أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - رمزية الخوف في النفس البشرية














المزيد.....

رمزية الخوف في النفس البشرية


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 15:23
المحور: قضايا ثقافية
    


الخوف ليس مجرد انفعال عابر يداهم النفس لحظة مواجهة خطر، بل هو حالة وجودية متجذرة في الكيان الإنساني ظلّت ترافقه منذ بدايات حياته الأولى، فمنذ أن واجه الإنسان المجهول في الطبيعة وخشي العواصف والظلام والحيوانات المفترسة تشكّل الخوف كآلية دفاعية تحفظ البقاء وتنبه إلى التهديد، إلا أن هذه الغريزة الأولى تطورت مع تطور الوعي لتأخذ أبعاداً نفسية واجتماعية وثقافية معقدة، فلم يعد الخوف يقتصر على حماية الجسد من الفناء بل صار يتجسد في صور متعددة، فهناك الخوف من الفشل الذي لا ينبع من سقوط الإنسان في التجربة فحسب، بل من نظرته إلى ذاته أمام الآخرين ومن قلقه العميق من خيبة التوقعات، وهنا يتحول الخوف إلى عقبة داخلية تكبل الطموح وتضعف القدرة على الإنجاز، وهناك الخوف من المجهول الذي يكشف هشاشة الإنسان أمام ما لا يعرفه فيثير في داخله شعوراً غامضاً يجمع بين القلق والفضول، كما أن الفوبيا بما هي خوف مرضي من أشياء محددة كالمرتفعات أو الظلام تمثل صورة متطرفة لهذا القلق إذ تعكس ارتباط الخوف بأحداث وتجارب سابقة أو بتركيبات نفسية دفينة.

لكن الخوف لا يظل حبيس الذات بل يتسرب إلى العلاقات الاجتماعية ليصبح أداة للهيمنة والسيطرة، ففي التربية الأسرية كثيراً ما يُستخدم الخوف كوسيلة لفرض الطاعة فيلجأ بعض الآباء إلى التهديد أو الحرمان أو حتى العقاب الجسدي لتقويم السلوك، وعلى المدى البعيد يولّد هذا النمط من التربية شخصية مطيعة ظاهرياً لكنها تحمل في داخلها شعوراً بالتمرّد أو الكراهية أو ضعف الثقة بالنفس، وفي السياسة أدركت الأنظمة منذ القدم أن الخوف وسيلة فعّالة لإخضاع الجماهير فاستعملت العقوبات القاسية والدعاية الموجهة لبث الرهبة وضبط السلوك الجمعي، وهنا يتحول الخوف من وسيلة طبيعية للحماية إلى سلاح ثقيل يُستخدم لإنتاج الطاعة وإدامة السلطة.

ومن المنظور النفسي يرى فرويد أن الخوف متجذر في خبرات الطفولة المكبوتة التي تعود لتظهر بأشكال رمزية مختلفة وأن القلق هو نتاج صراع بين الغرائز والرقابة الداخلية، بينما يذهب كارل يونغ إلى أن الخوف يكشف عن “ظل الإنسان” أي ذلك الجانب الخفي من شخصيته الذي يخشى مواجهته، فمواجهة الخوف ليست مجرد تخلص منه بل رحلة نحو النضج واكتشاف الذات، أما في علم الاجتماع فيشير إميل دوركايم إلى أن الخوف يلعب دوراً في حفظ النظام الاجتماعي لأنه يحدد للفرد حدود ما هو مسموح وما هو محظور لكنه يحذر من أن الإفراط في الاعتماد عليه يضعف التماسك ويخلق مجتمعات هشة قائمة على الطاعة الشكلية لا على الانتماء الحقيقي.

وقد أولى الفلاسفة الخوف مكانة مركزية في رؤاهم، فهوبز اعتبر أن الخوف من الموت هو ما يدفع الأفراد للتنازل عن جزء من حريتهم لصالح سلطة عليا تحميهم فجعل منه أساس العقد الاجتماعي، بينما رأى نيتشه أن الخوف يقيد إرادة القوة ويحول الإنسان إلى كائن قاصر يرضى بالقليل داعياً إلى تجاوزه ليحقق الإنسان ذاته العليا، أما كيركغارد فاعتبر القلق والخوف حالة وجودية تضع الإنسان أمام حريته المطلقة وتكشف له مسؤوليته أمام مصيره، وهكذا اختلفت القراءات لكن جميعها التقت عند حقيقة أن الخوف ليس مجرد شعور عابر بل تجربة وجودية عميقة.

يتضح إذن أن الخوف ليس عدواً مطلقاً ولا صديقاً مطلقاً بل رمز إنساني مزدوج، فهو حارس الحياة حين يبقى في حدوده الطبيعية وهو سجان الروح حين يُستعمل للهيمنة أو يتحول إلى قلق مزمن يعطل الإرادة، ولعل الحكمة تكمن في وعي الإنسان بحدوده فلا يطرده من نفسه فيفقد الحذر ولا يستسلم له فيفقد الحرية بل يحوله إلى جسر يعبر به نحو الطمأنينة الداخلية، فالمجتمع الذي يحكمه الخوف مجتمع مهدد بالانقسام والهشاشة أما المجتمع الذي يعترف بمخاوفه ويواجهها بالحوار والعدل فهو مجتمع ينقل الخوف من كونه أداة قهر إلى كونه دافعاً للبحث عن الأمان الحقيقي، والفرد الذي يتصالح مع مخاوفه لا ينجو منها فقط بل يحولها إلى طاقة للنمو والارتقاء.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)
- الفجور والتقوى لدى النفس البشرية
- التخنث وسط الشباب العراقي
- حزب الله بين الأيدلوجية المذهبية وشعار المقاومة
- الأغتصاب الجنسي بين التحريم والتجريم والعار الأجتماعي
- البداوة وأثرها في بناء المجتمعات
- البداوة وأثرها في نشأت المجتمعات
- الأنتخابات البرلمانية العراقية ٢٠٢٥ ...


المزيد.....




- -غير اعتيادي-.. هيغسيث يدعو مئات الضباط البارزين الأمريكيين ...
- ما مستقبل حزب الله بعد عام على مقتل حسن نصر الله؟
- مرض نادر يُخفي الشعور بالخوف، فكيف يعيش المصابون به؟
- بعد بن غفير وسموتريتش.. سلوفينيا تمنع نتنياهو من دخول أراضيه ...
- هانزي فليك يعيد نشر أغنية -أحلى رسمة- لفضل شاكر.. من يغازل؟ ...
- رداً على هجوم إيلات.. غارات جوية إسرائيلية على صنعاء
- اختفاء نائبة بوركينية بغانا وسط غموض وصمت رسمي
- ترامب يتحدث عن صفقة قريبة بغزة وإعلان هام بشأن سوريا
- بين محذر وخائف.. -الحمى النزفية- تشغل مواقع التواصل بالعراق ...
- نجم بوب أوغندي يتحدى موسيفيني رئاسيا من جديد


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - رمزية الخوف في النفس البشرية