أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - عندما تسقط الاقنعة: دروس في الوفاء والخذلان















المزيد.....

عندما تسقط الاقنعة: دروس في الوفاء والخذلان


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 15:40
المحور: المجتمع المدني
    


الخلاصة:

أن المواقف الصعبة والشدائد هي المحك الحقيقي لاختبار العلاقات الإنسانية، ففي الأوقات العادية يمكن للناس أن يخفوا نواياهم خلف الأقنعة، لكن عند الشدائد تسقط هذه الأقنعة وتظهر معادن النفوس. حينها يتبين الفرق بين من يقف إلى جانبك بمحبة صادقة ويضحي من أجلك، وبين من اقترب لمصلحة ثم يتركك عند الحاجة.

هذه التجارب المؤلمة، على قسوتها، تمنح الإنسان بصيرة وحكمة في اختيار من يستحق ثقته وقلبه. كما تؤكد أهمية الحفاظ على نقاء القلب وعدم السماح للخذلان بتغيير جوهره ، فالانسحاب من حياة من خذلنا ليس ضعفاً بل حماية للنفس وفرصة للشفاء والمضي قدما.

كم من الضروري أن يعي الكل، أن العمر لا يتكرر وأن القلوب النقية نادرة، لذلك علينا أن نصنع لأنفسنا درع الحكمة ونحافظ على صفاء قلوبنا رغم كل الخيبات.


تقديم :
في مسرح الحياة اليومية، لا شيء يكشف حقيقة النفوس مثل المواقف العصيبة. ففي الاوقات العادية يمكن للناس ان يخفوا ما في قلوبهم خلف اقنعة من الكلمات المعسولة او المظاهر الخادعة ، لكن ساعة الاختبار لا مكان فيها للمجاملة. عندها فقط يسقط القناع ويظهر المعدن الحقيقي لكل انسان.

المواقف تحمل رسائل القلوب وصدق المشاعر. فما نستطيع ببساطة الاحتفاظ به لانفسنا والاغلاق عليه في الاوقات العادية لا يمكننا اسكاته في الاوقات العصيبة. فالمواقف اختبارات روحية نقدمها بعفوية مطلقة على مقاعد مدرسة الحياة.

المواقف ليست احداثا عابرة بل رسائل صادقة تكشف خبايا القلوب. ففي اللحظة التي تحتاج فيها الى سند او كلمة طيبة او موقف مادي او انساني يتجلى التفريق بين من احبك حبا صادقا وضحى بكل ما لديه من اجلك حتى ان تطلب الامر ان يكون ذلك على حساب نفسه وعائلته ، وبين من اقترب منك لمصلحة ثم ابتعد حد الجفاء عندما يتطلب الامر منه الرد بالمثل ، لتدرك بعدها كيف يخيب الظن بمن اخترته او وقع عليه ذلك الموقف المطلوب وتتساءل في لحظة الغدر هذه:
كيف كنا معكم حين ضحينا بانفسنا لأجلكم حين كانت ظروفكم حالكة؟ وكيف أصبح ضميركم حين جعلتم بغدركم ظروفنا لا تطاق؟

هذا التساؤل ليس عتابا بقدر ما هو صدمة ادراك ان من كنت تعتبره اخا او صديقا كان في الحقيقة ظلا عابرا خدعك ببرودته ونكرانه ووعوده وجميل مواقفك ، لتتفاجأ اثر ذلك انك كنت تتعامل مع وهم ظننته اخا وسندا واذا به شوكا امتص دماءك.

ثمة مواقف لا تغفر لا لانها ناكرة للجميل فحسب بل لانها كاشفة تسقط عن الوجوه اقنعتها وتظهر معادن النفوس. في لحظة الاختبار تتجلى حقيقة الاخرين فيبدو لك من كان يدعي القرب كغريب وتكتشف من كان يقترب منك حبا لا مصلحة. ومن كان يدعي القرب كان في الحقيقة غريبا منافقا ينوي خداعك واستغلالك لتحقيق مراده على حسابك.

يبقى بعدها الوفاء ليس ان نبقى حيث اوجعتنا الخيانة بل ان نحمي انفسنا من تكرار الالم. لذلك ينبغي ان نتركهم حيث تركوا لانانيتهم وجشعهم ان يتحكم فيهم ، ووضعوا انفسهم فيها عابرين في ذاكرتنا بلا ملامح. فالحياة اكرم من ان تمنح حضورها لمن اختار ان يكون ظلا باردا في اكثر اوقاتنا احتراقا.

