أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - جِراح تنتظر من يداويها .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

جِراح تنتظر من يداويها .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


كفكفت ( عايدة ) أطباق العشاء ، وهي تتثاءب متململة ، وما كادت تنتهي من جليها حتى سمعت والدها يناديها ، وبمجرد دخولها غرفته يهشّ الرجل لإستقبالها ملهوفاً ، وهو يتطلع اليها بنظرة خائبة :
— عايدة بنتي ..
تهز رأسها متأففة ومبدية بعض الإنزعاج . تغمغم في صوت هش ، وهي ترنو الى والدها بعينين لوزيتين ناعستين :
— ليس الآن بابا أرجوك . ألا ترى كم أنا متعبة .. ؟
— كان الله في العون بنتي ، لكني لا أراكِ طوال اليوم إلا مشغولة . أريد أن أسمع رأيك في الموضوع الذي طرحته عليك قبل أسبوع . هل أنتِ موافقة أم لا ؟ هذا هو كل ما أطلبه .. كلمة واحدة ..
تقاطعه في ضيق :
— أتفهم قلقك عليّ ، لكني لا أفكر في الزواج من جديد . يكفيني زواجين فاشلين .. كل ما أتمناه أن أعيش حياتي بسلام ..
يدعوها للجلوس بإشارة من يده متأملاً في أعماقه أن يسمع منها ما يرضيه . تتردد لحظة ، ثم تنصاع متبرمة :
— أها جلسنا .. نعم بابا .. تفضل .
— بنتي لستِ الأولى في الدنيا التي تفشل في زواجين ، ولن تكوني الأخيرة . كفاكِ ذرفاً للدموع ، وتمادياً في الألم على شيء ولى وراح . كما ترين حال الدنيا ناس تروح وناس تأتي ، والعمر لم يعد يسعفه الوقت . أريد أن أطمئن عليكِ قبل أن ألتحق بأمك الله يرحمها ..
تتململ وهي في مكانها كأن الكرسي بدأ يضيق عليها . عبثا تحاول أن تجد لها مخرجاً من إلحاح والدها ، لكن التعب وتزاحم الكلمات في ذهنها لم يسعفاها :
— سأفكر في الأمر بابا ، و سأعطيك رأيي غداً ، والآن تصبح على خير .
تتقدم منه وتقبّل يده ، ثم تغادر منهيةً حديثاً أصبح يعاد عليها منذ أن تطلقت للمرة الثانية ، وعادت الى بيت أبيها مكسورة .. مرة من أبيها ومرة من شقيقها الأكبر ومرة من خالها ، وهي حائرة ، فالجروح لا تزال مفتوحة لم تلتئم بعد ، والآلام لم تبرد ولم تهجع .
وفي صباح اليوم التالي .. تتحاشى والدها ، وتتسلل بهدوء على رؤوس أصابعها وتغادر البيت متعجلة بعد أن وضعت حقيبة صغيرة مليئة بالأوراق تحت إبطها ، وعند انتصاف النهار تعود ، وهي تجرجر خطاها مباشرة الى غرفة والدها . تستأذنه بالدخول ثم تبادر :
— بابا ، أعرف أنك تنتظر مني رداً . يؤسفني أن أقول بأني غير موافقة لا على هذا الرجل ولا على غيره ، وأعتذر منك لأني تجاوزتك وذهبت هذا الصباح وقدمت أوراقي في الكلية . لقد قررت أن أُكمل دراستي الجامعية وأعيش حياة أختارها أنا ، لا أن تختارها لي الصدفة .. أنحتها بجهدي ، وأغزلها بأفكاري ..
كأنه غير مقتنع بما يسمع ، فيواصل طرقه عازماً على تليين عنادها :
— لكن الرجل شاريكي .. لم يتوقف لحظة عن إصراره .. غني يملك سوقاً كاملاً ، ورجلاً من هذا النوع وجوده بجانبك سيكون إضافة مهمة ، يعينك حين تتعبين ، فلا شيء يضمن الغد مهما كنت قوية .
