة وانما التوبة . انها مهمة الاختيار ومهمة الطاعة اهبطوا منها جميعا وهناك سيكون الاختبار للذرية وهناك سيكون الامتحان بين اهل الهدى وأصحاب الشيطان وأهل النا وهنا لا نجد مطلقا غياب للنموذج العقلي المعرفي الذي يتشكل من تلك الحادثة ويقرر حقيقة وجود العقل الإيماني الذي يستلم لمشيئة الله. العقل الذي يحس بالواجب والمسئولية وينفى الجهالة. العقل الذي يعود سريعا الى الحقيقة العقل الذي يعترف حين يخطئ ويعرف طريق للهداية,. يعرف كيف يبدأ من جديد .ويعرف ان أدم فاز حين تاب وان الشيطان لعن حينما استكبر قد يسيطر عليه شعورا بالإحباط ونشوه الذنب قد يخدع وتختلط عليه الأمور لكنه يستجيب فورا "ثم يتوبون من قريب " يعود سريعا كما عاد آدم بالمعرفة المسبقة " وعلم ادم الأسماء كلها" ويفهم من جديد "فأزلهما الشيطان فأخرجهما مما كانا فيه" ويعي قوله تعالى "أتجعل فيها من يفسد فيها " لكنه أيضا يستحضر قوله تعالى" انى اعلم ما لا تعلمون" وهنا نجد مشيئة الله هي خلق هذا المخلوق من جنس اخر لا يشبه الملائكة ولا يشبه الشيطان ولكن فيه أشياء تجعله يختار بين الذنب والتسبيح بين الخطيئة والتوبة بين المعصية وبين الاستغفار "وعلم ادم الأسماء كلها " هي حالة معرفية من الوعي تمكن البشر من الاختيار ومن ممارسة الحرية لقد تجهيزه لممارسة نوع من الحياه المختلفة.
الامر السابع " قوله تعالى "لا علم لنا الا ما علمتنا" وهي كلمة وجودية معرفية في سياقات القران تمثل الطاعة والاستسلام ومع ذلك استخدمت هذه اللفظة لتوحى أيضا ان هذا المخلوق سوف يرتكب أخطاء وأنه لا يشبه الملائكة في العبادة والمهام التي ينفذوها انها حقيقة معرفية كبرى يؤكدها هذا الخلق النوراني من الملائكة بما منحه الله لهم من معرفة "لا علم لنا الا ما علمتنا " غاية الخضوع والالتزام والقبول والاذعان المطلق " القران بجانب هذا كله كان يقول لادم "ولا تقربا هذه الشجرة" لان هذا النهى هو التجربة لحقيقة العلم والمعرفة وتلقى كلمات التسبيح والاستغفار والانابة هي جزء أصيل من تعليم الله للبشر وبقي عليهم ان يقولوا أيضا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا هذا ما قد ينفع الناس في حياتهم المستقبلية
















القسم الرابع: التفضيل المشروط والادعاء الزائف
لا زلنا نقتفي الخط البياني لموضوعات السورة وهذا القسم الرابع (الآيات 40–48) الذي تتدرج فيه الموضوعات من التذكير بالنعم إلى التحذير من العقاب، مرورًا بالأوامر الإلهية، وتحليل النفسية الجدلية لبني إسرائيل، لنؤسس بذلك رؤية معرفية تربوية حول العلاقة بين العقل والدين بين المعرفة والجهالة بين الاستسلام لله والمناورة مع الأنبياء ولقد تم تقسيم هذا القسم الى محورين
المحور الأول: القرآن عند حديثه عن الناس والمجتمعات لا يتحدث عن عرقٍ خارق، ولا عن طينةٍ سماوية خُصَّ بها قومٌ دون سواهم. إنما هو حديث عن الإنسان: ذاك الكائن المتقلب بين الطاعة والمعصية، بين الهدى والضلالة، بين عقلٍ يخشع لله فيرتجف، وعقلٍ يعلو ويستكبر كأنما يناور خالقه. فالقرآن حين يخاطب بني إسرائيل، لا يخاطبهم كأمةٍ مصطفاةٍ أبدًا، بل كأنموذج بشريٍّ مرَّ بتجربة النعمة والجحود، بالنجاة والنكران، بالإيمان والانتكاس. في هذا القسم من سورة البقرة، يفتتح الخطاب بنداءٍ عظيم: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" نداءٌ ليس للتفاخر، بل للتذكير، للتأمل، للمراجعة. فكل نعمةٍ أُفيضت عليهم، قابلها جحودٌ، وكل نجاةٍ أُهديت إليهم، تبعتها انتكاسةٌ في الإيمان. كأنهم أكثر البشر نكرانًا للجميل، لا مع خالقهم فحسب، بل مع كل من وقف إلى جانبهم. عقلٌ مغرورٌ يرى نفسه سيدًا على الناس، يطالب بالنجدة وكأنها حقٌّ مكتسب، لا فضلٌ يُشكر.
والقرآن، في حكمته، لا يكتفي بالتذكير، بل يُعقّب بسلسلةٍ من الأوامر والتحذيرات، كأنما يقول لهم: إن النعمة لا تُخلّد إلا بالعمل، وإن التفضيل لا يُمنح إلا بشرط. "وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" فالعلاقة مشروطة، لا مطلقة. "وإياي فارهبون "رهبةٌ لا تُشبه الخوف العابر، بل خشيةٌ عميقةٌ تهزّ القلب وتُرعِد الجسد.
و"آمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم" فما جاء به محمد ﷺ ليس غريبًا عنكم، بل مكتوبٌ في كتبكم، محفورٌ في صدور علمائكم قال لهم هذا. "ولا تكونوا أول كافر به" تحذيرٌ من الكفر رغم العلم، من الجحود رغم البصيرة. "ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا" فآيات الله لا تُباع ولا تُشترى، بل تُعمل بها على وجه اليقين، وإن خالفت الأهواء.
ثم تأتي الأوامر التي تُجسّد العبادة في صورتها العملية: "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" فمن أراد النجاة، فليكن عبدًا لله، لا عبدًا لهواه. لكنهم، في تناقضهم، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب. "أفلا تعقلون؟" سؤالٌ يهزّ العقل، يفضح النفاق، ويُدين الانتقائية. ثم يُختم هذا الخط البياني بتحذيرٍ وجوديٍّ رهيب: "واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا..."لا شفاعة، لا فداء، لا نصر إلا بإذن الله. فمن ظن أن نسبه يُنجيه، أو أن تاريخه يُبرّر له، فقد خسر كل شيء ذلك اليوم لا تنفع فيه ترهات "شعب الله المختار"، ولا يُجدي فيه التفضيل القديم، حين انقلبوا على الحق، وكتموا النور، وقتلوا الأنبياء. وهنا، تتجلى الحقيقة: أن التفضيل الإلهي مشروطٌ بالعمل الصالح، لا بالانتماء. وأن ادعاء فيهود هذا العصر، وعلى رأسهم إسرائيل، بحقٍّ إلهيٍّ على أرض فلسطين، هو زيفٌ سياسيٌّ مغلفٌ بأسطورةٍ دينية. فالقرآن يفضح هذا الادعاء، ويُسقطه في لحظةٍ واحدة، حين يُقرّر أن لا أحد يُنصر إلا بالحق، وأن الأرض لا تُمنح إلا لمن يعمرها بالعدل. وليس هذا قولنا وحدنا، بل هو ما نطق به مفكرون غربيون، من قلب الحضارة التي يُظن أنها تؤيد هذا الزيف:
- جوزيف مسعد، أستاذ في جامعة كولومبيا، يقول إن "الأساطير التوراتية التي تُستخدم لتبرير احتلال فلسطين يجب أن تُلقى في مزبلة التاريخ"، مؤكدًا أن الادعاء الديني لا يمنح شرعية سياسية أو أخلاقية للاحتلال.
- إيلان تروين، أستاذ في جامعة برانديز، يرى أن الصراع حول فلسطين يجب أن يُفهم من خلال مفاهيم مثل "الاستعمار الاستيطاني"، لا من خلال ادعاءات توراتية.
- حتى بعض الأصوات داخل إسرائيل تعترف، كما نُشر في Jerusalem Post، بأن "الاعتقاد بأن الله وعد اليهود بالأرض هو موقف ديني لا يُلزم العالم"، وأن الادعاء الإلهي لا يكفي لتبرير دولة قومية على حساب شعب آخر. فهل بعد هذا البيان، يبقى للزيف مكان وهل بعد هذا العقل، يُقبل ادعاء؟ إنها لحظةٌ قرآنيةٌ، فكريةٌ، إنسانيةٌ، تُعيد تعريف التفضيل، وتُسقط الأقنعة، وتُعلن أن الحق لا يُورث، بل يُكتسب، وأن الأرض لا تُمنح، بل تُستحق.
