أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7805 - 2023 / 11 / 24 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


لم تعد تقوى على حبس دموعها .. أجهشت في نوبة بكاء محمومة ، وهي تلعن حظها العاثر .. تحتضنها أمها في حنان بالغ ، وتنظر اليها بوجه باكٍ :
— عبير ، بنتي .. كل شيء قسمة ونصيب . إنشاء الله سيأتيك نصيب أحسن . إصبري ، وسترين ..
تقاطعها ( عبير ) وهي تنشغ ، وتدمدم شاكية :
— الى متى أصبر ، ماما .. ألا ترين أخواتي الصغار يتزوجن الواحدة بعد الأخرى رغم تعليمهن المتواضع ؟ وأنا .. ( توجه طرف سبابتها الى صدرها .. ) الطالبة الجامعية .. مركونة على الرف أنتظر على باب الله ، والسنين تمضي والشباب عمره قصير ، وكل ذنبي أني لست جميلة كأني أنا من خلقت نفسي . لو كنت بيضاء وشعري أشقر لتكالب حولي العرسان دونما أي اهتمام لمحتواي .. أي تفاهة هذه ، وأي سطحية التي عند شبابنا هذه الأيام ! تعرفين ، ماما .. أن ( عدنان ) جاء بالأساس لخطبتي ، وما أن شاهد ( رجاء ) تستعرض نفسها أمامه بثوبها الهفهاف القصير ، وبشكلها الغض الجميل ، وبقوامها الطويل الممشوق حتى انهار فجأةً ، وغير رأيه .. أخذ يتابعها بنظراته ، ويحوم حولها كما يحوم الغراب حول الجيفة .. ( تمتعض الأم من التشبيه .. ) لم أصدق عينيّ ، وأنا أراه يتمسح بها ككلب وفي لكسب ودها ، ويتلهف شوقاً لرؤيتها كلما زارنا دون أدنى اعتبار لمشاعري .. كنت أعيش كابوساً حسبته لن ينتهي أبداً .. تصدقين ، ماما .. شعرت بغثيان عندما لمحته مرة ، وهو يبحلق مبهوراً بساقيها البيضاوين . ( تتوقف برهة ثم تواصل من خلال حلقها الجاف .. )
ثم بدأ الفصل الأخير من المهزلة السوداء حينما أخذ يتعجل الخلاص مني ، وإزاحتي عن طريقه كأني عثرة .. لم يصدق نفسه عندما استسلمتما أنتِ وأبي لرغبته ، وتحولت الخطبة مني الى أختي رجاء .. كأني مجرد سبية في سوق النخاسة من حق الزبون أن يختار ويفحص ويستبدل البضاعة متى شاء ، ولا كأني بشر لي مشاعري وأحاسيسي وكرامتي . ألم يدرك هذا الأخرق مقدار الألم والمهانة التي يمكن أن يسببها من يتقدم لفتاة ، ثم ينصرف عنها الى أخرى ، والطامة عندما تكون الأخرى شقيقتها ؟! ماذا سأقول لصديقاتي ، وزميلاتي في الكلية ، والجيران ، وهم يعلمون بأني كنت المعنية بالخطبة ؟ يا للعار .. ! أووف .. ما هذا النحس البغيض ، يا ربي ؟! ( تسحب منديلاً ورقياً وتمسح دموعها .. )
— اللي ما يعرفك ، بنتي يجهلك .. سيأتيك من يقدر قيمتك .. أنا واثقة من ذلك .. لا يمكن الحكم على الأنسان من مظهره ، فالمظاهر خداعة .. أنتِ زينة فتيات الحي كله .. جمالك الحقيقي ، حبيبتي .. يكمن في روحك الحلوة ، وطيبتك ، وخفة دمك ، ونفسك الكريمة ، وذكاءك .
— ماما ، أرجوكِ لا تعطيني أمل زائف .. لا أعتقد أن شيئاً سيتغير ، وتوقفي عن ترديد اسطوانة الشعراء الحالمين المعادة هذه ، لأنها لا تنفع معي .. قولي لي بربك ؟ ماذا سيستفيد الزوج في لحظات الرغبة من روحي الحلوة ، وطيبتي ، وخفة دمي .. الخ الخ .. ها .. أجيبي ، ماما .. أجيبي ؟ ( تجهش باكية ثانيةً وبحرقة .. )
تتنهد الأم وتطلق حسرة ، ثم ترد محتارة بصوت غاية في الحزن :
— لا أدري بنتي .. الذي أعرفه أني ولدتكِ ولم أخلقكِ .. لو كان الأمر بيدي لجعلت منك أجمل ما في الكون .. إرحميني ، وكفاكِ تعذيباً لنفسك .