— هذا كان زمان بابا ، أما الآن فالأمور تغيرت ، وأصبحت المرأة قادرة على فعل كل شيء بنفسها دون الحاجة لعكازة الرجل .
— لكن الفرق يظل واضحاً بنتي . أنتِ دائماً تذكريني بالمرحومة أمكِ وعنادها سبحان الله .. ( يصمت قليلاً .. ) .. هل تعرفين بأن أمك كانت مطلقة ، وأنا كنت أرمل عندما تزوجنا ..
— أحكيلي بابا .. أحكيلي .. أرجوك ..
— طيب طيب .. استريحي أولاً ..
تسحب كرسياً ، وتجلس قبالته .. يأخذ نفساً عميقاً كأنه يستعد لحكاية طويلة :
— كنت متزوجاً من امرأة طيبة قبل أمك الله يرحمنا جميعاً .. تقاطعه : هل كانت جميلة بابا ؟ يسرح بنظره بعيداً كأنه كان يبحث عن ذلك الوجه الهادئ الذي التهمه النسيان في زحمة الحياة .. الجمال بنتي إضافة نعم ، لكنه ليس كل شيء . في نظري نعم كانت جميلة . لا أدري من القائل : كل امرأة طيبة جميلة .. ! لكني مؤمن تماماً بهذا القول .
لكن هذه المرأة لم تعمّر معي طويلاً ، إذ سرعان ما مرضت بشكل مفاجئ ، ولم يمهلها المرض اللعين طويلاً ، وذات ليلة وهي مسجاة بين ذراعيّ ورأسها بين كفيّ ، وهي تحتضر ، توقف فجأة قلبها الطيب عن الخفقان ، وغيّبها الموت نهائياً . بكيت في تلك الليلة المظلمة كما لم أبكِ في حياتي ، وحزنت لفراقها في تلك الأيام الرمادية حزناً أنهك روحي قبل جسدي ..
لكني بمرور الأيام وجدت نفسي وحيداً . عبثاً حاولت أن أعيش وحدتي وأتماها معها ، لكن الوحدة بنتي مرّة وقاسية كأنها الغياب خاصة لرجل مثلي تعوّد على لمسة المرأة في حياته ، رغم ذلك عزمت على أن لا أستسلم للقنوط ، وأن لا أحرم نفسي لذة الحياة ، واكتشاف كل ما هو جديد وممتع فيها .
تقاطعه ثانية : يبدو أنك كنت تحبها .. نعم كنت أحبها وكانت لها منزلة خاصة في قلبي كما كانت تبادلني الحب بجنون . بالمناسبة لم تكن مسلمة لكن قلبها كان واسعاً كريماً وسع الدنيا كلها ، والإنسان بنتي يحب من يحبه ويهتم به مثل القطة الأليفة ، فهي تحب من يداعبها ويدفئها ، لكن حبي لها لم يرقى الى حد العشق كما حصل لي مع أمك حين ساقتها الاقدار في طريقي .
وفي أحد الأعراس رأيت أمك لأول مرة ، يا الله .. ! لم أستطع أن أُنزل عينيّ من على وجهها . كانت جميلة وممتلئة بالحياة .. عيناها اللوزيتين سلباني لبي ، وكما تعرفين نحن البشر لا سلطان لنا على مشاعرنا أبداً . سبحان الله عشقتها منذ النظرة الأولى عشق المجنون لليلاه ، بل همت بها كأنها توغلت في دمي وملكت علي روحي ، ولحسن حظي رفعت عينيها نحوي وطمأنتني بإبتسامتها الجميلة التي رشقتني بها كأنها كانت تقاسمني سعادة تلك اللحظات النادرة .
بقيتُ أياماً لا أعرف فيها النوم ، ولا طعم الراحة كأني مرضت بدائها ، فقطعتُ وعداً على نفسي بأني سأضحي بكل ما أملك لأظفر بها زوجةً لي ، وعندما سألت عنها قالوا : أنها مطلقة .. لم أتردد لحظة واحدة ، فقلت : ليكن ، ثم قالوا : وقد تكون عقيمة .. لم أستسلم ، فقلت : للحب ثمنه وعلي أن أدفعه .
