أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ادهم ابراهيم - الطبقة الوسطى بيضة القبان في العراق














المزيد.....

الطبقة الوسطى بيضة القبان في العراق


ادهم ابراهيم
(Adham Ibraheem)


الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 14:05
المحور: قضايا ثقافية
    


 الطبقة الوسطى بيضة القبان في العراق
أدهم إبراهيم

تُعزى أغلب الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها العراق، إضافة إلى تراجع العلوم والفنون والتعليم والصحة والصناعة، إلى انهيار الطبقة الوسطى. هذه الطبقة التي شكّلت عبر تاريخ العراق الحديث حلقة الوصل بين الأغنياء والفقراء، وضمت موظفين وأطباء ومهندسين وضباطاً ومعلمين ومحامين وأدباء وفنانين وصغار التجار والصناعيين؛ أي كل من يمتلك مورداً ثابتاً يكفل له حياة كريمة بعيداً عن العوز أو الطمع في الثراء الفاحش.
فالطبقة الوسطى، بطبيعتها، قانعة متدينة باعتدال، بعيدة عن التعصب الطائفي أو القومي، متماسكة اجتماعياً، وتعيش مطمئنة بعيداً عن هوس المال والخوف من المستقبل. ويصفها عالم الاجتماع "ماكس فيبر" بأنها الطبقة التي تتوسط الهرم الاجتماعي، وتشكل الرأسمال الثقافي للأمم.

تُعتبر هذه الطبقة قوة موجهة لإيقاع المجتمع، فهي منبع الثقافة والفنون والقيم الأخلاقية، وميزان توازن المجتمع. وعلى الصعيد الاقتصادي، تمثل الضمانة الأكبر للتنمية، إذ تعد الممول الرئيس للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والركيزة التي يقوم عليها أي استثمار منتج.

بدأ تشكل الطبقة الوسطى مع تأسيس الدولة العراقية عام 1921. وبرغم هيمنة الإقطاعيين وكبار ملاك الأراضي في العهد الملكي، فإن هذه الطبقة نمت بفضل توسع مؤسسات الدولة وتطور التعليم.
وفي خمسينيات القرن الماضي، ازدادت قوتها مع ارتفاع واردات النفط وانفتاح العراق على الحداثة والحركة الثقافية، ما انعكس ازدهاراً في الأدب والفنون والمسرح والموسيقى والفكر. لقد كانت الطبقة الوسطى آنذاك مركز التنوير ومحرك النهضة العلمية والثقافية، بل وأسهمت بقوة في الحركات الوطنية والقومية، ما جعل العراق على مشارف الدخول إلى مصاف الدول المتقدمة.

لكن القوى الاستعمارية والصهيونية سرعان ما أدركت خطورة هذه الطبقة في قيادة المشروع التقدمي، فكان لا بد من ضربها. فُرض الحصار الاقتصادي لسنوات طويلة، فأدى إلى إنهاك الطبقة الوسطى وتراجع نفوذها، واضطر أفرادها إلى بيع مدخراتهم ومقتنياتهم. وقد صرّح وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر صراحةً بأن هدفهم إعادة العراق إلى ما قبل عصر الصناعة، في إشارة واضحة إلى خطة ممنهجة لتدمير البنية التحتية وإضعاف الطبقة الوسطى.

