أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهين شيخاني - - رحيل يوجع الذاكرة - قصة قصيرة














المزيد.....

- رحيل يوجع الذاكرة - قصة قصيرة


ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 02:15
المحور: الادب والفن
    


تتوالى الأنباء كما لو أنها خيوط حزن تتسرب إلى القلوب: خبر وفاة مناضلٍ كبير، وشخصية كوردية تركت بصمة عميقة في الوجدان والتاريخ. لقد التقيتُ به أكثر من مرة ، في مناسبات عامة وفي داره العامر، حيث كان الاستقبال ودوداً والبساطة شاهدة على عظمة رجلٍ لم تُغره المناصب. وحين بلغني خبر رحيله ، شعرتُ كأن صفحة مضيئة من ذاكرة الكفاح قد طُويت على عجل ، وكأن الزمن بتر جزءاً من ذاكرتي وأنا لا أملك إلا أن أنزف.

في صباح الخميس، الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 2019، غاب الأستاذ حميد حاج درويش، سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي، بعد وعكة صحية مفاجئة في مدينة قامشلو. كان رحيله صادماً، وإن لم يكن غريباً على جسد أنهكته السنين، بعد مسيرة طويلة من العطاء والنضال. ذلك الرجل ، أحد مؤسسي أول حزب كردي عام 1957، لم يكن مجرد سياسي، بل كان رمزاً لجيلٍ حلم بالحرية والعدالة ، وعاش تفاصيلها بين السجون والحوارات والخيبات والأمل الذي لا ينطفئ.

وُلد عبد الحميد حاج درويش عام 1930 في قرية قره مانية التابعة لناحية الدرباسية. ومنذ شبابه المبكر حمل هموم شعبه ، مؤمناً بأن السياسة ليست إلا وجهاً آخر للمسؤولية الأخلاقية تجاه الناس. عُرف بعلاقاته الاجتماعية الواسعة ، وبحكمته التي جمعت المختلفين أكثر من مرة على طاولة واحدة. وفي عام 2007 شغل منصب نائب رئيس "إعلان دمشق" للمعارضة السورية ، كما رأس جلسات عديدة في محافل وفعاليات المعارضة بعد الحراك السوري عام 2011. ظلّ صوته هادئاً، لكنه نافذٌ إلى القلب، لأنه كان صادقاً في انحيازه للشعب لا للمصالح العابرة.

ولم تكن علاقتي به محض لقاءات بروتوكولية. أتذكر جيداً يوم حضر معرضنا الفني في قامشلو في قبو احدى البنايات ، واقفاً أمام إحدى اللوحات وإلى جانبه عقيلته. كانت اللوحة تجسّد امرأة كوردية ترتدي غطاء الرأس "هبرية ". توقف طويلاً أمامها، ثم التفت إليّ مبتسماً: " هل شدّ الهبرية بهذا الشكل صحيح ، أم أن الرسام ترك للخيال مساحة..؟." ضحكنا جميعاً ، ثم انطلق بيننا حديث عن رمزية اللباس الكوردي، وعن المرأة كحافظة للهوية. كان يرى في التفاصيل الصغيرة ما يعكس الروح الكبرى للشعب ، حتى إن مناقشته البسيطة حول قطعة قماش تحولت إلى درسٍ في معنى الهوية. كما تذكرت تلك الوليمة التي جمعتنا يوماً. جلسنا حول المائدة نستمع إليه أكثر مما نتحدث. كان حديثه ممتداً كالنهر، لا يملّ السامع منه ، يمزج بين الحكاية والتاريخ ، بين الطرفة والوجع ، حتى بدا كأنه يروي سيرة شعب بأكمله لا سيرته الشخصية فقط.

وحين نُقل جثمانه في قامشلو إلى قاعة نور الدين زازا، توافد الأصدقاء والرفاق والناس البسطاء الذين أحبوه، ليلقوا عليه نظرة الوداع الأخيرة. ثم شُيّع في صباح الجمعة، الخامس والعشرين من تشرين الأول 2019، بجانب الملعب البلدي، قبل أن يُوارى الثرى في مسقط رأسه بقرية القرمانية، حيث بدأت الحكاية، وحيث يعود التراب ليحتضن أحد أبنائه الأوفياء.