المحور الثاني::الأوامر الإلهية المشروطة " بالبعد المعرفي" وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" العلاقة مشروطة بالوفاء "وإياي فارهبون" الرهبة كأعلى درجات الخوف الواعي" آمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم" دعوة للإيمان بالرسالة الجديدة "ولا تكونوا أول كافر به" تحذير من الكفر رغم العلم "ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا" نقد للمتاجرة بالدين "وإياي فاتقون "دعوة للتقوى كحماية من غضب الله "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "العبادة كصورة عملية للإيمان ويظل ظلال القرآن لا تحابي شعبٍ خُلق من نور، ولا عن قومٍ نُفخوا من طينةٍ سماوية، بل هو حديث عن الإنسان، ذاك الكائن المتقلب بين الطاعة والمعصية، بين الإيمان والجحود، بين عقلٍ يخشع لله فيرتجف، وعقلٍ يناور خالقه كأنما يفاوضه على الألوهية واينما ذكر التفضيل مشروط، لا امتياز وليس وراثيا "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" نداءٌ لا يُقال لمن استحق، بل لمن نسي، لمن جحد، لمن ظن أن النعمة تُخلّد بالانتماء لا بالعمل. فكل نعمةٍ أُفيضت عليهم، قابلها جحود، وكل نجاةٍ تبعتها انتكاسة، وكل عهدٍ نقضوه، وكل رسولٍ عادوه. كأنهم أكثر البشر نكرانًا للجميل، لا مع خالقهم فحسب، بل مع كل من وقف إلى جانبهم. عقلٌ مغرورٌ يرى نفسه سيدًا على الناس، يطالب بالنجدة وكأنها حقٌّ مكتسب، لا فضلٌ يُشكر. لكن القرآن، في حكمته، لا يكتفي بالتذكير، بل يُعقّب بسلسلةٍ من الأوامر والتحذيرات، كأنما يقول لهم: إن النعمة لا تُخلّد إلا بالوفاء، وإن التفضيل لا يُمنح إلا بشرط." وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" "وإياي فارهبون"
"آمنوا بما أنزلت مصدقًا لما معكم" "ولا تكونوا أول كافر به" "ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا" كلها أوامر تكشف أن العلاقة بين الله وبني إسرائيل ليست علاقة امتياز، بل علاقة اختبار، وأن التفضيل لا يُورث، بل يُكتسب. ثم يُختم هذا الخط البياني بتحذيرٍ رهيب: "واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا..." لا شفاعة، لا فداء، لا نصر إلا بإذن الله.
قال العقاد في كتابه أفيون الشعوب: "تعوَّد بعض الناس أن يعطلوا عقولهم عند وزن الكلام الذي يعرض عليهم، فهم لا يزنونه بميزان النقد والعلم والخبرة الصادقة، ولكنهم يتركون حقائق الأقوال، ويغترون بمظاهر القائلين..." فبني إسرائيل، في لحظة الغرور، لم يزنوا النعمة بميزان الوفاء، بل بميزان الادعاء، وظنوا أن التفضيل الإلهي بطاقة عبور أبدية، لا عهدًا مشروطًا بالحق والعمل. وفي خضم الأوامر الإلهية، يبرز أمرٌ ليس كغيره، أمرٌ لا يُطلب من الجسد وحده، بل من القلب والعقل والضمير: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" هنا لا يتحدث القرآن عن طقوسٍ جامدة، بل عن حالة وجودية، عن انحناء العقل أمام الحقيقة، عن خضوع الفكر للحق، عن لحظةٍ يتساوى فيها الغني والفقير، العالم والجاهل، حين يركعون جميعًا في صفٍ واحد، لا فرق بينهم إلا بما في قلوبهم من خشوع. الصلاة ليست مجرد أداء، بل هي إعلان ولاء للحق ، وركوعك مع الراكعين هو انخراطك في جماعة الإيمان، لا انعزالك في برج الغرور. فبني إسرائيل، في لحظة الغرور، ظنوا أن التفضيل يُغنيهم عن الركوع، وأن النعمة تُعفيهم من العبادة، لكن القرآن يُعيدهم إلى أصل العلاقة العبادة هي الترجمة العملية للإيمان، وهي المعيار الذي يُقاس به صدق العهد.
ولإضاءة هذا المعنى، يُروى أن حكيمًا من حكماء الشرق، كان يعيش في جبلٍ بعيد، لا يُرى إلا لمن طلبه بحق. جاءه رجلٌ مغرور، يلبس ثيابًا فاخرة، ويقول: "أنا من نسل الملوك، وقد ورثت الحكمة عن أجدادي، فامنحني من علمك ما يليق بمقامي." نظر إليه الحكيم، ثم أعطاه مرآة صغيرة، وقال له: "انظر فيها، فإن رأيت نفسك أهلًا للحكمة، سأمنحك ما تطلب." نظر الرجل، ثم قال: "أرى وجهي، أرى وسامتي، أرى عينيّ الحادتين، نعم، أنا أهل لها."
ابتسم الحكيم، وقال: "أنت رأيت صورتك، لا حقيقتك. هذه المرآة لا تُظهر إلا ما في الداخل لمن صدق في النظر. عد إليّ حين ترى غرورك، لا جمالك." بعد سنوات، عاد الرجل، بثيابٍ بسيطة، وعينين خاشعتين، وقال: "الآن رأيت في المرآة خوفي، وترددي، ورغبتي في الحق، لا في التفاخر."
القسم الخامس: من النعمة إلى النكال
في هذا الجزء من سورة البقرة، من الآية 49 إلى الآية 66، لا يكتفي القرآن بسرد النعم التي أُفيضت على بني إسرائيل، بل يُعيد تشكيل الذاكرة التاريخية لهم، ويضعها في ميزان العقل والضمير، كأنما يقول لهم: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، لا لتتباهوا، بل لتتفكروا، لا لتدّعوا، بل لتتوبوا كل آية هنا ليست مجرد تذكير، بل هي نجاة من هلاك محقق، وعفو بعد جرم، ورحمة بعد تمرد.
- نجاهم الله من عذاب آل فرعون، وسماه بلاءً عظيمًا.
- عفا عنهم بعد أن عبدوا العجل، في غياب موسى أربعين يومًا فقط.
- أنزل عليهم الكتاب والفرقان، رجاء أن يهتدوا.
- تاب عليهم بعدما ظلموا أنفسهم، وأمرهم بقتل أنفسهم، وهو من أشد أنواع العقاب.
- بعثهم من الموت بعد أن أخذتهم الصاعقة، حين طلبوا رؤية الله جهرة.
- ظلل عليهم الغمام، وأنزل المن والسلوى، طعامًا من السماء.
- أمرهم بدخول القرية، وألا يفسدوا في الأرض، لكنهم بدلوا وتمرّدوا.
- طلب موسى لهم السقيا، فانفجرت الصخور عيونًا، يعرف كل منهم مشربه، بشرط ألا يفسدوا.
كل نعمة كانت مشروطة، وكل عطاء كان اختبارًا، وكل فرصة كانت دعوة للعودة إلى الرشد. لكنهم، كما يقول القرآن، أفلا تعقلون؟ فالعقل الذي لا يتأمل النعمة، لا يستحقها. والعقل الذي يُصرّ على التمرد، لا يُكرّم بالتفضيل.
وهكذا، فإن التفضيل الإلهي لبني إسرائيل لم يكن امتيازًا وراثيًا، بل عطاءً مشروطًا بالطاعة. وحين نقضوا العهد، وسخروا من النعمة، واستبدلوا المن والسلوى بالعدس والبصل، وحاولوا التملص من الأمر الإلهي، نزع الله منهم الرسالة، وجعلها في يد محمد بن عبد الله ﷺ، وأمته من بعده. وهذا ما أغاظهم، حسدًا وكفرًا، فراحوا يُزيّفون التاريخ والجغرافيا، ويُروّجون أنهم شعب الله المختار، وأن العالم عبيدٌ لهم، وهم السادة. لكن القرآن يُفند هذا الزيف، ويُسقطه في لحظة واحدة، حين يقول: "ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله..." ليس لأنهم يهود، بل لأنهم كفروا بآيات الله، وقتلوا النبيين بغير الحق، وعصوا وكانوا يعتدون. وما نراه اليوم من اعتداءات دولة الاحتلال الإسرائيلي على أهل فلسطين، ليس إلا امتدادًا لجرائم أسلافهم، الذين جحدوا كل عطاء، وزيّفوا كل حقيقة، وادّعوا أن الله خلقهم ليملكوا الأرض، ويُذلوا الشعوب. لكن القرآن، في حكمته، لا يترك هذا الزيف بلا ردّ، بل يُسقطه في مشهدٍ رهيب، حين يُذكّرنا بما فعلوه في صيد يوم السبت، وكيف مسخهم الله قردة خاسئين، ليكونوا عبرة لمن يعتبر.
وفي ختام هذا الجزء، يُلخّص القرآن القاعدة الكبرى: "وكذلك جعلناها نكالًا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين" فالتفضيل لا يُخلّد، والنعمة لا تُؤمّن، إن لم تُقرن بالطاعة، وإن لم يُصاحبها عقلٌ يخشع، لا عقلٌ يعلو ويستكبر. وهنا، يُوجّه القرآن درسًا للأمة المحمدية، أصحاب الرسالة الخاتمة، أن لا يُكرروا أخطاء بني إسرائيل، وأن لا يغتروا بالتفضيل، فإن من سُحبت منه النبوة، قد سُحبت منه الرحمة، وضُربت عليه الذلة والمسكنة في كل مراحل التاريخ.
















