فتحي سالم أبوزخار
الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 12:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ابعد أن وصل الطغيان ذروته في حصار غزة وقامت إسرائيل بأبشع جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وبدعم حربي وإعلامي من رأس الهرم الأمريكي تأتي نقطة التحول والانعطاف بأسطول الصمود الإنساني العالمي وذلك بتوجيه ضربه موجعة لعجرفة حكومة نتنياهو وداعمها بلا حدود رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب. يرتقي الوعي الإنساني العالمي ليلقن الآلة الحربية الإسرائيلية المجرمة المُفتكة بالأطفال، والنساء، والشيوخ في غزة درساً في محاولة صناعة مواقف إنسانية سلمية لتطعم جياع غزة وتسقي عطشى غزة وتضمد جراح أهل غزة وتجبر خاطر المظلومين في غزة. نعم أسطول الصمود يحاول أن يفك الحصار عن غزة المطوقة بآلة الحرب العسكرية الإسرائيلية المدمرة، يشد أنتباه العالم لمحاولات الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو الدنيئة إجتثات أهل غزة من على أرضهم، وحذفهم للمجهول ليبني ترامب المنتجعات السياحية حسب زعمه على أرض العزة في غزة!
الرابط بين إسرائيل وأمريكا؟
كثيراً ما تساءل الكاتب عما هو الرابط الحقيقي بين إسرائيل وأمريكا، ولعدم قناعات الكاتب بأن إسرائيل هي التي تقود أمريكا، ولو انتابه الشعور بذلك أحيانناً، إلا أنه بالتأكيد يزم بأن هناك قواسم مشتركة هي التي توطد العلاقة بينهما. وحسب وجهة نظر الكاتب تتلخص في النقاط التالية:
• يذكر علامة التاريخ السياسي د. وضاح خنفر بأن ما تختلف به الإمبراطورية الأمريكية عن باقي الإمبراطوريات في التاريخ أنها انطلقت من أرضها ثم صارت تتمدد جغرافياً إلى وصلت ذروتها المكانية بينما تأسست أمريكا على أرض بعد إبادة شعبها وهذا لا يختلف كثيراً عن تأسيس الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطينية وربما الفرق الوحيد أن لليهود أراضي بفلسطين بينما لا توجد أراضي للبروتستانت الأمريكان بأرض قبائل الهنود الحمر.
• حسب رأي د. وضاح خنفر يقول بأن المنطق الغربي "إذا نجحت يغفر لك ذنبك" إذن فالنجاح يغفر لك خطاياك لكن في المقابل الفشل يفتش عن خطاياك.. وهذا المنطق كان في الحروب التي خاضتها أمريكا ونفس المنطق في مواجهة إسرائيل للمقاومة الفلسطينية.
• العداء للإسلام قد يكون من أكبر العوامل المشتركة بينهما حيث وظفت كل منهما الدين في السياسة فأمريكا البروتستانتية المسيحية، بالرغم من ثارت على الكاثوليكية الإقطاعية ومتاجرة صكوك الغفران، إسرائيل الصهيونية اليهودية.
• كبرياء وعجرفة رئيس إسرائيل نتنياهو ومعه رئيس أمريكا ترامب واتفاقهما في ترسيخ فكرة أنهم من شعب الله المختار ضمن إدارتهما لمقاليد حكومتهما يؤكدون لشعوبهم أنهم بتحضرهم المادي يرتقون درجات عن باقي الخلق مهما كان انحدارهم الأخلاقي فيستبيحون قتل أصحاب الأرض بدم بارد و تهجيرهم وطردهم عنوة من أراضيهم.
• لم يكن لهما دوراً في اجتماع برلين 1884 الخاص بتقاسم ثروات أفريقيا والاستيلاء على بلدانها.
إسرائيل ضد القانون البحري العالمي:
غطرسة إسرائيل لم تعبأ بالانتباه إلى قانون أعالي البحار الذي يمنع التعرض للسفن أو القوارب المبحرة في المياه الدولية. فقد تجرأت إسرائيل وأعترض جميع سفن أسطول الصمود العالمي واختطفت جميع المشاركين في ملحمة الصمود الذين كانوا عن متن تلك المراكب والسفن والذين فاق عددهم 500 مشارك، حيث تم اقتياد جميع السفن المشاركة مع أسطول الصمود إلى ميناء أسدود واحتجاز جميع أبطال الصمود لغرض ترحيلهم إلى بلدانهم.