— ماله عمو ( صالح ) ، ماما .. المتزوج من فرنسية منذ عشرين سنة ، والتي لا تمت الى الجمال بأية صلة لا من قريب ولا من بعيد ، لكنه سعيد معها ومرتاح ، لماذا ؟ لأن الأوربيين ، ومن تثقف بثقافتهم لا يفضلون الشكل على المضمون ، أما نحن فكل شيء عندنا معكوس .. سبحان الله !
تهدأ قليلاً بعد أن أفرغت كل شحنة الغضب التي كادت أن تكتم على أنفاسها ، وتسترد شيئاً من هدوئها .. تبتعد رويداً سحابة الحزن القاتمة الجاثمة على صدرها ، وتستسلم لقدرها ، إذ لم يكن ثمة خيار آخر أمامها .. تلوح ابتسامة معذبة على شفتيها ، ثم تقول في رقة مفاجئة :
— خلاص ، ماما .. كفاكِ شفقة علي ، وعزاء لي .. سأتحمل من الآن مسؤولية نفسي ، وأترك نصيبي - إن كان لي نصيب - الى الاقدار لتفعل بي ما تشاء .. اطمئني لن أقتل نفسي ، فأنا أحبها رغم كل ذلك ، وأُبشركِ لترتاحي من صداعي .. بدأت رؤيتي للحياة تتغير .. منذ فترة وأنا أفكر في حالي . لقد حددت طريقي ، وأنا عازمة على المضي فيه مهما كانت الصعاب . اخترت العلم خير شريك لحياتي .. شريك عاقل مؤدب غني مقتدر .. يطلبني وأطلبه .. لا يبصبص ولا يخون ولا يغدر ولا ولا !
تجيبها أمها بنبرة صادقة :
— أنا أدعو لك في كل صلاة أن ينور الله طريقك ، ويوفقك في مسعاكِ ، يا رب !
تغادر وهي ترفع يديها الى السماء ، وتتمتم بأدعية تدعو لابنتها بالنجاح ، وبأبن الحلال . يستقبلها زوجها ، وهو أشد قلقا وألما على ابنته الأقرب الى قلبه .. يهمس في لهفة :
— كيف حالها ؟ طمنيني ..
— شيء محزن .. الذنب ذنبك حين سايرت عدنان ، وجرجرتني وراءك .. لا أدري لم طاوعتك ؟ لِمَ لم نطرده ونحرمه من كلتيهما بدل الخنوع له كأنه الرجل الوحيد في هذا العالم ؟
حرك رأسه يمينا وشمالاً ثم قال في أسف :
— لا حول ولا قوة إلا بالله ، ماذا تريديني أن أفعل ، يا مرة ، وانا عندي ( يرفع كفه في وجهها ، ويفرد أصابعه .. ) خمسة .. أتسمعين .. خمسة .. اذا أنتظر حتى تتزوج عبير معناها أحكم عليهن جميعا بالعنوسة .. أتدرين كم عريس رفضت ؟ كثير .. لا تعدي .. حتى استيقظنا أخيراً على النطيحة والمتردية .. سعدي سكير ، مازن شحاذ ، حكيم فاشل ، ولا ندري ما الذي سيكونه عدنان ؟ كان المفروض أن تُبلغي بناتك أن لا يخرجن بوجود هذا الفاسق المتقلب ، ماذا أفعل ، بربك ؟ هل هي سلعة حتى أضيفها فوق البيعة ؟ ماذا ستفعلين لو كنتِ في مكاني ؟
قالت شاردة كأنها تحادث نفسها :
— لا أدري .. أنا مثلك محتارة ، لكن لا تلقي كل اللوم على الازواج .. بناتك أيضاً مغرورات بجمالهن ، متأففات ، سليطات ، مبذرات ، وماذا كانت النتيجة ؟ مروة مطلقة ، وسلوى في الطريق . ( تتنهد بعمق .. ) صدق من قال : هَمْ البنات للممات .. !
وتمر الأيام .. !
تولي ( رجاء ) ظهرها لزوجها وتمضي .. يجري وراءها ويسحبها من يدها :
— الى أين أنتِ ذاهبة ؟ لم نُكمل نقاشنا بعد ..
