أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهين شيخاني - أنواع السلام السياسي: بين شجاعة القرار وخيانة المبادئ














المزيد.....

أنواع السلام السياسي: بين شجاعة القرار وخيانة المبادئ


ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )


الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 07:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في التاريخ السياسي، كما في تفاصيل المأساة الإنسانية، لم يكن "السلام" كلمة بريئة دومًا. فثمة سلام يولد من تحت ركام البنادق والدموع، وسلام آخر يولد من رحم الخيانة والتخاذل، يصفّق له السادة وهم يخطّون وثائقهم على طاولة طويلة وباردة، بينما في الخارج يتكئ الشهداء على ذاكرة مكسورة.
الحديث عن "السلام السياسي" يحتم علينا التمييز بين أنواعه، لأن لا سلام يشبه الآخر، كما أن لا حروب تتساوى في عدالتها أو نتائجها.
أولاً: سلام الشجعان
هو ذلك النوع من السلام الذي يختاره الطرفان المتصارعان بعد أن يبلغا قناعة عميقة أن الحرب لم تعد طريقًا للحل، وأن الكرامة لا تُصان بالدم وحده بل بالاعتراف المتبادل، والإصغاء لعقل الشعوب.
في هذا النوع من السلام، تُنتزع الحقوق لا تُشترى، ويقوم على شجاعة اتخاذ القرار لا على الرضوخ، وعلى اعتراف متبادل بالوجود والمصالح والمظالم. لقد جُسّد هذا السلام في تجارب عالمية مثل اتفاقية "Good Friday" في إيرلندا الشمالية، أو تجربة نلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، حيث لم يُطلب من المظلوم أن ينسى، بل أُعطي الحق في أن يُذكر ويُحترم.
ثانيًا: سلام التخاذل
هذا هو السلام المفروض من الأعلى، حين يطلب من الطرف الأضعف أن يُعلن استسلامه باسم الواقعية السياسية، دون أن يحصل على أدنى مطالب العدالة أو الاعتراف. سلام تكتبه البنادق الغالبة على الطاولات، ويُفرض على الشعوب المغلوبة.
سلام التخاذل هو حين يُطلب من الضحية أن تُصافح الجلاد، ثم يُطلب منها أن تشكره على الفرصة، وتسير خلفه إلى مستقبل غامض خالٍ من الكرامة. وهو ما يُمارس اليوم في كثير من مناطق النزاع، حيث تُفرض اتفاقيات اسمها سلام، وجوهرها سحق بطيء لروح القضية.
ثالثًا: سلام الضرورة
هناك نوع ثالث، يُمكن تسميته بـ"سلام الضرورة"، حين تكون الظروف الإقليمية والدولية أكبر من قدرة الأطراف المتنازعة على الاستمرار في القتال، فيجد الطرفان أو أحدهما نفسه مضطرًا لعقد اتفاق مؤقت، ليس عن قناعة بل عن اضطرار. وغالبًا ما يكون هشًا، ويُفخّخ من الداخل، ويُكسر عند أول منعطف.
- سلام الشجعان أم خيانة السلاح؟ حالة حزب العمال الكردستاني (PKK)
من أكثر النماذج تعقيدًا في تقييم طبيعة "السلام السياسي" هو النقاش حول مستقبل حزب العمال الكوردستاني (PKK) وموضوع إلقائه السلاح. فهذا الحزب، رغم تصنيفه الدولي كتنظيم مسلح، شكّل لعقود رمزًا لنضال جزء من الشعب الكوردي في تركيا، ومثّل بالنسبة لأنصاره مقاومة ضد التهميش والإنكار القومي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : هل حل الحزب أو تخليه عن السلاح يمكن اعتباره "سلام الشجعان"؟
إذا كان الحل السياسي نابعًا من مفاوضات عادلة، تتضمن اعترافًا دستوريًا بحقوق الشعب الكوردي، وتفتح باب المشاركة السياسية والثقافية واللغوية، حينها يمكن وصف ذلك بسلام الشجعان؛ سلام يُبنى على شجاعة القرار، لا على هزيمة السلاح.
أما إذا فُرض على الحزب التخلي عن سلاحه تحت الضغط العسكري والسياسي فقط، دون مقابل واضح، دون إصلاحات جوهرية أو اعتراف حقيقي بحقوق الكورد، فهنا لا نكون أمام سلام بل أمام استسلام مغلّف، قد يُوصف بأنه سلام التخاذل أو "هدنة الخضوع"، لا أكثر.
يبقى السؤال الأهم:
هل السلام يُقاس بتوقف البنادق..؟. أم بالعدالة التي تُبنى بعدها..؟.
في الحالة الكوردية، يصرّ كثيرون على أن السلاح لم يكن خيارًا بل نتيجة، وأن التخلي عنه يجب أن يوازيه مشروع سياسي جاد، لا مجرد نداءات فارغة من المؤسسات الرسمية التركية.
الختام: ليس كل سلام سلامًا
في النهاية، لا يمكن أن نتعامل مع مفهوم "السلام" كمفهوم مطلق. فبين سلام الشجعان الذي يُبنى على العدل والمصالحة، وسلام التخاذل الذي يُبنى على القمع والتجاهل، هناك خيط رفيع يفصل الكرامة عن الهزيمة، والمستقبل عن التصفية.
فليكن شعارنا دائمًا:
السلام الحقيقي هو الذي يُنهي الحرب من الجذور، لا الذي يُجمّدها حتى إشعار آخر.