ولنا في الحياة امثلة لا تنتهي:
صديق وعدك بالدعم ثم اختفى في لحظة الحقيقة، اخ هاجمك لانك طلبت منه الوفاء بكلمته حين ضحيت من اجله عمرا او دفعت مكانه كل ما مطلوبا به وعلى حساب عائلتك، او زميل عمل حاول اقصاءك بعد سنوات من العطاء. هذه ليست مجرد خيبات بل دروس تعلمك من يستحق قلبك ومن لا يستحقه.

في المقابل هناك من حضروا اوقات شدتك في صمت ومنحوك دفء اكتافهم دون طلب. هؤلاء هم الذين يضيئون دربك دون ان يسألوا اين تؤدي بك الطريق. هؤلاء هم معدن الذهب في عالم يموج بالمظاهر الزائفة. وليصح عنهم قول ميخائيل نعيمة:
يكفيك ان يفكر فيك شخص واحد ولو في اقاصي الارض لتعرف انك لست حرفا مهملا في مصحف الوجود.

ان اسمى طرق المحبة واكثرها بهاء ان يحاول احدهم من اجلك ولو بكلمة ، وان تكون المحاولة نابعة من محبة واخلاص ، وان يطمئن مخاوفك في المضي وحدك ، ويراعي هشاشة خاطرك قبل ان يتحطم.


عبارات تمثل خلاصة تجارب انسانية:

يقول انيس منصور:
لا تختبر صديقك في الرخاء بل في الشدة.

ويقول شكسبير:
من لم تجده وقت شدتك لا تصاحبه وقت قوتك.

وتقول الكاتبة هدى صادق:
تعلم ان من لم يعرف طريقك حين كنت مثقلا لا يعرف حقا كيف يشاركك الطريق حين تكون خفيفا.

اما جوزيه ساراماغو فيصف النضج الحقيقي حين يقول:
لا ينضج المرء بالنصائح ، لا ينضج بالمواعظ ، لا ينضج بتجارب الاخرين. ينضج المرء حين تقطع الخيانة والغدر من اقرب الناس جزءا من قلبه.

هذه الاقوال ليست مجرد عبارات تتداول بل خلاصة تجارب انسانية حقيقية ، وهي تجارب على قسوتها تجعل الانسان اكثر حكمة في اختيار من يستحق قلبه واكثر انصافا مع نفسه.

هكذا يتحول الوجع الى بصيرة ، والخذلان الى درع ، والغياب الى بوصلة ترشده نحو الاوفياء ، ليتعلم ان قمة القوة في الصمت والتغافل ، وان الانسحاب من حياة البعض لا يقدر بثمن ، وان الاستغناء وغض الطرف عنهم ليس تبريرا لسلوكهم او نسيانا للالم الذي سببه ، بل هو هدية نمنحها لانفسنا لنتمكن من الشفاء والمضي قدما في الحياة. و هذا يحمل شكلا من اشكال المسامحة بتحرير القلب من عبء الماضي دون اعفاء الاخر من المسؤولية.

عندما تسقط الاقنعة تكشف المواقف معادن النفوس ، وان كانت نتائجها السلبية جرحا غائرا في النفس.
الحياة عندما تكشف اقنعة الناس تكشفها بقسوة لدرجة انك تحتاج وقتا طويلا لتستوعب بشاعة الوجه الحقيقي الذي تقاسمت معه ذكرياتك بشتى انواعها.

فافي الحياة مفاجآت قد تأتيك من البعيد ، وقد تأتي من اقرب الناس اليك لتجد اثرها خذلانا لا يغفر. وفي النهاية ليس هناك اناس يتغيرون بل هناك اقنعة تسقط.

كلمة اخيرة:
المواقف الصعبة والشدائد تكشف معدن الانسان الحقيقي ، حيث تظهر من هم الاخوة او الاصدقاء الحقيقيون ومن هم المنافقون.
تسقط الاقنعة حين تنتهي المصالح التي بُنيت عليها العلاقات ، فيظهر الوجه الحقيقي للشخص. عليه لا يمكن اخفاء النوايا الدفينة او الافعال المزيفة الى الابد فالنتائج تكشف حقيقة الاشخاص وتفضحهم. و قد تكون لحظة انكشاف الحقيقة مؤلمة وقاسية خاصة عندما يكون الشخص الذي كشفت حقيقته هو شخص عزيز عليك او قريبك ولكن تبقى هذه اللحظة تمثل نقطة تحول حاسمة في العلاقات بين الناس اقرباء كانوا ام غرباء ليؤدي كشف الاقنعة الى تآكل الثقة فيمن حولنا حيث تظهر ما هو اصيل وما هو زائف.