القسم السادس: العقل الجدلي لبنى إسرائيل
حينما تحدث القران الكريم عن طبائع العقل الإسرائيلي ابرز لنا ذلك في حادثة ذبح البقرة حينما سألوا نبي الله موسى عن القتيل وعمن قتله فكان الآيات الكريمة من سورة البقرة من الآية 67 وحتى الآية 73 نسمح فيها لتأملاتنا تحوم حول هذه الآيات وان ندع لسلطان النفس والروح ان تنجذب إلى هذا النور العظيم من حديث ربنا نستلهم منه العبرة والرشد والطريق كما نلزم أنفسنا بفلسفة جديدة للتعامل مع العقل الإسرائيلي المعاصر والذى يشبه إلى حد كبير ذلك العقل التاريخي لبنى إسرائيل خاصة في التعامل مع أمر الله وفى العلاقة البينية بين الإسرائيلي مع الخصوم والاعداء وكذلك الأصدقاء
وبعيدا عن تفاصيل القصة المعروفة والتي تؤكد تلكئ بنى إسرائيل وطبيعة نظرتهم إلى أنفسهم هذه النظرة المتكبرة والمتعالية وتوضيح ذلك من بعض الآيات "أتتخذنا هزوا "يعنى هل تعتقد يا موسى اننا قوم يهزئ بنا وقوله تعالى ادع لنا ربك يبين لنا ما هي فهم ينتظروا من الله اشتراطات ليست بسيطة لانهم يرون أنفسهم غير عاديين وبالتالي البساطة غير مقبولة عليهم وقوله تعالى لهم افعلوا ما تؤمرون فهم قوم بهت كما قال عنهم الصحابي لرسول الله وأما قوله تعالى أن البقرة تشابه علينا هو تعزيز لرغبتهم في ان يكون أمر الله إليهم معقدا بما يناسب عقلهم الاستعلائية ثم بنهاية المطاف قولهم بتبجح "الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون "
ولقد كان اختيار الله لهم لهذه الطريقة ان تذبح بقرة ويأخذ من عظمها ويضرب بها القتيل ليقوم ويحيا من موته ويقول فلان قتلتني ثم يعود للموت هو حكمة الهية تكشف عما هو يدور في العقل الإسرائيلي من الشك في كل شيء حتى تعليمات الرب لهم ومعجزات التي رأى بنى إسرائيل
الكثير منها بل ربما ان القوم الذين صاحبوا موسى قد شاهدوا المعجزات واحدة تلو الأخرى علها تغير من طريقة التفكير والسلوك تجاه النبوة والرسالة ولكن كلما جاءت أية كفروا بها وكذبوا ومارسو سياسة العصيان لله وفى هذه الحادثة الله تبارك وتعالى جعل لهم أية وخاطبهم كيف احي الله هذا الميت بعظمة بقرة ميتة أمام أعينكم لتشاهدوا عملية أحياء الموتى وقدرته سبحانه لترسخ العقيدة فيكم لعلكم تعقلون
وهكذا كنت اتأمل القران الكريم يستخدم هذه الألفاظ لهم وفيهم وهى دعوى لان يكونوا عقلاء وايجابيين مع الله والنبوة
وهكذا هم بنى إسرائيل مع قصة البقرة التى حكاها القران ولم تثبت لديهم في التراث اليهودي بما جاء مطابقا للقرآن لكن ظلت عقدة البقرة فيهم ومعهم وحاولوا ان تكون للبقرة فى عقيدتهم وطقوسهم الدينية ملمحا ودورا ففي التراث اليهود هناك حكاية عن بقرة حمراء
ان البقرة تُعتبر جزءًا من الطقوس الدينية التي تهدف إلى التطهير من النجاسة. وفقًا للتوراة، يُطلب من بني إسرائيل إيجاد بقرة حمراء كاملة، لم تُستخدم في العمل ولم تُحلب، وتُذبح خارج المخيم. بعد ذبحها، تُحرق بالكامل مع خشب الأرز والزعفران والصوف القرمزي، ويُجمع رمادها ويُخلط بالماء النقي لاستخدامه في طقوس التطهير هذه الطقوس تُعتبر من الفروض الدينية الهامة لدى اليهود، وتُستخدم لتطهير الأشخاص الذين لمسوا جثة أو كانوا على اتصال بالموتى. يُعتقد أن هذه الطقوس لم تُنفذ سوى تسع مرات في التاريخ اليهودي، وكان آخرها منذ حوالي 2000
ان ظني ان المسألة هي تدور حول العصيان والطاعة وتدور بين المعاصي المتكررة لبنى إسرائيل واعتقادهم عن أنفسهم بانهم شعب الله المختار وبالرغم ان التراث اليهودي يحكى عن عصيان بنى إسرائيل للأنبياء إلا انهم يدعون ان الله كان يرحمهم بمزيد من إرسال الأنبياء لتوجيههم إلى الجادة والملاحظ ان نهاية المطاف كان ان نزع الله من بينهم النبوة بعدما حرفوا كتب الله وصنعوا من بنات أفكارهم ديانة تجعل منهم شعب الله المختار بعدما عرفوا ان النبوة انتهت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكانت كتبهم تؤسس إلى تاريخ جديد لا تكون معهم ولا لهم نبوه ولكن نصوص تكون بديلا عن النبوة والرسالة الخاتمة نذكر منها وهذا جزء من هذه المقتطفات: سفر التثنية 7:6: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك. قد اختارك الرب إلهك لكي تكون له شعبًا خاصًا فوق جميع الشعوب التي على وجه الأرض." المزمور 135:
- "لأن الرب قد اختار يعقوب لنفسه، وإسرائيل لملكه الخاص."
3. سفر إشعياء 41:8-9:
- "وأنت يا إسرائيل، عبدي، يا يعقوب الذي اخترتك، نسل إبراهيم حبيبي." هذه النصوص تُظهر فكرة تفضيل الله لبني إسرائيل وتأكيد العلاقة الخاصة بين الله وشعبه في التراث اليهودي المزعوم بنى إسرائيل وقسوة القلوب ووحدتهم في مواجهة المؤمنون وتزويرهم الحقائق






القسم الساب: قسوة القلب وتحريف الدين: من الحجارة إلى الغرور
يبدأ هذا القسم من قوله تعالى "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك" هكذا يبدأ المشهد القرآني، لا بوصفٍ عابر، بل بتشخيصٍ وجوديٍّ لحالةٍ من التصلب الروحي، والجمود العقلي، والتمرد النفسي. ففي الآيات (74–82)، يتمحور الحديث عن البقرة، عن الجدل، عن سوء الأدب مع نبي الله، عن رؤية آية إحياء الميت، ثم الجحود. لكن الآن القرآن ينقل من السرد إلى التحليل، من الحدث إلى الأثر، من الفعل إلى القلب الذي حمله. "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك، فهي كالحجارة أو أشد قسوة..." والقلب حين يقسو، لا يعود قلبًا، بل يتحول إلى صخرة لا تنفعل، لا تخشع، لا تذكر. والعجيب أن الحجارة، رغم صلابتها، فيها منافعة منها ما يتفجر منه الماء ومنها ما يشقّق فيخرج منه النبع ومنها ما يهبط من خشية الله أما تلك القلوب، فلا ماء فيها، ولا خشية، ولا منفعة.
إنها قلوبٌ لا يدخلها نور، ولا يخرج منها خير، ولا تستجيب لنداء السماء. وهنا، يتجلى سرّ الاسم: "البقرة" اسمٌ لا يُراد به الحيوان وحده، بل يُراد به الرمز العقلي:
- البقرة في القصة كانت وسيلة لكشف القاتل، لكنهم جعلوها وسيلة للجدل
- البقرة كانت أمرًا إلهيًا، لكنهم جعلوها موضوعًا للمماطلة
- البقرة كانت اختبارًا، لكنهم جعلوها مسرحًا للعناد
وهكذا، فإن الخط البياني في السورة ينتقل من النعمة إلى الجحود، ومن الآية إلى القسوة، ومن التذكير إلى التحذير. حين يتحول العقل إلى أداة للتمرد القسوة ليست شعورًا، بل موقفًا فلسفيًا.
هي أن ترى الآية، ثم تنكرها. أن تسمع الحق، ثم تحرّفه. أن تُعطى النور، ثم تطفئه بيدك. والقرآن، في هذا المقطع، لا يكتفي بوصف بني إسرائيل، بل يُحذّر المؤمنين: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم..."لا طمع في إيمانهم، ولا أمان في نواياهم، لأنهم حرفوا كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. وهنا، تتجلى الفلسفة القرآنية:
- أن العقل ليس ضمانًا للهداية
- وأن المعرفة لا تُنجي إن لم تُقرن بالخشية
- وأن التحريف لا يأتي من الجهل، بل من النية الفاسدة
يروى أن ميمون بن مهران قال للحسن البصري: "يا أبا سعيد، قد أنست من قلبي غلظة، فاستلن لي منه." فقرأ الحسن: "أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون." فسقط الشيخ، يفحص برجله كما تفحص الشاة المذبوحة، ثم أفاق بعد زمن، وقال لابنه: "لقد قرأ علينا آية، لو فهمتها بقلبك، لأبقت لك كلومًا لا تندمل." هذه القصة ليست عن البكاء، بل عن الانفعال الحقيقي مع الآية عن القلب الذي لا يقسو، بل يذوب أمام الحق، ويهتز من خشية الله. الحجارة تهبط من خشية الله، فما بال الإنسان يرتفع من غروره؟
الحجارة تتفجر بالماء، فما بال القلب لا يتفجر بالرحمة؟ الحجارة تذكر الله، فما بال العقل ينسى خالقه، ويقول على الله ما لم يقل؟ إن هذا المقطع من سورة البقرة ليس درسًا في التاريخ، بل درسًا في النفس، ليس حكاية عن بني إسرائيل، بل تحذيرًا من أن نكون مثلهم. فمن قسوة القلب، إلى تحريف الدين، إلى الغرور بالأماني، يُرسم لنا الطريق، لا لنمشيه، بل لنحذره فالبقرة هنا ليست حيوانًا، بل رمزًا للمعصية التي تتخفى خلف العقل، والاسم "البقرة" هو تذكير دائم بأن التيه يبدأ حين يُستخدم العقل للتحايل، لا للامتثال سورة البقرة هي أطول سور القرآن، لكنها ليست مجرد طول لفظي، بل هي أطول رحلة تربوية في بناء العقل الإيماني.
والمقطع من الآية 74 إلى 82 يُمثل مرحلة تشخيص المرض العقلي والنفسي الذي أصاب بني إسرائيل، وهو: قسوة القلب بعد رؤية الآيات تحريف كلام الله عن عمد الغرور الديني المبني على الأماني التواطؤ الداخلي ضد الحق الجرأة على الله بالكذب والتزوير وهذه كلها ليست صفات تاريخية، بل أمراض عقلية تتكرر في كل أمة إذا لم تحصّن نفسها بالخشية والصدق.