وبدل أن يقتصر التدخل الخارجي على تغيير النظام السياسي، جرى تدمير مؤسسات الدولة وإعادتها إلى نقطة الصفر. وامتدت تداعيات ذلك إلى دول عربية أخرى سقطت في أتون الفوضى. وفي العراق، جيء بأشخاص غير مؤهلين، بعضهم من هوامش المجتمعات أو من المتسلقين، ليتولوا السلطة، فيما هاجر أكثر من 400 ألف من الكفاءات العلمية والفنية والأدبية، وهم عماد الطبقة الوسطى وقيادة المجتمع. أما من بقي داخل البلاد فقد تعرض كثير منهم للاغتيال وفق قوائم معدة مسبقاً، ولا يزال هذا المسلسل مستمراً.
هذا الضغط المتواصل أدى إلى انكفاء الطبقة الوسطى عن السياسة والاقتصاد وحتى عن الحياة الاجتماعية، ما أوجد فراغاً في المدينة ملأته الثقافة الريفية. ويشير المفكر العراقي فالح عبد الجبار إلى أن المدن، بما فيها بغداد، تعرضت لعملية "ترييف" منهجي أضعف القاعدة المدنية، وأبقى المجتمع تحت تأثير البداوة التي تستمد منها الأحزاب الدينية والقيادات التقليدية قوتها.
ورغم ما أصاب الطبقة الوسطى من تشتت وانحسار، فإن إرثها الثقافي والاجتماعي ما يزال راسخاً في وجدان العراقيين، وما تزال الرموز الأدبية والفنية شاهداً على إسهاماتها الحضارية.
وهي قادرة، متى ما توفرت الظروف المناسبة، على إعادة بناء الأسس الثقافية والحضارية للدولة، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.

إن إعادة العراق إلى مسار التقدم لن يتحقق إلا بإحياء الطبقة الوسطى وتعزيز حضورها من خلال تفعيل مؤسسات الدولة، وتطوير الصناعة الوطنية، وتوسيع نطاق التعليم، ومكافحة الأمية. وهذا كله يحتاج إلى قيادة وطنية صادقة وحازمة، تؤمن بقدرات الشعب وتعمل على تجاوز المحنة الحالية، بما يعيد للعراق مكانته الطبيعية كقوة فاعلة وقائدة لمسيرة التغيير والتقدم في المنطقة.
ادهم ابراهيم 



#ادهم_ابراهيم (هاشتاغ)       Adham_Ibraheem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرق أوسط جديد صراع القوى وفراغ الرؤية العربية
- إسرائيل على منحدر العزلة
- الفقر يدفع الشباب العراقي إلى أتون الحرب الروسية الأوكرانية
- الذكاء الاصطناعي قوة حضارية أم اداة للهيمنة الرقمية
- قانون الحشد الشعبي. . حجر الزاوية لمستقبل النظام في العراق
- قراة في التغول الإسرائيلي
- الطائفية السياسية ودكتاتورية الأغلبية
- الشرق الأوسط من يرسم خرائطه
- شرعية مجلس النواب العراقي في ظل هيمنة الأحزاب المسلحة
- سيناريو المواجهة ومستقبل النظام الإيراني
- اشكالية استقلال القضاء في العراق. .
- المشهد الانتخابي في العراق. . أزمة ثقة وتكرار الفشل
- فشل القمة العربية في بغداد وتحديات العمل العربي
- المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. . التداعيات ا ...
- الصراع في اليمن.. حينما تعجز البنادق عن صناعة السلام
- جذور أزمة الميليشيات العراقية
- الجلاد والضحية. . رواية إسرائيل بعد تدمير غزة
- سوريا على مفترق طرق: الاختيار بين الثيوقراطية الدينية والديم ...
- ينبغي على النظام السوري الجديد تجنب الأخطاء الجسيمة للنظام ا ...
- قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو. . انتصار العدالة ل ...


المزيد.....




- عسكريون روس يُدربون الأطفال في مدرسة جديدة للتحكم بالطائرات ...
- كرسي تدليك ذكي يقرأ احتياجات الجسد
- تراجع أم تكتيك؟ نتنياهو يستبعد المضي في خطة ضمّ الضفة الغربي ...
- وسط ضغوط دولية .. ترامب ونتنياهو يبحثان خطة سلام في غزة
- فرانس24 تفوز بجائزة DIG عن تقرير -هايتي: القبضة الحديدية للع ...
- حادث تحطم طائرة في 2009.. إير باص وإير فرانس أمام المحكمة مج ...
- لا لحية ولا حجاب.. مطعم بفرنسا يثير غضب عامليه
- ضابط إسرائيلي متقاعد: على تل أبيب أن تضرب أساطيل غزة بيد من ...
- تمثيلية أميركا في أفريقيا
- نتنياهو: الوقت ليس ملائما لـ-بسط السيادة- على الضفة الغربية ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ادهم ابراهيم - الطبقة الوسطى بيضة القبان في العراق