— لا رغبة عندي في مناقشة موضوع مفروغ منه .. لا بيدي ولا بيدك .. أتركها على الله ..
— كيف أتركها على الله ، وقد إنقضى ما يقارب العام على زواجنا وأنتِ لم تحبلي . أريد أن أعرف السبب .. منكِ أم مني ؟ ليرتاح قلبي ، لم لا نحلل ونحسم الأمر ؟ تقبل رجاء التحدي ، وتجري الفحوصات والتحاليل . تؤكد الدكتورة سلامتها ، وأن لا مانع من الحمل ، ثم تطلب من الزوج أن يأتي لاجراء تحليل الذكورة ، وهنا تقع المفاجأة الصادمة التي لم يكن عدنان يتوقعها عندما أكدت النتيجة ضعف القدرة الإنجابية عنده الى مستويات ميؤوس منها !
تذهب رجاء الى بيت أهلها باكية .. ترتمي تحت قدمي والدها .. تلثم يده متوسلة أن يخلصها من هذا الزوج العقيم .. يتنحنح ويقول : هذا نصيبك .. أنتِ من اخترتيه .. لم نفرضه عليكِ .. تحملي تبعات اختيارك .. يكفينا مطلقة واحدة .
تهرع الى أمها تترجاها أن تضغط على أبيها ليطلقها من زوجها ، فهي تفضل أن تعيش العمر كله في بيت أبيها خدامة على أن تقضي يوم واحد في بيت عدنان .. تقول الأم : هل الزواج لعبة ، يا بنت ؟ متى ما شبعتي منها ترمينها في الزبالة ، ثم ما ذنبه إن كان عقيماً ؟ هذه أمور خارج إرادة البشر .. تصوري الحالة معكوسة ، فهل تقبلين بأن يطلقك لهذا السبب ؟ إعقلي ، يا بنتي .. هذا قدرك ، وهذا نصيبك .. زمان .. كان الأزواج يفعلون بنا الأفاعيل ، ونحن صامتات ، صابرات ، راضيات بحكم القدر مهما كان دون اعتراض .. ترد رجاء مغتاظة : هل مقدر علي ، ماما أن أبقى للأبد بوزي ببوزه .. محرومة من الخلفة .. زينة الحياة ؟ يا ويلي ! ( تدمع عينيها .. ) .
بعد وقت قصير .. تعود عبير من الجم ، وهي تحمل حقيبة رياضية صغيرة على كتفها ، وترتدي السويتر ، وحذاء الاديداس .. تتفاجأ بوجود أختها ، كما تتفاجأ رجاء بهيئة أختها الجديدة . بدت رشيقة ، خفيفة الحركة ، واكتسى لونها شيئاً من الحمرة أضفت على بشرتها الحنطية لونا ورديا جذاباً .. تتبادل الاخوات القبلات بود بارد .. تجلس عبير قليلاً .. مجاملةً لتستمع الى كلام أختها عن ما سمتها بمأساتها مع زوجها .. تشم في سردها رائحة الندم المتأخر ، و وخزة خفيفة من تأنيب الضمير .. تود لو تنتهي أختها بسرعة حتى تنصرف الى غرفتها الصغيرة .. الى عالمها الهادئ المسالم .. لم تطيق الثرثرة الفارغة .. تستأذن فجأةً : حان وقت الدراسة .. مناقشة رسالة الماجستير على الأبواب .. أعذروني ، وتغادر .
يطفح قلب عبير بالسعادة والرضى ، وهي تقوم بتوزيع بطاقات الدعوة على الأهل والأقارب والأصدقاء ، والمهتمين بعلم الاجتماع لمناقشة بحثها على درجة الماجستير .. الموسوم : ( إشكالية الاختيار الخاطئ للزوجة ، أو للزوج في مجتمعنا العراقي المعاصر ) .. !!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راشيل .. ! ( قصة قصيرة )
- يد القدر الثقيلة .. ! ( قصة قصيرة )
- عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
- أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة عناق .. ! ( قصة قصيرة )
- نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )
- البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )
- استفاقة متأخرة .. ! ( قصة قصيرة )
- زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )
- حكايتي مع الخدامة .. ! ( قصة قصيرة )
- ثمن الاندماج في الحياة الأمريكية .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - هَمْ البنات للممات .. ! ( قصة قصيرة )