كانت أياماً وقعها شاقاً عليّ ، وأنا أعيش محنة الحب ومرارته الى أقصى درجات الجنون حتى يسر الله لي الأمر ووافق جدها بعد تردد - إذ كان والدها متوفياً - بعد أن أخذ موافقتها لأنها كانت جوهرة الأسرة الثمينة عليهم إيداعها بأيدٍ أمينة ، وبالتأكيد لن يجدوا حضناً أكثر أماناً و دفئاً من أحضاني العاشقة .. وقتها أظهرت أمك شجاعة نادرة عندما دافعت عن حبنا ، وأعترفت لجدها بأنها تحبني وتقبلني زوجاً ، وقبل زواجنا صارحتها بحقبقة زواجي السابق وترملي بالتفصيل ، ولم أُخفي عنها شيئاً ، لكني لم أسألها عن تجربتها الفاشلة في الزواج أبداً رحمةً بها وبنفسي ، وتزوجنا ..
ولم تمر سوى اشهر قليلة حتى خاب فألهم وحملت بشقيقك الأكبر رضوان وبعده جاءت بسمة ، ثم عصام ، ثم أنتِ نسخة مكررة من أمك حبيبتي وعشقي الأبدي . أنا واثق بنتي بأن الله قد خصكِ برجلٍ سيظهر يوماً ما في حياتك .. يحبك وتحبينه ، وستعيشين في كنفه ، وستجدين السعادة الحقيقية بين أحضانه ، فما يزال في الحياة متسعاً للبهجة والفرح .. قولي آمين وسترين .. !
تتساءل وهي تضحك :
— هل أنا محل اختبار بابا .. ؟
— وتحدٍ أيضاً بنتي . لا أحد يستطيع أن يعاكس الطبيعة . ستتذكرين كلماتي هذه إن كنت حياً ، أو تحت التراب .
تدمع وتقول بصوت متهدج :
— الله يطول عمرك بابا ، ويحفظك ويخليك ليّ .
تُقبّل جبينه وتلثم يده وتغادر ، وهي لا تزال دامعة .
ما تكاد تضع الخطوة الأولى على سُلم الحرم الجامعي حتى رأته منتصباً أمامها كقدر موعود ، وهو يتلو بعض الإرشادات للطلبة الجدد . تقاطعت نظراتهما لثوانٍ عدة مرات ، وفي كل مرة هي من تبتسم بخفر وتعض على شفتها وتطأطئ رأسها . شعرت نحوه بشعور غريب مفاجئ لم تخبره في حياتها ، وقبل أن تدقق في تفاصيل وجهه أكثر ، كان قد غاب بين زحام الطلبة . لم تتمالك نفسها ، فسألت الفتاة الواقفة بجوارها عنه . دُهشت الفتاة وقالت : ألا تعرفينه ؟! أنه دكتور مصطفى مدرس الأدب الإنجليزي .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق نحو الهاوية .. ! ( قصة قصيرة )
- الحب وحده لا يكفي .. ! ( قصة قصيرة )
- علاگتين بربع .. ! ( قصة قصيرة )
- المال الحرام .. ! ( قصة قصيرة )
- حب مدفون في العفن .. ! ( قصة قصيرة )
- امرأة من ذلك الزمان .. ! ( قصة قصيرة )
- خرجتْ ولم تعد .. ! ( قصة قصيرة )
- المخاض .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة الموبايل .. ! ( قصة قصيرة )
- المال حين يتكلم .. ! ( قصة قصيرة )
- سرّي الدفين .. ! ( قصة قصيرة )
- هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )
- راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
- يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
- عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
- أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- -الشاطر- فيلم أكشن مصري بهوية أميركية
- رحلتي الخريفية إصدار جديد لوصال زبيدات
- يوسف اللباد.. تضارب الروايات بشأن وفاة شاب سوري بعد توقيفه ف ...
- بصدر عار.. مغنية فرنسية تحتج على التحرش بها على المسرح
- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا
- شراكة مع مؤسسة إسرائيلية.. الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو ...
- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - جِراح تنتظر من يداويها .. ! ( قصة قصيرة )