غزة تستنهض الحس الإنساني العالمي:
بالتضليل الإعلامي الإسرائيلي استفردت إسرائيل بحصار غزة فمع استمرار عمليات القصف والقتل والهدم لعامين فشلت في إقناع أهلنا في غزة ترك أرض غزة، فيظل المكان في غزة يسكن أهله على حد تعبير المُهجر إدوارد سعيد، فأصرت إسرائيل، لتقتلعهم من أرضهم، على منع الطعام والماء والدواء لتستمر جرائم الحرب وجرائمها ضد الإنسانية أمام العالم الذي فاق من غفوته بعد الاجتماع الأخير حيث سيطر الكلام الشفوي لرئيسها السيد غوتيريش حيث يتغزل في الأمم المتحدة بـ "إنهاء بوصلة أخلاقية وقوة من أجل السلام وحفظة" دون تحريك ساكن. ولكن يستمر التهجير القصري لأهل غزة وأيضاً تصعيد من وزير الدفاع كاتس باعتبار أن المدنيين الغزاويين المصريين على البقاء في غزة سيعاملهم بأنهم مقاتلين ومناصرين "للإرهاب". أسطول الصمود العالمي يعري كل هذا الخدلان وطواحين الكلام في الأمم المتحدة التي لا تفك الحصار ولا تقدم خبزاً لجياع غزة.
ما الذي حققه أسطول الصمود؟
مع استمرار نفث الماكينة العسكرية الإسرائيلية سمومها وشظايا طائراتها ليستمر تمزيق أجسام المدنيين الأطفال والنساء، تحرك الوعي الإدراكي الإنساني لأسطول الصمود العالمي ليبحر نحو غزة. هذا النضال بالتأكيد سيكون له نتائج يتوقع أن تكون إيجابية وتخفف المعاناة عن أهلنا في غزة. هذه الإشارات الإيجابية نلخصها في الاتي:
المظاهرات في العالم:
اشتعلت المظاهرات بعديد المدن من دول العالم بمختلف قاراته من أقصى الصين شرقاً إلى المكسيك غرباً المكسيك، ومن الشمال النرويج والدانمارك إلى جنوب أفريقيا جنوباً ودول إسلامية باكستان وإيران وأندونيسيات وماليزيا نعم مدن كبيرة جالت شوارعا سيول من البشر منددة باختطاف البحرية الإسرائيلية لأحرار أسطول الصمود العالمي: برلين، وإسطنبول، وأثينا، بروكسل، ونيويورك، وروما، وباريس، وبرشلونة، ولندن وكوالالمبور، وبلفاست، وبوغوتا، وكيب تاون وغيرها.
إماطة اللثام عن الوجهة البشع إسرائيل:
تظاهرة أسطول الصمود تخرج إسرائيل عن طوعها وترفع من الكثافة النارية جوا وبحرا وبرا وتكشف عن وجهها البشع. المشاركة الواسعة لحوالي 50 دولة وما يقرب من حوالي 500 مشاركاً رفع من الوعي الإدراكي للأمة الإنسانية ليرتقي لدرجة أن يميز بين الحق الفلسطيني والباطل الإسرائيلي الملمع من الإعلام الصهيوني.
إصرار أهل غزة على البقاء:
مع مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن المُصريين على التمسك بأرض غزة وكل من يغرس أظافره فيما تبقى من حطام بيته بأنه "مقاتل أو مؤيد للإرهاب" إلا أنه وبتحرك موجات أسطول الصمود العالمي نحو غزة تتكشف لها حقائق تدحض مقولة الإرهابي الحقيقي وقاتل الأطفال بل وتُدين كل أعماله الشريرة. أسطول الصمود العالمي عامل مساعد بمثابة الصمغ الذي يشد أهل غزة بأرضها ويزيدها التصاقا بها.
إنصات الحكومات لشعوبها:
الكثير من التظاهرات، وخاصة تلك بمدن دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وأسيا، تضغط شعوبها على حكوماتها لتلغي علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي وإيقاف صفقات مع إسرائيل كما هو الحال بإسبانيا وإيطاليا، بل يرتقي التضامن في كولومبيا ليأمر رئيسها بإجلاء جميع الدبلوماسيين الإسرائيليين من كولومبيا. بل وأحرجت مظاهرات الجماهير الواعية بالحق الفلسطيني لتتحرك حكوماتها بمطالبة إسرائيل لضمان سلامة مواطنيها المشاركين في أسطول الصمود العالمي. وحتى المشاركات التي كانت على استحياء ببلدي الحبيبة ليبيا إلا أن الاستجابة من الحكومة الوطنية رفعت من رصيد قبولها الشعبي بالرغم من عدم الرضى عن أدائها، وعما أُشيع عنها بشأن التواصل مع إسرائيل. بالتأكيد ما حصل في غزة من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وما كشف عنه أسطول الصمود العالمي لشعوب العالم من وهن للأمم المتحدة سيعجل بإعادة تشكل المنظومة الدولية، المبنية على إملاءات المنتصر، والدور المطلوب للسلم والأمن الدولي.
