|
للغيرة مخالب لا ترحم .. ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 09:29
المحور:
الادب والفن
كنت مُثقلة بحملي الثاني ، وسعيدة به ، وبالكاد أستطيع الحركة . أبدى زوجي لطفاً غير معهود كأنه كان يبيّت نيّةً ما : — أم بشير ، جاء الوقت لترتاحي . لقد طلبت لك خادمة عراقية شاطرة تساعدك ، وتقف بجانبك حتى تقومي بالسلامة . وفي غمرة فرحتي رسمت صورة متخيّلة للخادمة المفترضة . امرأة عجوز سمينة رخوة ترتدي ملابس قروية بسيطة ، وتضع عصابة سوداء على رأسها ، لكن ما كَشفته لي الأيام التالية عندما رأيتها على حقيقتها ، صعقني . ما إن تخطت البنت نعمة عتبة الباب ، و وقفت أمامي برأسها المنكس حتى كدت أشهق . بقيت لحظات أدقق في تفاصيل وجهها مأخوذةً بجمالها . أتفحصها مشدوهة جزءً جزءً كمن يتفرج على مخلوقٍ فضائي . صغيرة وجميلة .. ملامح ناعمة .. بشرة فاتحة رقيقة مثل بشرة طفل .. قامة منحوتة بدقة .. شعر ناعم مسدول حتى خاصرتها . بمجرد دخولها انساب صوتها الطفولي الناعم ، وهي تمسِّي عليّ ، وتناديني بعمتي ، ثم وقعت على رأسي ، وقبّلت يدي . حسستني كأني كنت في عمر جدتها .. قدمها لي : — خادمتك نعمة .. إعتبريها خاتم في إصبعك . أطلبي منها ما تريدين . رغم صغر سنها إلا أنها كانت مثيرة وشهية . كأنثى شعرت بغصة ، لكني كتمتها في قلبي الموجوع . يبدو أنها إعتادت على لبس كل ما يثير شهيّة الرجل . ظلّت صامتة هادئة طوال فترة جلوسها . من خلال نظرات زوجي الشهوانية المسمرة على جسدها كنت متيقنة بأنه كان يعريها بعينيه . أدركت منذ اللحظة الأولى خطورة هذا الكائن الجميل على سعادتي وإستقرار بيتي . بدأ زوجي يختفي ساعات دون أن أدري أين يذهب ، وعندما أسأله يختلق أعذاراً سخيفة لا تُقنع طفلاً . وما إن حانت لحظة الولادة حتى نقلوني بسرعة الى المستشفى . وبعد ولادتي ، وبالتحديد في يوم نفاسي الثالث تسرب اليّ الخبر المشؤوم . سقط على رأسي سيفاً بارداً وقاسياً . بكيت أياماً بلياليها حتى أحرقتني عيناي ، وفي النهاية استسلمت لقدر كان قد نَفَذ . جائني الإعتراف منه مباشرةً ليزيد النار اشتعالاً في قلبي : — البنت صغيرة وجميلة ، والشيطان لعب بي ، واللي صار صار .. وهي في كل الأحوال مجرد خادمة ، وليس أكثر . أنا الآن أمام فضيحة يتحتم عليّ سترها ، والخروج منها بأقل أذى ، وإلا قضت على مستقبلنا . لقد كانت لطمة قوية وقاسية ومهينة لا أدري كيف تحملتها وبقيت واقفة على قدميّ . كان اعتدائه على الفتاة المسكينة قد أسقطه من نظري ووسع الهوة بيننا الى مديات يستحيل ردمها . كنت أتسائل كيف استطعت التماسك رغم حمى الغيرة التي تنهش روحي ، ولم أصاب بالجنون . كان يطلب مني أن أتقبل الأمر كواقع حال . رغم يقيني بأن من يتنازل مرة ، مؤكد سيُطالب بتنازلات أخرى ، وهذا ما حصل . لقد كان قرار قبولي بها مغلوطاً منذ البداية ، قادني بالنتيجة الى أن أقبل بالذي حصل بينها وبين زوجي من علاقة آثمة ، والآن سأضطر للموافقة على مقترح الزواج لستر الفضيحة ، وللحفاظ على بيتي من التفكك ، وبعدها لا أدري الى أي مدى ستطول قائمة التنازلات ؟ استمرت العلاقة بينهما كل ليلة بينما كنت أعاني من نزيف ما بعد الولادة ، وكانت بالنسبة لي جحيماً حقيقياً ، وأنا أسمع في المساء كل ما كان يدور بينهما ، والنار تشتعل سعيراً بداخلي . بدأ يمهد للموضوع على نار هادئة . قال بأن الجميع نصحوه بالزواج حتى يصبح ما حدث بينهما خارج فعل الزنا ، فتحقق له ما أراد ، وتزوجا .. وهكذا ودّعت نعمة طفولتها وأصبحت سيدة ، وزوجة شرعية على ذمة رجل بعد أن كانت مجرد خادمة مغتصبة . لم أستطع تجاوز فكرة أن تأتي طفلة وتشاركني زوجي وبيتي ومستقبلي ، وأن يكون لها ما يكون لي ، بل تتفوق عليّ بصغر سنها وجمالها . أحياناً كنت أعذرها لأنها كائن ضعيف يقارع وحشاً ضارياً مثل زوجي ، وأحياناً أخرى أحمّلها جزءاً من مسؤولية ما حدث . كنت أتساءل كلما انفردت بنفسي لِمَ لم توقفه عند حده بعد أن سرق منها زهرة عفتها ، وتركها مرمية كسيرة ، بدلاً من مواصلة النوم في أحضانه كل ليلة والتماهي مع نزواته الجنسية الشاذة ؟ هل راق لها ؟ ربما . لكني لم أُهزم ، ولم أَرفع الراية بعد . كنت أراها طفلة طائشة فارغة الرأس لم تحصل إلا على قدر ضئيل من التعليم ، وخبرتها في الحياة تكاد تكون صفراً يسهل على امرأة ناضجة مثلي خَبِرت الحياة السيطرة على كل مفاصلها . بقدر ما أفاض الله عليها بالجمال ، إلا أنه أفرغها من كل ذكاء ، ولو بالحد الادني ، فبدأت تسرّني ببراءة بكل ما كان يدور بينهما حتى تفاصيل لحظاتهما الحميمة . كنت من طرفي أتظاهر بالاهتمام وبأبداء النصائح ، لكني كما يقولون كنت أدس السم في العسل . كانت تقول لي بصدق ، وهي في قمة حزنها واستسلامها : — أم بشير أنتِ سيدة محترمة بحق ، لكن هذا الرجل وسخ لا يستحقك . حتى هو لم أستطع أن أكتم حقدي عليه ، وانتقامي منه . كنت أحرضه عليها بأسلوب ظاهره بريء ، وباطنه سم زعاف ، فعندما يسألني مثلاً إذا كانت تخرج أثناء غيابه . لم أكن أبذل جهداً كبيراً ، فكذبة واحدة تكفي ، فأقول بصوت فيه الكثير من البرود المفتعل ، كأن شيطاناً كان يحرك لساني : — أحياناً تخرج نصف ساعة وبالكثير ساعة ، لكنها لا تخبرني الى أين تذهب ربما الى أمها ، أو الى إحدى صديقاتها ، لا أدري . فتاة صغيرة وجميلة من لحم ودم ، ومن حقها أن تعيش . هو سجن ؟! لم ألحظ عليه أنه كشف ما وراء كلامي . تعلو وجهه صفرة مفاجئة ، وتتغير ملامحه المرهقة المنكسرة . يعضّ على شفته السفلى حتى يدميها ، ثم ينهمك في البحث في جيوبه عن باكيت السجائر ، وهو في انفعال شديد . يخرج واحدة .. يشعلها ويديه ترتعشان .. يستنشق منها نفسين سريعين .. بدا لي في أسوأ لحظات ضعفه وذُله . يهزّ رأسه ، ثم أسمعه يتمتم ، والغيرة تنهش أحشاءه : — أنت طيبة وعلى نياتك . إنها طائشة وبنت شارع .. ثم يهمس بسباب لا يكاد يُسمع . كان يُنصت لي ، ويصدق كلامي كأنه كلام منّزل ، وبات يشك بأن هناك عشيقاً في مكان ما ، ولم يعد يصدق بأية كلمة كانت تدافع بها المسكينة عن نفسها . لقد دخل الشك الى نفسه ، وتمكن منها نهائياً . لم أمنحه فرصة التقاط الأنفاس . كنت منساقة لجنوني لا أترك مساحة للعقل ، ولا أتوقف لحظة عن تغذية شكوكه بمزيد من التلفيق والأكاذيب والحيَّل . لا تمر سوى دقائق حتى أسمع صراخهما ، وصوت ضربه لها وعويلها ، وشيئاً ثقيلاً يرتطم بالأرض ، وأشياء كثيرة تتكسّر . أسمعها تصرخ ، وهي تلعنه وتلعن الصدفة التي جمعتهما : لن تراني ثانية .. أُقسّم على ذلك ! أذكر اليوم الذي لن أنساه أبداً عندما كاشَفته بأنها حامل بشهرين كاد أن يقتلها ضربا وركلاً حتى انهارت على الأرض ، ولولا تدخلي لنجدتها في اللحظات الأخيرة لكان قتلها : — التقطتيه من الشارع ، وتريدين أن تلصقيه بي ، يا قحبة . سأنتظر نتائج الفحص ، وإذا لم يكن من صلبي سأقتلكما . هل تعلمون بأني في خاتمة هذه التراجيديا قد بدأت أخاف من نفسي ، لكني في أعماقي كنت سعيدة ومنتشية وغير نادمة البتة . لن تصدقوا ما سأقوله بكلمتين عن خلاصة عملي وانتقامي منهما . نعمة إختصرت المسافة ، ونَفَذت بجلدها مع الثمرة التي كانت تحملها في بطنها لأنه لم يعد لديها ما تخسره بعد خلافات لا يمكن حلها ، وانتهى أمرها . لم يعثر لها على أثر، قد تكون الآن في أحضان رجل آخر تحبه ويناسبها . أما زوجي ، فها هو الآن ممدداً أمامي على السرير على بعد ذراع كلوح من خشب لا يتحرك .. شاحباً هزيلاً غارقاً في فضلاته بإنتظار الممرض ليأتي ، ويحمله الى الحمام ليغيّر له الحفاظة وينظفه ويعطره ، ثم يسقيه دواءه بعد أن هاجمته جلطة مفاجئة ، لم تقتله نعم ، لكنها أثقلته وأسكنته الفراش ، ربما لمدة طويلة ، وربما الى الأبد . لم يكن هذا تشفياً بقدر ما هو استحقاقاً عليه أن يدفعه بسبب اللعبة القذرة التي مارسها عليّ وأنا غافلة ، وسببت لي أضراراً نفسية ومعنوية لا تطاق . أما أنا ، فمتعبة وصابرة وحزينة ليس عليه ، وإنما على نفسي وأطفالي وبيتي . سأحاول أن أتخطى هذه العتبة ، وأرمي كل شيء رغم فداحته ورائي ، وأنسى .. !!
( تمت )
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليتيم .. ! ( قصة قصيرة )
-
ثمن الخيانة .. ! ( قصة قصيرة )
-
جار السوء .. ! ( قصة قصيرة )
-
ضياع في المَهجَر .. ! ( قصة قصيرة )
-
جِراح تنتظر من يداويها .. ! ( قصة قصيرة )
-
الطريق نحو الهاوية .. ! ( قصة قصيرة )
-
الحب وحده لا يكفي .. ! ( قصة قصيرة )
-
علاگتين بربع .. ! ( قصة قصيرة )
-
المال الحرام .. ! ( قصة قصيرة )
-
حب مدفون في العفن .. ! ( قصة قصيرة )
-
امرأة من ذلك الزمان .. ! ( قصة قصيرة )
-
خرجتْ ولم تعد .. ! ( قصة قصيرة )
-
المخاض .. ! ( قصة قصيرة )
-
لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )
-
المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )
-
سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
-
هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
-
راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
-
يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
-
عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
المزيد.....
-
الصّخب والعنف.. كيف عالج وليم فوكنر قضية الصراع الإنساني؟
-
تايلور سويفت تعود لدور السينما بالتزامن مع إصدار ألبومها الج
...
-
تجمع سوداني بجامعة جورجتاون قطر: الفن والثقافة في مواجهة مأس
...
-
سوار ذهبي أثري يباع ويُصهر في ورشة بالقاهرة
-
جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز
-
صالة الكندي للسينما: ذاكرة دمشق وصوت جيل كامل
-
وزارة الثقافة اللبنانية تنفي وجود أي أسلحة تعود لأحزاب في قل
...
-
في النظرية الأدبية: جدل الجمال ونحو-لوجيا النص
-
السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا
...
-
فنانون ومشاهير يسعون إلى حشد ضغط شعبي لاتخاذ مزيد من الإجراء
...
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|