أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - الفرق بين كلمة عبيدي و عبادي














المزيد.....

الفرق بين كلمة عبيدي و عبادي


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 10:20
المحور: قضايا ثقافية
    


الفرق بين "العباد" و"العبيد" في اللغة والشرع دقيق، وهو اختلاف لا يقتصر على اللفظ، بل يكشف عن تباين جوهري في طبيعة العلاقة بين الإنسان وربه، وفي مكانة الإنسان ومقامه في ميزان الحرية والتكليف والإرادة. فكلا اللفظين "عباد" و"عبيد" يُشتقان من الجذر نفسه، الذي يحمل معنى الخضوع والتذلل، غير أن السياق الذي يُستخدم فيه كل منهما يضيء لنا جوانب مختلفة من طبيعة هذا الخضوع، ويُميز بين من يخضع طوعًا ومن يُجبر على الخضوع.
العباد هم الذين اختاروا طاعة الله بمحض إرادتهم، وهم المخيّرون في الدنيا بين الطاعة والمعصية، وقد اختاروا طواعيةً سلوك سبيل العبودية لله، فكانوا عبادًا له بإرادتهم لا بالإكراه. هم الذين فهموا الغاية من وجودهم، فلبّوا نداء ربهم، وامتثلوا لأمره، وساروا على صراطه المستقيم، منقادين لأحكامه، خاضعين لشريعته، وهم بذلك يُكرَّمون لا يُذلّون، يُرفع قدرهم لا يُنتقص، لأنهم عبدوا الله الذي لا يرضى لعباده الذل إلا له، ولا يقبل منهم أن يسلموا رقابهم لغيره. عبادتهم تتسم بالصدق والإخلاص، والتزامهم بأمر الله نابع من إدراكهم العميق لعظمته وربوبيته، ولذلك خاطبهم الله في كتابه الكريم بلقب "عباد"، فقال: "وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا"، مدحهم، ووعدهم بالجزاء الأوفى.
أما العبيد، فهم أولئك الذين سُلبوا إرادتهم، وأُجبروا على الطاعة، فلم تكن طاعتهم عن اختيار، ولا عبادتهم عن حب، وصارت خضوعًا قهريًا لا اختيار فيه. كل خلق الله عبيد له من حيث الخلق والملك والتدبير، لكنهم ليسوا جميعًا عبادًا له من حيث الطاعة والمحبة والاتباع. العبيد في هذا المعنى لا يملكون الخيار في مصيرهم، يُساقون إلى ما كُتب لهم دون أن تكون لهم إرادة مستقلة، وهؤلاء يظهر وصفهم في الآخرة، حين تزول حرية الاختيار، وتغيب فرصة الطاعة طوعًا، ويقفون بين يدي الله لا يملكون من أمرهم شيئًا. ولهذا المعنى جاء التعبير القرآني في مواضع التذكير بالبعث والجزاء، فتحدث عن الخلق بوصف "العبيد"، لأنهم حينها يخضعون خضوعًا تامًا دون اختيار.
وفي حين تُنسب كلمة "عباد" في القرآن إلى الطاعة والتكريم، وتُستخدم دائمًا في سياق الرضا والمحبة، كما في قوله تعالى: "اللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"، تُستخدم كلمة "عبيد" في مواضع الإشارة إلى الخلق المطلق، سواء أكانوا طائعين أم عاصين، كما في قوله تعالى: "وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ"، فهي تصف العلاقة التي لا تنفك عن الإنسان من حيث كونه مخلوقًا لله، تحت سلطانه، مملوكًا له.
هذا التفريق يحمل دلالة عظيمة في فلسفة الدين وتصور الإسلام عن الإنسان، فهو لا ينكر أن الإنسان عبد لله في جوهره، ويفتح له باب الارتقاء إلى مقام "العباد"، إذا اختار طاعة الله عن وعي ومحبة. ومن هنا نفهم أن الله لا يريد عبيدًا مقهورين، إنما يريد عبادًا محبين، واعين، طائعين عن طواعية، وهذا ما ينسجم مع التكليف والجزاء والثواب والعقاب، إذ لا يكون لكل ذلك معنى إذا كانت الطاعة قهرًا.
وحين نقرأ في القرآن نداء الله للناس: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ"، ندرك أن الله لا يأمر عباده بالخضوع القسري، إنما يدعوهم للعبادة عن محبة وقناعة. هو سبحانه غني عن عبادتهم، ويريد لهم الخير والرفعة بهذه العبادة، فلا يستوي من عبد الله اختيارًا بمن أُجبر على الخضوع له يوم لا ينفع نفسًا إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل.
الفارق بين العباد والعبيد، إذن، هو في جوهره فرق بين من اختار الله ومن تجاهله، بين من سلم إرادته لله عن حب، وبين من جحد ثم خضع في النهاية عن كره، بعد أن فات وقت الاختيار. العباد هم أكرم الخلق، والعبيد هم مظهر الاضطرار. وقد أراد الله لنا أن نكون عبادًا له، لا مجرد عبيد مملوكين له.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمومة من كتابي (رسائل غير مشفرة )
- الأسرة والدخول المدرسي من كتاب( رسائل غير مشفرة)
- بلغ السيل الزبى من كتاب (رسائل غير مشفرة)
- من وصية أم من كتابي( رسائل غير مشفرة)
- التعافي (من كتاب رسائل غير مشفرة )
- عيشة بنت الحاج امرأة من مزاب من كتابي(أفئدة من ذهب)
- لا تخنثوا أبناءكم
- الفراغ بمعانيه من كتابي (رسائل غير مشفرة)
- أصل الداء و الشفاء(العقل القلب الضمير)من كتابي رسائل غير مشف ...
- الصحة من الأولويات من كتاب (رسائل غير مشفرة )
- سلوكيات تتناوب في النفس البشرية (الغيرة، الغرور ،الغباء ،الغ ...
- من كتابي رسائل غير مشفرة (سلوكيات الغيرة ،الغرور،الغضب،الغبا ...
- العلاقة بين الحماةو الزوجية
- الأمومة والعطاء
- هم أربعة من أزمة مختلفة
- الثقافة نظافة وتربية من كتابي (رسائل غير مشفرة)
- المميز ن من كتابي( رسائل غير نشفرة)
- خبث التغاضي من كتاب (رسائل غير مشفرة )
- من كتابي أفئدة من ذهب (ثريا الشاوي)
- لغات الحب تعلمناها من الحبيب المصطفى


المزيد.....




- طفل بدراجة كهربائية معدلة ينجو بأعجوبة من حادث مروع.. شاهد م ...
- ماذا نعرف عن عزيز أخنوش الذي يطالب المغاربة برحيله؟
- إسرائيل ترحّل 137 ناشطًا من أسطول غزة وسط اتهامات بسوء المعا ...
- احتمالات تطبيق خطة ترامب بشأن غزة
- ما الذي قد يعيق تنفيذ خطة ترامب بشأن غزة؟
- كيف وظف أسطول الصمود الكاميرات والبيانات لجذب اهتمام العالم؟ ...
- -معاهدة الشراكة الاستراتيجية- استثمار إيراني روسي لمواجهة ال ...
- القسام تبث مشاهد لاستهداف مقاتليها قوات إسرائيلية بتل الهوا ...
- القاهرة تتحضر لحوار فلسطيني يناقش مستقبل غزة
- على مرحلتين.. مصر تحدد موعد انتخابات مجلس النواب


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - الفرق بين كلمة عبيدي و عبادي