إحراج أكثر للأمم المتحدة:
رسالة أسطول الصمود، والذي يضم مشاركيه العديد من البرلمانين من دول مختلفة، إلى الأمم المتحدة للتحرك لوقف التطهير العرقي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، والتصدي لمشروع القتل والتدمير لأهلنا في غزة بهدف التهجير القصري للغزاويين. للأسف الأمم المتحدة لم تحرك سكان لفظاعة المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي دفع رئيسها أنطونيو غوتيرش الذي عبر فيه عن تدهور الوضع الإنساني في غزة، وربما بتحرك أسطول الصمود فقد أحرج لعدم قدرته على تقديم يد العون للمحاصرين في غزة.
أين وخز ضمير شعوب العالم الثالث:
تحركات شعوب أوروبا وأمريكا اللاتينية ونزولها للشوارع بشكل مكثف إضافة إلى بعض دول آسيا سيكون سبباً لوخز ضمائرنا بشعوب شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وهذا المصطلح يسرده د. يوسف البخبخي ويؤكد على حاجتنا لوخز ضمائرنا. فبالرغم من بعض التظاهرات المتواضعة بدول المغرب الكبير إلا أنه في ليبيا كان العدد متواضع جداً يوم الجمعة بميدان الشهداء بل ما يتفطر له القلب هو ذلك التشويش بالميدان ورفع لافتات رفض توطين الأجانب، وحسب رأي الكاتب أن هذا ولو كان بحسن نية إلا أنه ليس أهم مما يحدث بشأن أسطول الصمود العالمي وحصار غزة. فكل تشويش عما يحصل في غزة هو دعم للجرائم الإسرائيلية.
إحراج للجيوش العربية:
على قناة ليبيا الأحرار يتساءل المحلل السياسي الأستاذ/ محمد بويصير ما فائدة النياشين والرتب العسكرية: مشير فريق، لواء وهي معطلة ولا تعمل وليس لها قدرة على تأمين إيصال قنينة ماء لغزة. فهذا بالتأكيد سيكون دافع قوي لمراجعة الشعوب لأهمية أنظمتها العسكرية وما يصرف عليها، أو بالأحرى ما يغدق عليها، من ميزانيات على حساب البنية التحتية وتنمية بلدانها. بل في أحياناً كثيرة تمارس، ببواباتها المدججة بالسلاح على الطرقات وبداخل الأحياء السكنية، الرعب نيابة عن صانع الرعب العالمي إسرائيل بدعم أمريكا.
خطباء الجمعة يغردون خارج أسراب المظاهرات العالمية:
لا يدري الكاتب هل يعيش أئمة الكثير من مساجد ليبيا أم هم منفصلين عن الواقع؟! وهم يحملون النقالات بأيديهم، ويأتون إلى المساجد بسيارات منها الفارهة. لقد كانت للكاتب تجربة مريرة يوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 حيث كانت الخطبة عن رضى الوالدين وهذا الخطاب مهم، إلا أن العالم ينتفض ويطالب بفك الحصار عن غزة، وإطلاق سراح المناضلين بأسطول الصمود العالمي المختطفين من قبل قوات البحرية الإسرائيلية ولا نسمع كلمة من خطيب الجمعة بالخصوص، بل ما زاد الطين بلة هو تلميح الخطيب إلى أنه لا يجوز الخروج للمشاركة في الجهاد بدون موافقة الوالدين! وهو يلمح إلى الحرب في غزة! هذه هي الغيبوبة للخطيب الصاحي الغافي!
كلمة أخيرة:
تظاهرة اسطول الصمود العالمي قد تكون نقطة التحول في الوعي العالمي للحق الإنساني في العيش الكريم. فحركة أسطول الصمود العالمي عملت على ارتقاء الوعي الإدراكي لشعوب العالم بالحق الفلسطيني في أوروبا وأمريكا بدرجة عالية ويتبعها في أمريكا اللاتينية ثم أسيا، وبدرجة منخفضة جداً في منطقة الخليج العربي، إلا أنه في أفريقيا مازال ضعيفاً وفي منطقة شمال أفريقيا بدرجة أفضل وتظل دولة جنوب أفريقيا الأكثر وعياً وربما لهزيمة العنصرية في حياة المناضل نيلسون مانديلا. ربما استفادة حركة حماس من طمأنة أسطول الصمود العالمي، وفعلها لمحركاتها في دول العالم، لتتعاطى مع خطة ترامب بحكمة، ورباطة جأش، وبما يخدم حق الشعب الفلسطيني، نسأل الله لهم التوفيق والسداد. تظاهرة أسطول الصمود العالمي تعيد صياغة تعريف التحضر الذي اختزل في استهلاك المنتجات الغربية والهوس بالركض وراء معلبات التكنولوجيا، لتحرك الأنفس المطمئنة فينا وتقول كلمتها، وبجميع اللغات، الحضارة سلوك فطري إنساني ينبع بالحب الحقيقي ويرفض ظلم الكراهية الحقودة. أسطول الصمود يرفض مبدأ قبول الانتصار أو الفوز بدون أخلاق. عاشت فلسطين حرة .. تدر فلسطين تادرفت
#فتحي_سالم_أبوزخار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