وهذا يجعلنا نسأل أسئلة كشف وتأمل للعقل القرآني وهذه الأسئلة ليست للفضول، بل لتفكيك الواقع، وتحفيز العقل المسلم ليخرج من التيه:
1. لماذا قست قلوبهم بعد رؤية الآيات؟
> هل نحن اليوم نرى آيات الله في الكون، في التاريخ، في أنفسنا، ثم نُعرض عنها كما أعرضوا؟
2. كيف يتحول العقل من أداة للهداية إلى وسيلة للتحريف؟
> هل يستخدم بعضنا اليوم الدين لتبرير الظلم، كما استخدموا التوراة لتبرير الكبرياء؟
3. ما الفرق بين الحجارة التي تهبط من خشية الله، والقلوب التي لا تهتز؟
> هل نحن اليوم نملك قلوبًا تتفاعل مع القرآن، أم نقرأه كما يُقرأ الشعر؟
4. لماذا قال الله: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم" وليس "بكم"؟
> هل فقدنا الثقة في أن يكون لنا مكان في وجدانهم؟ وهل نُخدع اليوم بشعارات الحوار بينما تُحاك المؤامرات؟
5. كيف نواجه أمةً تُخفي الحق، وتُعاتب من يكشفه؟
> هل نملك اليوم وحدةً فكرية تُحصّننا من الاختراق، أم أن كل فريق منا يُعاتب الآخر على صدقه؟
6. ما معنى أن يقولوا: "لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة"؟
> هل نحن اليوم نُكرر هذا الغرور حين نظن أن الله سيغفر لنا مهما فعلنا، لأننا "خير أمة"؟
7. كيف نُعيد بناء العقل المسلم ليكون خاشعًا، لا متكبرًا؟
> هل نحتاج إلى ثورة معرفية تبدأ من القرآن، لا من الخارج؟
الحل القرآني لواقع المسلمين المعاصر تؤكد أن المسلمون اليوم يعيشون تيهًا معرفيًا، يشبه تيه بني إسرائيل، لا لأنهم فقدوا الطريق، بل لأنهم فقدوا الخشية، وفقدوا التفاعل الحقيقي مع الوحي.
الحل ليس في استيراد النماذج، بل في العودة إلى القرآن كمنهج لبناء العقل:
- أن نقرأ سورة البقرة لا كأحكام فقهية، بل كرحلة في تكوين الإنسان المؤمن
- أن نُعيد تعريف الإيمان بأنه خشية وعمل، لا أمنية وغرور
- أن نُحصّن أنفسنا من التحريف، لا بالردّ على الآخرين، بل بصدقنا مع أنفسنا










القسم الثامن :من الميثاق إلى النبذ
كيف يُصاغ العقل في مواجهة التيه؟ في هذا المقطع (الآيات 83–101)، لا يكتفي القرآن بسرد تاريخ بني إسرائيل، بل يُعيد تشكيل الوعي، ويُعلّمنا كيف نقرأ النفس البشرية حين تُصاب بالانتقائية، وكيف نُفكك العقل حين يتحول من أداة للهداية إلى وسيلة للتحريف. بنية الميثاق بين الطاعة والانتقائية "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل..."
الميثاق لم يكن مجرد عقد، بل كان منهجًا للحياة: عبادة الله الإحسان للوالدين رعاية اليتامى والمساكين قول الحسن للناس إقامة الصلاة إيتاء الزكاة لكن وسط هذه الطاعات، تبرز طاعة فريدة: "وقولوا للناس حسنًا" كأنها اختبارٌ للنية، ومرآةٌ للضمير، فالكلمة الطيبة ليست عبادة شكلية، بل ترجمة للرحمة الداخلية. ثم يأتي الرد: "ثم توليتم إلا قليلًا منكم وأنتم معرضون"
التولي هنا ليس مجرد ترك، بل رفض داخلي، وانسحاب من المسؤولية. والإعراض ليس غفلة، بل تعمد في تجاهل الحق "لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم..."
لكنهم فعلوا العكس: قتلوا أنفسهم أخرجوا فريقًا منهم تظاهروا بالإثم والعدوان ثم قال الله: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ هنا تتجلى الانتقائية الدينية، أخطر أمراض التدين، حين يُختار من الدين ما يوافق الهوى، ويُترك ما يُخالف المصلح اسم السورة "البقرة" ليس عابرًا، بل هو رمز بنيوي: البقرة كانت اختبارًا في الطاعة فكان الرد: جدل، مماطلة، استكبارهم قسوة القلب، ثم تحريف، ثم قتل وهكذا، فإن "البقرة" ترمز إلى التحايل العقلي على الأمر الإلهي، وهو ما يتكرر في هذا المقطع: أخذ الميثاق → تولي → إعراض → انتقائية → استكبار → نبذ
وهذه الأسئلة ليست للفضول، بل لتفكيك الواقع، وتحفيز العقل المسلم:
1. لماذا يُعرض الإنسان عن الطاعة بعد أن يُقر بها؟
2. هل نحن ننتقي من الدين ما يوافق مصالحنا، كما فعلوا؟
3. كيف نُحصّن أنفسنا من التولي والإعراض؟ وكيف نواجه التيه المعرفي بين حضارات هذا العصر؟
4. هل نُقيم الصلاة ونُؤتي الزكاة، لكن ننسى أن نقول للناس حسنًا؟
5. هل نُشرب في قلوبنا "عجولًا" جديدة: المال، الشهرة، السلطة؟
6. هل نُنبذ كتاب الله وراء ظهورنا حين لا يوافق أهواءنا؟
7. هل نُكرر كذبة "نحن خير أمة" دون أن نُقيم الحجة على أنفسنا؟
8. هل نُطالب العالم بالعدل، ونحن نُفرّط في عدلنا الداخلي؟
دخل أحد السلف على رجل يحتضر، فقال له: "عاهد الله على التوبة، لعله يُقيلك صرعتك."
فقال الرجل: "كنت كلما مرضت عاهدت الله، فيقيلني. فلما كان هذه المرة، هممت أن أعاهد، فهتف بي هاتف: قد أقلناك مرارًا، فوجدناك كذّابًا. ثم مات عن قريب. هذه القصة ليست عن الموت، بل عن الصدق في الميثاق. فمن يُعاهد الله، ثم ينقض، ثم يُكرر، دون خشية، يُصبح كمن نبذ كتاب الله وراء ظهره.
كيف نخرج من التيه؟ القرآن لا يُحذرنا من بني إسرائيل كأشخاص، بل من النموذج العقلي الذي يُعيد إنتاج المعصية. فمن التولي، إلى الإعراض، إلى الانتقائية، إلى الاستكبار، إلى نبذ الكتاب،
تتكرر الأخطاء، وتتراكم الذنوب، ويُصبح الدين مجرد شعار، لا منهج. والعقل القرآني، حين يتأمل هذا المقطع، لا يكتفي بالفهم، بل يُعيد تشكيل نفسه، ليكون عقلًا خاشعًا، صادقًا، لا يُنتقي، ولا يُعرض، ولا يُنبذ، بل يُقيم الميثاق، ويُجدد العهد، ويقول للناس حسنًا، ويُقيم الصلاة، ويُؤتي الزكاة،
ثم يُواجه التيه، لا بالشعارات، بل بمنهج البقرة: الطاعة قبل الجدل، والامتثال قبل التأويل.











القسم التاسع: بين الحسد العقائدي والنبذ الجدلي
من السحر إلى الحسد: كيف يُعاد تشكيل العقل المسلم؟ هذا المقطع من سورة البقرة (الآيات 102–124) ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو كشفٌ قرآنيٌ عميقٌ لطبيعة النفس اليهودية، التي لا تستسلم، ولا تُقر، ولا تخشع، بل تُجادل وتُحرف وتُعرض وتُلقي أمر الله وراء ظهرها." واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان هنا يدخل القرآن إلى أعماق النفس، يكشف عن العقل المغشوش، الذي يُفضّل السحر على الوحي، والضرر على النفع، والهوى على الحق.
ثم يقول الله: "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزل عليكم من خير من ربكم..."فالحسد هنا ليس حسد مال، بل حسد عقيدة. هم لا يغارون من قوتنا، بل من إيماننا. لا يُزعجهم اقتصادنا، بل يُقلقهم تمسكنا بالقيم، لأنهم يعلمون أن نقيض الكفر هو الإيمان، ونقيض الفساد هو الأخلاق. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا تُعادوا نعم الله. "قيل: ومن يُعادي نعم الله؟ قال: "الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله." وكان الحسن البصري يقول: "ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم من حاسد، حزنٌ لازم، وعبرةٌ لا تنفد."
أن الحسد العقائدي هو أصل كل عداء، وأن من يُعادينا لا يُعادينا لأننا أخذنا، بل لأننا آمنا، لأننا تمسكنا، لأننا قلنا: ربنا الله. الخط البياني بين اسم السورة وبنية موضوعاتها سورة البقرة، باسمها، ترمز إلى الجدل العقيم، والتحايل على الأمر الإلهي. وفي هذا المقطع، يتكرر نفس النمط: اتباع السحر بدل الوحي الحسد بدل التسليم الأماني بدل البرهان التكذيب بدل التصديق نبذ الكتاب بدل العمل به وهكذا، فإن اسم السورة "البقرة" ليس عابرًا، بل هو مفتاح بنيوي لفهم طبيعة العقل الذي يُجادل ولا يخضع، يُظهر الطاعة ويُخفي التمرد.