لكن الوجع كان مضاعفًا… ففي تلك الأيام، كانت الدرباسية ورأس العين وتل تمر وأبو راسين شبه خالية من أهلها، بعد أن فرّ معظم سكانها إلى أماكن متفرقة، ومنهم نحن الذين وجدنا ملجأً في إقليم كوردستان. جاءنا خبر وفاته ونحن في المخيم، نعيش الغربة في غربتين: غربة الأرض وغربة الفقد. كان الألم أشد لأننا لم نكن هناك، لم نكن بين الجموع التي ودعته، وكأن الموت اختطفه من بين أيدينا كما اختطف الوطن من تحت أقدامنا.

في المخيم، بين الخيم البيضاء المصفوفة، كان صدى الخبر يخيّم على الوجوه. جلسنا نتذكره، كلٌّ يستعيد لحظته الخاصة معه، حديثًا أو ابتسامة أو موقفًا نبيلًا. شعرتُ أن رحيله لم يكن مجرد فقدٍ لشخصية بارزة، بل كان انهيارًا لجدار من جدران الذاكرة الكردية، جدارٍ كان يحمينا من التلاشي وسط هذه الرياح العاصفة.

رحل حميد حاج درويش، لكن سيرته تبقى حيّة، كصفحة لا تُطوى من كتاب النضال الكردي، وكجسرٍ يربط الأجيال بما كان، وما يجب أن يكون. بعض الرجال يموتون في أجسادهم فقط، أما أرواحهم فتظل كالجذور الخفية التي تشدّ الشجرة إلى الأرض، لتبقى واقفة مهما عصفت بها العواصف. • جزء من رواية : مدينتان ونصف وطن ..في زمن النزوح ..؟.



• ماهين شيخاني .



#ماهين_شيخاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمعة الوداع
- استيقظ أيها المغفّل ..؟!.
- خرائط الروح/ قصة قصيرة .
- ” حصيلة عمرٍ في دفاتر الخيبة”
- الخرائط الجديدة… بين إرث سايكس – بيكو وتحوّلات الجيوبوليتيك ...
- الكورد بين فخ -الاعتدال- وعمى الشوفينية العربية: نحو عقد وطن ...
- // النهر الذي ابتلع الوعد/ قصة قصيرة
- أنصاف الحقوق… أنصاف الرجال..- مقال
- لماذا أحب هذا الرجل..؟.
- - البيان السوري الجديد والكورد: بين فخّ التنازلات وفرص التفا ...
- “اللحظة التاريخية: لماذا يجب على الكورد توحيد صفوفهم الآن؟”.
- أنواع السلام السياسي: بين شجاعة القرار وخيانة المبادئ
- حل حزب العمال الكردستاني: مبادرة تاريخية أم تسليم سياسي؟
- “حين يدقّ المطرُ النافذة”
- - في هندسة الخلق... براهين الجمال والدقة على وجود الخالق -
- - الإسلام والتطرف والقوميات: نحو وعي جامع لا إقصائي -
- الفيدرالية: هل تكون خلاصًا أم انقسامًا؟ قراءة في تجربتي العر ...
- عندما تغني الجبال / قصة قصيرة
- الوجود الكوردي في كوردستان وعلاقة القبائل العربية الأصيلة با ...
- -راية فوق بئر مهجور -


المزيد.....




- ادباء ذي قار يستضيفون القاص محمد الكاظم للاحتفاء بمنجزه الاد ...
- أختتــام فعاليــات مهــرجـــان بغـــداد السينمــائـــي
- فنانون أمريكيون يدعمون جيمي كيميل.. ومتحدث يوضح لـCNN موعد ع ...
- غزة والجزائر والكاريبي.. فرانز فانون ينبعث سينمائيا في مئويت ...
- غزة والجزائر والكاريبي.. فرانز فانون ينبعث سينمائيا في مئويت ...
- سفير فلسطين في بولندا: نريد ترجمة الاعتراف بدولتنا إلى انسحا ...
- كتاب عن فرنسوا ابو سالم: شخصية محورية في المسرح الفلسطيني
- أمجد ناصر.. طريق الشعر والنثر والسفر
- مؤتمر بالدوحة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافي ...
- الاحتمال صفر


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهين شيخاني - - رحيل يوجع الذاكرة - قصة قصيرة