#ماهين_شيخاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حل حزب العمال الكردستاني: مبادرة تاريخية أم تسليم سياسي؟
- “حين يدقّ المطرُ النافذة”
- - في هندسة الخلق... براهين الجمال والدقة على وجود الخالق -
- - الإسلام والتطرف والقوميات: نحو وعي جامع لا إقصائي -
- الفيدرالية: هل تكون خلاصًا أم انقسامًا؟ قراءة في تجربتي العر ...
- عندما تغني الجبال / قصة قصيرة
- الوجود الكوردي في كوردستان وعلاقة القبائل العربية الأصيلة با ...
- -راية فوق بئر مهجور -
- بطاقة يانصيب
- عينا روزا..؟.
- انسحاب المجلس من الائتلاف
- التنوع الثقافي في الجزيرة السورية...؟.
- لعبة الأقدار - الإعلامي وإخلاف الوعد
- - كرامة الجبلي -
- الإقليم والإدارة وجمهوريتي عنق الزجاجة
- - الطريق الى برده ره ش - لعبة الأقدار ..ج4.
- ظاهرة - العشائرية -
- بصيص أمل - من لعبة الأقدار (ج 3) - قصة قصيرة
- اسمها والعيون / قصة قصيرة...
- مناضلون على الصفحة الزرقاء


المزيد.....




- زيارة ترامب للخليج.. مراسلة CNN تأخذكم بجولة في كواليس يومه ...
- تفاصيل صفقات ترامب في قطر بقيمة 1.2 تريليون دولار
- دير جبل آثوس الأرثوذكسي في اليونان لا يعترف بالحدود ويستقبل ...
- مراسلنا: غارات إسرائيلية استهدفت فجر اليوم منازل جاهزة في بل ...
- مصدر: مفاوضات روسيا وأوكرانيا ستعقد في المكان الذي جرت فيه ع ...
- مواصفات الهاتف الأحدث من سوني
- السر وراء تجاعيد أطراف الأصابع المبللة
- روسيا تشغّل منظومتها المخصصة لدراسة -الطقس الفضائي-
- تقرير: تغيّر المناخ يهدد صحة الحوامل حول العالم
- ويتكوف: سنحقق نجاحا في سوريا وستسمعون عنه سريعا


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهين شيخاني - أنواع السلام السياسي: بين شجاعة القرار وخيانة المبادئ