1. لماذا يُفضّل بعض الناس السحر على الوحي؟
2. هل نحن نُدرك أن الحسد العقائدي أخطر من الحسد المعيشي؟
3. هل نُواجه الأماني الفارغة بالبرهان، أم نُردّدها؟
4. هل نُسلّم وجهنا لله، أم نُساوم على الإيمان؟
5. هل نُعيد بناء الإنسان المسلم ليكون محسنًا، لا مجرد مسلم؟
6. هل نُدرك أن العداء لنا ليس لأننا ضعفاء، بل لأننا نملك الحق؟
7. هل نُحصّن أنفسنا من الذوبان في الآخر، أم نُلهث وراء رضاه؟
8. هل نُعيد قراءة القرآن كمنهج لبناء الإنسان، أم نُقرأه كتراث؟
إعادة بناء الإنسان المسلم وإصلاح الذات الإسلامية لا يبدأ من السياسة، ولا من الاقتصاد، بل من العقل. من أن نُعيد تعريف الإيمان بأنه وعي وعمل، لا أمنية وغرور.
من أن نُقرأ القرآن لا لنُزيّنه، بل لنُغيّر أنفسنا به. من أن نُسلّم وجهنا لله، ونُحسن، ونُقيم البرهان، ونُواجه الحسد العقائدي باليقين، لا بالانفعال.
وهكذا نجد أنفسنا في محطة فارقة وفى مقطع قراني يُعد من أكثر المقاطع القرآنية كشفًا لبنية العقل الجدلي المغشوش، خاصة في النموذج اليهودي الذي يُجادل ولا يُسلّم، يُظهر الطاعة ويُخفي التمرد، ويُحرف النص ليخدم الهوى. من الحسد العقائدي إلى نبذ العهد: كيف يُعاد بناء الإنسان؟ كشف النفسية الجدلية المغشوشة "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان القرآن هنا لا يُدين السحر فقط، بل يُدين العقل الذي يطلب القوة دون طهارة، ويطلب التأثير دون مسؤولية. بنو إسرائيل لم يكتفوا بتحريف النص، بل سعوا إلى تعلم ما يضرهم ولا ينفعهم، كأنهم يُفضّلون السيطرة على التسليم، والهيمنة على الإيمان.
ان نقيض الفساد هو الصلاح، وهذا ما يُهدد وجودهم الأماني الفارغة والرد القرآني بالحجة "تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين..."القرآن لا يُجادلهم بالعاطفة، بل بمنهج عقلاني رشيد:
- الإيمان ليس أمنية، بل عمل
- البرهان هو معيار الصدق
- والوجهة ليست الشرق أو الغرب، بل حيثما تولوا فثم وجه الله
ثم يُقرر الحقيقة: "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه..."
الإسلام هنا ليس شعارًا، بل تسليمًا واعيًا، وإحسانًا عمليًا. التناقض الداخلي والعداء المتبادل "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء..." كل طرف يُكفّر الآخر، رغم أنهم يتشابهون في التحريف، والغرور، والانتقائية. ثم يقول الله: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم..."
الرضا عندهم مشروط بالذوبان فيهم، لا بالحوار معهم. وهنا يُبرز القرآن أن العداء ليس شخصيًا، بل بنيوي، لأنهم لا يقبلون الحق إلا إذا وافق هواهم.
في إحدى الجامعات الغربية، وقف طالب مسلم في مناظرة، وقال "أنا لا أطلب منكم أن تُحبوا الإسلام، بل أن تحترموا الحق الذي فيه. "فرد عليه أحد الأساتذة اليهود: "لكننا لا نرتاح حين نرى شبابًا مثلكم يتمسكون بدينهم، لأن هذا يُذكّرنا بما فقدناه."
فقال الطالب: "وهذا هو الحسد العقائدي الذي تحدث عنه القرآن." هذه القصة تُجسّد مركز القضية: أن التمسك بالإيمان يُقلق من فقده، ويُزعج من حرّفه، ويُخيف من يُزيّف الحقيقة.
إعادة بناء الإنسان المسلم في ان تكون الشريعة لا تُناقض الحكمة، بل تُكمّلها والقرآن، في هذا المقطع، يُقدّم منهجًا لإعادة بناء الإنسان:
- أن يُسلّم وجهه لله، لا لهواه
- أن يُحسن، لا أن يُحسن الظن بنفسه
- أن يُواجه الأماني بالبرهان
- أن يُدرك أن العداء له ليس لأنه ضعيف، بل لأنه يحمل الحق
وهكذا، فإن إصلاح الذات الإسلامية يبدأ من إعادة بناء العقل القرآني لا عبر التنديد بالآخر، بل عبر الصدق مع النفس، والتمسك بالحق، والعمل بالإحسان.













القسم العاشر: من التحذير إلى بناء الهوية
في هذا المقطع من سورة البقرة "123 140، ينتقل الخط البياني القرآني من التحذير من يوم القيامة إلى تأسيس ملة إبراهيم، ثم إلى دعوة الأمة المحمدية لتوحيد الإيمان، فـي صبغة الله ثم إلى الرد على الجدل العقيم حول النسب والهوية. وهذا التدرج، كما يراه ابن عاشور، هو بناء تربوي متكامل، يهيئ النفس لقبول التكاليف، ويؤسس العقل لفهم الدين كمنظومة هداية، لا كتراث جامد. "لا تجزي نفس عن نفس" هو تأكيد على عدالة الله، وأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه، لمن ارتضى، فلا مجال للغرور الديني أو التواكل. نها تعني التحذير من يوم لا تنفع فيه شفاعة ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ ويرى الشيخ الغزالي أن هذه الآية تضع الإنسان أمام مسؤوليته الفردية، وتقطع عليه الاعتماد على الوسائط أو الأنساب. وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ تعني التحذير وتفتح باب الخشية، وتغلق باب الاتكال على غير الله كما يقول الحسن البصري فمن خاف هذا اليوم، "أصلح ليله ونهاره" فيما راي ابن عربي عند تأمل هذه الآية أن ذلك اليوم هو تجلٍّ للعدل الإلهي، حيث لا يشفع إلا من أذن له الرحمن، فالمقام هنا مقام فناء في التوحيد أما ما يتعلق بإمامة إبراهيم وبناء البيت "وإذ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ الإمامة هنا ليست تشريفًا، بل تكليفًا بعد ابتلاء. والغزالي يرى أن الإمامة لا تُمنح لمن لم يُثبت صدقه في الابتلاء، وأن الدين لا يُحمل بالوراثة، بل بالاستحقاق. ويري الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية ان الله ربط بين بناء البيت الحرام وبين تأسيس الأمة، فالدعاء الذي يرفعه إبراهيم هو دعاء تأسيسي: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ فالإسلام هنا هو الانقياد الكامل، لا مجرد الانتماء. انه دعاء وجداني عظيم يجمع بين بناء الكعبة ودعاء التزكية ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ وقد رأى الغزالي أن الدعاء هنا هو مشروع تربوي: تعليم، تزكية، عبادة فيما ابن عاشور فيرى أن ذكر "البعثة" في دعاء إبراهيم هو إشارة إلى أن الرسالة المحمدية هي امتداد لهذا البناء، وأن الكعبة ليست مجرد بناء، بل مركز إشعاع روحي وتربوي. وأما الآيات التي تحدثت عن الوصية والملة في الآيات 130–134: جاء الحديث عن ملة إبراهيم والوصية للأبناء ﴿ووصى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾ الغزالي يقرأ هذه الآيات كدعوة لتأسيس الإيمان في البيوت، لا في الجدل. وعن إمامة إبراهيم وبناء البيت ﴿وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ فتعني إبراهيم عليه السلام يُبتلى، فينجح، فيُمنح الإمامة. ونخلص الي ان "الإمامة لا تُعطى لمن لم يُحرق بنار الابتلاء". وأن الطاعة هنا ليست مجرد تنفيذ، بل مقام يقين، حيث يقول إبراهيم: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾، فالإمامة تبدأ من محراب القلب وبناء الكعبة ودعاء التزكية ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ﴾ هنا يتجلى معنى "العبادة في العمل"، فرفع القواعد عبادة، والدعاء تزكية. "من لم يرفع قواعد قلبه بالإخلاص، فبناءه هباء" كما يقول الشيخ علي جمعة الذي يرى أن الدعاء هنا هو تأسيس لمدرسة النبوة: تعليم الكتاب، والحكمة، والتزكية وفيما يتعلق بملة إبراهيم والوصية للأبناء ومن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيم﴾ فهذه الآيات تؤسس لهوية إيمانية لا تُبنى على النسب، بل على الإيمان. يقول بديع الزمان النورسي أن ملة إبراهيم هي "الطريق الفطري إلى الله"، وأن الوصية للأبناء هي زرع النور في القلوب قبل العقول.
وابن عاشور فيرى الوصية هنا هي انتقال للهوية الإيمانية عبر الأجيال، وأن الإيمان لا يُورث، بل يُوصى به، ويُغرس في القلوب. كذلك الآيات 135–137: بما تمثله من دعوة إلى التوحيد ونبذ العصبية ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الغزالي ينتقد من يجعل الدين قومية أو عصبية، ويرى أن هذه الآيات تؤسس لعقيدة عالمية، لا طائفية فيما ابن عاشور يلاحظ الترتيب في ذكر الأنبياء، ويرى فيه وحدة الرسالة، وأن الإيمان لا يُجزّأ، ولا يُفرّق بين نبي وآخر.
اما الحسن البصري يقول: "من لم يوصِ أبناءه بالتوحيد، فقد ضيّع ميراث النبوة" كانت دعوة إلى التوحيد ونبذ العصبية ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ.﴾ هنا يُطلب من الأمة المحمدية أن تُعلن إيمانها، لا كهوية طائفية، بل كامتداد للنبوة الجامعة.