قد يتطلب الامر وقتا طويلا لاستيعاب ما حدث ويبقى العزاء رغم كل شيء اننا لم نتمكن من قراءة نواياهم بسبب ما غمرونا به من كلام معسول وحيل منمقة. وكم من انسان كان شفاؤه بحسن ظنه.

ان غض الطرف عن هؤلاء ليس تبريرا لسلوكهم او نسيانا للالم الذي سببوه بل هو هدية نمنحها لانفسنا لنتمكن من الشفاء والمضي قدما. وهذا يحمل شكلا من اشكال المسامحة بتحرير القلب من عبء الماضي دون ان يعني ذلك اعفاء الاخر من المسؤولية.

مع كل ذلك سيجد الانسان نفسه في مرحلة ما من الحياة أنه قد نضج ،بما يكفي ليفضل معها راحة باله فوق كل شيء ، ويشعر ان عقله اصبح اشد رشدا وروحه أضحت أشد نقاء ، و أصبح يدرك ان اعظم نعمة هي ان يبقى نقي القلب مهما اسودت القلوب من حوله وتفاقمت انانيتها معه ، ففي كل ذلك كنزه الدفين، ويترك ما عداه إلى محكمة الضمير وبعدها إلى محكمة السماء ففيها كما يقال الكل يلتقي ، وهناك العدل يقام.

هكذا ينبغي على كل منا ان يدرك ان العمر لن يتكرر وان القلوب النقية نادرة. فكم حري بكل منا ان يصنع لنفسه درع الحكمة ويحفظ نقاء روحه ويكفي ان يتمتع بنقاء القلب والضمير فهي نعمة لا يعرفها الكثيرون.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثمة مواقف من الجحود وعدم الوفاء لا تُغتَفَر
- برنامج المسامح كريم : دروس مباشرة في الاعتذار والتسامح بين ا ...
- ثقافة الاعتذار إطار حضاري لبناء الثقة واحترام الذات والآخرين ...
- التواضع قوة لا ضعف يكمن فيه سرّ النجاح ومحبة الناس وخلود الأ ...
- الطيبة اختيار و شجاعة في الزمن الصعب لا يراها الكثير
- في الذكرى الحادية عشرة لمذبحة قرية كوجو: الإبادة قيدت ضد مجه ...
- خراب البيوت لا يأتي من بعيد
- إصدار الأحكام على الآخرين بين وهم الفطنة وحقيقة التطفل
- في ذكراها الحادية عشر: الإبادة الجماعية للإيزيديين تظل جرحا ...
- حين أصبح اطفال الإيزيديين بضاعة رخيصة في أسواق النخاسة الداع ...
- حين تختطف البراءة بأيدي قوى الشر والظلام الدواعش ، أطفال سنج ...
- ليكن الجميع القدوة الحسنة كي لا تُختطف الأوطان والإنسان مرة ...
- التغير المناخي في العراق وأثره في تفاقم الأزمة المائية
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات/ الجزء الرا ...
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه الذي أقلق عقول الحكومات / الجزء ...
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات / الجزء الث ...
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات / الجزء الا ...
- حين تُصبح النوايا الطيبة خطرا قاتلا على أصحابها من ابناء الا ...
- العقل البشري بين التهميش والتفعيل: كيف يُصنع الغباء الاجتماع ...
- في ذكرى مأساة الإبادة الجماعية الحادية عشرة لايزيدي سنجار ، ...


المزيد.....




- عشائر غزة: بث خطاب نتنياهو بالأمم المتحدة في معسكرات النازحي ...
- معاريف: نتنياهو يتحدث 41 دقيقة في الأمم المتحدة.. وترامب يخط ...
- حكومة غزة: نتنياهو روج لـ8 أكاذيب كبرى بمقر الأمم المتحدة
- الأونروا: طفل من كل ثلاثة بغزة لم يتناول طعاما خلال 24 ساعة ...
- بالفيديو.. انسحاب وفود دول عدة خلال كلمة نتنياهو بالأمم المت ...
- الأمم المتحدة: تفكيك مخيم الهول تأخر كثيراً ونقف مع العراق ش ...
- اعتقالات ومصادرة السفن أو إغراقها.. خطة إسرائيلية لاعتراض -أ ...
- آلاف المغاربة يتظاهرون تضامناً مع غزة ضد الإبادة الإسرائيلية ...
- حكومة غزة: نتنياهو روج لـ8 أكاذيب كبرى بمقر الأمم المتحدة
- توالي ردود الفعل المرحبة بخطاب الرئيس في الأمم المتحدة


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - عندما تسقط الاقنعة: دروس في الوفاء والخذلان