أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهين شيخاني - // النهر الذي ابتلع الوعد/ قصة قصيرة














المزيد.....

// النهر الذي ابتلع الوعد/ قصة قصيرة


ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )


الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 02:22
المحور: الادب والفن
    


كان الشتاء في ذروته، والبلدة تلفها غيوم سوداء أثقلتها أمطار متواصلة منذ الفجر. في ذلك الصباح، وبينما يراقب طلابه يحلّون مسائل الرياضيات، اقترب منه شاب في مقتبل العمر، ملامحه مضطربة وصوته بالكاد يخرج:
– أستاذ… عندي طلب شخصي.
رفع الأستاذ رأسه، وقد اعتاد على المفاجآت في هذه البلاد:
– تفضل يا بني.
– خلاف عائلي، لا شأن له بالسياسة… نحتاجك لتكون وسيط خير.
– إذا كان الأمر كذلك، فأنا حاضر.
لم يسأل المزيد. ربما لأن العيون المرتبكة تقول ما لا تقدر الكلمات عليه.
بعد أيام، كان الوعد قد حان. السماء رمادية، والريح تعوي في الطرقات مثل كلب جائع. التقى الأستاذ بالشاب عند مدخل السوق، ثم اتجها إلى الموقف. ركبا الحافلة الصفراء التي تشق الطريق نحو مدينة أخرى، كأنها تعبر إلى عالم موازٍ.
على بعد نصف ساعة من البلدة، نادى الشاب السائق:
– لو سمحت، قف عند مفرق القرية.
ترجلا، ومضيا في طريق موحل يشق الحقول الغارقة بالماء. على بعد خطوات، ظهر نهر صغير، لكن أمطاره الأخيرة جعلته يكبر ويتحول إلى سيل جارف. وقف الأستاذ مشدوهًا:
– كيف نعبر؟ الطريق مسدود.
ابتسم الشاب بثقة مصطنعة:
– هناك موضع ضيق، نقدر على القفز منه.
قفز الشاب أولاً، ثم ألقى للأستاذ مظلته، وقال له:
– توكل على الله.
قفز الأستاذ، وقلبه يضرب كتلك القطرات التي تنهال فوق رأسه، لكنه هبط بسلام.
واصل الاثنان السير حتى وصلا إلى بيتٍ طينيّ متواضع، بلا باب خشبي، فقط ستارة ممزقة تحجب الداخل. تقدما بخطى مترددة، فانبثق من الداخل صوتٌ أجشّ:
– تفضلوا… الباب مفتوح.
دخل الأستاذ، وإذا بالرجل يجلس في صدر الغرفة، بملامحٍ حادة وعينين ملتهبتين. كان يلف جسده بمعطف عسكري قديم، وعلى الأرض علبة تبغ وبضع سجائر نصف ملتفة. نهض الشاب ليعرّفه بأبيه، لكن الرجل لوّح بيده مقاطعًا:
– أعرف لماذا جئت. لن تغيّر شيئًا.
جلس الأستاذ، متسلحًا بصبره:
– يا عم، الحياة قصيرة، وأولادك لهم حق، مثلك تمامًا. هم بحاجة إلى بيت، إلى قطعة أرض، إلى بعض الأمان. وأنت أخذت نصيبك.
انفجر الرجل ضاحكًا، ثم مال بجسده إلى الأمام، وقال بكلماتٍ مسمومة:
– تطلب مني أن أتنازل؟ وأين حقي أنا؟ من سيعوضني عن شبابي؟ عن جسدي الذي صار رمادًا؟ أنتم تريدون أن تسرقوا حتى ما تبقى لي من لذة؟!
شعر الأستاذ بصفعة غير مرئية. كان الحوار قد انزلق فجأة إلى وحلٍ آخر، وحلٍ من الغرائز والشراهة التي لا تشبع.
نهض بغضب، وقال للشاب:
– لا جدوى يا بني. عقله أقسى من هذه الريح.
مد يده لمصافحة الرجل، لكن الأخير تجاهله تمامًا. خرج بخطوات سريعة، تتعثر فوق الطين.
في الخارج، كانت السماء قد أفرغت كل حقدها دفعة واحدة: برق يشق الأفق، رعد يهز القلوب، وبَرَد ينهمر مثل رصاص يثقب الأرض. لحق به الشاب، وصديقه من القرية عرض مرافقتهما إلى الطريق العام.
عند النهر، كان السيل قد صار وحشًا هائجًا، يزمجر بفم مفتوح. قفز الشاب أولاً، ثم التفت إلى الأستاذ:
– ألقِ لي المظلة… وسأساعدك بعدها.
ألقى المظلة، وحين همّ بالقفز، انزلقت قدماه على حافة الطين، ورآه الشاب للحظة يتأرجح بين السماء والماء، قبل أن يبتلعه النهر كغول لا يشبع.
صرخ الشاب، ركض على الضفة، لكن التيار كان أسرع من كل نداء. ظل يبحث حتى وجد المظلة عالقة بين الأغصان، مكسورة، بلا صاحب.
في اليوم التالي، كان الخبر في زاوية صغيرة من الجريدة:
“معلم يفقد حياته أثناء محاولة الصلح بين أب وابنه في إحدى قرى الشمال.”
لكن أحدًا لم يكتب عن النهر الذي ابتلع ليس جسدًا فحسب، بل حلماً صغيرًا بالسلام.



#ماهين_شيخاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنصاف الحقوق… أنصاف الرجال..- مقال
- لماذا أحب هذا الرجل..؟.
- - البيان السوري الجديد والكورد: بين فخّ التنازلات وفرص التفا ...
- “اللحظة التاريخية: لماذا يجب على الكورد توحيد صفوفهم الآن؟”.
- أنواع السلام السياسي: بين شجاعة القرار وخيانة المبادئ
- حل حزب العمال الكردستاني: مبادرة تاريخية أم تسليم سياسي؟
- “حين يدقّ المطرُ النافذة”
- - في هندسة الخلق... براهين الجمال والدقة على وجود الخالق -
- - الإسلام والتطرف والقوميات: نحو وعي جامع لا إقصائي -
- الفيدرالية: هل تكون خلاصًا أم انقسامًا؟ قراءة في تجربتي العر ...
- عندما تغني الجبال / قصة قصيرة
- الوجود الكوردي في كوردستان وعلاقة القبائل العربية الأصيلة با ...
- -راية فوق بئر مهجور -
- بطاقة يانصيب
- عينا روزا..؟.
- انسحاب المجلس من الائتلاف
- التنوع الثقافي في الجزيرة السورية...؟.
- لعبة الأقدار - الإعلامي وإخلاف الوعد
- - كرامة الجبلي -
- الإقليم والإدارة وجمهوريتي عنق الزجاجة


المزيد.....




- فن الشارع في سراييفو: جسور من الألوان في مواجهة الانقسامات ا ...
- مسرحية تل أبيب.. حين يغيب العلم وتنكشف النوايا
- فيلم -جمعة أغرب-.. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
- جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف -الحرب الثقافية- على متاحف واشنط ...
- عودة الثنائيات إلى السينما المصرية بحجم إنتاج ضخم وتنافس إقل ...
- الدورة الثانية من -مدن القصائد- تحتفي بسمرقند عاصمة للثقافة ...
- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...
- أدب إيطالي يكشف فظائع غزة: من شرف القتال إلى صمت الإبادة
- -بعد أزمة قُبلة المعجبة-.. راغب علامة يكشف مضمون اتصاله مع ن ...
- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهين شيخاني - // النهر الذي ابتلع الوعد/ قصة قصيرة