أما الآية 138: التي تركز على صبغة الله ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ وهذه الآية هي ذروة التحول من الشكل إلى الجوهر، فالصبغة ليست طقوسًا، بل أثر الإيمان في السلوك. والصبغة هي أثر الإيمان في السلوك من لم يتصبغ بصبغة الله، فصبغته من الناس "دع قلبك يُغمس في نهر النور، لا في طين الهوى انها مسالة الحسم في الهوية الإيمانية "فكل نبي هو شمعة من نور الله، فلا تطفئ نورًا لتشعل آخر ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ هذه الآية هي ذروة التجلي الروحي، حيث يتحول الإيمان إلى هوية، والصبغة إلى نور﴿أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ فالإيمان ليس جدلًا، بل تسليمًا. الحسن البصري يقول: "من حاجّ في الله، فقد جهل الله" اما النورسي فيرى أن هذه الآيات تؤسس لعقل قرآني لا يُجادل، بل يُسلّم، ويُبصر، ويهتدي الصبغة إلى التسلي، كما خاتمة السورة تتحدث عن التسليم الكامل: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ فمن تصبغ بصبغة الله، لا بد أن يختم طريقه بالتسليم، ومن آمن كما آمن إبراهيم، لا بد أن يقول كما قال الصحابة: "سمعنا وأطعنا"
وتفسر "صبغة الله" في كتب المفسرين بأنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي التوحيد، والطهارة، والعدل، والرحمة. والأبيات من 139–141: تعني الحسم في الهوية الإيمانية ﴿أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ وهذه الآيات كرفض للجدل العقيم، الذي يستبدل الإيمان بالهوى، ويجعل الدين معركة نسب لا معركة حق وتختم المقطع بحسم واضح: الإيمان هو اتباع الحق، لا التفاخر بالأنساب، وأن من سبقونا بالإيمان هم قدوتنا، لا موضوع جدلنا.
ان الربط بين اسم السورة وخاتمتها يكشف عن العقل الجدلي الذي راوغ في تنفيذ أمر الله، بينما تختم السورة بنداء التسليم: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ وهذا التدرج من الجدل إلى الطاعة، من الشكل إلى الجوهر، من النسب إلى الإيمان، هو ما أراده القرآن من هذا البناء البياني.




















القسم الحادي: تحويل القبلة: اختبار كشف العقل الإيماني والعقل الجدلي
موضوع التحول من بيت المقدس إلى الكعبة يأخذ بعدا كبيرا في فهم ارتباط الاسم ببنية موضوع تحويل القبلة يقول تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: 144] لقد تم الأمر في أثناء الصلاة، لا قبلها ولا بعدها. استجاب النبي ﷺ فورًا، وتبعه المؤمنون دون سؤال. وهنا، تتجلى حقيقة أن *التوجيه والتحول لم يكن جسديًا فقط، ولا مجرد انتقال من جهة إلى أخرى، بل كان تأسيسًا لعقل معرفي يسلم بالأمر الإلهي، ويقدسه عقل لا يناور، ولا يتحايل، ولا يجادل، بل يخضع ويؤمن أن الأمر من الله لا يُناقش، بل يُتّبع. هذا التحول كشف عن جوهر الإيمان، وعن الفرق بين من يعبد الله، ومن يعبد الاتجاه. فالعقل المعرفي القرآني لا يقف عند ظاهر الأمر، بل يتأمله، ويخضع له، ويبحث عن حكمته دون أن يعارضه. أما السفهاء، فقالوا: "ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟" لقد غاب عنهم أن لله المشرق والمغرب، وأن الأمر الإلهي لا يخضع للأهواء، بل يكشف السرائر، ويميز من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
وفيما يلي إشارات لعلماء ومفكرين ف موضوع تحويل القبلة من زوايا مختلفة يدعم موقفنا من ربط اسم السورة بمفاتيح موضوعاتها فنجد الشيخ عبد العزيز عودة يشير في ذلك إلى رمزية هذا التحول ويرى فيه بانه لم يكن مجرد توجيه جسدي، بل هو توجيه للهوية، إعلان بأن مكة هي القلب، وأن الرسالة لا تُستنسخ بل تُبعث من جديد. أما شيخ الأزهر عبد الحليم محمود صاحب المدرسة الصوفية فيرى أن تحويل القبلة يحمل دلالة عميقة في الانتماء، والتميز، والاستقلال. فالنبي ﷺ تقلب وجهه في السماء، راغبًا في قبلة ترضيه، نحو البيت الذي رفع قواعده إبراهيم. وفي ذلك درس في حب الوطن، والارتباط بالمقدسات، والتميز عن الآخر. كما أن تحويل القبلة كان أول نسخ في الشريعة، دلالة على أن الدين يتفاعل مع الزمن، لا يتجمد فيه. اما المفكر عبد الجواد ياسين: فيرى بان تحويل القبلة لحظة تأسيسية في استقلالية الإسلام عن السياقات السابقة، "فالتحول في الشعائر يعكس تحولًا في البنية التاريخية للخطاب الديني، والدين لا يتجمد بل يتفاعل مع السياق." اما فاضل السامرائي: الذي ركز على بلاغة التعبير ففي قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ فالتحويل اختبار إيماني، يكشف صدق الاتباع، ويُظهر من يعبد الله لا الاتجاه. وفى سياق الآيات يبرز لنا منطق الوسطية والشهادة في خضم هذا التحول، تأتي الآية الفريدة: ﴿وكذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ ليست الأمة وسطًا بالعدد أو الجغرافيا، بل بالحق، بالميزان، بالشهادة على الناس. كما أن ذبح البقرة كشف القاتل، فإن تحويل القبلة كشف القلوب. كشف من يسلم، ومن يناور. كشف من يزكي نفسه، ومن يختار طريق الضلال العقل المعرفي مقابل العقل الجدلي
ان القرآن يقرر: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ هنا، العلم ليس مجرد معرفة، بل هو الحق، وهو الدين، وهو الإسلام. مخالفة العلم هي ضلال، وهي اختيار طريق لا يوصل إلى الرضا. الذين أوتوا الكتاب يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، لكنهم كتموه، وأسسوا عقلًا باطنًا مشوهًا، عقلًا جدليًا مغشوشًا، يرفض التسليم، ويزيف الهداية القرآن
وحين يختم هذا السياق بقوله ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ هنا تتجلى مكونات العقل المعرفي القرآني: يتلو الآيات يزكي النفس يتعلم من الوحي يبحث عن الحكمة يؤسس للمعرفة.
ان ظلال سر الاسم يدور في فلك موضوعاتها حيث لم يكن الاسم عبثًا. فحادثة "ذبح البقرة" تكشف عن عقل جدلي مغشوش، يراوغ في التكليف، ويعاند الهداية. قالوا لموسى: "أتتخذنا هزوا؟ رفضوا التسليم، وناوروا في أمر إلهي مقدس. ثم يأتي موضوع تحويل القبلة، ليكشف عقلًا آخر: عقلًا إيمانيًا يسلم، يستجيب، ويخضع لأمر الله في لحظة الصلاة، دون جدل أو تردد.
ويمتد الخط البياني القرآني من اسم السورة إلى بنية موضوعاتها هنا وهناك علي طريقة القران الذي لا يشبه ربط البشر, وانما ليصنع وحدة معرفية متماسكة من بيت المقدس إلى الكعبة قال تعالي ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة: 144] أما السفهاء، فقالوا: _"ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ " فمن يتلو الآيات يزكي النفس يتعلم من الوحي يبحث عن الحكمة يسلك طريق المعرفة ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ حينها تسير النعم مع الشكر والذكر مع الحكمة تحقق الهداية وتنصت الفطرة وتسكين يطمئن القلب ويتألق العقل في تأملاته وتكشف الأسرار وتفتح أبواب الحجب وينزل الالهام في قلب مستكين خاشع يتلقى وهو مطمئن وينفذ وهو راض عن الله







القسم الثاني عشر: بين الوحي والواقع
في هذا القسم من السورة من الآية 164 إلى 283، وهو القسم الأكبر من عرض الآيات الكريمة فنجدها لا تتحدث عن أحكام متفرقة فحسب، بل ترسم لوحة معرفية متكاملة، تبدأ من تأمل الكون، وتنتهي بضبط المال، وتُمرر خلالها خيوطًا من العبادة، والجهاد، والاقتصاد، والعلاقات، والنبوة، والرفض، والقبول. كل موضوع فيها ليس جزيرة، بل موجة في بحر واحد، وكل موجة تُعيد تشكيل العقل الإيماني، وتُختبر فيه النفس، وتُكشف فيه النوايا. من آيات الكون إلى آيات القلب تبدأ اللوحة من السماء: "إن في خلق السماوات والأرض..." دعوة للتأمل لا للجدل. العقل هنا لا يُجادل، بل يُبصر، ويُسلّم. كما قال طه عبد الرحمن: "التأمل في الكون هو أول درجات الفهم الإيماني". وهنا يظهر أول سر في اسم السورة: البقرة كرمز للتأمل في الخلق، كما كانت البقرة في القصة مفتاحًا لكشف الحقيقة؟
وتتوالى يسألونك فمرة: عن الأهلة، القتال، المحيض، الإنفاق... وكلها تُجاب بـ "قل"، أي تكليف مباشر. العقل هنا يُربّى على الاستجابة، لا على الجدل. كما قال مالك بن نبي: "السؤال في الإسلام هو بداية التحرر من الجهل، لا وسيلة للتمرد". وسر البقرة هنا: الاستجابة بعد التردد، كما في قصة الذبح، هي جوهر العقل الإيماني.
ان آيات القتال التي تدعو للتضحية (190–195) تعني ان القتال ليس عدوانًا، بل دفاع عن النفس، ورد للظلم، وتمكين للعبادة. وجملة في سبيل الله" تعني أن الدم لا يُسفك إلا لتحرير الروح. كما قال محمد عمارة: "القتال في الإسلام هو تحرير للضمير، لفرض للعقيدة". وسر البقرة هنا: التكليف رغم الكراهة، كما كُره ذبح البقرة، لكنه كشف القاتل.
اما آيات الصوم: فهي تمثل عبادة الباطن (183–187) فالصوم يُعيد الإنسان إلى صدقه مع نفسه، لا يراه أحد، لكنه يُطهر كل شيء. "لعلكم تتقون" هي الغاية، لا الجوع. كما قال عبد الوهاب المسيري: "الصوم هو لحظة انسحاب من المادية، واستعادة للإنسانية". وسر البقرة هنا: الطهارة الداخلية، كما كانت البقرة طاهرة، لا عيب فيها.
والحج: في معناه الروحي يمثل حالة من التجرد من الذات (196–203) الحج يُذيب الفوارق، ويُعيد الإنسان إلى فطرته. لا جدال، لا تفاخر، فقط عبودية خالصة. كما قال محمد إقبال: "الحج مؤتمر روحي عالمي، يُعيد تشكيل الإنسان". وسر البقرة هنا: الذبح كرمز للتجرد، كما في ذبح البقرة، لا يُقبل إلا إذا كان خالصًا لله.


وآيات الصلاة: تعني هندسة الخشوع (2–3، 238) الصلاة ليست حركات، بل بناء داخلي يُعيد ترتيب القلب. "ويقيمون الصلاة" تعني إقامة المعنى. كما قال فريد الأنصاري: "الصلاة هي هندسة روحية تُعيد ترتيب النفس على قبلة السماء". وسر البقرة هنا: التزكية، كما كانت البقرة وسطًا بين الإفراط والتفريط.
فيما كانت آيات الربا: تشير الي المال حين يُفسد الروح (275–279) فنجد أن الربا ليس معاملة، بل فضيحة أخلاقية، كما في تعامل اليهود. "وأخذهم الربا وقد نُهوا عنه..." يكشف عقلًا ماديًا لا يعرف الرحمة. كما قال محمد شلتوت: "الربا يُميت الرحمة ويُحول العبادة إلى عادة". وسر البقرة هنا: كشف الفساد، كما كُشف القاتل في قصة البقرة.
أما آية الدين: التي تعني الاقتصاد كعبادة وحفظ للحقوق الفردية (282) والي جانب أنها أطول آية في القرآن، فهي تجمع بين التوثيق، والتقوى، والعدل. "وليملل الذي عليه الحق..." تُعيد بناء الثقة. كما قال جمال الدين الأفغاني: "العدل في المعاملات هو أساس الحضارة". وسر البقرة هنا: التوثيق، كما وثّقت القصة الجريمة، كذلك توثق هذه الآية الحقوق.
وكما حرضت السورة على الإنفاق: لتطهير المال والنفس (261–273) الإنفاق الذي يُذبح فيه الشح، ويُطهّر فيه القلب. "قرضًا حسنًا" هو ذبح للأنانية. كما قال على شريعتي: "الإنفاق هو مقاومة ضد الذات الأنانية". وسر البقرة هنا: التضحية، كما في ذبح البقرة، لا يُقبل إلا إذا كان خالصًا لله.
الطلاق والميراث: التوازن الأسري (228–242) الأحكام تُنظم المال والعاطفة بتقوى وعدالة. لا ظلم، لا تحايل، فقط توازن. كما قال البوطي: "الأسرة تُدار بالتقوى، لا بالعاطفة المنفلتة".وسر البقرة هنا: الوسطية، كما في البقرة لا فارض ولا بكر، كذلك الأحكام وسطية عادلة.
أما مسألة تفضيل الرسل: فهو توزيع إلهي للحكمة (253) التفضيل ليس تفاضلًا عرقيًا، بل توزيعًا للحكمة. محمد ﷺ خُتمت به النبوة لأنه يحمل الرسالة الكاملة. كما قال حسن حنفي: "تفضيل الرسل ترتيب تاريخي للنبوة". وسر البقرة هنا: رفض التكبر، كما رفض بنو إسرائيل الاعتراف بفضل محمد ﷺ.
واما موقف اليهود من محمد ﷺ: فهو الحسد لا الجهل (87–91، 146) اليهود أنكروا محمد ﷺ رغم معرفتهم به، لأنهم رأوا فيه نهاية امتيازهم التاريخي. كما قال عبد الكريم سروش: "رفض النبوة الخاتمة تمرد على الحقيقة". وسر البقرة هنا: العناد، كما في رفضهم ذبح البقرة رغم وضوح الأمر.
واجمالا السورة ليست فصولًا متفرقة كما نرى، بل لوحة واحدة تُقرأ من زوايا متعددة: من زاوية التأمل: تبدأ بالكون وتنتهي بالقلب من زاوية السلوك: تبدأ بالسؤال وتنتهي بالاستجابة من زاوية الاقتصاد: تبدأ بالإنفاق وتنتهي بالتوثيق من زاوية العبادة: تبدأ بالصوم وتنتهي بالحج من زاوية التاريخ: تبدأ بتفضيل الرسل وتنتهي برفضهم لمحمد وكل زاوية تُعيد تشكيل العقل، وتُختبر فيها النفس، وتُكشف فيها النوايا.
ويمتد الخط البياني المعرفي في سورة البقرة من (الآيات 164–283): ليمثل بروز للعقل الإيماني بين السؤال والتكليف، وبين الرمز والرسالة وكمدخل تأسيسي: نعرف العقل الايماني في الإسلام كما عرفه الشيخ محمد أبو زهرة بانه: "العقل الذي ليس خصمًا للوحي، بل هو شريكه في إدراك الحقيقة، إذا استنار بنور الإيمان. "ويؤيد هذا الشيخ محمود شلتوت بقوله "القرآن لا يلغى العقل، بل يوجهه، ويمنحه أدوات الفهم، ويضع له حدودًا تحفظه من الغرور."
والعقل الإيماني في أبهى صورة "عقلٌ يسأل، ويتلقى، ويُكلف، ويُحاسب، ويُربى على منهج الوحي" وآيات القرآن لا تخاطب العقل الجدلي، بل العقل المستنير بالوحي، الباحث عن الحقيقة، المستجيب للتكليف.
ومع ذلك يبقي اسم السورة لا يُختزل في قصة البقرة، بل هو رمز معرفي يتكرر في كل موضوع: البقرة = التكليف رغم الكراهة كما رفض بنو إسرائيل ذبحها، كذلك يُكره القتال، لكنه واجب. البقرة = التضحية من أجل الحقيقة كما أن ذبح البقرة كشف القاتل، كذلك الإنفاق يكشف نوايا القلب. البقرة = الطهارة والتزكية كما أن البقرة طاهرة، كذلك الصوم والحج يطهران النفس. البقرة = العدالة في الحقوق كما أن البقرة كانت وسيلة لكشف الظلم، كذلك آية الدين تحفظ الحقوق.
هذا الخط البياني يُظهر كيف تنتقل السورة من التأمل الكوني إلى الأسئلة التشريعية، ثم إلى القتال والتزكية والعبادات والمعاملات، وصولًا إلى ضبط الحقوق الأسرية والمالية وكل ذلك تحت مظلة اسم السورة: البقرة = التكليف والتطهير والعدالة.
ويدعم هذا القول الشيخ محمد أبو زهرة في تفسيره لسورة البقرة حيث يقول "القرآن لا يقرر الأحكام بمعزل عن العقل، بل يربطها بالحقائق الكونية والإنسانية، كما في آية: إن في خلق السماوات والأرض... لآيات لقوم يعقلون." والشيخ محمود شلتوت في كتابه القرآن والمرأة يقول: "الطلاق في الإسلام ليس فوضى، بل هو نظام دقيق يحفظ الحقوق، ويُدار بالتقوى، كما في قوله تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله." كذلك كتب الشيخ محمد أبو زهرة عن آية الدين انها " الآية أطول آية في القرآن، لأنها تجمع بين التقوى، والعدل، والتوثيق، وهي بذلك نموذج للعقل المعرفي الذي نتأمل به الآيات فهو عقل لا يغفل عن التفاصيل.
"سورة البقرة، في ظاهرها، سورة أحكام وتشريعات، وفي باطنها، طريق سلوك، وسفر روحي، ومقام من مقامات السير إلى الله. اسمها، المأخوذ من حادثة البقرة، يكشف عن العقل الجدلي الذي يراوغ، بينما تختم السورة بنداء التسليم الكامل: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ هنا، يتحول العقل من الجدل إلى التضرع، ومن المناورة إلى الاستسلام، ومن الحرف إلى الروح إن كل حكم في السورة هو تجلٍّ من تجليات الحق، وكل أمر هو نداء من الله إلى عبده ليقترب، لا ليبتعد. المحيض أذى، لكنه أيضًا تذكير بأن الطهارة ليست جسدية فقط، بل روحية. القتال كره، لكنه في سبيل الله، فهو فناء في المحبة، لا في العنف. الإنفاق ليس بذل مال، بل بذل نفس، كما قال جلال الدين الرومي: "من لم يبذل نفسه، لم يعرف مقام الفناء" الحب الإلهي في كل تكليف وكل أمر هو دعوة للوصال، وكل نهي هو حماية من البعد. الحج ليس طوافًا حول بناء، بل طواف حول المعنى. الأنفاق ليس صدقة، بل انكشاف القلب أمام الله.
﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ هو نداء العاشق، لا أمر الفقيه. "كل من طرق باب الله، وجده مفتوحًا، لأن الله لا يغلق أبوابه أمام من أحبّه". الدنيا ظل زائل، والآخرة هي القرار ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا﴾ ويقول عن المنافق: "ما له في الآخرة من خلاق، لأنه لم يعرف الله إلا في دنياه". القتال، الإنفاق، الحج، كلها ليست غايات، بل وسائل للنجاة. الزهد ليس ترك المال، بل ترك تعلق القلب به. ورع ابن المبارك جعله يقول: الجهاد الحقيقي هو جهاد النفس و" من قاتل نفسه، فقد قاتل في سبيل الله". ففي السورة، القتال ليس للغلبة، بل للحرية، والإنفاق ليس للمدح، بل للرضا. ان وسم آيات القرآن بعبارات مثل ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وابتغاء مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ هما معيارا العمل الصادق. فمن أنفق ليُرى، فقد ضل، ومن أنفق ليُرضي، فقد وصل. التقوى في كل حركة وسكون "هذا هو فقه القلوب، قبل أن يكون فقه المعاملات". وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ التقوى في الكتابة، لا في الصلاة فقط. ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ العلم من الله، لا من الكتب وحدها. القرآن نبع النور في ظلمات العصر "سورة البقرة هي دستور الحياة، ومصباح الطريق، ومفتاح الفهم". في زمن الظلمات، تأتي آية: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ وفي زمن الفقر، تأتي آية: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ لتقول: لا تخافوا، فالله هو الرزاق. وكما قال الشيخ علي جمعة: الدين جمال قبل أن يكون جلالً ويرى أن السورة تربي الإنسان على التوازن بين الجمال والجلال، بين الحب والخوف، بين الطاعة والرحمة. الحج، الإنفاق، القتال، كلها عبادات فيها جمال المعنى، لا فقط جلال التكليف. والسورة تختم بالدعاء، لا بالحكم، لتقول: إن الدين في جوهره علاقة، لا مجرد تشريع.


خاتمة: مقام التسليم، ومفتاح النور
سورة البقرة تختم بنداء التسليم، حيث يقول المؤمن ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ وهنا، كما يقول كبار الصوفية، يبدأ النور في القلب، ويخرج في سبحات الذكر والمعرفة، ويصبح الإنسان مرآة للحق، وسالكًا في طريقه، ومحبًا في حضرته.
ان اسم السورة: "البقرة" كرمز معرفي ليست مفتاح تأويلي يكشف عن طبيعة العقل الذي يخاطبه القرآن. حادثة البقرة ليست قصة، بل مرآة للعقل الجدلي الذي يناور، يراوغ، ويهرب من التكليف. ومن هنا، تبدأ السورة في تفكيك هذا العقل، وبناء عقل جديد: من خلال العقل المعرفي القرآني، الذي يُبصر، يُسلّم، ويهتدي. ولقد تناولنا السورة من خلال موضوعات عديدة واقسام منها:
القسم الأول: الآيات الإفتتاحية وهذه الآيات مليئة بالإيحاءات والاشارات عن الضوء والظلمة، الإيمان والنفاق هنا يُفتتح القرآن بنداء الهداية: ﴿ذلك الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ وحيث يبدأ يُرسم خط بياني بين المؤمنين، والكافرين، والمنافقين. العقل المعرفي يبدأ من الوضوح، لا من التردد، من الاستجابة، لا من المراوغة. المنافقون هم أبناء العقل الجدلي، الذين يُظهرون الإيمان ويُخفون الهوى.
القسم الثاني: الآيات 21–39الخلق، التكليف، والسقوط ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ نداء عام للبشرية كلها، دعوة للعبادة، لا بالطقس، بل بالوعي. ثم قصة آدم، أول اختبار للعقل هل يُطيع؟ أم يُجادل؟ وهنا يبدأ الدرس الأول في المقاصد: السقوط ليس نهاية، بل بداية طريق العودة، بشرط أن يُولد في القلب الندم، وفي العقل الاستبصار.
القسم الثالث: الآيات 40–103بني إسرائيل والعقل الجدلي هنا يُعرض النموذج الكامل للعقل الذي رفض النور، وفضّل الهوى. ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم﴾ الآيات تكشف كيف تحوّل الدين إلى جدل، والنبوة إلى ميراث، والعبادة إلى شكليات. وهنا يُولد السؤال: هل نحن نُعيد إنتاج هذا العقل في ثقافتنا؟ هل نُجادل النص، بدل أن نُسلّم له؟ وهنا يُطرح الخلاص: العودة إلى الوحي، لا إلى التاريخ.
القسم الرابع: الآيات 104–141الهوية الإيمانية، ملة إبراهيم، وصبغة الله ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ هنا يُعاد تعريف الهوية، لا على أساس النسب، بل على أساس الإيمان.
إبراهيم عليه السلام يُصبح النموذج للعقل المعرفي: يُبتلى، فيُطيع، يُبني، فيدعو. والصبغة هنا ليست لونًا، بل تحولًا وجوديًا، حيث يُصبح الإنسان مرآة للحق.
القسم الخامس: الآيات 142–202 فيضم موضوعات القبلة، التشريع، والعبادات هنا يبدأ بناء المجتمع المؤمن: تحويل القبلة: من الشكل إلى المقصد. الصيام: من الحرمان إلى التزكية. الحج: من الطقس إلى التوحيد. القتال: من الغلبة إلى الدفاع عن حرية الإيمان كل عبادة هنا تُعيد تشكيل الإنسان، وتُعيد بناء العقل، وتُعيد وصل القلب بالسماء.
القسم السادس: الآيات 203–286الاقتصاد، المعاملات، الدعاء، وبالخاتمة هنا يُكتمل البناء: الإنفاق: تحرير من الشح، لا خسارة. الربا: فساد في المنطق، لا مجرد مال. آية الدين: ضبط للحقوق، لا تعقيد. الدعاء: اتصال مباشر، لا وسائط. الخاتمة: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ وهنا يُولد العقل المعرفي القرآني الكامل: عقلٌ يُدرك، يُسلّم، يُزكّي، يُصلح، ويُضيء.
وفي زمن تشظي فيه الهويات، وتُختطف فيه العقول، وتُستبدل فيه الثقافة بالضجيج، تأتي سورة البقرة لتقول لا خلاص إلا بالعودة إلى العقل المعرفي القرآني. لا إصلاح إلا بتفكيك العقل الجدلي الذي عطّل الدين. لا نهضة إلا بإحياء المقاصد، لا بتكرار الأحكام لا نور إلا حين يُضيء القلب، ويستيقظ العقل، ويولد الوعي. دعوة أخيرة: هل نُعيد اكتشاف القرآن كما نزل؟ هذا الكتاب لا يُكتب ليُشرح، بل ليُشعل. لا ليُقرأ، بل ليُوقظ. لا ليُحفظ، بل ليُحرّر. فهل نبدأ؟ هل نُشعل أول شرارة؟ هل نُعيد اكتشاف سورة البقرة، لا كتشريع، بل كخريطة خلاص.
"ربنا اننا سمعنا مناديا للأيمان أن آمنوا" وكانت الاستجابة "فأمنا "وانطق قطار الايمان في طريقه يضئ الظلمة ويسافر الى محطات الهداية حيث تتساقط الرحمات من فوق سماءنا وتنبثق الأرض خضرة يانعة وتتبدل انفاس الصباح مع كل اذان الله اكبر الصلاة خير من النوم.
لقد انتهي زمن النوم لمن يؤمن بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا وسلوكا



#ناهض_الرفاتى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقدير موقف حول تهديدات نتياهو-انتظروا-
- تقدير موقف حول نجاح او فشل مبادرة ترامب ذات 21 بن
- الرواية: ساحة المعركة الحقيقية
- مرأة العذاب
- الوحش والمئذنة*
- مغسلة الموتى
- اسباب نتياهو لعدم وقف الحرب
- صناعة المأساة والخلاف السياس والدينى
- الإمارة والخلافات السياسية السلفية نموذجا
- مت قضايا الفكر الإسلامي والأنظمة السياسية محددات التقارب وال ...
- الحرب نجاه وبعث
- الفتنة الكبرى لطه حسين فى عيون المسيرى
- ثقافة الحزب أولها استبداد وأخرها فشل -رواية جورج أورويل والح ...
- انتعاش قطاع العقارات السكنية في غزة الأسباب؟
- التطبيع الاسرائيلى السعودي سيكون زواجا مثليا سياسي اذا ما تم
- الرياض والزواج المثلي السياسي مع تل ابيب ؟
- انتصار القهر وخسارة الكرامة لسلعة الانسان
- الشيء المفقود في لقاء الأمناء العامين الفلسطيني
- اقتصاد التفاهة والتعليم الغبي
- الملف النووي الايرانى والحريق المستبعد


المزيد.....




- غزة: تدمير واسع لدور العبادة واستهدافٌ للرموز الدينية منذ بد ...
- كاردينال في الفاتيكان ينتقد العمليات الإسرائيلية في غزة ويصف ...
- كيان الاحتلال يمنع خطيب الأقصى من دخول المسجد لمدة 6 أشهر!
- تعيين سفير جديد لايران لدى منظمة التعاون الاسلامي
- إسرائيل ترفع التأهب العسكري خلال عيد العُرش اليهودي
- سيف “ازدراء الأديان”
- عامان على الإبادة.. الاحتلال تعامل بوحشية مع القطاع الديني ب ...
- الهباش يلتقي محافظ أريحا ويلقي محاضرة عن الوسطية في الإسلام ...
- لأول مرة منذ عقود، عدد اليهود المغادرين لإسرائيل يفوق عدد ال ...
- إسرائيل قتلت 250 خطيبا ورجل دين ودمرت 835 مسجدا بغزة


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناهض الرفاتى - العقل المعرفي